صفحات من تاريخ الكويت - يوسف بن عيسى القناعي
بسم الله ، والحمد لله ، وبعد ..
الشيخ القاضي يوسف بن عيسى القناعي أحد أكابر (أعلام الكويت) الاصلاحيين، عرف بالاعتدلال بالرأي والانصاف ، وكان ممن لا يخشى في الحق لومة ً من لائم أياً كان (1). له اسهاماته الجمة في شتى المجالات: التعليمية، والسياسية، والتجارية، والتاريخية. ويعنينا بهذا المقام أبرز جهود الشيخ يوسف القناعي في توثيق التاريخ الكويتي، بكتاب صغـُر حجماً وكبـُر فائدة ً وعلماً ! وهو يصلح أن يكون مخططاً هيكليا .. لخطة بحث علمي ؛ يُرتَّب التاريخ الكويتي متسلسلاً من خلال مباحثها وفصولها ، فيدرس بشكل أعمق وأكثر فحصاً وتفصيلاً. وهذا كتابه: صفحات من تاريخ الكويت ، نضيفه كاملاً لأرشيف المنتدى؛ كي يحصل به النفع والاستفادة، رحم الله تعالى الشيخ وأسكنه فسيح الجنان. ========= (1) ومع ذلك التاريخ الحافل بالحسنات ؛ فليست العصمة إلا للأنبياء .. نستعين بفهمه وآرائه الصائبة للوصول إلى: ( المعرفة ) ولبلوغ ( الحقيقة )؛ و لا نعارضها بفهم أحدٍ كائناً من كان .. مع تمام الاعتذار للمخطئ من علمائنا الكويتيين؛ بحسن قصدهم ونواياهم الحسنة . |
بسم الله الرحمن الرحيم والعاقبة للمتقين والله أسأل أن يوفقني للحقيقة والصواب. الكويت هو تصغير كوت وهو معروف بالعراق، وهو عندهم يحتوي على عدة دور للفلاحين ويحاط بسور، وقد تكون هذه الدور خالية من السور. وتاريخ بناء هذا الكويت لا نعلمه بوجه الحقيقة والأحرى أنه بنى في آخر القرن الحادي عشر من الهجرة، أما الباني فهو أمير بني خالد باتفاق الرواة، كان هذا الأمير يضع فيه الزاد والمتاع إذا اشتمل للربيع ويتزود منه لحاجته، والظاهر أن الباني لهذا الكويت هو براك أمير بني خالد، لأن براكاً سنة 1074 هجرية كان هو الأمير على بني خالد أيام دولتهم، وقد ذكر في تاريخ العراق الحديث (أن الحكومة أمرته أن يأخذ الإحساء من محمد باشا فلم يجد صعوبة في أخذها ورأى من المناسب أن يأخذها لنفسه). فمن هذه العبارة استدل أن الباني هو براك وأن البناء قد يكون في آخر سنة 1100 من الهجرة. |
مناخ الكويت الكويت أحسن بلد في الخليج العربي مناخاً وصحة أما الهواء فريح الشمال تهب على الكويت من بحر لا يتجاوز عرضه عدة أميال فيأتيها الشمال خالياً من السموم ومن الرطوبة متلطفاً بالبرودة من هذا البحر، والصبا يأتيها من البحر ويسمى "نعشي"، والجنوب يأتيها من الخليج العربي محاذياً لساحل العدان وفيه نداوة قليلة لا تنكمش منها النفس، وهواؤها ليلاً في الغالب هو الغربي يأتيها من الصحراء لذيذاً بارداً، وليس في الكويت هواء فيه سموم إلا السهيلي، ويهب من جهة سهيل اليماني وهو ما بين الغرب والجنوب، وهذا الهواء مع ندرته لا يكون به سموم إلا إذا هب نهاراً في أيام الصيف قرب الظهيرة، ومنام الكويت أيام الصيف لا يوجد حتى في الشام ولبنان والسبب عدم وجود البعوض والبق، وينام الكويتيون في الصيف على سطوح المنازل بينما المنام في الشام ولبنان داخلها وهي لا تخلو من البعوض. أما الصحة فحدث عنها ولا حرج فلقد مضى على أهل الكويت ما ينيف على 200 سنة وليس فيها طبيب سوى طب العجائز: الكي وشرب المسهل، والأمراض