رود
30-05-2012, 09:59 AM
الأزمنة والأمكنة
2012/05/29 07:40 م
http://alwatan.kuwait.tt/resources/media/images/2012/5/206758_e.png
صور من حياة الشاعر الكويتي راشد السيف
الشاعر الكويتي راشد السيف من شعراء الكويت البارزين،
انطلقت أشعاره – على الأخص – خلال عقدي الأربعينيات
والخمسينيات من القرن الماضي، وكان يملأ المحافل بقصائده،
ويشارك الناس في كل المناسبات، ويراسل زملاءه من الشعراء
بقصائده ذات الطابع المميز.
كان الأستاذ راشد السيف ناظر أول مدرسة نظامية ألحقت للدراسة
بها، وهي المدرسة الأحمدية، ثم بعد مضي وقت طويل صارت لي
به علاقة قوية هي علاقة التلميذ بأستاذه واستمرت الصلة بيننا لم
تنقطع إلا بوفاته رحمه الله.
ووفاء لهذا الرجل، ولأنه يستحق من أبناء وطنه الاهتمام فإنني
سعيت إلى إبراز ذكره في أوراق سابقة كتبتها وأجد من المناسب
في هذا الوقت أن استعيدها، ومن ثم أقوم بعرضها هنا حتى يطلع
عليها من لم يتمكن من ذلك.
وأود أن أشير – في البداية – إلى أن الأمل لايزال قائماً في نفوس
محبي هذا الشاعر بطباعة شعره كاملا بعد أن قدمنا منه بعض
النصوص التي لا تكفي للدلالة على ما لدى شاعرنا من إمكانات
شعرية جيدة.
هذا ومما يجعل الأمر سهلا وجود إنتاجه كاملا لدى ولده الأخ
عبدالله راشد السيف الذي يحرص على إحياء ذكرى والده في كل
سانحة، ويحتفظ بما كتبه الوالد بخطه الجميل. وأظن أننا سوف لا
نعدم في هذا الوطن من يلبي هذه الرغبة التي صارت أملاً طال
انتظاره.
وينبغي أن نذكر هنا أن شعر راشد السيف يحتوي على قصائد تدل
على أحداث مرت بالبلاد، وهو من هذه الناحية نوع من التسجيل
التاريخي المهم الذي ينبغي أن يدفع بمن لديهم الاهتمام إلى طبعه
ونشره.
٭٭٭
هذه هي سنة 1900م، وفيها ولد الشاعر راشد السيف. وهي سنة
مليئة بالأحداث المستمرَّة منذ أطلَّتْ سنة 1896م وتولى حكم
الكويت الشيخ مبارك الصباح. ولم تمض على ولادة شاعرنا سنة
حتى اهتزت البلاد بمعركة الصريف ونتائجها. وقد توفي في سنة
مولده الشاعر الكبير عبدالله محمد الفرج وهو ذائع الصيت في
مجالات الشعر النبطي والفصيح، وفي الموسيقى.
كما كان من أهم أحداث السنوات الأولى للشاعر السيف زيارة
اللورد كيرزون حاكم الهند، ونائب الملك البريطاني بها للكويت،
وما تبع ذلك من احتفالات ومباحثات.
لقد نما الشاعر راشد السيف في هذا الجو، فكأنه كان مع الأحداث
على ميعاد.
نشأ الشاعر في ظل الظروف التي أشرنا إليها، وعلى الرغم من
ذلك فإنه قد وجد من والديه اهتماما بتعليمه لما وجداه لديه من
استعداد لذلك.
وكان أن بدأ دراسته في الكتاتيب المعروفة في الكويت آنذاك ومنها
كُتَّاب السيد عبدالوهاب الحنيان، ثم اتجه إلى علماء عصره عندما
أحس بتقدمه الدراسي، لذا رأيناه يقبل على دروس العلامة الشهير
الشيخ عبدالله الخلف الدحيان معلم الكثيرين من علماء الكويت
وأدبائها.
ولم يكتف بهذا العالم الجليل فدرس على يد الشيخ محمد العباسي
الذي وصفه شاعرنا بأنه أستاذه الكبير والمحدث القدير. ثم على
يد الشيخ عبدالمحسن البابطين. ويضاف إلى هذا اهتمامه
الشخصي بالقراءة والاطلاع.
ثم بدأ صاحبنا بالعمل، وكانت الظروف هي التي تحكم طبيعته.
ولذلك فإنه عندما وصل إلى مرحلة الشباب اتجه إلى طريق أمثاله
من الشباب فانضم إلى رحلات الغوص التي لم يتخلف كويتي عن
الالتحاق بها إلا ما ندر، وكان في ذلك الوقت قد بدأ في نظم الشعر.
وفي إحدى الرحلات وكانت في سنة 1930م قال قصيدة رد بها
على رسالة وردته من الشيخ أحمد الخميس، وقال في مقدمتها:
«جواب كتاب حوى نثراً ونظماً من الشيخ أحمد الخميس وأنا في
الغوص أقول فيه ما يأتي من بلدة دارين:
إليكم سلاما لا يُحدُّ وإنكم
مدى العمر لم يبرح على البال ذكركمْ
سكنتم فؤادي فاستقل عن الورى
وآلى يمينا لا يميل لغيركمْ
كان ذلك حديث عمله في البحر، أما على اليابسة فكان له عملان،
أحدهما: أنه كان إماما وخطيبا في مسجد الخالد القائم حاليا على
شارع الخليج العربي، وهو من أقدم مساجد الكويت، حيث بني فيما
بين سنتي 1818م و1819م، أما العمل الثاني فهو التدريس الذي
أقبل عليه إقبالا شديدا. محلقا فيه. وكان راشد السيف مواظبا على
أداء عمليه هذين لا يشغله عنهما أي عمل آخر فقد كان ذا مقدرة
على تنظيم وقته وعمله بحيث لا يحدث تضارب عند أدائه لأي من
العملين اللذين ذكرناهما.
كانت مهنة التعليم من أحب المهن إلى قلب الشاعر راشد السيف،
فهي المهنة التي قضى فيها شطرا كبيرا من حياته وانطبع شعره
بقيمتها وما تنطوى عليه من جدوى للوطن والمواطنين، وما تضم
من أنشطة متعددة ذات أبعاد إنسانية كبيرة، ولقد كانت الروح
الشاعرة التي تهيمن على هذا الرجل سببا من أسباب تعلقه بالتعليم
لأنه وجد في تربية النشء وبراءة الأطفال والنمو المعرفي الذي
يدفعهم إليه هدفا نبيلا جديراً بالاهتمام.
ارتبط اسم راشد السيف بالمدرسة الأحمدية حيث كان ناظرا لها
منذ بداية الأربعينيات وترك فيها آثارا معروفة، وله تلاميذ لا
يزالون يذكرونه وهو يؤدي واجبه التربوي في هذه المدرسة
العريقة. وهناك بعض الصور والآثار التي تحكي جزءا من حياته
التعليمية آنذاك. وهو وإن انتقل من هذه المدرسة فإن اسمه بقي
معها في أذهان الجميع، فلقد أمضى في سلك التدريس ما يقرب من
ست وأربعين سنة وكان آخر مدرسة عمل فيها مدرسا هي مدرسة
الخليل بن أحمد في منطقة كيفان. وكان قد وصل إلى مرحلة من
العمر يصعب عليه خلالها تولي النظارة كما كان في بداية حياته.
وفي اليوم السابع والعشرين من شهر مايو لسنة 1969م قدم طلبا
بإحالته إلى التقاعد، فتم تحقيق طلبه، حيث ركن إلى الراحة،
واهتم بمراجعة ما كتب من أشعار خلال حياته الماضية.
