AHMAD
31-01-2009, 01:48 AM
جريدة القبس - 5 أكتوبر 2006م
أجرى الحوار: جاسم عباس
الرعيل الاول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا مر الاثنتين وذاقوا حلاوتهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، الى ان حققوا الطموح او بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، الا ان قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين الى الايام الخوالي.
'القبس' شاركت عددا من هؤلاء الافاضل والفاضلات في هذه الاستكانة الرمضانية في مستهل لقائنا بالسيد بدر يوسف علي النقي، قال:
عندي اكثر من ألف سالفة وقصة عن الكويت القديمة من خلال عمري الذي عشته الى الان وهو 83 سنة. ولدت بعد معركة الجهراء الشهيرة بسنتين، سوالف حفظتها من والدي الذي كان يسردها لي من الجهراء الى معركة الصريف، وها هي الحربة من بقايا الحرب عبارة عن عصا بداخلها سيف شركسي مستقيم النصل، ومقبضه من الابنوس، وغمد الخشب بطول السيف، هذا السيف ورثته عن والدي الذي امدنا بصفحات من التاريخ، ولا ننسى عصر السيوف، فهو مازال بيدي مزهوا بعزه، ورمزا تراثيا احمله بيدي، فانه المخنفذ والمهذم، والقرضاب، والعضب، والصمصام والرومي الخشيف.
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/23335536720090131.jpg
يتحدث للزميل جاسم عباس بدر النقي يعرض حربة الصريف
دروازة العبدالرزاق
العم بدرالنقي ينتقل من حديث الى احاديث قبل ان نوجه اليه السؤال، الا في نهاية اللقاء، لانه يعتبر موسوعة كاملة، فتحدث عن دروازة العبدالرزاق وهو الدوار الواقع في تقاطع شارعي مبارك الكبير واحمد الجابر، وفيه مسجد اسس سنة 1797م، والدروازة كلمة هندية وفارسية تعني البوابة المفتوحة، فهناك بوابات كثيرة في الكويت وكبيرة، وكل باب يتسع لمرور السيارات الكبيرة (اللوري)، ولمرور الابل وما تحمله من العرفج، فعند بناء السور الثاني عام 1811 كان له سبع بوابات، الاولى دروازة ابن بطي، والكروية، والعبدالرزاق، والشيخ، والسبعان او العنزة، ودروازة الفداغ واخيرا بوابة البدر في الحي القبلي بالقرب من مسجد الصقر، وينتهي السور عند ساحل البحر.
وقال العم بدر: بجانب بوابة العبدالرزاق توجد 'دجة' (اي زلفة) في مدخل الباب (عتبة) مبنية من الطين كان والدي رحمه الله يجلس مع الشيخ حمد المبارك الصباح والشيخ علي الخليفة على هذه 'الدجة' ثم ينتقلون بعد هذه الجلسة الى 'البهيتة' وهو مكان مرتفع جنوب قصر السيف في مدخل السوق الداخلي، ثم الى منزل الشيخ حمد المبارك الذي كان اسفله سرداب هو المكان الذي يسجن فيه بعض المتهمين وكان الشيخ حمد رحمه الله ذا عقل راجح توفي في عام .1938
وتذكر المدفع الذي قدم هدية من عبدالرسول ايراني الجنسية الى الشيخ جابر العيش هو ابن الشيخ عبدالله الصباح الحاكم الثالث لدولة الكويت وسمي بهذا الاسم لكرمه الشهير وتوزيعه الرز على المحتاجين، دفن هذا المدفع تحت سور العبدالرزاق، فقال له: استعمله عند الحاجة والضرورة وللدفاع عن الكويت، وبعشد سنوات اخرج المدفع وانا شاهدته بعيني، وللأسف تلف واكله التراب، وهذه المنطقة سميت فيما بعد ب'المدفع' وفي مدخل الدروازة كان هناك شخص يدعى بابن عسكر يأخذ 'ودي' اي ضريبة من الجمال الخارجة بنسبة 4%، ويضع المبالغ في سحارة (صندوق) وبعض الجمالة والتجار كانوا يهربون من الضريبة يتجهون نحو فريج 'ابن عنزة'، وتجمع المبالغ عند محمد بن الخميس كان وكيل الشيخ احمد الجابر، ثم خالي عبدالكريم ابل في الفترة الاخيرة، وتوضع في محل بالقرب من 'المناخ'.
وقال: كنت احمل 'الميوه' الفواكه في زنبيل الى الشيخ حمد المبارك وهو جالس في ديوانه، كان رحمة الله عليه شطفه (عقال من الحرير مخرز بالزري) فوق غترة حمراء، وبعد ان اسلمه الفاكهة من والدي، يعطيني روبية واحدة وكانت قيد التداول حتى عام ،1961 وهي كلمة هندية تعني الفضية كانت تحمل صورة الملك جورج السادس وتساوي 16 آنة.
