AHMAD
23-02-2009, 03:15 AM
إعداد : سعود الديحاني
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/23534750920090223.png
مراحل العمر تقاس بالانجازات بها فكل مرحلة لها ذكرى بما حل بأيامها ولياليها... عبدالحميد الفرس ادرك العهد القديم لنيل العلم عندنا بالكويت فدرس في المدارس الاهلية حيث تنقل عند أكثر من معلم حتى حطت ركابه في المدرسة الشرقية ومنها إلى المدرسة المباركية، بعد ذلك اختير ضمن مجموعة طلبة لكي يصبحوا معلمين في دائرة المعارف تدرج في هذا السلك حتى اصبح ناظرا في عدة مدارس والتحق في كثير من الدورات وشارك ايضا بكثير من المعارض بصفته فنانا ورساما.
أحاديث متنوعة وشيقة يتخللها الحديث عن الماء ونقله من شط العرب فلنترك له ذلك. أنا من مواليد الميدان وهو بالقرب من الطبورة، وأقرب مسجد لنا مسجد الصحاف، وبيت «أبو صخر» لانه أول بيت بني من الصخر، وبراحة مبارك قريبة منا وكذلك الجنيعات قريب منا، ومسجد الجناعات قريب منا وحياة البحر بشقه الثاني هو السفر كان أخي نوخذة سفر وهو محمود ووالدي كان نوخذة ماء وركب الغوص سيب وأنا بدأت دراستي، وكانت عند الملا نقي وهي دراسة مختلطة لان عمرنا في سن الطفولة خمس سنوات فدرست عنده جزءا ممن القرآن على فترتين، وممن درس معي ابناء الخباز وأبوصخر والاسيري بعد ذلك انتقلت إلى مدرسة ملا بلال وهو ملا نموذجي كان يعطينا بنادق «تفق» وكنا ندهنها ونضع عليها نجوما مرصعة وأنا كنت اخذ نجوما من صندوق اخي لكي اضعها على جوانب البندقية وكنا نتدرب الاحترام والاستعداد ونمشي معاً من المدرسة حتى دروازة الشامية وهذا تدريب إلى جانب الدراسة في بيته في حوش «فناء» وهو إذا تعب استراح... المراقب حسين مكي الجمعة ومعنا من ابناء الحمر وكنا نعطيه روبية او روبيتين والمدة التي اخذتها عنده اكثر من سنة بعد ذلك انتقلت إلى المدرسة الجعفرية وهي اول مدرسة جعفرية نظامية وكان يدرسنا فيها الطبطبائي والعمر ومحمد حسن الكندري وهي على فترة الصبح ومكانها اليوم مقابل قصر السيف مكان وزارة الصحة بالقرب من ماكينة الثلج، وكذلك بالقرب من وزارة الخارجية اليوم وكان مقابلهم المستوصف السوري الحديدي.
المواد
كانت المدرسة الجعفرية تركز على اللغتين العربية والفارسية، الذي لا يتقن العربية ويكون من اصول فارسية يدرس اللغة الفارسية وانا لم اواجه صعوبة في هذه المدرسة لان والدتي من بر فارس فأعرف فارسيا وعربيا فلا صعوبة اواجها... ومدير المدرسة سيد محمد حسن والان هناك مدرسة باسمه وكل المواد تدرس، اللغة الانكليزية يدرسنا ميرزا حسام هو وابنه يدرسان اللغتين الفارسية والانكليزية وكان عندهم سيدو الوطني في سوق واجف. وايضا هناك مواد علوم وتاريخ ومن زملائي عبدالرحمن العوضي حبيب حياتي، وحمزة عباس ميرزا محافظ البنك المركزي السابق، وحسين بهبهاني الذين بيتهم في الضاحية، ومحمد رضا بهبهاني ودراستي كانت نحو سنتين.
الحكومة
بعد ذلك فتحت الحكومة المدرسة الشرقية ونحن لاننا في فريج هلال بالشرق ذهبنا إلى الشرقية قبلها بأشهر درست عند الملا عبدالوهاب الحنيان ودرست عربي وحساب وهو قريب من بيتنا... والمدرسة الشرقية كانوا يخوفوننا حيث يقولون انها اجبارية والزامية وصارت مشادة بين الوالد والوالدة، الوالدة تخاف عليّ والوالد مصر على ذهابي للمدرسة الشرقية لكن كلام الوالد هو الذي صار ودخلت الاول ابتدائي في المدرسة الشرقية سنة 1940 وشهادتها لا تزال موجودة عندي وعليها توقيع مدير المعارف، والنظار الذين ادركتهم عبدالحميد الحبش، وأخوه عبدالمجيد الحبش صار ناظرا لمدرسة ابو تمام وهو جاء عسكريا للكويت برتبة كبيرة.
المدرسين
من المدرسين الذي ادركتهم في الشرقية عبدالعزيز الدوسري مدرسا علوم، وعبداللطيف المطوع «صاحب شركة النمر» كان مدرسا لمادة الحساب وهناك مدرس عراقي شديد بعد ذلك جاءنا الاستاذ أحمد السقاف وهو أول مجيئة من اليمن وكان يدرسنا اللغة العربية والدراسة صبح وعصر ومن زملائي سعد علي الناهض وجاسم سالم المضف وابراهيم البحوه وسليمان عبدالرزاق وعبدالله جاسم القظيبي وعبدالمحسن غانم القظيبي وسيف مرزوق الشملان نحن كنا خمسة وعشرين طالبا في الاول الابتدائي وسيف مرزوق الشملان تعارك مع احد المدرسين ووضعه في الزاوية ونحن كنا نقول الحقوا... الحقوا والفراش ياسر جاء ثم جاء الناظر وفض التعارك... وقد سئلت قبل عدة ايام عن طريق مكالمة هاتفية بيني وبين سيف مرزوق الشملان فقلت له تذكر هذا الموقف فقال: نعم لكن المدرس هو الذي اعتدى علي هو لا يزال يذكر هذا الموقف.
الابتدائي
المرحلة الابتدائية هي المتوسطة في ذاك الزمان ست سنوات ثم صارت ثانوية في الشرقية الجديدة والقديمة اصبحت للبنات والجديدة على البحر وهي موجودة إلى اليوم مهجورة وقد درسنا بها عاما دراسيا كاملا ثم اكملنا في المباركية التي في سوق التجارة وقد اتممت إلى رابع ثانوي ومن مدرسيني زهير كرمي ونجم وهما فلسطينيان وسلمان ابو غوش وعبداللطيف الصالح ابو قصي ابنه دكتور وزهير كرمي كان له برنامج معروف ثم جاء مدرسون كويتيون ومنهم عيسى الحمد وهو مدرس تربية بدنية.
الخامس
كنا في رابعة ثانوي مفروض نذهب إلى خامسة ثانوي توجيهي، والثانوي خمس سنوات بعدها جامعة لان ست سنوات ابتدائي ويوم من الايام ونحن في انبساط دخل علينا عبدالعزيز حسين التركيت كان توه معينا مديرا للمعارف بدل درويش المقداوي القى السلام علينا وقال ان السنة المقبلة سوف نفتتح صفا ويطلق عليه صف المعلمين ونريد منكم من يرغب في ان يصبح معلما سوف نعطيهم كل شهر مئة روبية وبسنة يأخذ دبلوم معلمين وبعدها يصبح مدرسا وقالوا مناهجكم مثل مناهج التوجيه بالاضافة إلى مواد ثانية تربية وعلم نفس ووسائل ايضاح، بالاضافة إلى مواد التوجيه التي دخل بها الجامعة
الموافقة
ذهبنا إلى بيوتنا واخذنا نتشاور وصار الامر من حظ الوالد لانه كان يريد الا اذهب إلى الخارج وقد كانت هناك دفعة معلمين قبلنا منهم أيوب حسين وراشد ادريس ومحمد علي وأحمد مهنا ونحن الدفعة الثانية من رابعة ثانوي ودراستنا في صف في ثانوية صغير في حجمه ونحن كنا تسعة طلاب وهذا بعد التشاور حيث كنا ثلاثين طالبا واصبحنا تسعة طلاب انا وفارس وقيان بدر العجيل الضاحي وخالد المضف وجاسم القظيبي وعبدالمحسن القظيبي ومبارك العنيزي وعلي الحداد ومحمد الياسين بعد سنة توزعنا على المدارس براتب مقداره 400 روبية وعلا صوت المدرسين واجتمعوا في نادي المعلمين، حيث لم يكن هناك جمعية معلمين واجتمعنا في الجبلة وكل المدرسين كويتيون لا يتجاوز عددهم ثلاثين مدرسا وقد احتجوا لاننا نأخذ 400 روبية ومعاش المعلم لا يتجاوز 150 روبية وكان حمد الرجيب للتو متخرجا ناظرا لصباح وعبدالمحسن الرشيد خرج على المنصة وتكلم لماذا نحن نأخذ 400 روبية وهم لا يتجاوز راتبهم 150 روبية ولم نلبث الا والشيخ عبدالله الجابر داخل علينا ولما عرف لماذا نحن مجتمعون صعد للمنصة وقال وعدا لجميع المدرسين الكويتيين ألف روبية كاش يأخذونها من الغد القديم والجديد بعد ذلك فرحنا وتساوى الجميع بالراتب واصبح 400 روبية كان ذلك سنة 1951 و1952 بعد ثلاث سنين خرج الكادر وصار هناك علاوات ودرجات.
