إعداد: فرحان عبدالله الفرحان
القبس - أمس

في سنة 1961 ومع تشكيل اول وزارة قرر مجلس الوزراء تأليف لجنة من وزارات الصحة والشؤون الاجتماعية والتربية (المعارف سابقا) ولما كانت المعارف التربية اليوم متواجدة في هذه الجزيرة بمدرستين (بنين وبنات) والتربية لها صلة بهذه الجزيرة بواسطة مدارسها ومدرسيها فقد كلفت وزارة الصحة والشؤون، وبهذا تكوّن وفد من كاتب هذه السطور والدكتور سعيد النجار عن وزارة الصحة والسيد محمد البلهان وسليمان النصف عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وتقرر السفر الى هذه الجزيرة صباح يوم الاثنين 28/11/1961.

كنت قبلها على معرفة بهذه الجزيرة، حيث زرتها في اوائل 1952 وكنا قد غادرنا الكويت على لنج او سفينة، الاصل شراعية، وحُوّ.لت بخاربه مع تطور الظروف، ووصلنا اليها، وجعلوا اقامتنا في مدرسة، وكانت تتسع للطلبة في هذه الرحلة، وكان بقاؤنا في هذه الجزيرة لمدة ثلاثة ايام وزرنا «سعد وسعيد» والخضر وبعض مناطق الساحل، ومن ثم عدنا إلى الكويت.

في زيارتنا عام 1961 كان على الوفد كتابة تقرير عن هذه الجزيرة لمجلس الوزراء، فأعدت لنا طائرة من مطار النزهة اليوم (المطار القديم) واستقبلنا المهندس المرحوم عبدالعزيز الصايغ، وتوجهنا الى الهليكوبتر وكان الطيار انكليزيا، وعندما حلقت في الجو اخذت (تلف وتفتّر) تدور حول مدينة الكويت فتمتعنا بمنظر مدينة الكويت الصباحي من الجو وهو يأخذ وضعه بالاتجاه الى جزيرة فيلكا، وهناك كان المسؤولون في المعارف (التربية) على علم مسبق بمجيئنا وما ان حطت الطائرة حتى كان الاستقبال حافلا واصطحبونا الى مدرستين فتفقدناهما بعد وصولنا مباشرة، ثم توجهنا الى مقر البعثة الطبية التي كان من المقرر اثر زيارتنا ان تبدأ عملها في هذه الجزيرة وتتكون من طبيب وطبيبة وممرضتين وممرضين بصورة مبدئية. ويكون هناك كشف دوري على ابناء المدارس خصوصا ان دوائر الدولة قد اوجدت لها مراكز في هذه الجزيرة. واذكر قبل ان ينضم الى الشرطة ويشكل قوة وادارة موحدة كانت النية الأمن العام ان يفتتح مركزاً له هناك، الا ان الشرطة كانت هي السباقة الى ذلك، وقد انشأت مع هذا جهازاً لاسلكياً مع ادارتها الرئيسية في مدينة الكويت، هذا الجهاز اللاسلكي استعنا به لاجراء الاتصال مع مطار الكويت في منطقة النزهة حتى الطائرة تعود لنا في المساء وفعلا تم ذلك ووصلت الطائرة في موعدها.

بعدها قامت وزارة الشؤون الاجتماعية ممثلة بالسيد محمد البلهان السفير فيما بعد والسيد سليمان النصف باختيار موقع لاقامة مقر لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في هذه الجزيرة في وقت الظهيرة، وبعد ان صلينا الظهر والعصر اقيمت لنا وليمة عند الملا عبد القادر معروف السرحان، وكان سباقا على غيره من الكثيرين الذين رغبوا بدعوتنا لتناول الغداء في بيوتهم لكن ملا عبد القادر كان السباق بصفته ناظر المدرسة وابن فيلكا ومن الاسر المؤسسة في هذه الجزيرة وهم آل الشعيب وبن سند وغيرهم.
المهم بعد ان تناولنا الغداء توجهنا الى موقع خزانات المياه التي تغذي الجزيرة، وكانت انشئت حديثا حيث كان الاعتماد فيما مضى على الماء العذب للشرب والطبخ فقط، وذلك مما ينقل على الحمير بالقرب من الآبار المنتشرة في الجزيرة الا ان الدولة بعد وجود التحلية والتقطير في الكويت ارتأت ان تزود الجزيرة بسفينة تنقل الماء لهم كلما قضت الحاجة، وهذا الخزان الضخم سد حاجة هذه الجزيرة بما تحتاجه من الماء.