وعلى الرغم من دأب شاعرنا وجده في عمله، وعلاقاته الطيبة
بالناس فإن حياته لم تكن تخلو من منغصات، وكأنما كانت الأمور
التي أشرنا إلى حدوثها منذ ولادته قد أرضعته ذلك، فصار يتلقى
الكثير من المضايقات من كل نوع، إضافة إلى حساسيته بصفته
شاعرا رقيقا ينظر إلى الحياة بمنظار من يريدها زاهية على كل
حال.
ولقد مرت عليه مشكلات كثيرة سببها تمسكه برأيه، وكان من ذلك
ما تعرض له من أذى على يد دائرة الأوقاف العامة التي رغبت في
استملاك سكنه الخاص لضمه إلى مسجد البدر الواقع في منطقة
القبلة، وقد قال قصيدة في هذا الموضوع منها قوله:-
أمغصوب إذن بيتي
وهل للغصب من عُذر
أتى في الدين تحذير
ولكن أين من يدري
وضمن شعره قصائد كثيرة تنم عن مكنون نفسه التي تحملت
الصعاب من عدد من الناس، ومن زفراته الحارة قصيدة بعنوان
(سهام) قدم لها بقوله: «إلى من لا أخلاق لهم ولا شرف من أكلة
لحوم الأبرياء» ومنها:-
لقد نصب السهام لنا قباح
فأثخن مهجتي منها الجراحُ
وقد جرحوا العواطف فاشمأزتْ
نفوس لا تُذلّلها الرماحُ
وماذا الآن عن المدرسة الأحمدية التي قضى فيها راشد السيف
شطراً كبيراً من حياته العملية؟
إنَّها المدرسة النظامية الثانية في الكويت، وكانت المدرسة الأولى
هي المباركية. وقد كانت لنشأتها حكاية تروى. إذ إن المدرسة
الأولى لم تعد كافية في ظل تزايد الحاجة إلى التعليم وتكاثر عدد
الطلاب وفي ظل الرغبة في التجديد بما في ذلك إدخال بعض العلوم
الحديثة التي لم تكن المدرسة الأولى تقدمها.
كما حدث سابقاً فقد حدث لقاء مماثل للقاء الذي تمخضت عنه
المدرسة الأولى، وكان ذلك في ديوانية السيد خلف النقيب،
ومجلسه يضم عادة عدداً من رجال الكويت يتداولون في مختلف
الشؤون، وهنا أثار الشيخ يوسف بن عيسى موضوعاً جديداً
عليهم. إذ لاحظ أن الناس لم يكونوا مهتمين بتعليم أبنائهم اللغة
الإنجليزية والعلوم، وأكد أنه حاول تطوير التعليم في المدرسة
المباركية بحيث يشمل هاتين المادتين، وذلك بناء على رغبة أمير
البلاد الشيخ أحمد الجابر الصباح، ولكنه وجد ممانعة من الأهالي.
فاقترح في هذه الجلسة أحد حضورها وهو الشيخ عبدالعزيز
الرشيد أن تؤسس مدرسة جديدة تقدم فيها المواد المطلوبة دون
الاختلاف مع أهالي طلاب المدرسة المباركية. فتم الاتفاق على ذلك
آنذاك، وبدأ الاكتتاب من أجل إنشاء المدرسة الجديدة التي سميت
«المدرسة الأحمدية للناشئة الوطنية» وعندما بدأت الدراسة بها
تم الاكتفاء بالقسم الأول من الاسم فصار «المدرسة الأحمدية».
تولى المرحوم سلطان إبراهيم الكليب – وكان أحد الحاضرين –
مهمة جمع التبرعات. وقام الشيخ يوسف بن عيسى بإطلاع الشيخ
أحمد الجابر على ما تم في هذا الخصوص، فأيد المشروع، وتبرع
بمبلغ ألفي روبية سنوياً، وتبرع عدد من أهل الكويت بمبالغ
وصلت إلى ثلاثة عشر ألف روبية يتم تحصيلها سنوياً.
وقد وجد هؤلاء مقراً للبدء السريع بافتتاح المدرسة وهو المقر
الذي كانت الجمعية الخيرية تستخدمه وقتما كانت قائمة، وهو على
ساحل البحر، يملكه آل خالد الذين تبرعوا به للمدرسة. إضافة إلى
ذلك فإن الشيخ أحمد الجابر أبدى موافقته على إنشاء مبنى آخر
يقابل المبنى الذي أشرنا إليه ويكون على ساحل البحر مباشرة،
فصار لهذه المدرسة مبنيان يفصل بينهما طريق يمتد شرقا
وغربا.
ولما كانت مسألة إدخال المواد الدراسية الحديثة موضع خلاف في
المجتمع، فقد حرص الشيخ أحمد الجابر على بحث هذا الأمر
مباشرة مع الناس، فدعا في اليوم الرابع عشر من شهر مايو
لسنة 1921م إلى اجتماع حضره عدد من كبار رجال البلاد وأهل
الدراية فيها لبحث موضوع منهج الدراسة المقترح للمدرسة
الأحمدية.
وقد عرض الشيخ يوسف في هذا الاجتماع نظام المدرسة
ومنهجها الدراسي الذي يحتوي على دراسة اللغة الإنجليزية
والجغرافيا والخطابة إضافة إلى مواد أخرى، وقد أيده في ذلك
الشيخ عبدالعزيز الرشيد، وعندما سأل الشيخ أحمد الجابر
الحاضرين عن موقفهم من المدرسة ومناهجها وافق عدد منهم،
وطلب عدد آخر مهلة للمراجعة. وسوف نعرف رد المجموعة
الأخيرة حين نرى المدرسة وهي تُفتتح في احتفال كبير قبل أن
ينتهي الشهر الذي تم فيه الاجتماع، وقد كانت في الاحتفال لفتة
لها اعتبارها إذ كان أبرز الخطباء فيه هو الشيخ عبدالله الخلف
الدحيان، الذي كان قدوة بين علماء الكويت قبل غيرهم.
كان للمدرسة الأحمدية مجلس إدارة يتكون من السادة:
مشاري الكليب،
ومشعان خالد الخضير،
وسلطان الكليب،
وعبدالرحمن النقيب،
وسيد علي بن سيد سليمان.
وكان ناظرها في البداية الشيخ يوسف بن عيسى، ثم تولى ذلك
الأستاذ عبدالملك الصالح وصار الشيخ يوسف مشرفا عليها
وعلى المدرسة المباركية في آن واحد.
كان الشيخ أحمد الجابر الصباح فخوراً بالمدرسة الجديدة يزورها
ويطلع على أنشطتها، ويُري زواره الذين يأتون من خارج البلاد ما
فيها من أعمال. وكانت المدرسة جديرة بهذا الاهتمام فقد أولت
المناهج المقررة عنايتها كما اعتنت بالنشاط المدرسي – ولا سيما
المسرحي منه – اعتناء شديداً لفت الأنظار إلى أهمية هذا النوع
من التعليم الذي يعبر عن أهدافه بطرق جديدة لم تكن مألوفة،
ويقدم علوما كانت دراستها غير مرضي عنها من قبل.
قام بالتدريس في هذه المدرسة عند بدايتها
الشيخ عبدالعزيز الرشيد
والشيخ أحمد الخميس
والشيخ حافظ وهبة
وحجي جاسم الحجي، مع مدرسين اثنين من مصر لتدريس اللغة
الانجليزية.
وعندما ازداد عدد الطلاب انضم إلى هيئة التدريس كل من:
الشيخ عبدالوهاب الفارس،
والشيخ عبدالله الفارس،
والشيخ عبدالله النوري،
والشاعر محمود شوقي الأيوبي،
وملا يوسف عبداللطيف العمر،
وملا عثمان عبداللطيف العثمان.