الأول
أنا كنت مدرسا حين تخرجي في مدرسة خالد بن الوليد كانت بالقرب من سوق الذهب في المباركية وكانت مدرسة قديمة صارت معهدا دينيا ثم هدمت وصار موقع ذهب... نحن هؤلاء التسعة وزعونا الذي كان بالجبلة ذهب الشرق وبالعكس ونحن تخرجنا في معهد المعلمين مدرس فصل تدرس كل المواد ماعدا التربية البدنية والفنية والرياضية والموسيقى وانا عندي صورة مع الفصل مازلت احتفظ بها وناظرنا في خالد بن الوليد هو صالح الشهاب لكن بعد سنة انتدب إلى دائرة الارشاد واسس السياحة ثم جاء بعده محمد زكريا الانصاري اخ الشاعر.
النقص
صار هناك نقص في مادة التربية الفنية وكنت انا اشطر المجموعة في هذه المادة ارسم ممتازا ومعي الاستاذ معجب الدوسري وانا تخرجت على يده وكنت شاطرا في الرسم ودرسني في الشرقية وعلى ذلك صرت رساما ولما رآني الناظر محمد زكريا الانصاري ان عندي موهبة وقدرة قال سوف نجعلك مدرسا لهذه المادة إلى ان يتسنى لنا طلب مدرس لهذه المادة اخذ الورشة وكان يسمى رسم واشغال بعد ذلك نقلني رئيس وسائل الايضاح واختارني مساعدا له وهو عبدالمحسن الرشيد وكان قبل ذلك الفلسطين ابراهيم عيد... له الرشيد بعد رابع سنة وصرت في مدرسة كاظمة سنة كاملة لان بيتنا صار في المقوع الشرقي بعد ذلك صرت وكيل ادارة قسم الوسائل والايضاح ثم اسسنا الوسائل القسم إلى الادارة وقد اصبحت الادارة اقساما قسم التحنيط والطباعة والتصميم والعينات وبعد الاستقلال صار اسمها ادارة الوسائل السمعية والبصرية وهذه الوسائل تعمل سلاحا للمدرس... وانا كنت بقسم التصميم والتدريب واخذنا ندرب المدرسين والمدرسات... بعد ذلك حصلت على بعثة دراسية سنة 1967 في انكلترا وتخصصت في وسائل الايضاح وهي دورة وعملنا معرضا واشركنا جميع المدرسين في معرض كل شيء يخص البحر.
الرميثية
وقد حصلت بعض الامور ورجعت مدرسا وكانت فرصة ان الوزارة سوف تفتتح مدرسة بالرميثية ونهاية العام الدراسي قربت لكن عندما رجعت الدراسة صرت ناظرا في مدرسة الرميثية المشتركة الابتدائي والمتوسط ثم نقلوا المرحلة الابتدائية إلى مدرسة فلسطين لانها كانت المدرسة الوحيدة في الرميثية كل سكان الرميثية كانوا عندي ثلاث عشرة قطعة.
وقعدت عدة سنين وانا ناظر ثم حركت بعض النظار وقلت لماذا لا نأخذ دورات في الادارة المدارس في الجامعات الخارجية وكان الوكيل للوزارة يعقوب الغنيم فوافق... وكان انور النوري ملحقا في لندن وانا اعرف هناك معهدا في جامعة ليز معهد تربية وذهبنا ستة اشهر لغة وبعد المقابلة اخترت انا واحمد اليحيى لان لغتنا كانت قوية ثم اخذت فصل ادارة مدارس، بالاضافة فصل وسائل ايضاحية وبعد سنة ونصف السنة انتهيت من هذه الدراسة.
زائدة
بعد رجوعي عينت ناظرا في مدرسة معن بن زائدة فأنا كنت ابني بيتا بالقرب من هذه المدرسة فتسلمتها وهي لا شيء فيها حتى الكراسي لا توجد واسسناها وجلست بها حتى سنة 1979 بعد ذلك تقاعدت وانا في مدرسة معن بن زائدة وهي مدرسة نموذجية فيها ستمئة طالب.
التلاميذ
أنا درّست كثيرا من الطلاب سواء من افراد الشعب او ابناء الاسرة الحاكمة «الشيوخ» وكذلك وزراء فعلى سبيل المثال من تلاميذي الشيخ علي عبدالله السالم وابناء الهارون ومحمد علي جمال مستشار البنك الصناعي وسليمان المسلم وحمد سعود الدخيل ونادر العيسى وخالد النفيسي وأمير عبدالرضا وخالد العبيد وبدر القطامي.
العشيرة
نحن من عشيرة العساكر وهي تنتمي إلى قبيلة بني كعب وكان اكبر عمامي علي محمد جاسم من الرجالات المعروفين عند شيخ خزعل وهو يعتمد عليه في مراسلاته في يوم من اعطاه مهمة خطاب لشيخ عشيرة من العشائر الموجودة عندهم وهذه العملية تريد وقتا طويلا في نفس ليلة وصل عمي على الخطاب وجاء بالجواب «الرد» وفي الصباح سئل الشيخ خزعل عمي على ألم تذهب بالخطاب فقال هذا الرد فقال متى ذهب بليلة واحدة وصلت الخطاب واتيت بالجواب حتى لو فرس لا تستطيع ان تذهب وتعود فذهب هذا اللقب على اسرتنا... والشيخ مبارك استفاد من عمي على ساعد المنور البريطاني ايام الاستقلال البصرة من العثمانيين فقد رشح لهم على الفرس دليله لان المنيوحي كان بساتين المنيوحي...
هلال
لم أر هلال فجحان المطيري لكن مشاري وفجحان كانا من اصدقائي فبيتنا كان في ميدان وهو البيت الوحيد من دورين قلة البيوت من دورين في تلك الايام.. وشاوينا كان أبورجا وبيتنا اخذه يوسف بن عيسى واعطانا البيت الذي في فريج هلال والبيت كان مدرسة اخذه يوسف بن عيسى واعطانا الف روبية والمدرسة كان مقر بداية المدرسة الشرقية ولما تسلمه يوسف بن عيسى ذهبت المدرسة لبيت المضف... وانا اول زيارة لي للقاهرة استقبلني فجحان وكان عنده بونتيك طراز 54 وكان عنده شقة في الاسكندرية استقبلنا بها ودعانا للعشاء بها... وقد درس معي نايف ومحمد وعبدالعزيز المخلد معي في الشرقية ورومي الفهد من جارنا.
المعارض
كثير من معارض الربيع كنت اشرف عليها واشارك كرسام.
الزواج
أنا تزوجت من بنت خالي فوالدي اختار لي التدريس وزوجني حتى لا اسافر فزواجي كان سنة 1954 والذي عقد زواجي المزيدي والمهر كان 100 روبية.
البيت
نحن بعد تثمين بيتنا في الميدان والذي مقداره 300 الف روبية انتقلنا إلى منطقة المقوع الشرقي وكان لنا فيه بيتنا لي ولوالدي ثم انتقلنا إلى الدعية ثم عبدالله السالم... اما السياقة فقد تعلمت على سيارة الدوب انا مع حسين معرفي وكان المدرب يأتينا وقت الظهر حتى ان السيارة ترتفع حرارتها وضع بها ثلجا وماء... اول سيارة اشتريتها بونتيك ثم سيارة شفر من حسين مكي بمبلغ عشر آلاف روبية ثم اخذت غير السيارات وكل سيارة استبدلها اعطيها ولد خالي يعمل على تاكسي وهذا تعاون بيني وبينه... وابنائي عشرة مع بنت وكلهم مدرسون ومهندسون ولي احفاد شهاداتهم عالية وهناك ضباط وابني عقيد متقاعد.
شط
عندما ننظر إلى مصب شط العرب في جنوب العراق نجده يفصل الجانب العراقي غربا عن الجانب الايراني شرقا، وهو يبدأ من ملتقى الرافدين (نهري دجلة والفرات) عند نقطة (القرنة) عند مدينة البصرة شمالا وحتى رأس الخليج العربي عند نقطة (الفاو) جنوبا، يصب نهرا دجلة والفرات المياه العذبة في الخليج على مدار السنة من دون توقف حيث تتجمع مياه الامطار ومياه الثلوج التي تذوب في فصل الصيف من على جبال عالية جنوب شرق تركيا لتكون روافد متعددة تلتقي كلها في رافدين رئيسيين هما رافدا (دجلة والفرات) واللذان يمران داخل العراق وسورية شمالا متجهان إلى الجنوب ليلتقيا مع شط العرب عند مدينة البصرة جنوبا، هذه المياه العذبة تزداد كميتها وتقل حسب ازدياد وقلة مواسم هطول الامطار هناك في شمال العراق وجنوب تركيا وحسب كميات الثلوج المتراكمة على رؤوس الجبال هناك في فصل الشتاء. في حالة ازدياد تدفق كمية المياه في شط العرب يمتلئ ويرتفع منسوب المياه فيه وهذا بدوره يصب في الخليج بكميات تمتد معها مساحة المياه العذبة فتتراجع عندها المياه المالحة خارج مصب الشط عند رأس الخليج بمسافة ليست بقليلة، والجدير بالذكر عندما يتأخر الموسم ويقل هطول الامطار في الشمال تنحسر معه كمية تدفق المياه العذبة في شط العرب وينخفض منسوبه، الامر الذي يجعل المياه المالحة تندفع من الخليج إلى داخل مصب الشط بمسافة ليست بقليلة ايضا، كما ان هذه الظاهرة تعتمد نسبيا على حدوث المد والجزر، ومن الملاحظ ان شط العرب بطبيعته يمتاز بالمناظر الجميلة مع وجود اشجار النخيل الباسقة على ضفتيه، وهو متعرج في مجراه يضيق ويتسع في اماكن متعددة ما يجعل السفر والتنقل فيه من الصعوبة بمكان، وتواجه السفن الشراعية المختلفة مخاطر تتطلب معها الحذر والدقة في تسييرها، هذا عدا البواخر التجارية العملاقة التي تبحر فيه ليل نهار حاملة البضائع والنفط الخام من والى مينائي البصرة وعبدان في شمال الشط.