الفتاكة نادرة فيها ولهذا لما حدث الطاعون سنة 1247 هجرية جعلوا لحدوثه تاريخاً، ومن بعده لم يحدث وباء يذكر سوى الانفلونزة العامة آخر سنة 1336 هجرية، ولو أن أهل الكويت أعطوا النظافة حقها في مسكن وملبس ومأكل وبدن لرأيتهم أكثر مما هم فيه من الصحة والنشاط ولكن الأغلبية الساحقة هي على البداوة من قلة العناية بالنظافة وعدم الاعتقاد أن النظافة أساس الصحة، وقد بدأت حالتهم تتبدل لانتشار العلم وإدراك أن النظافة من الإيمان. |
أرض الكويت والزراعة
أرض الكويت صالحة للزراعة بجميع أنواعها، وإنما العلة هي قلة الماء الصالح للزراعة، إذ ليس في الكويت ماء معين ولا عيون يتوفر فيها الماء وتقوم بحاجة المزارعين، بل جل ما فيها آبار يتوقف ماؤها على الأمطار، فإذا جاء المطر صارت هذه الآبار صالحة للزراعة، وإن قل المطر أو انقطع صارت مالحة لا تصلح لذلك، فلهذا يقتصر زراع الكويت على زرع المخضرات من طماطم وبطيخ وقثاء وبصل وكراث وفجل وما أشبه ذلك لأنها تثمر مدة ليلة وقبل أن يتبدل ماء الآبار. وأما زراعة الأشجار والفواكه والنخيل وكل زرع يريد استمرار الماء فإنها لا تنتج بسبب تبدل الماء إذا دام عليه النزح . وفي الجهرة (وهي قرية من قرى الكويت) آبار ماؤها غزير ولا ينقطع أو يتبدل إلا أنه مر لا يصلح لكل زراعة، ويزرع في هذه القرية النخل والبرسيم والشعير والكراث وما أشبه ذلك، وجعل حاصل زراعتها من البرسيم، ولو سهل للكويت آباراً ارتوازية أو مدت لها أنابيب المياه من البصرة لكانت أرضها جنة تشد إليها الرحال، وما ذلك على الله بعزيز . |
أول من سكن الكويت
سكن الكويت قبل آل الصباح وجماعتهم لفيف من البدو وصيادي السمك ثم آل الصباح وآل الخليفة والزايد والجلاهمة والمعاودة، ونزل هؤلاء بعد الإذن من أمير بني خالد، وكانت هجرتهم إلى الكويت بالتدريج لأنهم لما تركوا قطر تفرقوا في البلاد فمنهم من سكن بلاد فارس ومنهم من سكن قيس (وهي جزيرة في الخليج العربي)، ومنهم من سكن الصبية ومنهم من سكن عبادان والمخراق، ثم أخذوا يتوافدون على الكويت وتبعهم خلق كثير غيرهم من عرب وعجم. |
اختيار صباح الأول للحكم
لما كثر الساكنون في الكويت وخالطهم جمع من المهاجرين إليها رأوا من الضروري أن يؤمر عليهم أمير منهم يكون مرجعاً لحل المشكلات والاختلافات فوقع اختيارهم على صباح لهذا الأمر، فوافقهم صباح بعد أخذ العهد منهم على السمع والطاعة في الحق، ولا نعلم على وجه الحقيقة في أي سنة أختير هذا الأمير ولكن اتفق الرواة على أنها ما بين سنة 1110 هجرية وسنة 1130 هجرية على وجه التقريب. لم نعلم بحقيقة الحال عن مولده ومدة حياته ولا نعلم بسنة موته وأما سيرته فهي باتفاق الرواة حميدة مرضية ويؤيد ذلك أن الجماعة ما اختارته وقدمته إلا لأنه أمثلهم عقلاً وأحسنهم سيرة وأقربهم لاتباع الحق، وقد أصابوا المرمى في ذلك والحمد لله. عبدالله بن صباح الأول لا نعلم تاريخ ولادته. وهو أصغر أولاد صباح، ولصباح عدة أولاد ولكن عبدالله أحسنهم سيرة ونباهة، وقد استقام في الإمارة ما يقارب سبعين سنة وتوفي سنة 1229هجرية، وتقدمت الكويت في أيامه وامتدت تجارتها إلى الهند والمليبار واليمن والعراق -كما ترى ذلك مفصلاً عند ذكرنا للتجارة- ومن المتفق عليه أن عبدالله رجل حازم قريب من الحق، محب للعدالة، حسن السياسة، لا يبت في أمر مهم إلا بعد مشاورة جماعته، لا يخالفهم فيما يرونه صواباً. |