هذا وقد كان اجتماع التأسيس الذي أشرنا إليه هنا قد تم بناد على
اجتماع سابق له، دعا إليه الشيخ أحمد الجابر الصباح بهذا
الخصوص، وتم في اليوم الرابع عشر من شهر مايو لسنة 1921
. وقد ذكرنا ذلك قبل قليل.
٭٭٭
مرت بالشاعر راشد السيف – كما رأينا فيما سبق – ظروف
عصيبة جعلته يعبّر عنها في بعض قصائده. ومن تلك المصاعب ما
ذكرنا أنه حدث له مع دائرة الأوقاف العامة حينما أصرت على
استملاك مسكنه وضمه إلى مسجد البدر الكائن في الحي القبلي.
وقد قال في ذلك أكثر من قصيدة:-
مجلس الأوقاف منّي لم يكن
يقبل العذر لصدق أو كذِبْ
ليته فكر في آرائه
قبل إشعاري بحكم لم يجبْ
غير أن ما يلفت النظر أننا نراه يعبر أحيانا عن آلام ناتجة عن
أمور غير منظورة إذ إنه لم يكن يوضحها لمستمعي شعره، ومن
ذلك قوله:-
ولكنَّ دهري أعقب الطين بلة
بغارته الشعواء وهو عجيبُ
يخادعني طوراً وطوراً يصُدَّني
بما هو أقوى، ما عليه رقيبُ
وعلى الرغم من كل الصعاب التي مرت بشاعرنا فإنه لم يستسلم
للاكتتاب، ولم يتأخر عن القيام بدوره بصفته إنسانا، وبصفته
شاعراً.
فعلى المستوى الإنساني، كان قوي العلاقات بالناس كثير الاتصال
بهم، وفي شعره الكثير مما يدل على ذلك، فالأسماء المذكورة
ضمن قصائده كثيرة تدل في حد ذاتها على كثرة صلاته وعمق
ارتباطه بغيره. والثناء الذي يقدمه في بعض تلك القصائد لمن
يستحق دليل على سروره بكل ما يستجد في مجتمعه. ها هو يفرح
بالفنان معجب الدوسري فيقدم له قصيدة يثني فيها على فنه
الجميل، وينشرح صدره لقيام الموسم الثقافي في الكويت فيكتب
قصيدة مؤازرة. ويخاطب الشيخ عبدالله الخلف الدحيان مذكراً، بما
يتمتع به من علم وخلق متين. ويذكر كثيراً بعض آل الصقر الكرام،
معدداً مناقبهم. وهكذا…
وله قصائد وطنية عديدة منها تحية العلم التي يقول فيها:-
رمز الحياة فرفرف أيها العلم
للشعب إن يديك السيف والقلم
كراية من دم الأجداد يرفعها
من يطلب الثأر في الأعداء يقتحِمُ
أما أغانيه العربية فقد كانت كثيرة تبدأ من الثورة الليبية التي هبت
في طرابلس إبان سنة 1926م وتنتهي بالترحيب بتأميم قناة
السويس مروراً بالدعوة إلى الاتحاد والابتهاج بدولة الوحدة،
وتأييد المغرب في ثورته.
٭٭٭
كان التعليم من أهم ما عني به راشد السيف ولا عجب في ذلك فقد
أمضى حياته معلماً، وقد انطبع الكثير من شعره بطابع هذه المهنة،
وله عدد كبير من القصائد المتعلقة بها. له قصيدة في حفل توزيع
الشهادات على خريجي المرحلة الابتدائية ألقاها في اليوم العشرين
من شهر نوفمبر لسنة 1962 في المدرسة المباركية، وله قصيدة
ينوه فيها بمعرض للأشغال النسوية للطالبات، وقصيدة في التنويه
بمكانة المعلم، ودعوة إلى طلب العلم وغير ذلك مما يتعلق بالتربية
من ضرورة العناية بالشباب وتوجيههم الوجهة الصالحة، وحثهم
في قصيدة أخرى على التمسك بالأخلاق الكريمة.
أما الشعر فهو يطاول التعليم منزلة في ذهن راشد السيف،
وله تعبير صادق عن هذا الشأن حين تحدث عن رأيه فيه فقال:-
وما الشعر إلا وحي روح تأثرت
بما حولها من ذكر ماضٍ وحاضر
وما الشعر إلا زفرة عن تأوّه
يضيق بها عن باطن الصدر ظاهري
ومن اهتمامه بالشعر مشاركته في كل محفل، وحرصه على إلقاء
قصيدة في كل مناسبة. ونشر أخرى إذا لم تتح له فرصة الإلقاء،
وكم من حفل من الاحتفالات التي كانت تقام خلال الأربعينيات
والخمسينيات من القرن الماضي لم ينته إلا بقصيدة لهذا الشاعر
المشارك في كل الأحداث.
ومما يتعلق بذلك علاقاته الطيبة والمستمرة مع شعراء عصره.
ومن هؤلاء الشاعر صقر الشبيب الذي كتب له شاعرنا أكثر من
قصيدة منها واحدة بتاريخ الرابع عشر من شهر أبريل لسنة
1930م، وهي تحمل تهنئة بزواج الشبيب.
ومنهم الشاعر فهد العسكر الذي عثرنا عنه في أشعار السيف على
قصيدة تحوي من الممازحة أكثر مما تحوي من الاعتذار، وهي
دليل على قوة العلاقة بين الشاعرين. كما أن راشد السيف قد
شارك في رثاء الشاعر العسكر عندما توفي في سنة 1951م،
فقال قصيدة عنوانها «دمعة حمراء» نشرت في عدد مجلة البعثة
الصادر في شهر ديسمبر للسنة ذاتها.
أما الشاعر محمود شوقي الأيوبي فقد تلقى من السيف قصيدة
كتبها في اليوم الثاني عشر من شهر أكتوبر لسنة 1948 تحدث
فيها عن المبادئ العربية التي تربط بين الشاعرين، وتدفعهما إلى
التطلع نحو مستقبل أفضل لأمتهما.
٭٭٭
والشاعر داود سليمان الجراح من الشعراء الذين كانت صلتهم جد
قوية براشد السيف، وكانت القصائد التي اطلعنا عليها دليلا على
ذلك. فهو يهنئ صاحبه بمولد ابنه عبدالله بقصيدة تنم عن عاطفة
ومحبة صادقتين وفرحة يشارك فيها صاحبه، وهو يهنئه كذلك
بمولد ابنته فاطمة. ولكنه يعبر عن الحزن الشديد لوفاة الشاعر
داود الجراح فيقول:-
ألاقي ما ألاقيه
فأنسى غير طاغيه
إذا ما انهدّ لي عزم
فعذري فوق ساميه
ولقد ثبت في أوراق الشاعر راشد السيف مدى ما يكنُّ لصاحبه
(الجراح) من تقدير ومودة ويكفي أنه يقول في صدر إحدى
قصائده: «أقدم هذه العجالة إلى الأديب الألمعي، والأريب
اللوذعي، صديقنا النجيب داود الجراح، حفظه الله، آمين».
هذا وقد لاحظنا أن من القصائد التي مرَّ بنا ذكرها قصيدة قالها في
سنة 1930م، وليست فيما نَظُن من أوائل قصائده، يدلنا على ذلك
طبيعة موضوعها والشخص الموجهة إليه، فهي تهنئة للشاعر
صقر الشبيب في يوم زواجه.