سفن
من الوسائل التي اعتمد عليها اهل الكويت في جلب مياه الشرب من شط العرب الذي يصب في الخليج العربي جنوب العراق هي وسيلة السفن الشراعية المخصصة لنقل هذه المياه. هذه السفن تسمى: (ابو ام الماي) جمع (بوم ماي) والتي تبنى على يد (الاستاذية) اي المعلمين من جماعة القلاليف الذين هم مختصون في بناء السفن الشراعية المختلفة في دولة الكويت، هذه السفن حجمها متوسط وهي اصغر نسبيا مقارنة مع السفن المستخدمة للابحار بعيدا وخارج مياه الخليج مثل (ابو ام السفر) تلك السفن التي تستخدم لغرض شحن البضائع المختلفة من وإلى الدول المجاورة من قارتي آسيا وافريقيا. اما سفن شحن المياه فقط فهي تمتاز بتصميم خاص حيث انها مكشوفة ومن دون حواجز داخلية ومجهزة بخزانات خشبية والتي تسمى (توانكي) جمع (تانكي) بأحجام مختلفة تثبت داخل بطن السفينة في (حملة البوم) بحيث لا تتحرك مع ميلان السفينة عند مواجهة الامواج في عرض البحر وهذه الخزانات لها فتحات مناسبة على ظهر كل خزانة لغرض ملئها وتفريغها من المياه.
ويراعى في صناعة هذه السفن المتانة والسعة لكي تسع اكبر عدد من (توانكي المياه)، وغالبا ما يصل عددها نحو عشرة من الخزانات الخشبية او اكثر مختلفة الاحجام وموزعة داخل السفينة، كما ان هذه السفن مجهزة بعدد 2 صواري جمع صاري (دقل) من الخشب المتين احدهما طويل ويسمى (دقل العود) والثاني اقصر نسبيا ويسمى (دقل الغلمي) هذه الصواري مثبتة ايضا مع جسم السفينة بشكل قوي ومتين لترفع عليها الاشرعة بواسطة الفرامن جمع (فرمن) وهو العمود الخشبي الذي يرفع إلى اعلى الصاري ويرفع معه الشراع المربوط فيه فالشراع العود يرفع على الصاري الطويل (دقل العود) والشراع الثاني والذي هو اصغر حجما يرفع على الصاري القصير (دقل الغلمي) وغالبا يرفع الشراع الكبير اولا ثم بعد فترة يرفع الشراع الثاني لتبحر السفينة بشراعين، ذلك عندما يرى (النوخذة) الذي هو ربان السفينة ان اتجاه الرياح مناسب وملائم مع وجهة سير السفينة وحتى تساعد على سرعة ابحارها.
وهناك شراع صغير ثالث يسمى (البومية) يثبت مع مقدمة السفينة ويرفع بجانب الشراع الكبير وهذا يساعد ايضا على ازدياد سرعة السفينة، ونادرا ما يستخدم هذا الشراع في سفن شحن المياه، ولكن كثيرا ما يستخدم في السفن الكبيرة (السفارة) التي تبحر إلى مسافات بعيدة.
وسفن الماء المعروفة آنذاك كثيرة منها:
- (بوم الناقة) المملوكة للتاجر صالح محمد الفرس، وقد سمي بالناقة لأن مقدمته طويلة وسايحة نوعا ما وقد صنع هذا البوم الاستاذ حمود بن حسن للنوخذة محمد الشاهين الذي باعه على النوخذة صالح الفرس واستخدمه في نقل الماء العذب إلى الكويت.
- (بوم سردال) للتاجر احمد الخرافي، وهذا البوم يمتاز بحجمه الكبير، وقد صنعه الاستاذ حمود بن حسن.
- (بوم الدوبة) للتاجر حمد الصقر.
- (بوم بونيان وبوم المنجي ومطيران وجيناوي) وهذه من السفن التي بنيت خصيصا لشركة المياه الكويتية على يد اكبر صناع السفن في الكويت مثل الاستاذ احمد بن سلمان بالاضافة إلى السفن المملوكة للأهالي من التجار حتى تستطيع تلبية الاستهلاك اليومي المتزايد من المياه العذبة التي تجلب من شط العرب ومن هذه السفن:
- بوم الخرافي، بوم ابن فهد، بوم صالح فرس، بوم براك بن خميس، بوم علي فرس، بوم ابن قطامي، بوم ادعيج، بوم يوسف بن حيي، بوم عبداللطيف بن عيسى، بوم تيفونيه، بوم ابن فرحان، بوم منصور معرفي.
الرحلة
تبدأ رحلة (سفن الماء) من الكويت إلى شط العرب غالبا مع حدوث ظاهرة (المد) حيث يرتفع منسوب مياه الخليج العربي الروتيني - كما هو معروف - والذي يحدث مرتين (مد) ومرتين (جزر) كل 24 ساعة حسب دوران القمر حول الارض، عندما ترتفع المياه على شواطئ الكويت تكون السفن في وضع استعداد للخروج من (النقع) وهي المحمية او الملجأ على شكل سور من الصخور تحتمي فيها السفن المختلفة من عواقب تقلبات الجو وارتفاع الامواج اثناء هبوب الرياح الشديدة، فبعد الاستعداد وتجهيز سفن الماء من المتطلبات كالطعام والبحارة، تبحر باتجاه شط العرب شرقا خارجه من جون الكويت ومرورا بين جزيرتي بوبيان ومسكان ثم تعبر بحر (خورعبدالله) وبعدها تصل إلى مصب شط العرب عند نقطة (الفاو) جنوب العراق، وتستغرق هذه الرحلة من 10 - 15 ساعة حسب اتجاه الريح في المواسم المختلفة ومثلها في رحلة العودة بعد ان تملأ خزائنها من المياه العذبة. هذا عندما تصل المياه العذبة عند مصب الشط او خارجه احيانا في حالة غزارة المياه المتدفقة من نهري دجلة والفرات، اما في حالة انحسار المياه العذبة داخل الشط بسبب قلة هطول الامطار في شمال العراق وتركيا عندها تلحق السفن المياه العذبة داخل الشط باتجاه الشمال الامر الذي يتطلب منها وقتا اكثر وجهدا اكبر.
التوانكي
عندما تصل سفن الماء (ابو ام الماي) إلى بداية مصب شط العرب وبعد التأكد من ان المياه اصبحت في هذا المكان عذبة صالحة للشرب، هنا يصبح النوخذة (اطرح) فتطرح السفينة اي تقف في مكانها بعد ان يرمي الانكر (الباورة) وينزل الشراع من على الصاري (الدقل) او يربط معه موقتا ومع (الفرمن) على وضعه ويسمى (نشالي) ذلك لتوفير الجهد من نزول الشراع ورفعه مرة اخرى.
تجهز ادوات التعبئة ويستعد البحارة للعمل الجماعي لملء الخزانات بالمياه العذبة بعد ان يعطي النوخذة الاشارة بالبدء ويصيح (امزر) اي ابدأ بالتعبئة وهنا تسمى العملية بـ (المزور) حيث تتم كالآتي:
تعلق بالحبال على جانبي السفينة نحو اربع دواسات خشبية تسمى (جوالي) جمع (جالي) وتنزل هذه الدواسات حتى تصل إلى مستوى سطح الماء ثم تثبت ثم يقف على دواسة (جالي) عدد 2 من البحارة ويمسك كل واحد منهم علبة من الصفيح كبيرة تسمى (زيلة) او (قوطي) يغرف فيها الماء من الشط ويصبه في طرف (السليفة) وهي على شكل مزراب خشبي مفتوح من الاعلى يمتد من حافة السفينة إلى فتحة التانكي ثم تتم عملية (المزور) هذه بالتناوب احيانا بين البحارة وتستمر إلى ان تمتلئ التوانكي بالمياه عندها يصيح النوخذة (ارفع) اشارة إلى الاكتفاء، والنوخذة هنا هو الذي يشرف على العملية ثم بعد الانتهاء من عملية التعبئة والتي تستغرق ما بين 3 - 4 ساعات يتوجه النوخذة او من يناوب عنه بواسطة الزورق الصغير (الكنز) المرافق للسفينة إلى مركز الجمارك العراقية الموجود في منطقة (الفاو) مصطحبا معه مستندات السفينة للحصول على اذن المغادرة بعد ان يدفع مبلغا رمزيا بمثابة رسم مقابل الحصول على المياه العذبة، وكثيرا من الاحيان تغادر السفن المياه العراقية راجعة إلى الكويت حسب ظروف الطقس دون ان تراجع المركز المذكور لتدفع الرسوم المعروفة، وفي هذه الحالة تكون السفن قد خالفت القانون المتبع هناك والخاص بمغادرة شط العرب، الامر الذي قد تصادف السفن زوارق الدوريات البخارية المترصدة لها، وهنا تخضع لعقوبات الحجز والتوقيف او دفع الغرامة الفورية والمغادرة.