الحوادث المهمة في زمن عبدالله الأول (1) هجرة آل خليفة من الكويت إلى الزبارة سنة 1180هجرية:أصح الاقوال في سببها هو ما حصل من التعدي على أهل الكويت من بني كعب بن عامر، وبنو كعب قبيلة كبيرة من سبيع كانت تابعة للحكومة العثمانية، وحصل بينها وبين الحكومة خلاف فهاجرت إلى الدورق سنة 1178هرية، فصارت تابعة لإيران، وكانت سفنهم من أيام قوتهم إلى حال التاريخ لم تنقطع من سابلة الكويت، وبسبب هذا الاختلاط حصل منهم ظلم وتعد على الكويتيين فلم يطق الشيخ محمد بن خليفة هذه الإهانة فهاجر إلى الزبارة وأول من نزل الزبارة الشيخ أحمد بن رزق. وإن أردت تفصيلاً لتحول الخليفة من الكويت إلى الزبارة ثم تملكهم للبحرين فراجع تاريخ البحرين للشيخ محمد النبهاني تجد فيه الحقيقة. (2) وقعة الرقة: الرقة محل معروف بقرب فيلكة، وأسباب الوقعة طمع بني كعب في الكويت وآباء أهل الكويت الخضوع لمظالمهم، ولما علم عبدالله بن صباح بحملتهم على الكويت جهز سفن الكويت بما لديه من قوة بالرجال والسلاح، فالتقت السفن بالرقة ومن حسن حظ الكويتيين أن الهواء كان ساكناً وسفن العدو متفرقة، وسفن الكويت صغيرة تجذف بالمجاذيف، فأخذت تحيط بسفن الكعبيين واحدة بعد واحدة، وسفن الكعبيين كبيرة لا تستطيع الاتصال لركود الهواء فكلما قضت سفن الكويت على واحدة تحولت إلى الأخرى.. وهكذا، حتى قضت على أغلب سفن العدو ولم يسلم منهم إلا النادر، ورجع أهل الكويت فائزين بالنصر، وأخذوا من العدو عدة سفن مع ما بها من ذخيرة فصار هذا النصر فاتحة عز لأهل الكويت. (3) بناء السور للكويت: كانت الكويت في بادئ أمرها تحت حماية أمير بني خالد فلما توفي وضعف حكم بني خالد صارت الكويت مهددة من جهة الجنوب بسعود بن عبدالعزيز آل سعود، ومن جهة الشمال بأمراء المنتفق، فاضطر الكويتيون لحماية أنفسهم وأموالهم إلى بناء السور، فبنوه في مدة وجيزة. وكان أوله من الجهة الشرقية جناح نقعة (النقعة: حوض ترسو فيه السفن) ابن نصف الشرقي، وآخره من جهة الغرب جناح نقعة سعود القبلي (قرب المدرسة الأحمدية الآن) ثم زيد هذا السور في زمن جابر بن عبدالله من الجهة الغربية فصار آخره من جهة الغرب جناح نقعة ابن عبدالجليل الشرقي. وقد جعلوا للسور ستة أبواب: فالأول من جهة الشرق يسمى (دروازة ابن بطي) وهو شرقي بيت ابن نصف، والثاني (دروازة القروية) وهو يقابل محلة القناعات من جهة الجنوب، والثالث يسمى (دروازة آل عبدالرزاق) في جنوب المسجد الآن، والرابع (دروازة الشيخ) وهو محل الصنقر ويسمى محل ادهيمان، والخامس (دروازة السبعان) وهو شرقي بيت ابن بحر حوالي مدرسة البنات الآن، والسادس يسمى (دروازة البدر) وهو بقرب مسجد الصقر، ويقال أن جنوبي بيت عثمان الراشد باب يسمى (دروازة الفداغ). |