نقول ههذا لنؤكد المدة الطويلة التي أمضاها راشد السيف وهو
يقول الشعر ويعبر فيه عن خلجات نفسه، ويصور خلاله أحداث
وطنه الكويت، ويستحث الشباب إلى المسارعة في خدمة الوطن
والتقدم في مضمار العلم، الذي بذل في ميدانه عمره كله، فقد
استمر معلما – كما قلنا فيما سبق – حتى اليوم السابع والعشرين
من شهر مايو لسنة 1969م، ولم يبق بعدها إلا قليلا حتى انتقل
إلى رحمة الله مأسوفا عليه من الجميع. وفي هذه اللحظة كتب
الأستاذ أحمد البشر الرومي في أوراقه الخاصة قائلاً: -
« توفي راشد السيف فجر يوم الأربعاء بتاريخ 1972/12/31م
وشُيع جُثمانه في الساعة الرابعة من مساء يوم الأربعاء نفسه»
وانطفأ بموته سراج كان متقداً بنور الشعر، وقد كان غزيراً في
مادته قوياً في سبكه، وعلى الرغم من إكثاره وتنوع موضوعاته
وخوضه في كل مناسبة من مناسبات الحياة على اختلاف نواحيها
فإننا نجد فيه تمكنا من لغته العربية ونرى فيه سلامة من الخطأ
النحوي والمعنوي، وقدرة على التَّفنن في التعبير مما يدل على
استعداد فطري سليم، واطلاع واسع وقراءات متعددة فتحت له
مجال القول دون ارتكاب أخطاء، أو وقوع في ذلك الذي يعيب شعر
بعض الشعراء .
٭٭٭
هذا هو راشد السيف، وقد كان ينبغي أن نطيل في الحديث عنه
لولا ضيق المجال، فعمره المديد وخدمته لوطنه، وشعره الغزير،
وكونه مدرسا خرَّج أجيالا من التلامذة كلها تستدعي الإفاضة في
الكتابة عنه وذكر مآثره. ولعل مستقبل الأيام هو الذي يتيح لنا –
مرة أخرى – أن نعيد القول عنه، حتى نوفيه حقه علينا، وعلى
وطنه.
=============
ملحاق خير:-
بناءً على ما شاهدناه في تتبع حياة راشد السيف وشعره، وما
وجدناه في ثنايا هذا الشعر من اهتمامات كثيرة بعضها بالمسائل
الوطنية والبعض بالمسائل التربوية والآخر بالمسائل الاجتماعية؛
فإننا نجد شاعرا حبه للكويت لا ينكر، واهتمامه بالنواحي الثلاث
التي ذكرناها من أوضح ما نراه في قصائده.
ولذلك فقد كررنا ضرورة الاهتمام به وبشعره فإن في بعض
القصائد دلائل تاريخية مهمة يستفاد بها عند توثيق تاريخ الكويت
الذي ينبغي أن نعتني بكتابته على الوجه الأمثل، بعد أن مضت
السنون وهو يتعرض للنسيان.
ومن الأمور التي ذكرها راشد السيف ضمن قصيدة من قصائده
الأمطار التي هطلت على الكويت في أواخر سنة 1954م، وقد
كانت غزيرة بحيث هدمت البيوت، وتعرض السكان بسببها إلى
كارثة حقيقية لولا قيام الحكومة والأهالي بالمسارعة إلى الإنقاذ.
وقد أشار الشاعر إلى أنه في الوقت الذي كان الناس يعانون فيه
من شدة الأمطار وقوة انهمارها، فكانوا يغادرون مساكنهم
المتضررة بذلك ويلجؤون إلى المدارس حيث يتم إيواؤهم؛ كان
أحد المنافقين (على حد قول راشد السيف) يحاول أن يشذ عن
حالة الناس فيسعى إلى إقامة حفل لاستقبال بعض رؤسائه ليتقرب
إليهم وينافقهم ضاربا عرض الحائط بمشاعر الواقعين في المحنة.
يقول:-
السُّحْبُ تُنذر بالبروق نشاطنا
لنزول ماء فوض أرض المحفلِ
سوء النتيجة لا يُشَكِّكُ عاقل
فيها لأن ظروفها لم تقبلِ
إن ارتجالك في الأمور يَدُلُّنا
حقا على الفشل الذريع الأعجل
إلى غير ذلك مما جاء في قصيدته من نقد لذلك الرجل الذي لم يقدر
ظروف الناس في ذلك الوقت ولا مشاعرهم.
ولما كان هطول الأمطار من الكوارث التي دفعت بالناس إلى
أحضان الحاجة فأصبحوا ينتظرون من يمد لهم العون فوجدوا ذلك
سريعا بسبب تعاون المجتمع كله حكومة وشعبا على تدارك الأمر،
فإنَّ هناك أمورا مشابهة لا يحلها إلا ما حدث من اهتمام بكارثة
الأمطار.
هناك عدد كبير من العمال الذين لا تفي مواردهم بحاجاتهم،
وتقصر رواتبهم عن الالتزامات التي تفرضها عليهم حياتهم
العائلية. فكان الأمر أن قامت دائرة بلدية الكويت في اليوم الخامس
عشر من شهر نوفمبر لسنة 1950م بمشروع قصدت به إعانة
العمال الذين وصفنا حالهم، إذ تفقدت هذه الدائرة شؤون هؤلاء
فوجدت فيهم شدة البؤس، والفقر المدقع، فكان مشروعها هو
الدعوة إلى جمع مبلغ من المال يوزع فيما بينهم للنهوض بأمور
حياتهم.
وقد ذكَّرنا الشاعر راشد السيف بهذه المهمة التي قامت بها دائرة
بلدية الكويت حين قال قصيدته حول هذا المشروع، وحث فيه
القادرين من الناس على البذل، وعدم إهمال ذوي الحاجة وفي ذلك
يقول:-
ما بالكم يا ولاة الأمر لم تقفوا
على الحقائق إذ آوى بها الخللُ
ما بالكم يا أباة الضيم يقعدكم
عنْا التقاعس والإهمال والكسلُ
ثم يقول:
لا تتركوا عاملا ضاقت مذاهبه
ولم يجد مسلكا للرزق يتصِلُ
لا يسأل الناس إنقاذا لفاقته
أوصى به الله والقرآن والرسُلُ
ويقول الشاعر تعليقا على قصيدته إن دائرة بلدية الكويت قد جمعت
من خلال مشروعها هذا مبلغا لا بأس به من المال جرى توزيعه
على المحتاجين عن طريق لجان شكلتها الدائرة المذكورة لهذا
الغرض النبيل الذي غطى جزءا مهما من حاجة الناس.
ومما ورد في شعر راشد السيف من تذكير ببعض ما حدث في
الكويت خلال خمسينيات القرن الماضي؛ زيارة الشيخ الجزائري
محمد البشير الابراهيمي، واحتفاء البلاد به بصفته زعيما دينيا
وسياسيا وداعية من دعاة تحرير الجزائر التي كانت تئن يوم
وصوله إلى هنا تحت وطأة الاستعمار الفرنسي البغيض، وقد كان
من مظاهر هذا الاحتفاء أن دعاه النادي الأهلي الكويتي إلى حفل
تكريم ألقى خلالها محاضرة شاملة. وألقى الشاعر راشد السيف
بعد ذلك قصيدة يمتدح بها الضيف ويذكر مناقبه وجهاده في سبيل
قضيته. ويمتدح في الوقت نفسه النادي الذي قام بهذه المبادرة،
فقال عن النادي:-
وقفت مع الإجلال موقف مُنصفٍ
يرى كلَّ فضل رغم عُمْي البصائر
وقد سرني قبل النطام تعاونٌ
وأخلاق أعضاء بنوع مُباشر
ويوجه حديثه للشيخ الإبراهيمي قائلا إن ما يقوله من شعر هو
بمثابة جهاد يقوم به في سبيل أمته لأنه يرى:-
وما الشعر إلا للشعوب محركٌ
لوْ استسلمت للجور عن حكم جائرِ
وما الشعر إلا موقظ نحو وثبة
إلى نهضة ترنو لها عينُ ناظرِ
وبعد؛ فهذه مجرد نماذج لما ورد في شعر السيف مما له علاقة بما
مَرَّ بالكويت من حوادث. وهناك الكثير مما يجب أن يذكر، ولكننا
نكتفي بهذا الذي قدمناه.