في رحلة العودة إلى الكويت تكون السفن مثقلة بعد تعبئتها من المياه العذبة، وكما اسلفنا ان كل سفينة متوسطة الحجم تحمل ما لا يقل عن عدد (10) خزانات (توانكي) وكل خزان يتسع لنحو 4000 - 5000 جالون، اي ان السفينة ستكون محملة بما يقارب 50000 جالون (خمسين الف جالون من المياه) الامر الذي يجعل النوخذة يكون اكثر حذرا ويقظة في تسيير للسفينة المثقلة بالمياه اثناء عودتها إلى الكويت والذي يغطس اكثر من 90 في المئة من جسمها تحت الماء! ذلك وخصوصا في ظروف تغيير الطقس وارتفاع الامواج عند هبوب الرياح الشمالية.
تغادر السفينة مصب شط العرب إلى الكويت باتجاه الغرب لتخترق بحر (خور عبدالله) ثم تصل إلى المياه الاقليمية الكويتية وتمر بين جزيرتي بوبيان ومسكان باتجاه الجون ثم إلى مدينة الكويت. يوجه النوخذة السفينة مباشرة إلى ما يسمى بـ (النقعة) او المحمية التي قد تعود الارساء فيها احيانا بناء على ارشادات صاحب السفينة وذلك حسب ظروف تواجد الاماكن الشاغرة.
وكما ذكرنا سابقا فهذه النقع محاطة بسور عريض وسميك ومرتفع عن الصخور البحرية الكبيرة ولها منافذ مفتوحة لدخول وخروج السفن الشراعية المختلفة على مدار السنة. والجدير بالذكر ان هناك عددا كبيرا من هذه النقع او المحميات التي كانت تمتد من طرف الساحل القبلي إلى طرف الساحل الشرقي من مدينة الكويت. وتقع هذه النقع مباشرة امام حي (الفريج) الذي تسمى باسمه النقع، ولا يسعنا هنا إلا ان نذكر اسماء بعض هذه النقع التي كانت ترسي فيها سفن الماء لتفريغها وتوزيعها على الناس منها: نقعة البدر، الصقر، الغنيم، الشملان والنصف. كما اسلفنا يوجه النوخذة السفينة باتجاه الحي او الفريج الذي يقصده ليدخل بالسفينة من منفذ النقعة لتستقر بداخلها بعد ان يأمر النوخذة ويصيح بكلمة (هرية) فيقوم البحار بإنزال الشراع ورمي الانكر (الباورة) ومن ثم تربط السفينة بالحبال من جوانب عدة حتى لا تتحرك عن مكانها.
بعد ان بدأت مشكلة عدم توافر المياه العذبة تتفاقم حيث ان عدد سكان الكويت اصبح بتزايد مستمر مع بداية عهد النهضة في اوائل القرن الماضي، بدأ الكثير من الكويتيين - الذين لهم علاقة بالتجارة البحرية - بجلب المياه من شط العرب في العراق والذي يصب في شمال الخليج.
وقد ذكر كثير من المؤرخين (ومنهم المؤرخ عبدالله الحاتم) عن اولئك الذين ابتكروا وفكروا بطرق جلب المياه من شط العرب ومن هؤلاء هو السيد محمد اليعقوب سنة 1907 م حيث قام بنقل الماء في احدى السفن الخشبية التي تسمى (تشاله) ووضع بها براميل عدة خشبية (تسمى بالفناطيس) جمع فنطاس - خزان ماء خشبي (تانكي ماء) ثم سافر بها إلى (الفاو) بالعراق وعاد على ارباح مشجعة لم يكن يتوقعها ولما رأى اصحاب السفن ما تدره هذه العملية من فوائد كبيرة وانها مصدر ربح جيد لهم، بالاضافة كمهنة لعدد كبير من البحارة العاطلين عن العمل حيث ستساعدهم على كسب الرزق فتم بناء واعداد السفن المتوسطة الحجم والتي تتراوح حمولة الواحدة ما بين المئة والمئة وخمسين طنا.
ونود الاشارة ان في عهد الشيخ مبارك الصباح اشترت الحكومة باخرة لهذه الغاية اطلق عليها اسم (سعيد) وهي اول باخرة تملكها الحكومة لهذا الغرض.
وبعد ذلك اصبحت سفن نقل المياه من شط العرب في تزايد مستمر لأن هذه المهنة اصبحت لها عائدات جيدة تدر على ممتهنيها الربح الوفير، ومما ساعد على ذلك قرب المسافة ما بين الكويت ومنطقة (الفاو) بالعراق وايضا لمجانية الحصول على الماء هناك لكونه من الشط، لذا فقد وصل عدد السفن التي تقوم بهذه المهمة في الثلاثينات ما يقارب من خمسين سفينة من نوع البوم ومن بين ملاك هذه السفن هم بعض افراد عائلة (الفرس) الذين ينتمون الى عشيرة العساكرة احدى العشائر المنبثقة من قبيلة بني كعب التي زحفت قديما مع غيرها من القبائل من وسط الجزيرة العربية إلى مناطق متفرقة في شمالها.
لقد ملك عميد العائلة المذكورة آنذاك - النوخذة حجي صالح بن محمد الفرس - عدد سفينتين لنقل الماء كانت السفينة الاولى تسمى (الحصان) لأنها كانت تمتاز بسرعتها عن بقية سفن الماء واما السفينة الثانية كانت تسمى (الناقة) حيث كانت مقدمتها مائلة إلى الامام - كرقبة الناقة.
وهذه السفينة قد صنعها الاستاذ حجي احمد بن سلمان عميد صناع السفن بالكويت صنعها للتاجر المعروف شاهين الغانم حيث اشتراها منه بعد ذلك النوخذة الحاج صالح بن محمد الفرس.
عمل النوخذة الحاج صالح بن محمد الفرس مع بداية عمره في اوائل القرن الماضي في نقل الماء من شط العرب ثم تناقلت هذه المهمة إلى ابنائه النواخذة:
النوخذة الحاج محمد صالح الفرس، والنوخذة الحاج محمود صالح الفرس، والنوخذة الحاج احمد صالح الفرس.
وقد عمل جميع النواخذة ابناء الحاج صالح بن محمد الفرس مع والدهم على سفنه في بداية حياتهم العملية، وبعد ان تكسبوا الخبرة من والدهم اصبح كل واحد منهم بعد ذلك يعتمد على نفسه وعلى خبرته في تسيير سفينة خاصة لنفسه كبقية نواخذة السفن التي تجلب المياه من شط العرب.
وعمل ايضا النوخذة عبدالله محمد الفرس - حفيد الحاج صالح الفرس في تسيير السفينة التي كان يعمل عليها عمه الحاج محمود صالح الفرس بعد ان تتلمذ على يده وتعلم اسرار المهنة.
هذا كما ان النوخذة الحاج علي محمد الفرس الشقيق الاكبر للحاج صالح محمد الفرس كان يملك ايضا سفينة خاصة به لنقل المياه قبل ان يسلم المهمة إلى ابنائه النواخذة: حسن علي الفرس وجارالله علي الفرس.
ومن بعدهما تسلم احفاده المسؤولية ومنهم: النوخذة كاسب حسن الفرس والنوخذة عبدالله جارالله الفرس.
واما المرحوم النوخذة حسين محمد الفرس الشقيق الثالث لعميد العائلة الحاج صالح محمد الفرس، فقد كان بدوره له نشاط ملموس في مجال جلب المياه العذبة من شط العرب.
كان يتعاون مع اشقائه ويساعدهم على تسيير سفنهم «ابوام الماي» وعلى تذليل المصاعب التي يواجهونها اثناء وجودهم في شط العرب عند شحن المياه العذبة، ويمدهم بالمؤن والبحارة حسب احتياجهم، ذلك لأنه غالبا ما كان يتنقل بين الكويت وشط العرب بحكم اعتباره من احد ملاك بساتين النخيل المثمرة هناك، الامر الذي يتطلب وجوده عند املاكه في مواسم جمع التمور وتصديره بالتعاون مع التجار الكويتيين اصحاب سفن النقل الشراعية الكبيرة «ابوام السفر» المخصصة لهذا الغرض.
وقد استقر النوخذة حسين محمد الفرس في نهاية حياته في الكويت بجانب اشقائه وابنه المعروف الوحيد خلف الذي كان يلقب (بالتيلجي) بحكم عمله والذي هو والد الاستاذ الاديب الشاعر فاضل خلف واخوانه.
ولم يكن للسيد خلف التيلجي دور في مجال جلب المياه العذبة من شط العرب كبقية افراد العائلة، وقد توفي في بداية الاربعينات من القرن الماضي.