يهود الكويت
وتحدث عن اليهود الذين عاشوا في الكويت فقال:
كان في الكويت عدد من اليهود يبلغ عددهم حوالي 400 شخص، في البداية سكنوا في حي سمي باسمهم موقعه الحالي سوق الصفافير والبوالطو بالقرب من الغربللي وسوق السلاح، وقد امتهنوا بيع الاقمشة ايضا بالقرب من كاركة ابراهيم جمال بعد ان هدم المرحوم خليل القطان واقام قيصرية تضم عددا من المحلات، وهذه القيصرية اكتسبت شهرة كبيرة، واصبحت من انشط الاسواق اكثر من ثلاثين سنة بعد بيع الذهب.
واضاف: كانوا يسكنون فريج الصاغة، لأنهم احترفوا صياغة الذهب، مقابل البورصة ومسجد الحداد واتذكر منهم عزرو، وصالح، وداود الكويتي، والى الآن تذيع اذاعة اسرائيل اغانيهم.
وقال العم بدر: اغلب اليهود كانوا لا يخرجون من بيوتهم في النهار خوفا من الاولاد، وبعد العصر يبيعون 'بكرات' خيوط من ادوات الخياطة، واقمشة، وزري عبارة عن خيط قطني مغلف برقاق الذهب وكان يباع بالتولة، وانا شخصيا كنت ابيع فرخ الحمام هو ابن الطير الصغير وفرخ الدجاج، كنت اعتبرهم من الجيران لأنهم يسكنون بالقرب منا، ومن جيراننا ايضا بيت الصانع، وبودي، والرويح، وابوالحسن.
الريال الفرنسي
واستطرد قائلا: لا اعرف لماذا سمي الريال الفرنسي، وهو في الاصل ريال نمساوي، عملة راجت في الجزيرة العربية كانت تحمل صورة الملكة 'ماريا تريزيا' كانت تساوي 3 روبيات، كانت عملة قوية وسمعتها عالمية والتجار يتعاملون 'بالريال الفضي'، وتداولت الى ما بعد منتصف القرن العشرين.
وقال العم بدر: تحدثت مع السفير الفرنسي في الديوانية
هذا الريال، واخرجته له، فقال: هذا سك قبل 150 سنة، ومن ثم صدرت اول عملة في 1938 تحمل صورة الملك جورج السادس من فئة الآردي الى الروبية وفي 1943 صدرت فئة البيزتين المربعة، وفي 1946 تم اصدار قطع من النيكل لفئات الربع روبية والنصف روبية وبدأنا نحن في الكويت نتعامل فيها الى عام .1961
حلويات النقي
وانتقل في حديثه الى صناعة الحلويات في الكويت فقال: الحلواجي هو صانع 'الحلوى' ومن اشهرهم الحاج علي النقي وابناؤه عبدالحسين ووالدي يوسف وعبدالرحيم، واتذكر القدر النحاسي والملاس واذابة السكر بالماء وطبخه لتكوين 'الشيرة' ثم يصب عليه الدهن العداني، وكان والدي يشتري كميات لا تقل عن 200 كيلوغرام من عند الكبان التابع للبلدية، ويضعه في 'دبة' وفي جرة كبيرة تشبه التنور ولها فتحة ضيقة تبنى من الطين كالتنور، فهذه الدبة تستعمل لحفظ الدهن والتمر، وثم يفرغ الدهن في برادته حسب حاجة العمل (قربة صغيرة)، والدهن العداني الكويتي القديم يصنع من زبدة الغنم، يطبخ ويضاف اليه الكركم الاصفر.
اضاف: ما زلت اصنع هذا الدهن ولكن من جفل الخروف (كتلة الشحم في ذنبه) اضيف اليه البصل، وهذا الدهن نسميه ايضا الودج واحيانا اشتريه من العجيل، وبعض صناع الدهن يبيعون الجلود بعد اذابة الدهن واستخراجه على اليهود، وهم بدورهم يصنعون القحافي (طاقية الرأس).
وقال: كان سعر النعجة 4 روبيات والماعز 6 روبيات، اما الطلي الصغير فسعرها 40 روبية، وكان الخروف بدون جلد وشحم بروبية ونصف الروبية.
وكنت اضع اللحم في الملالة بعد تجفيفه ثم قال: وبسبب عقاب المدرسين لنا ايام الدراسة عند المطاوعة الملا عثمان والسيد محمد حسن تركت الدراسة وعملت مع والدي في صنع الحلوى في الشتاء، والخضرة في الصيف.