2012/05/29 07:40 م
http://alwatan.kuwait.tt/resources/media/images/2012/5/206758_e.png
صور من حياة الشاعر الكويتي راشد السيف
الشاعر الكويتي راشد السيف من شعراء الكويت البارزين،
انطلقت أشعاره – على الأخص – خلال عقدي الأربعينيات
والخمسينيات من القرن الماضي، وكان يملأ المحافل بقصائده،
ويشارك الناس في كل المناسبات، ويراسل زملاءه من الشعراء
بقصائده ذات الطابع المميز.
كان الأستاذ راشد السيف ناظر أول مدرسة نظامية ألحقت للدراسة
بها، وهي المدرسة الأحمدية، ثم بعد مضي وقت طويل صارت لي
به علاقة قوية هي علاقة التلميذ بأستاذه واستمرت الصلة بيننا لم
تنقطع إلا بوفاته رحمه الله.
ووفاء لهذا الرجل، ولأنه يستحق من أبناء وطنه الاهتمام فإنني
سعيت إلى إبراز ذكره في أوراق سابقة كتبتها وأجد من المناسب
في هذا الوقت أن استعيدها، ومن ثم أقوم بعرضها هنا حتى يطلع
عليها من لم يتمكن من ذلك.
وأود أن أشير – في البداية – إلى أن الأمل لايزال قائماً في نفوس
محبي هذا الشاعر بطباعة شعره كاملا بعد أن قدمنا منه بعض
النصوص التي لا تكفي للدلالة على ما لدى شاعرنا من إمكانات
شعرية جيدة.
هذا ومما يجعل الأمر سهلا وجود إنتاجه كاملا لدى ولده الأخ
عبدالله راشد السيف الذي يحرص على إحياء ذكرى والده في كل
سانحة، ويحتفظ بما كتبه الوالد بخطه الجميل. وأظن أننا سوف لا
نعدم في هذا الوطن من يلبي هذه الرغبة التي صارت أملاً طال
انتظاره.
وينبغي أن نذكر هنا أن شعر راشد السيف يحتوي على قصائد تدل
على أحداث مرت بالبلاد، وهو من هذه الناحية نوع من التسجيل
التاريخي المهم الذي ينبغي أن يدفع بمن لديهم الاهتمام إلى طبعه
ونشره.
٭٭٭
هذه هي سنة 1900م، وفيها ولد الشاعر راشد السيف. وهي سنة
مليئة بالأحداث المستمرَّة منذ أطلَّتْ سنة 1896م وتولى حكم
الكويت الشيخ مبارك الصباح. ولم تمض على ولادة شاعرنا سنة
حتى اهتزت البلاد بمعركة الصريف ونتائجها. وقد توفي في سنة
مولده الشاعر الكبير عبدالله محمد الفرج وهو ذائع الصيت في
مجالات الشعر النبطي والفصيح، وفي الموسيقى.
كما كان من أهم أحداث السنوات الأولى للشاعر السيف زيارة
اللورد كيرزون حاكم الهند، ونائب الملك البريطاني بها للكويت،
وما تبع ذلك من احتفالات ومباحثات.
لقد نما الشاعر راشد السيف في هذا الجو، فكأنه كان مع الأحداث
على ميعاد.
نشأ الشاعر في ظل الظروف التي أشرنا إليها، وعلى الرغم من
ذلك فإنه قد وجد من والديه اهتماما بتعليمه لما وجداه لديه من
استعداد لذلك.
وكان أن بدأ دراسته في الكتاتيب المعروفة في الكويت آنذاك ومنها
كُتَّاب السيد عبدالوهاب الحنيان، ثم اتجه إلى علماء عصره عندما
أحس بتقدمه الدراسي، لذا رأيناه يقبل على دروس العلامة الشهير
الشيخ عبدالله الخلف الدحيان معلم الكثيرين من علماء الكويت
وأدبائها.
ولم يكتف بهذا العالم الجليل فدرس على يد الشيخ محمد العباسي
الذي وصفه شاعرنا بأنه أستاذه الكبير والمحدث القدير. ثم على
يد الشيخ عبدالمحسن البابطين. ويضاف إلى هذا اهتمامه
الشخصي بالقراءة والاطلاع.
ثم بدأ صاحبنا بالعمل، وكانت الظروف هي التي تحكم طبيعته.
ولذلك فإنه عندما وصل إلى مرحلة الشباب اتجه إلى طريق أمثاله
من الشباب فانضم إلى رحلات الغوص التي لم يتخلف كويتي عن
الالتحاق بها إلا ما ندر، وكان في ذلك الوقت قد بدأ في نظم الشعر.
وفي إحدى الرحلات وكانت في سنة 1930م قال قصيدة رد بها
على رسالة وردته من الشيخ أحمد الخميس، وقال في مقدمتها:
«جواب كتاب حوى نثراً ونظماً من الشيخ أحمد الخميس وأنا في
الغوص أقول فيه ما يأتي من بلدة دارين:
إليكم سلاما لا يُحدُّ وإنكم
مدى العمر لم يبرح على البال ذكركمْ
سكنتم فؤادي فاستقل عن الورى
وآلى يمينا لا يميل لغيركمْ
كان ذلك حديث عمله في البحر، أما على اليابسة فكان له عملان،
أحدهما: أنه كان إماما وخطيبا في مسجد الخالد القائم حاليا على
شارع الخليج العربي، وهو من أقدم مساجد الكويت، حيث بني فيما
بين سنتي 1818م و1819م، أما العمل الثاني فهو التدريس الذي
أقبل عليه إقبالا شديدا. محلقا فيه. وكان راشد السيف مواظبا على
أداء عمليه هذين لا يشغله عنهما أي عمل آخر فقد كان ذا مقدرة
على تنظيم وقته وعمله بحيث لا يحدث تضارب عند أدائه لأي من
العملين اللذين ذكرناهما.
كانت مهنة التعليم من أحب المهن إلى قلب الشاعر راشد السيف،
فهي المهنة التي قضى فيها شطرا كبيرا من حياته وانطبع شعره
بقيمتها وما تنطوى عليه من جدوى للوطن والمواطنين، وما تضم
من أنشطة متعددة ذات أبعاد إنسانية كبيرة، ولقد كانت الروح
الشاعرة التي تهيمن على هذا الرجل سببا من أسباب تعلقه بالتعليم
لأنه وجد في تربية النشء وبراءة الأطفال والنمو المعرفي الذي
يدفعهم إليه هدفا نبيلا جديراً بالاهتمام.
ارتبط اسم راشد السيف بالمدرسة الأحمدية حيث كان ناظرا لها
منذ بداية الأربعينيات وترك فيها آثارا معروفة، وله تلاميذ لا
يزالون يذكرونه وهو يؤدي واجبه التربوي في هذه المدرسة
العريقة. وهناك بعض الصور والآثار التي تحكي جزءا من حياته
التعليمية آنذاك. وهو وإن انتقل من هذه المدرسة فإن اسمه بقي
معها في أذهان الجميع، فلقد أمضى في سلك التدريس ما يقرب من
ست وأربعين سنة وكان آخر مدرسة عمل فيها مدرسا هي مدرسة
الخليل بن أحمد في منطقة كيفان. وكان قد وصل إلى مرحلة من
العمر يصعب عليه خلالها تولي النظارة كما كان في بداية حياته.
وفي اليوم السابع والعشرين من شهر مايو لسنة 1969م قدم طلبا
بإحالته إلى التقاعد، فتم تحقيق طلبه، حيث ركن إلى الراحة،
واهتم بمراجعة ما كتب من أشعار خلال حياته الماضية.