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/123534750920090223.jpg
صور لمراحل متعددة من العمر
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/223534750920090223.png
وصول أبوام الماء للنقعة
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/23534753820090223.png
مع تلاميذه
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/123534753820090223.png
تصريح خاص به
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/223534753820090223.png
الوالد حاملاً أحد أبنائه
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/23534750920090223.png
مراحل العمر تقاس بالانجازات بها فكل مرحلة لها ذكرى بما حل بأيامها ولياليها... عبدالحميد الفرس ادرك العهد القديم لنيل العلم عندنا بالكويت فدرس في المدارس الاهلية حيث تنقل عند أكثر من معلم حتى حطت ركابه في المدرسة الشرقية ومنها إلى المدرسة المباركية، بعد ذلك اختير ضمن مجموعة طلبة لكي يصبحوا معلمين في دائرة المعارف تدرج في هذا السلك حتى اصبح ناظرا في عدة مدارس والتحق في كثير من الدورات وشارك ايضا بكثير من المعارض بصفته فنانا ورساما.
أحاديث متنوعة وشيقة يتخللها الحديث عن الماء ونقله من شط العرب فلنترك له ذلك. أنا من مواليد الميدان وهو بالقرب من الطبورة، وأقرب مسجد لنا مسجد الصحاف، وبيت «أبو صخر» لانه أول بيت بني من الصخر، وبراحة مبارك قريبة منا وكذلك الجنيعات قريب منا، ومسجد الجناعات قريب منا وحياة البحر بشقه الثاني هو السفر كان أخي نوخذة سفر وهو محمود ووالدي كان نوخذة ماء وركب الغوص سيب وأنا بدأت دراستي، وكانت عند الملا نقي وهي دراسة مختلطة لان عمرنا في سن الطفولة خمس سنوات فدرست عنده جزءا ممن القرآن على فترتين، وممن درس معي ابناء الخباز وأبوصخر والاسيري بعد ذلك انتقلت إلى مدرسة ملا بلال وهو ملا نموذجي كان يعطينا بنادق «تفق» وكنا ندهنها ونضع عليها نجوما مرصعة وأنا كنت اخذ نجوما من صندوق اخي لكي اضعها على جوانب البندقية وكنا نتدرب الاحترام والاستعداد ونمشي معاً من المدرسة حتى دروازة الشامية وهذا تدريب إلى جانب الدراسة في بيته في حوش «فناء» وهو إذا تعب استراح... المراقب حسين مكي الجمعة ومعنا من ابناء الحمر وكنا نعطيه روبية او روبيتين والمدة التي اخذتها عنده اكثر من سنة بعد ذلك انتقلت إلى المدرسة الجعفرية وهي اول مدرسة جعفرية نظامية وكان يدرسنا فيها الطبطبائي والعمر ومحمد حسن الكندري وهي على فترة الصبح ومكانها اليوم مقابل قصر السيف مكان وزارة الصحة بالقرب من ماكينة الثلج، وكذلك بالقرب من وزارة الخارجية اليوم وكان مقابلهم المستوصف السوري الحديدي.
المواد
كانت المدرسة الجعفرية تركز على اللغتين العربية والفارسية، الذي لا يتقن العربية ويكون من اصول فارسية يدرس اللغة الفارسية وانا لم اواجه صعوبة في هذه المدرسة لان والدتي من بر فارس فأعرف فارسيا وعربيا فلا صعوبة اواجها... ومدير المدرسة سيد محمد حسن والان هناك مدرسة باسمه وكل المواد تدرس، اللغة الانكليزية يدرسنا ميرزا حسام هو وابنه يدرسان اللغتين الفارسية والانكليزية وكان عندهم سيدو الوطني في سوق واجف. وايضا هناك مواد علوم وتاريخ ومن زملائي عبدالرحمن العوضي حبيب حياتي، وحمزة عباس ميرزا محافظ البنك المركزي السابق، وحسين بهبهاني الذين بيتهم في الضاحية، ومحمد رضا بهبهاني ودراستي كانت نحو سنتين.
الحكومة
بعد ذلك فتحت الحكومة المدرسة الشرقية ونحن لاننا في فريج هلال بالشرق ذهبنا إلى الشرقية قبلها بأشهر درست عند الملا عبدالوهاب الحنيان ودرست عربي وحساب وهو قريب من بيتنا... والمدرسة الشرقية كانوا يخوفوننا حيث يقولون انها اجبارية والزامية وصارت مشادة بين الوالد والوالدة، الوالدة تخاف عليّ والوالد مصر على ذهابي للمدرسة الشرقية لكن كلام الوالد هو الذي صار ودخلت الاول ابتدائي في المدرسة الشرقية سنة 1940 وشهادتها لا تزال موجودة عندي وعليها توقيع مدير المعارف، والنظار الذين ادركتهم عبدالحميد الحبش، وأخوه عبدالمجيد الحبش صار ناظرا لمدرسة ابو تمام وهو جاء عسكريا للكويت برتبة كبيرة.
المدرسين
من المدرسين الذي ادركتهم في الشرقية عبدالعزيز الدوسري مدرسا علوم، وعبداللطيف المطوع «صاحب شركة النمر» كان مدرسا لمادة الحساب وهناك مدرس عراقي شديد بعد ذلك جاءنا الاستاذ أحمد السقاف وهو أول مجيئة من اليمن وكان يدرسنا اللغة العربية والدراسة صبح وعصر ومن زملائي سعد علي الناهض وجاسم سالم المضف وابراهيم البحوه وسليمان عبدالرزاق وعبدالله جاسم القظيبي وعبدالمحسن غانم القظيبي وسيف مرزوق الشملان نحن كنا خمسة وعشرين طالبا في الاول الابتدائي وسيف مرزوق الشملان تعارك مع احد المدرسين ووضعه في الزاوية ونحن كنا نقول الحقوا... الحقوا والفراش ياسر جاء ثم جاء الناظر وفض التعارك... وقد سئلت قبل عدة ايام عن طريق مكالمة هاتفية بيني وبين سيف مرزوق الشملان فقلت له تذكر هذا الموقف فقال: نعم لكن المدرس هو الذي اعتدى علي هو لا يزال يذكر هذا الموقف.
الابتدائي
المرحلة الابتدائية هي المتوسطة في ذاك الزمان ست سنوات ثم صارت ثانوية في الشرقية الجديدة والقديمة اصبحت للبنات والجديدة على البحر وهي موجودة إلى اليوم مهجورة وقد درسنا بها عاما دراسيا كاملا ثم اكملنا في المباركية التي في سوق التجارة وقد اتممت إلى رابع ثانوي ومن مدرسيني زهير كرمي ونجم وهما فلسطينيان وسلمان ابو غوش وعبداللطيف الصالح ابو قصي ابنه دكتور وزهير كرمي كان له برنامج معروف ثم جاء مدرسون كويتيون ومنهم عيسى الحمد وهو مدرس تربية بدنية.
الخامس
كنا في رابعة ثانوي مفروض نذهب إلى خامسة ثانوي توجيهي، والثانوي خمس سنوات بعدها جامعة لان ست سنوات ابتدائي ويوم من الايام ونحن في انبساط دخل علينا عبدالعزيز حسين التركيت كان توه معينا مديرا للمعارف بدل درويش المقداوي القى السلام علينا وقال ان السنة المقبلة سوف نفتتح صفا ويطلق عليه صف المعلمين ونريد منكم من يرغب في ان يصبح معلما سوف نعطيهم كل شهر مئة روبية وبسنة يأخذ دبلوم معلمين وبعدها يصبح مدرسا وقالوا مناهجكم مثل مناهج التوجيه بالاضافة إلى مواد ثانية تربية وعلم نفس ووسائل ايضاح، بالاضافة إلى مواد التوجيه التي دخل بها الجامعة
الموافقة
ذهبنا إلى بيوتنا واخذنا نتشاور وصار الامر من حظ الوالد لانه كان يريد الا اذهب إلى الخارج وقد كانت هناك دفعة معلمين قبلنا منهم أيوب حسين وراشد ادريس ومحمد علي وأحمد مهنا ونحن الدفعة الثانية من رابعة ثانوي ودراستنا في صف في ثانوية صغير في حجمه ونحن كنا تسعة طلاب وهذا بعد التشاور حيث كنا ثلاثين طالبا واصبحنا تسعة طلاب انا وفارس وقيان بدر العجيل الضاحي وخالد المضف وجاسم القظيبي وعبدالمحسن القظيبي ومبارك العنيزي وعلي الحداد ومحمد الياسين بعد سنة توزعنا على المدارس براتب مقداره 400 روبية وعلا صوت المدرسين واجتمعوا في نادي المعلمين، حيث لم يكن هناك جمعية معلمين واجتمعنا في الجبلة وكل المدرسين كويتيون لا يتجاوز عددهم ثلاثين مدرسا وقد احتجوا لاننا نأخذ 400 روبية ومعاش المعلم لا يتجاوز 150 روبية وكان حمد الرجيب للتو متخرجا ناظرا لصباح وعبدالمحسن الرشيد خرج على المنصة وتكلم لماذا نحن نأخذ 400 روبية وهم لا يتجاوز راتبهم 150 روبية ولم نلبث الا والشيخ عبدالله الجابر داخل علينا ولما عرف لماذا نحن مجتمعون صعد للمنصة وقال وعدا لجميع المدرسين الكويتيين ألف روبية كاش يأخذونها من الغد القديم والجديد بعد ذلك فرحنا وتساوى الجميع بالراتب واصبح 400 روبية كان ذلك سنة 1951 و1952 بعد ثلاث سنين خرج الكادر وصار هناك علاوات ودرجات.