وتحدث عن سنة الهدامة فقال: كان الكويتيون يؤرخون بها مواليدهم او وفياتهم، وقد مرت احداث في هذه الفترة حيث هطلت الامطار في عام 1934 وهدمت المنازل وشردت كل سكان الاحياء، واتذكر سقوط منارة مسجد كان بالقرب من السوق الداخلي، وشاهدت مياه الامطار تجرف مخزنا فيه الدهن العداني واتلف كل ما فيه، وانا كنت ابكي وانادي على امي وابي، واتذكر الهدامة في شهر رمضان المبارك.
وهناك هدامة اخرى تعرف بالرجيبة ولم نعرف عنها شيئا لانها وقعت قبل مائة وثلاثين سنة وهذه الهدامة عرفت بالرجيبة.
سنة المجلس
وعاصر العم بدر سنة 1939 باحداثها وشاهد التظاهرات والهتافات التي عكرت صفو الامين، فتحركت سلطات الامن لضبط الامور، وقبض على البعض وقتل بعض الرجال، ولكنها هدأت بفضل الحكمة والعقلانية وتم الافراج عن المعتقلين في بداية صيف .1944
وذكر ان والده قال له : ان اول مجلس للامة في الكويت كان عام 1921 ومجلس 1938 وضع اسس النهضة في البلاد.
الأمراض... وعلاجها
وعن أمراض انتشرت قال: لا لقاح يصرف ولا اطباء يعالجون أوبئة لا يتصدى لها أحد إلا رحمة رب العالمين، طاعون جاءنا، والهيضة من الهند انتشر بيننا، الكوليرا لم نعرف حجم ضحاياها والمصابين، والجدري ترك اثرا كبيرا في الكويت، الانفلونزا، السل وكنا نسميه المرض الخبيث، بالاضافة الى الرمد في العيون، والتهاب الأذن، وأمراض الخاصة والبحارة التي لا تعد ولا تحصى.
واضاف العم بدر: علاجنا كان بالتعاويذ والكتب والآيات القرآنية والأدعية، وبعض الأملاح والنباتات، وآخر العلاج الكي بالنار، كانوا يضعون المكواة على ظهر المريض وبطنه، واحيانا تقطر بالعين حليب المرأة، والمسهل علاجه الزعتر والماء، والحجامة للصداع، والتدليك بالزيت لأوجاع الجسم، والصبع لرفع اللوزتين، وجلد الشاة للدغة الحيات، وبول الصبي لتطهير الجروح، وحتى الأمراض النفسية كانت تعالج بحرق البخور واقامة الزار.
خدماتهم جليلة
تحدث النقي عن الرجالات الذين لهم الفضل بعد الله تعالى في علاج المرضى في الأزمنة الماضية ومنهم: المرحوم سيد ياسين الذي اختص بالقراءة على جميع انواع المرضى، والمرحوم ابن الشيخ كان صديق والدي يذهب الى الحداق ويربط سفينته الصغيرة، ويقرأ بعض الكلمات على مسحوق لقاح النخيل، ويكتب بعض التعاويذ بالماء المنقع بالزعفران هذه الكتابة تسمى 'محو' ويقدم هذا الشراب للمريض، واذا اخذ احد الأولاد سفينته تنقلب عليه يفرقها ومن فيها من أصحابه، وكان بعض هؤلاء الأئمة يقولون: 'ريش بالريش، ومعلق بالعريش' وسيد حسين والد سيد ياسين مدفوع في مقبرة براحة ابن بحر كانت مقبرة من سوق الخضار الحالي في المباركية حتى المسجد وسوق الغربللي.
كان يجلس عند والدي في مدخل سوق التجار، اصيب احد اخواني بلدغة العقرب، قرأ رحمه الله على كوب ماء فشربه وشفي بإذن الله ومن هذه القراءة والتعويذات.
وقال: اتذكر من المعالجين محمد وعبدالله القطان كانا من المبروكين ومعهما المرحوم احمد الغانم مجبر الكسور، وحمود الصانع، عبدالرحمن المنيفي، ومحمد العرادي، ومساعد العازمي، واحمد الهندي، ومن النساء اتذكر أم حمود، وهيا، وأخريات كثيرات اشتهرن بالتوليد، رحمهم الله جميعا كانوا يعالجون بلا مقابل، ويصرفون الدواء لا يرجون من المريض إلا الدعاء، وبعضهم كان يعالج الفقر بالنقود.