جابر الأول تولى الإمارة بعد وفاة أبيه عبدالله بن صباح سنة 1229هجرية، وكان حين وفاة والده في البحرين، وعين محمد السلمان نائباً عنه حتى يقدم، فلما قدم بويع بالإمارة فاستقام بها إلى وفاته سنة 1276 هجرية.والمشهور عنه أنه رجل عاقل هادئ الطبع، محب لقومه، مشفق عليهم، اشتهر بجابر العيش لكرمه، ولأنه كان يطبخ الأرز للفقراء، وله عريش قرب بيته يجتمعون فيه ويقدم لهم الطعام. الحوادث المهمة في أيامه (1) مساعدته للحكومة العثمانية: ذكر المرحوم عبدالعزيز بن رشيد في تاريخه ما خلاصته: "في أيام علي باشا احتلت القبائل العراقية البصرة وفر المتسلم إلى الكويت، وطلب النجدة من جابر، فكان جابر أكبر مساعدة للحكومة في استخلاص البصرة من بني كعب، ولهذا كافأته الحكومة بمائة وخمسين كارة من التمر سنوياً ولم تنقطع هذه المساعدة إلا في أيام مبارك الصباح". وذكر الأعظمي في تاريخ البصرة: "أنه في سنة 1246 على أثر عزل داود باشا تولى إمرة العراق علي باشا، وهجمت عشيرة بني كعب على البصرة فقاتلهم البصريون بزعامة آل الزهير، ومعاضدة بني عقيل النجديين أهل الزبير، فطردوهم خاسرين، ومتسلم البصرة هو عزيز آغا، تولى المتسلمية سنة 1240 وعزل عنها سنة 1246 ولم يغادر البصرة". نجد بين نقل ابن رشيد والأعظمي فرقا كبيراً واختلافاً ظاهراً، والذي أرجح أن نقل الأعظمي هو الواقع، وأما جابر فقد جهز السفن وتوجه لمساعدة الحكومة، ولكن لم يجر بينه وبين بني كعب قتال، بل طرد بني كعب عنها كان كما ذكره الأعظمي في تاريخ البصرة، وكوفئ جابر بـ 150 كارة من التمر لهذه المساعدة، ولأهل الكويت مساعدات كثيرة للحكومة إلا أنها لم يجر فيها قتال وحادثة سنة 1246 قريبة، وقد أدركنا من الشيبان من عنده علم بهذا الأمر مثل المرحوم جبر الغانم -وهو من المعمرين- وأنا سألته بنفسي ولم أجد عنده تفصيلاً لهذا القتال بل عنده خبر تجهز جابر أما المتسلم الذي فر إلى الكويت فهو مصطفى الكردي عصى الحكومة العثمانية فزحف عليه سليمان باشا ففر إلى الكويت ومنها سافر إلى نجد. (2) غزوة المحمرة: ذكر الأستاذ ابن رشيد : "أن قبيلة بني كعب طردت جند الحكومة العثمانية من المحمرة فهب جابر لمساعدتها وخلصها من أيدي الغاصبين، وسلمها لأهلها " . ويقول النبهاني في حاشية تاريخه: "أنه في سنة 1253 أخذ علي باشا المحمرة وأرخ بقولهم كلب غار/1253. وأهل الكويت متفقون على مساعدة جابر للحكومة ولكنهم لا يعرفون شيئاً عن هذا القتال، سوى أن قلة ضربت دماغ رجل في السفينة من أهل الكويت، ونثرت مخه على الزاد الذي يأكلونه، فتوقف الجميع عن الأكل، عدا رجل من الزايد فإنه أزال ما انتشر على الزاد، وأتم أكله. وأرى مما تقدم أن مساعدة الكويتيين للحكومة صحيحة إلا أن القتال لم يجر بينهم وبين بني كعب في ساحة الحرب، والواقعة قريبة العهد وهي سنة 1253 هجرية، ولم يذكر أحد من الشيبان صفة الوقعة، ولا من قتل فيها وسلمها للحكومة، لكان لهذه المعركة شأن يذكر عند أهل الكويت، وعلى هذا فإن ما كتبه النبهاني من أن علي باشا هو الذي أخذ المحمرة هو الصحيح والله أعلم. |
صباح بن جابر توفي سنة 1283 هجرية حميد السيرة، مرضياً عنه، ولم تجر في أيامه حوادث تذكر. الحكم المشترك بين أبناء الصباح |
عبدالله بن صباح الثاني توفي عليه الرحمة آخر سنة 1309 هجرية. |
الساعة الآن 06:26 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لموقع تاريخ الكويت