الأول
أنا كنت مدرسا حين تخرجي في مدرسة خالد بن الوليد كانت بالقرب من سوق الذهب في المباركية وكانت مدرسة قديمة صارت معهدا دينيا ثم هدمت وصار موقع ذهب... نحن هؤلاء التسعة وزعونا الذي كان بالجبلة ذهب الشرق وبالعكس ونحن تخرجنا في معهد المعلمين مدرس فصل تدرس كل المواد ماعدا التربية البدنية والفنية والرياضية والموسيقى وانا عندي صورة مع الفصل مازلت احتفظ بها وناظرنا في خالد بن الوليد هو صالح الشهاب لكن بعد سنة انتدب إلى دائرة الارشاد واسس السياحة ثم جاء بعده محمد زكريا الانصاري اخ الشاعر.
النقص
صار هناك نقص في مادة التربية الفنية وكنت انا اشطر المجموعة في هذه المادة ارسم ممتازا ومعي الاستاذ معجب الدوسري وانا تخرجت على يده وكنت شاطرا في الرسم ودرسني في الشرقية وعلى ذلك صرت رساما ولما رآني الناظر محمد زكريا الانصاري ان عندي موهبة وقدرة قال سوف نجعلك مدرسا لهذه المادة إلى ان يتسنى لنا طلب مدرس لهذه المادة اخذ الورشة وكان يسمى رسم واشغال بعد ذلك نقلني رئيس وسائل الايضاح واختارني مساعدا له وهو عبدالمحسن الرشيد وكان قبل ذلك الفلسطين ابراهيم عيد... له الرشيد بعد رابع سنة وصرت في مدرسة كاظمة سنة كاملة لان بيتنا صار في المقوع الشرقي بعد ذلك صرت وكيل ادارة قسم الوسائل والايضاح ثم اسسنا الوسائل القسم إلى الادارة وقد اصبحت الادارة اقساما قسم التحنيط والطباعة والتصميم والعينات وبعد الاستقلال صار اسمها ادارة الوسائل السمعية والبصرية وهذه الوسائل تعمل سلاحا للمدرس... وانا كنت بقسم التصميم والتدريب واخذنا ندرب المدرسين والمدرسات... بعد ذلك حصلت على بعثة دراسية سنة 1967 في انكلترا وتخصصت في وسائل الايضاح وهي دورة وعملنا معرضا واشركنا جميع المدرسين في معرض كل شيء يخص البحر.
الرميثية
وقد حصلت بعض الامور ورجعت مدرسا وكانت فرصة ان الوزارة سوف تفتتح مدرسة بالرميثية ونهاية العام الدراسي قربت لكن عندما رجعت الدراسة صرت ناظرا في مدرسة الرميثية المشتركة الابتدائي والمتوسط ثم نقلوا المرحلة الابتدائية إلى مدرسة فلسطين لانها كانت المدرسة الوحيدة في الرميثية كل سكان الرميثية كانوا عندي ثلاث عشرة قطعة.
وقعدت عدة سنين وانا ناظر ثم حركت بعض النظار وقلت لماذا لا نأخذ دورات في الادارة المدارس في الجامعات الخارجية وكان الوكيل للوزارة يعقوب الغنيم فوافق... وكان انور النوري ملحقا في لندن وانا اعرف هناك معهدا في جامعة ليز معهد تربية وذهبنا ستة اشهر لغة وبعد المقابلة اخترت انا واحمد اليحيى لان لغتنا كانت قوية ثم اخذت فصل ادارة مدارس، بالاضافة فصل وسائل ايضاحية وبعد سنة ونصف السنة انتهيت من هذه الدراسة.
زائدة
بعد رجوعي عينت ناظرا في مدرسة معن بن زائدة فأنا كنت ابني بيتا بالقرب من هذه المدرسة فتسلمتها وهي لا شيء فيها حتى الكراسي لا توجد واسسناها وجلست بها حتى سنة 1979 بعد ذلك تقاعدت وانا في مدرسة معن بن زائدة وهي مدرسة نموذجية فيها ستمئة طالب.
التلاميذ
أنا درّست كثيرا من الطلاب سواء من افراد الشعب او ابناء الاسرة الحاكمة «الشيوخ» وكذلك وزراء فعلى سبيل المثال من تلاميذي الشيخ علي عبدالله السالم وابناء الهارون ومحمد علي جمال مستشار البنك الصناعي وسليمان المسلم وحمد سعود الدخيل ونادر العيسى وخالد النفيسي وأمير عبدالرضا وخالد العبيد وبدر القطامي.
العشيرة
نحن من عشيرة العساكر وهي تنتمي إلى قبيلة بني كعب وكان اكبر عمامي علي محمد جاسم من الرجالات المعروفين عند شيخ خزعل وهو يعتمد عليه في مراسلاته في يوم من اعطاه مهمة خطاب لشيخ عشيرة من العشائر الموجودة عندهم وهذه العملية تريد وقتا طويلا في نفس ليلة وصل عمي على الخطاب وجاء بالجواب «الرد» وفي الصباح سئل الشيخ خزعل عمي على ألم تذهب بالخطاب فقال هذا الرد فقال متى ذهب بليلة واحدة وصلت الخطاب واتيت بالجواب حتى لو فرس لا تستطيع ان تذهب وتعود فذهب هذا اللقب على اسرتنا... والشيخ مبارك استفاد من عمي على ساعد المنور البريطاني ايام الاستقلال البصرة من العثمانيين فقد رشح لهم على الفرس دليله لان المنيوحي كان بساتين المنيوحي...
هلال
لم أر هلال فجحان المطيري لكن مشاري وفجحان كانا من اصدقائي فبيتنا كان في ميدان وهو البيت الوحيد من دورين قلة البيوت من دورين في تلك الايام.. وشاوينا كان أبورجا وبيتنا اخذه يوسف بن عيسى واعطانا البيت الذي في فريج هلال والبيت كان مدرسة اخذه يوسف بن عيسى واعطانا الف روبية والمدرسة كان مقر بداية المدرسة الشرقية ولما تسلمه يوسف بن عيسى ذهبت المدرسة لبيت المضف... وانا اول زيارة لي للقاهرة استقبلني فجحان وكان عنده بونتيك طراز 54 وكان عنده شقة في الاسكندرية استقبلنا بها ودعانا للعشاء بها... وقد درس معي نايف ومحمد وعبدالعزيز المخلد معي في الشرقية ورومي الفهد من جارنا.
المعارض
كثير من معارض الربيع كنت اشرف عليها واشارك كرسام.
الزواج
أنا تزوجت من بنت خالي فوالدي اختار لي التدريس وزوجني حتى لا اسافر فزواجي كان سنة 1954 والذي عقد زواجي المزيدي والمهر كان 100 روبية.
البيت
نحن بعد تثمين بيتنا في الميدان والذي مقداره 300 الف روبية انتقلنا إلى منطقة المقوع الشرقي وكان لنا فيه بيتنا لي ولوالدي ثم انتقلنا إلى الدعية ثم عبدالله السالم... اما السياقة فقد تعلمت على سيارة الدوب انا مع حسين معرفي وكان المدرب يأتينا وقت الظهر حتى ان السيارة ترتفع حرارتها وضع بها ثلجا وماء... اول سيارة اشتريتها بونتيك ثم سيارة شفر من حسين مكي بمبلغ عشر آلاف روبية ثم اخذت غير السيارات وكل سيارة استبدلها اعطيها ولد خالي يعمل على تاكسي وهذا تعاون بيني وبينه... وابنائي عشرة مع بنت وكلهم مدرسون ومهندسون ولي احفاد شهاداتهم عالية وهناك ضباط وابني عقيد متقاعد.
شط
عندما ننظر إلى مصب شط العرب في جنوب العراق نجده يفصل الجانب العراقي غربا عن الجانب الايراني شرقا، وهو يبدأ من ملتقى الرافدين (نهري دجلة والفرات) عند نقطة (القرنة) عند مدينة البصرة شمالا وحتى رأس الخليج العربي عند نقطة (الفاو) جنوبا، يصب نهرا دجلة والفرات المياه العذبة في الخليج على مدار السنة من دون توقف حيث تتجمع مياه الامطار ومياه الثلوج التي تذوب في فصل الصيف من على جبال عالية جنوب شرق تركيا لتكون روافد متعددة تلتقي كلها في رافدين رئيسيين هما رافدا (دجلة والفرات) واللذان يمران داخل العراق وسورية شمالا متجهان إلى الجنوب ليلتقيا مع شط العرب عند مدينة البصرة جنوبا، هذه المياه العذبة تزداد كميتها وتقل حسب ازدياد وقلة مواسم هطول الامطار هناك في شمال العراق وجنوب تركيا وحسب كميات الثلوج المتراكمة على رؤوس الجبال هناك في فصل الشتاء. في حالة ازدياد تدفق كمية المياه في شط العرب يمتلئ ويرتفع منسوب المياه فيه وهذا بدوره يصب في الخليج بكميات تمتد معها مساحة المياه العذبة فتتراجع عندها المياه المالحة خارج مصب الشط عند رأس الخليج بمسافة ليست بقليلة، والجدير بالذكر عندما يتأخر الموسم ويقل هطول الامطار في الشمال تنحسر معه كمية تدفق المياه العذبة في شط العرب وينخفض منسوبه، الامر الذي يجعل المياه المالحة تندفع من الخليج إلى داخل مصب الشط بمسافة ليست بقليلة ايضا، كما ان هذه الظاهرة تعتمد نسبيا على حدوث المد والجزر، ومن الملاحظ ان شط العرب بطبيعته يمتاز بالمناظر الجميلة مع وجود اشجار النخيل الباسقة على ضفتيه، وهو متعرج في مجراه يضيق ويتسع في اماكن متعددة ما يجعل السفر والتنقل فيه من الصعوبة بمكان، وتواجه السفن الشراعية المختلفة مخاطر تتطلب معها الحذر والدقة في تسييرها، هذا عدا البواخر التجارية العملاقة التي تبحر فيه ليل نهار حاملة البضائع والنفط الخام من والى مينائي البصرة وعبدان في شمال الشط.