وقال: بعد هذه العسرة والضيقة بدأ العمل بالإرسالية 'المستشفى الأميركي'، ثم المستوصف الخيري، في عام 1936 قامت دائرة الصحة بصد هذه الأوبئة، ففي 1939 انشئ اول مستوصف حكومي في الكويت، وفي 1949 تم افتتاح المستشفى الأميري.
أسواقنا القديمة
عن مراكز البيع المتعددة تحدث قائلا: لقد تشعبت الى أسواق وساحات وسكيك حى أصبحت شبكة من المتاجر والدكاكين المتخصصة في سلعة معينة، متذكرا سوق الصوف او سكة الصوف: كانت ضيقة موازية للشارع الجديد، كان عدد من النساء يجلسن يبعن الصوف المغزول، وأهم المشترين صناع البشوت والسدو، ويباع الصوف الخام للغزل، وكان البيع على الارض، وكنا نقول:
'طاح الندى على السكن ظل الحايك من غير غده'
بمعنى عندما تتساقط قطرات الندى على نول الحايك لا يعمل هذا اليوم فيبقى من دون أكل، لأنه لم يبع من هذا الغزل.
اما سوق المقاصيص فهو سوق المفلسين، عبارة عن ساحة وعدد من الأزقة فيها دكاكين تباع فيها الادوات المستخدمة والسلع المستعملة، وكانت الاسعار رخيصة جدا، ويفتح بعد صلاة العصر، واتذكر ان الراديوات والاسطوانات كانت اكثر البضاعة مبيعا.
وتذكر اليقط او اكط وهو الجبن في اللغة العربية، اما نحن في الكويت فنعتبر اللبن الخاثر الغليظ هو 'الأقط'، كنا نضعه داخل كيس من القماش ونعلقه ليقطر منه الماء حتى ينشف، ثم نشكله على شكل لقيمات، تؤكل حباتها مع التمر، وتدق وتضاف للماء ليشرب لبنا.
وقال: وقية الزبيدي ب 3 آنات، وآخر النهار بآنة واحدة، والبامية تباع بالحبة كل 10 حبات ببيزة واحدة، واتذكر كل يوم يصل الى الفرضة حوالي 40 بلم (سفينة).
والشيخ مبارك الحمد اخونا بالرضاعة رضع مع اخي فهد سنة الجهراء والد وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك، ودكان والدي بدون كهرباء، الاضاءة من لالة خزانها زجاجي تعمل بالكيروسين، ولهذا المصباح حامل حديدي، وتطور والدي فاشترى 'تريك' (مصباح يدوي) يضغط بالهواء بواسطة هماز خاص، لفظة للاتينية، كان والدي يضع حل 'ناريل' بدل من الكيروسين، كان يستخرج من السمسم او النارجيل 'جوز الهند' تتخذه المرأة لدهن شعرها، ويستعمل الحل ايضا لسد شقوق السفن، والرقاع هو مصلح الاحذية وترقيعها، وعدته مطرقة وسكين وابرة، ويتقاضى قليلا من الآنات مقابل عمله.
مشاكل الحدود
عن ازمات الكويت مع العراق ختم العم بدر حديثه قائلا: في العام 1932 اعلن العراق مبادرة الحدود، ولكن المشكلة بشأن الحدود اكثر منها الوجود، ولكن الحملات الدعائية قامت في بعض الأحيان على اساس زعزعة السلطة مع الشعب الكويتي، وكانت الحكومات العراقية دائبة على اثارة مشكلات الحدود ففي عام 1961م كان العراق واحدا من الدول التي اعترفت بالكويت دولة مستقلة كاملة السيادة، ولكن اطماع عبدالكريم قاسم فجرت مشكلة كبرى عندما اعتبر ان الكويت جزء تابع للعراق.
واضاف النقي: حمل الشعب الكويتي السلاح دافاعا عن وطنه، وانا من الذين تدربوا في مدرسة النجاح في الشرق وكان المسؤول عن الاسلحة يوسف العلي وتجولنا في الاسواق وبين الاحياء في الصوابر وفي المقابر، ودخلنا على العراقيين في بيوتهم لنبحث عن اي شيء ولما لم نجد عندهم ما يعكر الامن، كنا نسلم اسلحتنا ليعقوب دشتي ايضا الذي كان مسؤولا في مدرسة النجاح. هذه الاعمال التطوعية ذكرتني بوالدي عندما كان يحدثنا عن معركة الصريف في عام 1900 عندما اغارت الجيوش على الكويت، فجمع الشيخ مبارك الصباح عددا من الكويتيين وكان والدي بينهم، ولكن الخسة ادت الى قتل الاسرى، وكان معهم بالحرب والد زيد الكاظمي وحبيب التتان وعبدالمحسن القطان، والشيخ علي الخليفة العبدالله الصباح الذي كان رئىسا للأمن العام وتوفي سنة 1942م.