وعلى الرغم من دأب شاعرنا وجده في عمله، وعلاقاته الطيبة
بالناس فإن حياته لم تكن تخلو من منغصات، وكأنما كانت الأمور
التي أشرنا إلى حدوثها منذ ولادته قد أرضعته ذلك، فصار يتلقى
الكثير من المضايقات من كل نوع، إضافة إلى حساسيته بصفته
شاعرا رقيقا ينظر إلى الحياة بمنظار من يريدها زاهية على كل
حال.
ولقد مرت عليه مشكلات كثيرة سببها تمسكه برأيه، وكان من ذلك
ما تعرض له من أذى على يد دائرة الأوقاف العامة التي رغبت في
استملاك سكنه الخاص لضمه إلى مسجد البدر الواقع في منطقة
القبلة، وقد قال قصيدة في هذا الموضوع منها قوله:-
أمغصوب إذن بيتي
وهل للغصب من عُذر
أتى في الدين تحذير
ولكن أين من يدري
وضمن شعره قصائد كثيرة تنم عن مكنون نفسه التي تحملت
الصعاب من عدد من الناس، ومن زفراته الحارة قصيدة بعنوان
(سهام) قدم لها بقوله: «إلى من لا أخلاق لهم ولا شرف من أكلة
لحوم الأبرياء» ومنها:-
لقد نصب السهام لنا قباح
فأثخن مهجتي منها الجراحُ
وقد جرحوا العواطف فاشمأزتْ
نفوس لا تُذلّلها الرماحُ
وماذا الآن عن المدرسة الأحمدية التي قضى فيها راشد السيف
شطراً كبيراً من حياته العملية؟
إنَّها المدرسة النظامية الثانية في الكويت، وكانت المدرسة الأولى
هي المباركية. وقد كانت لنشأتها حكاية تروى. إذ إن المدرسة
الأولى لم تعد كافية في ظل تزايد الحاجة إلى التعليم وتكاثر عدد
الطلاب وفي ظل الرغبة في التجديد بما في ذلك إدخال بعض العلوم
الحديثة التي لم تكن المدرسة الأولى تقدمها.
كما حدث سابقاً فقد حدث لقاء مماثل للقاء الذي تمخضت عنه
المدرسة الأولى، وكان ذلك في ديوانية السيد خلف النقيب،
ومجلسه يضم عادة عدداً من رجال الكويت يتداولون في مختلف
الشؤون، وهنا أثار الشيخ يوسف بن عيسى موضوعاً جديداً
عليهم. إذ لاحظ أن الناس لم يكونوا مهتمين بتعليم أبنائهم اللغة
الإنجليزية والعلوم، وأكد أنه حاول تطوير التعليم في المدرسة
المباركية بحيث يشمل هاتين المادتين، وذلك بناء على رغبة أمير
البلاد الشيخ أحمد الجابر الصباح، ولكنه وجد ممانعة من الأهالي.
فاقترح في هذه الجلسة أحد حضورها وهو الشيخ عبدالعزيز
الرشيد أن تؤسس مدرسة جديدة تقدم فيها المواد المطلوبة دون
الاختلاف مع أهالي طلاب المدرسة المباركية. فتم الاتفاق على ذلك
آنذاك، وبدأ الاكتتاب من أجل إنشاء المدرسة الجديدة التي سميت
«المدرسة الأحمدية للناشئة الوطنية» وعندما بدأت الدراسة بها
تم الاكتفاء بالقسم الأول من الاسم فصار «المدرسة الأحمدية».
تولى المرحوم سلطان إبراهيم الكليب – وكان أحد الحاضرين –
مهمة جمع التبرعات. وقام الشيخ يوسف بن عيسى بإطلاع الشيخ
أحمد الجابر على ما تم في هذا الخصوص، فأيد المشروع، وتبرع
بمبلغ ألفي روبية سنوياً، وتبرع عدد من أهل الكويت بمبالغ
وصلت إلى ثلاثة عشر ألف روبية يتم تحصيلها سنوياً.
وقد وجد هؤلاء مقراً للبدء السريع بافتتاح المدرسة وهو المقر
الذي كانت الجمعية الخيرية تستخدمه وقتما كانت قائمة، وهو على
ساحل البحر، يملكه آل خالد الذين تبرعوا به للمدرسة. إضافة إلى
ذلك فإن الشيخ أحمد الجابر أبدى موافقته على إنشاء مبنى آخر
يقابل المبنى الذي أشرنا إليه ويكون على ساحل البحر مباشرة،
فصار لهذه المدرسة مبنيان يفصل بينهما طريق يمتد شرقا
وغربا.
ولما كانت مسألة إدخال المواد الدراسية الحديثة موضع خلاف في
المجتمع، فقد حرص الشيخ أحمد الجابر على بحث هذا الأمر
مباشرة مع الناس، فدعا في اليوم الرابع عشر من شهر مايو
لسنة 1921م إلى اجتماع حضره عدد من كبار رجال البلاد وأهل
الدراية فيها لبحث موضوع منهج الدراسة المقترح للمدرسة
الأحمدية.
وقد عرض الشيخ يوسف في هذا الاجتماع نظام المدرسة
ومنهجها الدراسي الذي يحتوي على دراسة اللغة الإنجليزية
والجغرافيا والخطابة إضافة إلى مواد أخرى، وقد أيده في ذلك
الشيخ عبدالعزيز الرشيد، وعندما سأل الشيخ أحمد الجابر
الحاضرين عن موقفهم من المدرسة ومناهجها وافق عدد منهم،
وطلب عدد آخر مهلة للمراجعة. وسوف نعرف رد المجموعة
الأخيرة حين نرى المدرسة وهي تُفتتح في احتفال كبير قبل أن
ينتهي الشهر الذي تم فيه الاجتماع، وقد كانت في الاحتفال لفتة
لها اعتبارها إذ كان أبرز الخطباء فيه هو الشيخ عبدالله الخلف
الدحيان، الذي كان قدوة بين علماء الكويت قبل غيرهم.
كان للمدرسة الأحمدية مجلس إدارة يتكون من السادة:
مشاري الكليب،
ومشعان خالد الخضير،
وسلطان الكليب،
وعبدالرحمن النقيب،
وسيد علي بن سيد سليمان.
وكان ناظرها في البداية الشيخ يوسف بن عيسى، ثم تولى ذلك
الأستاذ عبدالملك الصالح وصار الشيخ يوسف مشرفا عليها
وعلى المدرسة المباركية في آن واحد.
كان الشيخ أحمد الجابر الصباح فخوراً بالمدرسة الجديدة يزورها
ويطلع على أنشطتها، ويُري زواره الذين يأتون من خارج البلاد ما
فيها من أعمال. وكانت المدرسة جديرة بهذا الاهتمام فقد أولت
المناهج المقررة عنايتها كما اعتنت بالنشاط المدرسي – ولا سيما
المسرحي منه – اعتناء شديداً لفت الأنظار إلى أهمية هذا النوع
من التعليم الذي يعبر عن أهدافه بطرق جديدة لم تكن مألوفة،
ويقدم علوما كانت دراستها غير مرضي عنها من قبل.
قام بالتدريس في هذه المدرسة عند بدايتها
الشيخ عبدالعزيز الرشيد
والشيخ أحمد الخميس
والشيخ حافظ وهبة
وحجي جاسم الحجي، مع مدرسين اثنين من مصر لتدريس اللغة
الانجليزية.
وعندما ازداد عدد الطلاب انضم إلى هيئة التدريس كل من:
الشيخ عبدالوهاب الفارس،
والشيخ عبدالله الفارس،
والشيخ عبدالله النوري،
والشاعر محمود شوقي الأيوبي،
وملا يوسف عبداللطيف العمر،
وملا عثمان عبداللطيف العثمان.
هذا وقد كان اجتماع التأسيس الذي أشرنا إليه هنا قد تم بناد على
اجتماع سابق له، دعا إليه الشيخ أحمد الجابر الصباح بهذا
الخصوص، وتم في اليوم الرابع عشر من شهر مايو لسنة 1921
. وقد ذكرنا ذلك قبل قليل.