بعدها توجهنا الى قرية القرينة بالسيارة شبه الوحيدة في هذه الجزيرة ونحن نقطع صحراءها غرزت السيارة في الرمال فنزلنا منها واخذنا نحفر تحت العجلات حتى استطعنا انقاذها بعد ان لاقينا المتاعب حيث المدينة كبيرة ولو اردنا العودة الى وسط مدينة فيلكا لاستغرق الامر وقتا بعد ان تحركت السيارة توجهنا الى قرية القرينية الاثرية والقينا نظرة على النابرين على الشيخ عثمان بن سند مؤلف كتاب «سبائك العسجد» وهو يسير في قريته هذه كأنها قبل قرنين ونصف القرن، توجهنا بعدها الى موقع الخضر وهي الزاوية التي كان يوضع فيها سراج منذ سنين طويلة وبعضهم يعمل ذلك تحسباً واجراً من الله لدلالة السفن وكان يتناوب ابناء هذه الجزيرة على انقاذ السراج للدلالة وابتعاد السفن عن (القحه) والقحه هو الصخر المتعرج الذي قد يضر بالسفن اثناء ملاحتها في هذه المنطقة.

هذا الخضر انقلب من قرن ونيف الى مكان للدعاء على ان الخضر النبي تواجد أودفن او مرّ فيه واتخذته صالحة وامثالها مرتزقا لهم، حيث ان كل سيدة تريد ان تلد او تتزوج عليها ان تتوجه الى الخضر وتقدم المقسوم لراعية هذا المقام او المقر وهناك خلاص تنحل عقدتها.
المهم توجهنا الى هذا الخضر الذي اعيد بناؤه ثلاث مرات وبعدها اصدرت بلدية الكويت امرا بهدمه واثناء زيارتنا الخضر التقطنا صوراً تاريخية بعدها عدنا الى المدرسة التي انطلقنا منها وجاء الينا المسؤولون في هذه الجزيرة وكبار ابنائها للسلام علينا وكل واحد يقدم مطالبه: البعض يريد رصف شوارع الجزيرة والبعض يريد ان يعمل فيها ميناء تنطلق منه سفن الى بقية الجزر والبعض يريد ان تكون فيها هجرة وجوازات ولا يمكن اي سفينة تريد ان تذهب للعراق وايران وحتى الخليج الا وتمر في هذه الجزيرة وتأخذ الموافقة، وهبّ احدهم قائلاً: مثل ما موجود في مدينة الكويت وزارات نبي في جزيرتنا وزارات يكون وزير فيها ويكون على الاقل وزير لفيلكا.

ونحن نستمع للكل ونقول لهم ان شاء الله يصير خير ومالكم الا طيبة الخاطر، وقام شخص وقال نبي مكتبة عامة، ما عندنا شيء نتسلى فيه،ترانا مقطوعين من الدنيا. فقلت له: ان شاء الله تتحقق امنيتك وقد كتبنا تقريراً للمسؤولين عن الجزيرة، لكن بعد شهور نقلت الى الامانة العامة لمجلس الوزراء وكان السيد عبدالعزيز حسين وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، رويت له القصة عن طلبات ابناء الجزيرة فقال لي: نحن فعلاً طلبنا ان تكون هناك لجنة وتقدم لنا تقريرا، فقلت له: فعلا قدمنا التقرير مباشرة بعد عودتنا وذكرنا الامور المستعجلة وكنت من ضمن هذه الأمور إنشاء مكتبة عامة في هذه الجزيرة، خصوصاً المكتبات في حينها تتبع وزارة المعارف (التربية اليوم). فقال: هذا فعلاً مهم، وأنا سأبحث الموضوع واخبره، وفعلاً وبعد أسبوعين فإذ بالمكتبة تلحق بإحدى المدارس ويكون لها أمين مسؤول. وفرح هنا الأئمة والمؤذنون والمدرسون والنظار والأطباء، الكل عندما ينتهي من عمله يذهب إلى هذه المكتبة لقراءة المجلات والصحف والمنشورات والكتب، والتعارف في هذه المكتبة كأنها ناد يلتقون فيه.

هذه جزيرة فيلكا التي ودعناها في ذلك المساء بعد وصول طائرة الهليكوبتر التي أقلتنا إلى مطار الكويت في النزهة.
هذه الجزيرة التي زرتها سنة 1961 واليوم نحن في سنة 2009، قرابة خمسين سنة ولم يحصل لي أن أراها وهي ثابتة، هذه الجزيرة التاريخية العامرة بالآثار المملؤة منذ فجر التاريخ، ولد فيها العالم الكبير ابن سند، وخرج منها كتاب الموطأ للإمام مالك، هذه الجزيرة التي ضمت بعض العائلات من قبيلة تميم أمثال آل السرحان وآل شعيب وآل الرباب وغيرها ذكرناها في هذا الحديث.

http://www.kuwait-history.net/vb/up/...0020090718.jpg
• أعضاء فريق البعثة (من اليمين): فرحان عبدالله الفرحان، محمد البلهان وسليمان النصف بالزي الأوروبي وبعض المدرسين في المعارف

http://www.kuwait-history.net/vb/up/...9220090718.jpg
• البعثة تعالج مسألة السيارة عندما غرزت بالرمال

http://www.kuwait-history.net/vb/up/...9220090718.jpg
• أثناء تفقد محطة المياه في فيلكا مع الدكتور سعيد النجار وفرحان الفرحان