أجرى الحوار: جاسم عباس
الرعيل الاول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا مر الاثنتين وذاقوا حلاوتهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، الى ان حققوا الطموح او بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، الا ان قاسما مشتركا يجمعهم هو الحنين الى الايام الخوالي.
'القبس' شاركت عددا من هؤلاء الافاضل والفاضلات في هذه الاستكانة الرمضانية في مستهل لقائنا بالسيد بدر يوسف علي النقي، قال:
عندي اكثر من ألف سالفة وقصة عن الكويت القديمة من خلال عمري الذي عشته الى الان وهو 83 سنة. ولدت بعد معركة الجهراء الشهيرة بسنتين، سوالف حفظتها من والدي الذي كان يسردها لي من الجهراء الى معركة الصريف، وها هي الحربة من بقايا الحرب عبارة عن عصا بداخلها سيف شركسي مستقيم النصل، ومقبضه من الابنوس، وغمد الخشب بطول السيف، هذا السيف ورثته عن والدي الذي امدنا بصفحات من التاريخ، ولا ننسى عصر السيوف، فهو مازال بيدي مزهوا بعزه، ورمزا تراثيا احمله بيدي، فانه المخنفذ والمهذم، والقرضاب، والعضب، والصمصام والرومي الخشيف.
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/23335536720090131.jpg
يتحدث للزميل جاسم عباس بدر النقي يعرض حربة الصريف
دروازة العبدالرزاق
العم بدرالنقي ينتقل من حديث الى احاديث قبل ان نوجه اليه السؤال، الا في نهاية اللقاء، لانه يعتبر موسوعة كاملة، فتحدث عن دروازة العبدالرزاق وهو الدوار الواقع في تقاطع شارعي مبارك الكبير واحمد الجابر، وفيه مسجد اسس سنة 1797م، والدروازة كلمة هندية وفارسية تعني البوابة المفتوحة، فهناك بوابات كثيرة في الكويت وكبيرة، وكل باب يتسع لمرور السيارات الكبيرة (اللوري)، ولمرور الابل وما تحمله من العرفج، فعند بناء السور الثاني عام 1811 كان له سبع بوابات، الاولى دروازة ابن بطي، والكروية، والعبدالرزاق، والشيخ، والسبعان او العنزة، ودروازة الفداغ واخيرا بوابة البدر في الحي القبلي بالقرب من مسجد الصقر، وينتهي السور عند ساحل البحر.
وقال العم بدر: بجانب بوابة العبدالرزاق توجد 'دجة' (اي زلفة) في مدخل الباب (عتبة) مبنية من الطين كان والدي رحمه الله يجلس مع الشيخ حمد المبارك الصباح والشيخ علي الخليفة على هذه 'الدجة' ثم ينتقلون بعد هذه الجلسة الى 'البهيتة' وهو مكان مرتفع جنوب قصر السيف في مدخل السوق الداخلي، ثم الى منزل الشيخ حمد المبارك الذي كان اسفله سرداب هو المكان الذي يسجن فيه بعض المتهمين وكان الشيخ حمد رحمه الله ذا عقل راجح توفي في عام .1938
وتذكر المدفع الذي قدم هدية من عبدالرسول ايراني الجنسية الى الشيخ جابر العيش هو ابن الشيخ عبدالله الصباح الحاكم الثالث لدولة الكويت وسمي بهذا الاسم لكرمه الشهير وتوزيعه الرز على المحتاجين، دفن هذا المدفع تحت سور العبدالرزاق، فقال له: استعمله عند الحاجة والضرورة وللدفاع عن الكويت، وبعشد سنوات اخرج المدفع وانا شاهدته بعيني، وللأسف تلف واكله التراب، وهذه المنطقة سميت فيما بعد ب'المدفع' وفي مدخل الدروازة كان هناك شخص يدعى بابن عسكر يأخذ 'ودي' اي ضريبة من الجمال الخارجة بنسبة 4%، ويضع المبالغ في سحارة (صندوق) وبعض الجمالة والتجار كانوا يهربون من الضريبة يتجهون نحو فريج 'ابن عنزة'، وتجمع المبالغ عند محمد بن الخميس كان وكيل الشيخ احمد الجابر، ثم خالي عبدالكريم ابل في الفترة الاخيرة، وتوضع في محل بالقرب من 'المناخ'.
وقال: كنت احمل 'الميوه' الفواكه في زنبيل الى الشيخ حمد المبارك وهو جالس في ديوانه، كان رحمة الله عليه شطفه (عقال من الحرير مخرز بالزري) فوق غترة حمراء، وبعد ان اسلمه الفاكهة من والدي، يعطيني روبية واحدة وكانت قيد التداول حتى عام ،1961 وهي كلمة هندية تعني الفضية كانت تحمل صورة الملك جورج السادس وتساوي 16 آنة.