٭٭٭
مرت بالشاعر راشد السيف – كما رأينا فيما سبق – ظروف
عصيبة جعلته يعبّر عنها في بعض قصائده. ومن تلك المصاعب ما
ذكرنا أنه حدث له مع دائرة الأوقاف العامة حينما أصرت على
استملاك مسكنه وضمه إلى مسجد البدر الكائن في الحي القبلي.
وقد قال في ذلك أكثر من قصيدة:-
مجلس الأوقاف منّي لم يكن
يقبل العذر لصدق أو كذِبْ
ليته فكر في آرائه
قبل إشعاري بحكم لم يجبْ
غير أن ما يلفت النظر أننا نراه يعبر أحيانا عن آلام ناتجة عن
أمور غير منظورة إذ إنه لم يكن يوضحها لمستمعي شعره، ومن
ذلك قوله:-
ولكنَّ دهري أعقب الطين بلة
بغارته الشعواء وهو عجيبُ
يخادعني طوراً وطوراً يصُدَّني
بما هو أقوى، ما عليه رقيبُ
وعلى الرغم من كل الصعاب التي مرت بشاعرنا فإنه لم يستسلم
للاكتتاب، ولم يتأخر عن القيام بدوره بصفته إنسانا، وبصفته
شاعراً.
فعلى المستوى الإنساني، كان قوي العلاقات بالناس كثير الاتصال
بهم، وفي شعره الكثير مما يدل على ذلك، فالأسماء المذكورة
ضمن قصائده كثيرة تدل في حد ذاتها على كثرة صلاته وعمق
ارتباطه بغيره. والثناء الذي يقدمه في بعض تلك القصائد لمن
يستحق دليل على سروره بكل ما يستجد في مجتمعه. ها هو يفرح
بالفنان معجب الدوسري فيقدم له قصيدة يثني فيها على فنه
الجميل، وينشرح صدره لقيام الموسم الثقافي في الكويت فيكتب
قصيدة مؤازرة. ويخاطب الشيخ عبدالله الخلف الدحيان مذكراً، بما
يتمتع به من علم وخلق متين. ويذكر كثيراً بعض آل الصقر الكرام،
معدداً مناقبهم. وهكذا…
وله قصائد وطنية عديدة منها تحية العلم التي يقول فيها:-
رمز الحياة فرفرف أيها العلم
للشعب إن يديك السيف والقلم
كراية من دم الأجداد يرفعها
من يطلب الثأر في الأعداء يقتحِمُ
أما أغانيه العربية فقد كانت كثيرة تبدأ من الثورة الليبية التي هبت
في طرابلس إبان سنة 1926م وتنتهي بالترحيب بتأميم قناة
السويس مروراً بالدعوة إلى الاتحاد والابتهاج بدولة الوحدة،
وتأييد المغرب في ثورته.
٭٭٭
كان التعليم من أهم ما عني به راشد السيف ولا عجب في ذلك فقد
أمضى حياته معلماً، وقد انطبع الكثير من شعره بطابع هذه المهنة،
وله عدد كبير من القصائد المتعلقة بها. له قصيدة في حفل توزيع
الشهادات على خريجي المرحلة الابتدائية ألقاها في اليوم العشرين
من شهر نوفمبر لسنة 1962 في المدرسة المباركية، وله قصيدة
ينوه فيها بمعرض للأشغال النسوية للطالبات، وقصيدة في التنويه
بمكانة المعلم، ودعوة إلى طلب العلم وغير ذلك مما يتعلق بالتربية
من ضرورة العناية بالشباب وتوجيههم الوجهة الصالحة، وحثهم
في قصيدة أخرى على التمسك بالأخلاق الكريمة.
أما الشعر فهو يطاول التعليم منزلة في ذهن راشد السيف،
وله تعبير صادق عن هذا الشأن حين تحدث عن رأيه فيه فقال:-
وما الشعر إلا وحي روح تأثرت
بما حولها من ذكر ماضٍ وحاضر
وما الشعر إلا زفرة عن تأوّه
يضيق بها عن باطن الصدر ظاهري
ومن اهتمامه بالشعر مشاركته في كل محفل، وحرصه على إلقاء
قصيدة في كل مناسبة. ونشر أخرى إذا لم تتح له فرصة الإلقاء،
وكم من حفل من الاحتفالات التي كانت تقام خلال الأربعينيات
والخمسينيات من القرن الماضي لم ينته إلا بقصيدة لهذا الشاعر
المشارك في كل الأحداث.
ومما يتعلق بذلك علاقاته الطيبة والمستمرة مع شعراء عصره.
ومن هؤلاء الشاعر صقر الشبيب الذي كتب له شاعرنا أكثر من
قصيدة منها واحدة بتاريخ الرابع عشر من شهر أبريل لسنة
1930م، وهي تحمل تهنئة بزواج الشبيب.
ومنهم الشاعر فهد العسكر الذي عثرنا عنه في أشعار السيف على
قصيدة تحوي من الممازحة أكثر مما تحوي من الاعتذار، وهي
دليل على قوة العلاقة بين الشاعرين. كما أن راشد السيف قد
شارك في رثاء الشاعر العسكر عندما توفي في سنة 1951م،
فقال قصيدة عنوانها «دمعة حمراء» نشرت في عدد مجلة البعثة
الصادر في شهر ديسمبر للسنة ذاتها.
أما الشاعر محمود شوقي الأيوبي فقد تلقى من السيف قصيدة
كتبها في اليوم الثاني عشر من شهر أكتوبر لسنة 1948 تحدث
فيها عن المبادئ العربية التي تربط بين الشاعرين، وتدفعهما إلى
التطلع نحو مستقبل أفضل لأمتهما.
٭٭٭
والشاعر داود سليمان الجراح من الشعراء الذين كانت صلتهم جد
قوية براشد السيف، وكانت القصائد التي اطلعنا عليها دليلا على
ذلك. فهو يهنئ صاحبه بمولد ابنه عبدالله بقصيدة تنم عن عاطفة
ومحبة صادقتين وفرحة يشارك فيها صاحبه، وهو يهنئه كذلك
بمولد ابنته فاطمة. ولكنه يعبر عن الحزن الشديد لوفاة الشاعر
داود الجراح فيقول:-
ألاقي ما ألاقيه
فأنسى غير طاغيه
إذا ما انهدّ لي عزم
فعذري فوق ساميه
ولقد ثبت في أوراق الشاعر راشد السيف مدى ما يكنُّ لصاحبه
(الجراح) من تقدير ومودة ويكفي أنه يقول في صدر إحدى
قصائده: «أقدم هذه العجالة إلى الأديب الألمعي، والأريب
اللوذعي، صديقنا النجيب داود الجراح، حفظه الله، آمين».
هذا وقد لاحظنا أن من القصائد التي مرَّ بنا ذكرها قصيدة قالها في
سنة 1930م، وليست فيما نَظُن من أوائل قصائده، يدلنا على ذلك
طبيعة موضوعها والشخص الموجهة إليه، فهي تهنئة للشاعر
صقر الشبيب في يوم زواجه.