سفن
من الوسائل التي اعتمد عليها اهل الكويت في جلب مياه الشرب من شط العرب الذي يصب في الخليج العربي جنوب العراق هي وسيلة السفن الشراعية المخصصة لنقل هذه المياه. هذه السفن تسمى: (ابو ام الماي) جمع (بوم ماي) والتي تبنى على يد (الاستاذية) اي المعلمين من جماعة القلاليف الذين هم مختصون في بناء السفن الشراعية المختلفة في دولة الكويت، هذه السفن حجمها متوسط وهي اصغر نسبيا مقارنة مع السفن المستخدمة للابحار بعيدا وخارج مياه الخليج مثل (ابو ام السفر) تلك السفن التي تستخدم لغرض شحن البضائع المختلفة من وإلى الدول المجاورة من قارتي آسيا وافريقيا. اما سفن شحن المياه فقط فهي تمتاز بتصميم خاص حيث انها مكشوفة ومن دون حواجز داخلية ومجهزة بخزانات خشبية والتي تسمى (توانكي) جمع (تانكي) بأحجام مختلفة تثبت داخل بطن السفينة في (حملة البوم) بحيث لا تتحرك مع ميلان السفينة عند مواجهة الامواج في عرض البحر وهذه الخزانات لها فتحات مناسبة على ظهر كل خزانة لغرض ملئها وتفريغها من المياه.
ويراعى في صناعة هذه السفن المتانة والسعة لكي تسع اكبر عدد من (توانكي المياه)، وغالبا ما يصل عددها نحو عشرة من الخزانات الخشبية او اكثر مختلفة الاحجام وموزعة داخل السفينة، كما ان هذه السفن مجهزة بعدد 2 صواري جمع صاري (دقل) من الخشب المتين احدهما طويل ويسمى (دقل العود) والثاني اقصر نسبيا ويسمى (دقل الغلمي) هذه الصواري مثبتة ايضا مع جسم السفينة بشكل قوي ومتين لترفع عليها الاشرعة بواسطة الفرامن جمع (فرمن) وهو العمود الخشبي الذي يرفع إلى اعلى الصاري ويرفع معه الشراع المربوط فيه فالشراع العود يرفع على الصاري الطويل (دقل العود) والشراع الثاني والذي هو اصغر حجما يرفع على الصاري القصير (دقل الغلمي) وغالبا يرفع الشراع الكبير اولا ثم بعد فترة يرفع الشراع الثاني لتبحر السفينة بشراعين، ذلك عندما يرى (النوخذة) الذي هو ربان السفينة ان اتجاه الرياح مناسب وملائم مع وجهة سير السفينة وحتى تساعد على سرعة ابحارها.
وهناك شراع صغير ثالث يسمى (البومية) يثبت مع مقدمة السفينة ويرفع بجانب الشراع الكبير وهذا يساعد ايضا على ازدياد سرعة السفينة، ونادرا ما يستخدم هذا الشراع في سفن شحن المياه، ولكن كثيرا ما يستخدم في السفن الكبيرة (السفارة) التي تبحر إلى مسافات بعيدة.
وسفن الماء المعروفة آنذاك كثيرة منها:
- (بوم الناقة) المملوكة للتاجر صالح محمد الفرس، وقد سمي بالناقة لأن مقدمته طويلة وسايحة نوعا ما وقد صنع هذا البوم الاستاذ حمود بن حسن للنوخذة محمد الشاهين الذي باعه على النوخذة صالح الفرس واستخدمه في نقل الماء العذب إلى الكويت.
- (بوم سردال) للتاجر احمد الخرافي، وهذا البوم يمتاز بحجمه الكبير، وقد صنعه الاستاذ حمود بن حسن.
- (بوم الدوبة) للتاجر حمد الصقر.
- (بوم بونيان وبوم المنجي ومطيران وجيناوي) وهذه من السفن التي بنيت خصيصا لشركة المياه الكويتية على يد اكبر صناع السفن في الكويت مثل الاستاذ احمد بن سلمان بالاضافة إلى السفن المملوكة للأهالي من التجار حتى تستطيع تلبية الاستهلاك اليومي المتزايد من المياه العذبة التي تجلب من شط العرب ومن هذه السفن:
- بوم الخرافي، بوم ابن فهد، بوم صالح فرس، بوم براك بن خميس، بوم علي فرس، بوم ابن قطامي، بوم ادعيج، بوم يوسف بن حيي، بوم عبداللطيف بن عيسى، بوم تيفونيه، بوم ابن فرحان، بوم منصور معرفي.
الرحلة
تبدأ رحلة (سفن الماء) من الكويت إلى شط العرب غالبا مع حدوث ظاهرة (المد) حيث يرتفع منسوب مياه الخليج العربي الروتيني - كما هو معروف - والذي يحدث مرتين (مد) ومرتين (جزر) كل 24 ساعة حسب دوران القمر حول الارض، عندما ترتفع المياه على شواطئ الكويت تكون السفن في وضع استعداد للخروج من (النقع) وهي المحمية او الملجأ على شكل سور من الصخور تحتمي فيها السفن المختلفة من عواقب تقلبات الجو وارتفاع الامواج اثناء هبوب الرياح الشديدة، فبعد الاستعداد وتجهيز سفن الماء من المتطلبات كالطعام والبحارة، تبحر باتجاه شط العرب شرقا خارجه من جون الكويت ومرورا بين جزيرتي بوبيان ومسكان ثم تعبر بحر (خورعبدالله) وبعدها تصل إلى مصب شط العرب عند نقطة (الفاو) جنوب العراق، وتستغرق هذه الرحلة من 10 - 15 ساعة حسب اتجاه الريح في المواسم المختلفة ومثلها في رحلة العودة بعد ان تملأ خزائنها من المياه العذبة. هذا عندما تصل المياه العذبة عند مصب الشط او خارجه احيانا في حالة غزارة المياه المتدفقة من نهري دجلة والفرات، اما في حالة انحسار المياه العذبة داخل الشط بسبب قلة هطول الامطار في شمال العراق وتركيا عندها تلحق السفن المياه العذبة داخل الشط باتجاه الشمال الامر الذي يتطلب منها وقتا اكثر وجهدا اكبر.
التوانكي
عندما تصل سفن الماء (ابو ام الماي) إلى بداية مصب شط العرب وبعد التأكد من ان المياه اصبحت في هذا المكان عذبة صالحة للشرب، هنا يصبح النوخذة (اطرح) فتطرح السفينة اي تقف في مكانها بعد ان يرمي الانكر (الباورة) وينزل الشراع من على الصاري (الدقل) او يربط معه موقتا ومع (الفرمن) على وضعه ويسمى (نشالي) ذلك لتوفير الجهد من نزول الشراع ورفعه مرة اخرى.
تجهز ادوات التعبئة ويستعد البحارة للعمل الجماعي لملء الخزانات بالمياه العذبة بعد ان يعطي النوخذة الاشارة بالبدء ويصيح (امزر) اي ابدأ بالتعبئة وهنا تسمى العملية بـ (المزور) حيث تتم كالآتي:
تعلق بالحبال على جانبي السفينة نحو اربع دواسات خشبية تسمى (جوالي) جمع (جالي) وتنزل هذه الدواسات حتى تصل إلى مستوى سطح الماء ثم تثبت ثم يقف على دواسة (جالي) عدد 2 من البحارة ويمسك كل واحد منهم علبة من الصفيح كبيرة تسمى (زيلة) او (قوطي) يغرف فيها الماء من الشط ويصبه في طرف (السليفة) وهي على شكل مزراب خشبي مفتوح من الاعلى يمتد من حافة السفينة إلى فتحة التانكي ثم تتم عملية (المزور) هذه بالتناوب احيانا بين البحارة وتستمر إلى ان تمتلئ التوانكي بالمياه عندها يصيح النوخذة (ارفع) اشارة إلى الاكتفاء، والنوخذة هنا هو الذي يشرف على العملية ثم بعد الانتهاء من عملية التعبئة والتي تستغرق ما بين 3 - 4 ساعات يتوجه النوخذة او من يناوب عنه بواسطة الزورق الصغير (الكنز) المرافق للسفينة إلى مركز الجمارك العراقية الموجود في منطقة (الفاو) مصطحبا معه مستندات السفينة للحصول على اذن المغادرة بعد ان يدفع مبلغا رمزيا بمثابة رسم مقابل الحصول على المياه العذبة، وكثيرا من الاحيان تغادر السفن المياه العراقية راجعة إلى الكويت حسب ظروف الطقس دون ان تراجع المركز المذكور لتدفع الرسوم المعروفة، وفي هذه الحالة تكون السفن قد خالفت القانون المتبع هناك والخاص بمغادرة شط العرب، الامر الذي قد تصادف السفن زوارق الدوريات البخارية المترصدة لها، وهنا تخضع لعقوبات الحجز والتوقيف او دفع الغرامة الفورية والمغادرة.