يهود الكويت
وتحدث عن اليهود الذين عاشوا في الكويت فقال:
كان في الكويت عدد من اليهود يبلغ عددهم حوالي 400 شخص، في البداية سكنوا في حي سمي باسمهم موقعه الحالي سوق الصفافير والبوالطو بالقرب من الغربللي وسوق السلاح، وقد امتهنوا بيع الاقمشة ايضا بالقرب من كاركة ابراهيم جمال بعد ان هدم المرحوم خليل القطان واقام قيصرية تضم عددا من المحلات، وهذه القيصرية اكتسبت شهرة كبيرة، واصبحت من انشط الاسواق اكثر من ثلاثين سنة بعد بيع الذهب.
واضاف: كانوا يسكنون فريج الصاغة، لأنهم احترفوا صياغة الذهب، مقابل البورصة ومسجد الحداد واتذكر منهم عزرو، وصالح، وداود الكويتي، والى الآن تذيع اذاعة اسرائيل اغانيهم.
وقال العم بدر: اغلب اليهود كانوا لا يخرجون من بيوتهم في النهار خوفا من الاولاد، وبعد العصر يبيعون 'بكرات' خيوط من ادوات الخياطة، واقمشة، وزري عبارة عن خيط قطني مغلف برقاق الذهب وكان يباع بالتولة، وانا شخصيا كنت ابيع فرخ الحمام هو ابن الطير الصغير وفرخ الدجاج، كنت اعتبرهم من الجيران لأنهم يسكنون بالقرب منا، ومن جيراننا ايضا بيت الصانع، وبودي، والرويح، وابوالحسن.
الريال الفرنسي
واستطرد قائلا: لا اعرف لماذا سمي الريال الفرنسي، وهو في الاصل ريال نمساوي، عملة راجت في الجزيرة العربية كانت تحمل صورة الملكة 'ماريا تريزيا' كانت تساوي 3 روبيات، كانت عملة قوية وسمعتها عالمية والتجار يتعاملون 'بالريال الفضي'، وتداولت الى ما بعد منتصف القرن العشرين.
وقال العم بدر: تحدثت مع السفير الفرنسي في الديوانية
هذا الريال، واخرجته له، فقال: هذا سك قبل 150 سنة، ومن ثم صدرت اول عملة في 1938 تحمل صورة الملك جورج السادس من فئة الآردي الى الروبية وفي 1943 صدرت فئة البيزتين المربعة، وفي 1946 تم اصدار قطع من النيكل لفئات الربع روبية والنصف روبية وبدأنا نحن في الكويت نتعامل فيها الى عام .1961
حلويات النقي
وانتقل في حديثه الى صناعة الحلويات في الكويت فقال: الحلواجي هو صانع 'الحلوى' ومن اشهرهم الحاج علي النقي وابناؤه عبدالحسين ووالدي يوسف وعبدالرحيم، واتذكر القدر النحاسي والملاس واذابة السكر بالماء وطبخه لتكوين 'الشيرة' ثم يصب عليه الدهن العداني، وكان والدي يشتري كميات لا تقل عن 200 كيلوغرام من عند الكبان التابع للبلدية، ويضعه في 'دبة' وفي جرة كبيرة تشبه التنور ولها فتحة ضيقة تبنى من الطين كالتنور، فهذه الدبة تستعمل لحفظ الدهن والتمر، وثم يفرغ الدهن في برادته حسب حاجة العمل (قربة صغيرة)، والدهن العداني الكويتي القديم يصنع من زبدة الغنم، يطبخ ويضاف اليه الكركم الاصفر.
اضاف: ما زلت اصنع هذا الدهن ولكن من جفل الخروف (كتلة الشحم في ذنبه) اضيف اليه البصل، وهذا الدهن نسميه ايضا الودج واحيانا اشتريه من العجيل، وبعض صناع الدهن يبيعون الجلود بعد اذابة الدهن واستخراجه على اليهود، وهم بدورهم يصنعون القحافي (طاقية الرأس).
وقال: كان سعر النعجة 4 روبيات والماعز 6 روبيات، اما الطلي الصغير فسعرها 40 روبية، وكان الخروف بدون جلد وشحم بروبية ونصف الروبية.
وكنت اضع اللحم في الملالة بعد تجفيفه ثم قال: وبسبب عقاب المدرسين لنا ايام الدراسة عند المطاوعة الملا عثمان والسيد محمد حسن تركت الدراسة وعملت مع والدي في صنع الحلوى في الشتاء، والخضرة في الصيف.