نقول ههذا لنؤكد المدة الطويلة التي أمضاها راشد السيف وهو
يقول الشعر ويعبر فيه عن خلجات نفسه، ويصور خلاله أحداث
وطنه الكويت، ويستحث الشباب إلى المسارعة في خدمة الوطن
والتقدم في مضمار العلم، الذي بذل في ميدانه عمره كله، فقد
استمر معلما – كما قلنا فيما سبق – حتى اليوم السابع والعشرين
من شهر مايو لسنة 1969م، ولم يبق بعدها إلا قليلا حتى انتقل
إلى رحمة الله مأسوفا عليه من الجميع. وفي هذه اللحظة كتب
الأستاذ أحمد البشر الرومي في أوراقه الخاصة قائلاً: -
« توفي راشد السيف فجر يوم الأربعاء بتاريخ 1972/12/31م
وشُيع جُثمانه في الساعة الرابعة من مساء يوم الأربعاء نفسه»
وانطفأ بموته سراج كان متقداً بنور الشعر، وقد كان غزيراً في
مادته قوياً في سبكه، وعلى الرغم من إكثاره وتنوع موضوعاته
وخوضه في كل مناسبة من مناسبات الحياة على اختلاف نواحيها
فإننا نجد فيه تمكنا من لغته العربية ونرى فيه سلامة من الخطأ
النحوي والمعنوي، وقدرة على التَّفنن في التعبير مما يدل على
استعداد فطري سليم، واطلاع واسع وقراءات متعددة فتحت له
مجال القول دون ارتكاب أخطاء، أو وقوع في ذلك الذي يعيب شعر
بعض الشعراء .
٭٭٭
هذا هو راشد السيف، وقد كان ينبغي أن نطيل في الحديث عنه
لولا ضيق المجال، فعمره المديد وخدمته لوطنه، وشعره الغزير،
وكونه مدرسا خرَّج أجيالا من التلامذة كلها تستدعي الإفاضة في
الكتابة عنه وذكر مآثره. ولعل مستقبل الأيام هو الذي يتيح لنا –
مرة أخرى – أن نعيد القول عنه، حتى نوفيه حقه علينا، وعلى
وطنه.
=============
ملحاق خير:-
بناءً على ما شاهدناه في تتبع حياة راشد السيف وشعره، وما
وجدناه في ثنايا هذا الشعر من اهتمامات كثيرة بعضها بالمسائل
الوطنية والبعض بالمسائل التربوية والآخر بالمسائل الاجتماعية؛
فإننا نجد شاعرا حبه للكويت لا ينكر، واهتمامه بالنواحي الثلاث
التي ذكرناها من أوضح ما نراه في قصائده.
ولذلك فقد كررنا ضرورة الاهتمام به وبشعره فإن في بعض
القصائد دلائل تاريخية مهمة يستفاد بها عند توثيق تاريخ الكويت
الذي ينبغي أن نعتني بكتابته على الوجه الأمثل، بعد أن مضت
السنون وهو يتعرض للنسيان.
ومن الأمور التي ذكرها راشد السيف ضمن قصيدة من قصائده
الأمطار التي هطلت على الكويت في أواخر سنة 1954م، وقد
كانت غزيرة بحيث هدمت البيوت، وتعرض السكان بسببها إلى
كارثة حقيقية لولا قيام الحكومة والأهالي بالمسارعة إلى الإنقاذ.
وقد أشار الشاعر إلى أنه في الوقت الذي كان الناس يعانون فيه
من شدة الأمطار وقوة انهمارها، فكانوا يغادرون مساكنهم
المتضررة بذلك ويلجؤون إلى المدارس حيث يتم إيواؤهم؛ كان
أحد المنافقين (على حد قول راشد السيف) يحاول أن يشذ عن
حالة الناس فيسعى إلى إقامة حفل لاستقبال بعض رؤسائه ليتقرب
إليهم وينافقهم ضاربا عرض الحائط بمشاعر الواقعين في المحنة.
يقول:-
السُّحْبُ تُنذر بالبروق نشاطنا
لنزول ماء فوض أرض المحفلِ
سوء النتيجة لا يُشَكِّكُ عاقل
فيها لأن ظروفها لم تقبلِ
إن ارتجالك في الأمور يَدُلُّنا
حقا على الفشل الذريع الأعجل
إلى غير ذلك مما جاء في قصيدته من نقد لذلك الرجل الذي لم يقدر
ظروف الناس في ذلك الوقت ولا مشاعرهم.
ولما كان هطول الأمطار من الكوارث التي دفعت بالناس إلى
أحضان الحاجة فأصبحوا ينتظرون من يمد لهم العون فوجدوا ذلك
سريعا بسبب تعاون المجتمع كله حكومة وشعبا على تدارك الأمر،
فإنَّ هناك أمورا مشابهة لا يحلها إلا ما حدث من اهتمام بكارثة
الأمطار.
هناك عدد كبير من العمال الذين لا تفي مواردهم بحاجاتهم،
وتقصر رواتبهم عن الالتزامات التي تفرضها عليهم حياتهم
العائلية. فكان الأمر أن قامت دائرة بلدية الكويت في اليوم الخامس
عشر من شهر نوفمبر لسنة 1950م بمشروع قصدت به إعانة
العمال الذين وصفنا حالهم، إذ تفقدت هذه الدائرة شؤون هؤلاء
فوجدت فيهم شدة البؤس، والفقر المدقع، فكان مشروعها هو
الدعوة إلى جمع مبلغ من المال يوزع فيما بينهم للنهوض بأمور
حياتهم.
وقد ذكَّرنا الشاعر راشد السيف بهذه المهمة التي قامت بها دائرة
بلدية الكويت حين قال قصيدته حول هذا المشروع، وحث فيه
القادرين من الناس على البذل، وعدم إهمال ذوي الحاجة وفي ذلك
يقول:-
ما بالكم يا ولاة الأمر لم تقفوا
على الحقائق إذ آوى بها الخللُ
ما بالكم يا أباة الضيم يقعدكم
عنْا التقاعس والإهمال والكسلُ
ثم يقول:
لا تتركوا عاملا ضاقت مذاهبه
ولم يجد مسلكا للرزق يتصِلُ
لا يسأل الناس إنقاذا لفاقته
أوصى به الله والقرآن والرسُلُ
ويقول الشاعر تعليقا على قصيدته إن دائرة بلدية الكويت قد جمعت
من خلال مشروعها هذا مبلغا لا بأس به من المال جرى توزيعه
على المحتاجين عن طريق لجان شكلتها الدائرة المذكورة لهذا
الغرض النبيل الذي غطى جزءا مهما من حاجة الناس.
ومما ورد في شعر راشد السيف من تذكير ببعض ما حدث في
الكويت خلال خمسينيات القرن الماضي؛ زيارة الشيخ الجزائري
محمد البشير الابراهيمي، واحتفاء البلاد به بصفته زعيما دينيا
وسياسيا وداعية من دعاة تحرير الجزائر التي كانت تئن يوم
وصوله إلى هنا تحت وطأة الاستعمار الفرنسي البغيض، وقد كان
من مظاهر هذا الاحتفاء أن دعاه النادي الأهلي الكويتي إلى حفل
تكريم ألقى خلالها محاضرة شاملة. وألقى الشاعر راشد السيف
بعد ذلك قصيدة يمتدح بها الضيف ويذكر مناقبه وجهاده في سبيل
قضيته. ويمتدح في الوقت نفسه النادي الذي قام بهذه المبادرة،
فقال عن النادي:-
وقفت مع الإجلال موقف مُنصفٍ
يرى كلَّ فضل رغم عُمْي البصائر
وقد سرني قبل النطام تعاونٌ
وأخلاق أعضاء بنوع مُباشر
ويوجه حديثه للشيخ الإبراهيمي قائلا إن ما يقوله من شعر هو
بمثابة جهاد يقوم به في سبيل أمته لأنه يرى:-
وما الشعر إلا للشعوب محركٌ
لوْ استسلمت للجور عن حكم جائرِ
وما الشعر إلا موقظ نحو وثبة
إلى نهضة ترنو لها عينُ ناظرِ
وبعد؛ فهذه مجرد نماذج لما ورد في شعر السيف مما له علاقة بما
مَرَّ بالكويت من حوادث. وهناك الكثير مما يجب أن يذكر، ولكننا
نكتفي بهذا الذي قدمناه.