في رحلة العودة إلى الكويت تكون السفن مثقلة بعد تعبئتها من المياه العذبة، وكما اسلفنا ان كل سفينة متوسطة الحجم تحمل ما لا يقل عن عدد (10) خزانات (توانكي) وكل خزان يتسع لنحو 4000 - 5000 جالون، اي ان السفينة ستكون محملة بما يقارب 50000 جالون (خمسين الف جالون من المياه) الامر الذي يجعل النوخذة يكون اكثر حذرا ويقظة في تسيير للسفينة المثقلة بالمياه اثناء عودتها إلى الكويت والذي يغطس اكثر من 90 في المئة من جسمها تحت الماء! ذلك وخصوصا في ظروف تغيير الطقس وارتفاع الامواج عند هبوب الرياح الشمالية.
تغادر السفينة مصب شط العرب إلى الكويت باتجاه الغرب لتخترق بحر (خور عبدالله) ثم تصل إلى المياه الاقليمية الكويتية وتمر بين جزيرتي بوبيان ومسكان باتجاه الجون ثم إلى مدينة الكويت. يوجه النوخذة السفينة مباشرة إلى ما يسمى بـ (النقعة) او المحمية التي قد تعود الارساء فيها احيانا بناء على ارشادات صاحب السفينة وذلك حسب ظروف تواجد الاماكن الشاغرة.
وكما ذكرنا سابقا فهذه النقع محاطة بسور عريض وسميك ومرتفع عن الصخور البحرية الكبيرة ولها منافذ مفتوحة لدخول وخروج السفن الشراعية المختلفة على مدار السنة. والجدير بالذكر ان هناك عددا كبيرا من هذه النقع او المحميات التي كانت تمتد من طرف الساحل القبلي إلى طرف الساحل الشرقي من مدينة الكويت. وتقع هذه النقع مباشرة امام حي (الفريج) الذي تسمى باسمه النقع، ولا يسعنا هنا إلا ان نذكر اسماء بعض هذه النقع التي كانت ترسي فيها سفن الماء لتفريغها وتوزيعها على الناس منها: نقعة البدر، الصقر، الغنيم، الشملان والنصف. كما اسلفنا يوجه النوخذة السفينة باتجاه الحي او الفريج الذي يقصده ليدخل بالسفينة من منفذ النقعة لتستقر بداخلها بعد ان يأمر النوخذة ويصيح بكلمة (هرية) فيقوم البحار بإنزال الشراع ورمي الانكر (الباورة) ومن ثم تربط السفينة بالحبال من جوانب عدة حتى لا تتحرك عن مكانها.
بعد ان بدأت مشكلة عدم توافر المياه العذبة تتفاقم حيث ان عدد سكان الكويت اصبح بتزايد مستمر مع بداية عهد النهضة في اوائل القرن الماضي، بدأ الكثير من الكويتيين - الذين لهم علاقة بالتجارة البحرية - بجلب المياه من شط العرب في العراق والذي يصب في شمال الخليج.
وقد ذكر كثير من المؤرخين (ومنهم المؤرخ عبدالله الحاتم) عن اولئك الذين ابتكروا وفكروا بطرق جلب المياه من شط العرب ومن هؤلاء هو السيد محمد اليعقوب سنة 1907 م حيث قام بنقل الماء في احدى السفن الخشبية التي تسمى (تشاله) ووضع بها براميل عدة خشبية (تسمى بالفناطيس) جمع فنطاس - خزان ماء خشبي (تانكي ماء) ثم سافر بها إلى (الفاو) بالعراق وعاد على ارباح مشجعة لم يكن يتوقعها ولما رأى اصحاب السفن ما تدره هذه العملية من فوائد كبيرة وانها مصدر ربح جيد لهم، بالاضافة كمهنة لعدد كبير من البحارة العاطلين عن العمل حيث ستساعدهم على كسب الرزق فتم بناء واعداد السفن المتوسطة الحجم والتي تتراوح حمولة الواحدة ما بين المئة والمئة وخمسين طنا.
ونود الاشارة ان في عهد الشيخ مبارك الصباح اشترت الحكومة باخرة لهذه الغاية اطلق عليها اسم (سعيد) وهي اول باخرة تملكها الحكومة لهذا الغرض.
وبعد ذلك اصبحت سفن نقل المياه من شط العرب في تزايد مستمر لأن هذه المهنة اصبحت لها عائدات جيدة تدر على ممتهنيها الربح الوفير، ومما ساعد على ذلك قرب المسافة ما بين الكويت ومنطقة (الفاو) بالعراق وايضا لمجانية الحصول على الماء هناك لكونه من الشط، لذا فقد وصل عدد السفن التي تقوم بهذه المهمة في الثلاثينات ما يقارب من خمسين سفينة من نوع البوم ومن بين ملاك هذه السفن هم بعض افراد عائلة (الفرس) الذين ينتمون الى عشيرة العساكرة احدى العشائر المنبثقة من قبيلة بني كعب التي زحفت قديما مع غيرها من القبائل من وسط الجزيرة العربية إلى مناطق متفرقة في شمالها.
لقد ملك عميد العائلة المذكورة آنذاك - النوخذة حجي صالح بن محمد الفرس - عدد سفينتين لنقل الماء كانت السفينة الاولى تسمى (الحصان) لأنها كانت تمتاز بسرعتها عن بقية سفن الماء واما السفينة الثانية كانت تسمى (الناقة) حيث كانت مقدمتها مائلة إلى الامام - كرقبة الناقة.
وهذه السفينة قد صنعها الاستاذ حجي احمد بن سلمان عميد صناع السفن بالكويت صنعها للتاجر المعروف شاهين الغانم حيث اشتراها منه بعد ذلك النوخذة الحاج صالح بن محمد الفرس.
عمل النوخذة الحاج صالح بن محمد الفرس مع بداية عمره في اوائل القرن الماضي في نقل الماء من شط العرب ثم تناقلت هذه المهمة إلى ابنائه النواخذة:
النوخذة الحاج محمد صالح الفرس، والنوخذة الحاج محمود صالح الفرس، والنوخذة الحاج احمد صالح الفرس.
وقد عمل جميع النواخذة ابناء الحاج صالح بن محمد الفرس مع والدهم على سفنه في بداية حياتهم العملية، وبعد ان تكسبوا الخبرة من والدهم اصبح كل واحد منهم بعد ذلك يعتمد على نفسه وعلى خبرته في تسيير سفينة خاصة لنفسه كبقية نواخذة السفن التي تجلب المياه من شط العرب.
وعمل ايضا النوخذة عبدالله محمد الفرس - حفيد الحاج صالح الفرس في تسيير السفينة التي كان يعمل عليها عمه الحاج محمود صالح الفرس بعد ان تتلمذ على يده وتعلم اسرار المهنة.
هذا كما ان النوخذة الحاج علي محمد الفرس الشقيق الاكبر للحاج صالح محمد الفرس كان يملك ايضا سفينة خاصة به لنقل المياه قبل ان يسلم المهمة إلى ابنائه النواخذة: حسن علي الفرس وجارالله علي الفرس.
ومن بعدهما تسلم احفاده المسؤولية ومنهم: النوخذة كاسب حسن الفرس والنوخذة عبدالله جارالله الفرس.
واما المرحوم النوخذة حسين محمد الفرس الشقيق الثالث لعميد العائلة الحاج صالح محمد الفرس، فقد كان بدوره له نشاط ملموس في مجال جلب المياه العذبة من شط العرب.
كان يتعاون مع اشقائه ويساعدهم على تسيير سفنهم «ابوام الماي» وعلى تذليل المصاعب التي يواجهونها اثناء وجودهم في شط العرب عند شحن المياه العذبة، ويمدهم بالمؤن والبحارة حسب احتياجهم، ذلك لأنه غالبا ما كان يتنقل بين الكويت وشط العرب بحكم اعتباره من احد ملاك بساتين النخيل المثمرة هناك، الامر الذي يتطلب وجوده عند املاكه في مواسم جمع التمور وتصديره بالتعاون مع التجار الكويتيين اصحاب سفن النقل الشراعية الكبيرة «ابوام السفر» المخصصة لهذا الغرض.
وقد استقر النوخذة حسين محمد الفرس في نهاية حياته في الكويت بجانب اشقائه وابنه المعروف الوحيد خلف الذي كان يلقب (بالتيلجي) بحكم عمله والذي هو والد الاستاذ الاديب الشاعر فاضل خلف واخوانه.
ولم يكن للسيد خلف التيلجي دور في مجال جلب المياه العذبة من شط العرب كبقية افراد العائلة، وقد توفي في بداية الاربعينات من القرن الماضي.
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/123534750920090223.jpg
صور لمراحل متعددة من العمر
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/223534750920090223.png
وصول أبوام الماء للنقعة
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/23534753820090223.png
مع تلاميذه
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/123534753820090223.png
تصريح خاص به
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/223534753820090223.png
الوالد حاملاً أحد أبنائه