وتحدث عن سنة الهدامة فقال: كان الكويتيون يؤرخون بها مواليدهم او وفياتهم، وقد مرت احداث في هذه الفترة حيث هطلت الامطار في عام 1934 وهدمت المنازل وشردت كل سكان الاحياء، واتذكر سقوط منارة مسجد كان بالقرب من السوق الداخلي، وشاهدت مياه الامطار تجرف مخزنا فيه الدهن العداني واتلف كل ما فيه، وانا كنت ابكي وانادي على امي وابي، واتذكر الهدامة في شهر رمضان المبارك.
وهناك هدامة اخرى تعرف بالرجيبة ولم نعرف عنها شيئا لانها وقعت قبل مائة وثلاثين سنة وهذه الهدامة عرفت بالرجيبة.
سنة المجلس
وعاصر العم بدر سنة 1939 باحداثها وشاهد التظاهرات والهتافات التي عكرت صفو الامين، فتحركت سلطات الامن لضبط الامور، وقبض على البعض وقتل بعض الرجال، ولكنها هدأت بفضل الحكمة والعقلانية وتم الافراج عن المعتقلين في بداية صيف .1944
وذكر ان والده قال له : ان اول مجلس للامة في الكويت كان عام 1921 ومجلس 1938 وضع اسس النهضة في البلاد.
الأمراض... وعلاجها
وعن أمراض انتشرت قال: لا لقاح يصرف ولا اطباء يعالجون أوبئة لا يتصدى لها أحد إلا رحمة رب العالمين، طاعون جاءنا، والهيضة من الهند انتشر بيننا، الكوليرا لم نعرف حجم ضحاياها والمصابين، والجدري ترك اثرا كبيرا في الكويت، الانفلونزا، السل وكنا نسميه المرض الخبيث، بالاضافة الى الرمد في العيون، والتهاب الأذن، وأمراض الخاصة والبحارة التي لا تعد ولا تحصى.
واضاف العم بدر: علاجنا كان بالتعاويذ والكتب والآيات القرآنية والأدعية، وبعض الأملاح والنباتات، وآخر العلاج الكي بالنار، كانوا يضعون المكواة على ظهر المريض وبطنه، واحيانا تقطر بالعين حليب المرأة، والمسهل علاجه الزعتر والماء، والحجامة للصداع، والتدليك بالزيت لأوجاع الجسم، والصبع لرفع اللوزتين، وجلد الشاة للدغة الحيات، وبول الصبي لتطهير الجروح، وحتى الأمراض النفسية كانت تعالج بحرق البخور واقامة الزار.
خدماتهم جليلة
تحدث النقي عن الرجالات الذين لهم الفضل بعد الله تعالى في علاج المرضى في الأزمنة الماضية ومنهم: المرحوم سيد ياسين الذي اختص بالقراءة على جميع انواع المرضى، والمرحوم ابن الشيخ كان صديق والدي يذهب الى الحداق ويربط سفينته الصغيرة، ويقرأ بعض الكلمات على مسحوق لقاح النخيل، ويكتب بعض التعاويذ بالماء المنقع بالزعفران هذه الكتابة تسمى 'محو' ويقدم هذا الشراب للمريض، واذا اخذ احد الأولاد سفينته تنقلب عليه يفرقها ومن فيها من أصحابه، وكان بعض هؤلاء الأئمة يقولون: 'ريش بالريش، ومعلق بالعريش' وسيد حسين والد سيد ياسين مدفوع في مقبرة براحة ابن بحر كانت مقبرة من سوق الخضار الحالي في المباركية حتى المسجد وسوق الغربللي.
كان يجلس عند والدي في مدخل سوق التجار، اصيب احد اخواني بلدغة العقرب، قرأ رحمه الله على كوب ماء فشربه وشفي بإذن الله ومن هذه القراءة والتعويذات.
وقال: اتذكر من المعالجين محمد وعبدالله القطان كانا من المبروكين ومعهما المرحوم احمد الغانم مجبر الكسور، وحمود الصانع، عبدالرحمن المنيفي، ومحمد العرادي، ومساعد العازمي، واحمد الهندي، ومن النساء اتذكر أم حمود، وهيا، وأخريات كثيرات اشتهرن بالتوليد، رحمهم الله جميعا كانوا يعالجون بلا مقابل، ويصرفون الدواء لا يرجون من المريض إلا الدعاء، وبعضهم كان يعالج الفقر بالنقود.
وقال: بعد هذه العسرة والضيقة بدأ العمل بالإرسالية 'المستشفى الأميركي'، ثم المستوصف الخيري، في عام 1936 قامت دائرة الصحة بصد هذه الأوبئة، ففي 1939 انشئ اول مستوصف حكومي في الكويت، وفي 1949 تم افتتاح المستشفى الأميري.
أسواقنا القديمة
عن مراكز البيع المتعددة تحدث قائلا: لقد تشعبت الى أسواق وساحات وسكيك حى أصبحت شبكة من المتاجر والدكاكين المتخصصة في سلعة معينة، متذكرا سوق الصوف او سكة الصوف: كانت ضيقة موازية للشارع الجديد، كان عدد من النساء يجلسن يبعن الصوف المغزول، وأهم المشترين صناع البشوت والسدو، ويباع الصوف الخام للغزل، وكان البيع على الارض، وكنا نقول:
'طاح الندى على السكن ظل الحايك من غير غده'
بمعنى عندما تتساقط قطرات الندى على نول الحايك لا يعمل هذا اليوم فيبقى من دون أكل، لأنه لم يبع من هذا الغزل.
اما سوق المقاصيص فهو سوق المفلسين، عبارة عن ساحة وعدد من الأزقة فيها دكاكين تباع فيها الادوات المستخدمة والسلع المستعملة، وكانت الاسعار رخيصة جدا، ويفتح بعد صلاة العصر، واتذكر ان الراديوات والاسطوانات كانت اكثر البضاعة مبيعا.
وتذكر اليقط او اكط وهو الجبن في اللغة العربية، اما نحن في الكويت فنعتبر اللبن الخاثر الغليظ هو 'الأقط'، كنا نضعه داخل كيس من القماش ونعلقه ليقطر منه الماء حتى ينشف، ثم نشكله على شكل لقيمات، تؤكل حباتها مع التمر، وتدق وتضاف للماء ليشرب لبنا.
وقال: وقية الزبيدي ب 3 آنات، وآخر النهار بآنة واحدة، والبامية تباع بالحبة كل 10 حبات ببيزة واحدة، واتذكر كل يوم يصل الى الفرضة حوالي 40 بلم (سفينة).
والشيخ مبارك الحمد اخونا بالرضاعة رضع مع اخي فهد سنة الجهراء والد وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك، ودكان والدي بدون كهرباء، الاضاءة من لالة خزانها زجاجي تعمل بالكيروسين، ولهذا المصباح حامل حديدي، وتطور والدي فاشترى 'تريك' (مصباح يدوي) يضغط بالهواء بواسطة هماز خاص، لفظة للاتينية، كان والدي يضع حل 'ناريل' بدل من الكيروسين، كان يستخرج من السمسم او النارجيل 'جوز الهند' تتخذه المرأة لدهن شعرها، ويستعمل الحل ايضا لسد شقوق السفن، والرقاع هو مصلح الاحذية وترقيعها، وعدته مطرقة وسكين وابرة، ويتقاضى قليلا من الآنات مقابل عمله.
مشاكل الحدود
عن ازمات الكويت مع العراق ختم العم بدر حديثه قائلا: في العام 1932 اعلن العراق مبادرة الحدود، ولكن المشكلة بشأن الحدود اكثر منها الوجود، ولكن الحملات الدعائية قامت في بعض الأحيان على اساس زعزعة السلطة مع الشعب الكويتي، وكانت الحكومات العراقية دائبة على اثارة مشكلات الحدود ففي عام 1961م كان العراق واحدا من الدول التي اعترفت بالكويت دولة مستقلة كاملة السيادة، ولكن اطماع عبدالكريم قاسم فجرت مشكلة كبرى عندما اعتبر ان الكويت جزء تابع للعراق.
واضاف النقي: حمل الشعب الكويتي السلاح دافاعا عن وطنه، وانا من الذين تدربوا في مدرسة النجاح في الشرق وكان المسؤول عن الاسلحة يوسف العلي وتجولنا في الاسواق وبين الاحياء في الصوابر وفي المقابر، ودخلنا على العراقيين في بيوتهم لنبحث عن اي شيء ولما لم نجد عندهم ما يعكر الامن، كنا نسلم اسلحتنا ليعقوب دشتي ايضا الذي كان مسؤولا في مدرسة النجاح. هذه الاعمال التطوعية ذكرتني بوالدي عندما كان يحدثنا عن معركة الصريف في عام 1900 عندما اغارت الجيوش على الكويت، فجمع الشيخ مبارك الصباح عددا من الكويتيين وكان والدي بينهم، ولكن الخسة ادت الى قتل الاسرى، وكان معهم بالحرب والد زيد الكاظمي وحبيب التتان وعبدالمحسن القطان، والشيخ علي الخليفة العبدالله الصباح الذي كان رئىسا للأمن العام وتوفي سنة 1942م.