عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 17-06-2009, 10:35 AM
عنك عنك غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
الدولة: الـكـويــت
المشاركات: 412
افتراضي


صالح الشايع متحدثا في ديوانه


صالح الشايع مستقبلا رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري والى جانبه عبدالعزيز محمد الشايع.


صالح علي الشايع و شقيقه عبداللطيف علي الشايع.

في هذه الحلقة الرابعة المفروض ان اسجل تلك الجلسات الصباحية مع المرحوم صالح الشايع بآلة التسجيل وعن طريق الفيديو، لكنني اقول فاتني الحظ لان هذه المدرسة يجب ان يستفاد منها انه في كل يوم يأتيك ببحث جديد لمناقشته، ومع ضعف جسمه ونظره فإنه بالعموم لم يكن يقرأ اليوم مثلما كان يقرأ في القديم وفي اول حياته، واظن ان هذا المخزون التاريخي العلمي الجغرافي والمعلومات العامة نتاج المطالعة والمجالسة، وكما يقولون في مجالسه: 'الرجال تخلق الرجال'.
أتذكر اننا في احد الايام كنا انفقنا ساعين من الوقت ونحن نناقش النخلة والتمر وحلاوة التمر، وكنت في هذه الجلسة اخزن الكثير في حافظة الذهن والبعض اسجله في مذكرتي الصغيرة واكتشفت ان الرجل كأنه مستثمر نخل او فلاح عاش جل حياته بين النخل لانه يعرف كل صغيرة او كبيرة عنه.
كان يتحدث عن الانواع ومنها الاشقر والبرحي والجبجاب والحلاوي والخضراوي والزهري، وقال ان السكري تختص فيه المملكة العربية السعودية ولا يطلع في بلد آخر وقال ان النخلة تستطيع ان تنتفع من كل شيء فيها فتأخذ التمر كحلال ورطب وتمر ودبس، وتأخذ السعف وتصنع منه الحصير والقفص والليف والوقود من الكرب.

النخل الباسق
هذه كما يقول النخلة التي كرمها الله، حيث قال في كتابه العزيز: 'وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا' وتذكر المثل القائل 'كناقل التمر الى هجر' وهذا المثل كما يقول معروف قبل الاسلام حيث هجر او الاحساء هي بلاد النخيل كما يعرف في القديم، ودلل على ذلك في البيتين اللذين ذكرناهما في الحلقة الثالثة والتي يقول فيهما الشاعر القديم بذلك:
يمرون بالدهناء، خفافا عيابهم
ويرجعن من دارين بجر الحقائب
على حين ألهى الناس جل امورهم
فندلا زريق المال ندل التعالب
قال ابو رحمة رحمه الله: هؤلاء الذين يمرون في الدهن على بعارينهم وهي خالية وهم متوجهون الى دارين الاحساء، حيث يملأون الحقائب والجيوب بالتمر أليس ذلك دليلا قويا على ان النخلة الاولى كانت في الاحساء والى يومنا هذا حيث اجود انواع التمر الاخلاص ينبت هناك. ثم ذكرنا بطفولته بأنهم يذكرون ان النخل يعمر كما كان يسمع في تلك الحقبة ويقولون: هناك نخل في حايل يعيش مدة طويلة لطيب الهواء والشمس والارض والماء. ثم ذكر كيف ان بيرم التونسي ذكر في مطلع قصيدته النخلة حيث قال:
'شمس الاصيل ذهبت
خوص النخيل يا نيل'.
ثم ذكر كيف ان احمد شوقي امير الشعراء ذكر النخلة في قصيدة طويلة وقد ذكر المطلع بذلك حيث قال:
'ارى شجرا في السماء احتجب
وشق العنان بمرأى عجب'
وهو يصف النخل الباسقات.
وهنا يسرني أن آتي على تلك القصيدة وما ذكر عن النخل الباسق في التاريخ:
'أرى شجرا في السماء احتجب
وشق العنان بمرأى عجب
مآذن قامت هنا وهناك
ظواهرها درج من شذب
وليس يؤذن فيها الرجال
ولكن تصيح عليها الغرب
وباسقة من بنات الرمال
نمت وربت في ظلال الكثب
كسارية الفلك او كالمسلة
أو كالفنار وراء العبب
تطول وتقصر خلف الكثيب
إذا الريح جاء بها أو ذهب
تخال إذا اتقدت في الضحى
وجر الأصيل عليها اللهب
وطاف عليها شعاع النهار
من القصر واقفة ترتقب
قد اعتصبت بفصوص العقيق
مفصلة بشذور الذهب
وناطت قلائد مرجانها
على الصدر واتشحت بالقصب
وشدت على ساقها مئزرا
تعقد من رأسها للذنب
أهذا هو النخل ملك الرياض
أمير الحقول عروس العزب
طعام الفقير وحلوى الغني
وزاد المسافر والمغترب
فيا رملة النخل لا تبخلي
ولا قصرت نخلات الترب
واعجب كيف طوى ذكركن
ولم يحتفل شعراء العرب؟؟
أليس حراما خلو القصا
ئد من وصفكن وعطل الكتب؟
وانتن في الهاجرات الظلال
كأن اعاليكن القبب
وأنتن في البيد شاة المعيل
جناها بجانب اخرى حلب
وانتن في عرصات القصور
حسان الدمى الزائنات الرحب
جناكن كالكرم شتى المذاق
وكالشهد في كل لون يحب'
فارس المناقشة البارز
واظن انه بعد ان كتبت واسهبت عن النخلة علي ان انتقل الى موضع آخر، لقد كان ابو احمد - رحمه الله - الفارس البارز في المناقشة، كان يتحدث رحمه الله في احد الأيام عن الخيل وسباق الخيل فقال عندما سألته: هل عندنا خيل للسباق؟ فقال: كل اللي عندنا في الكويت كدش وكديش للحمولة، كان في القدم هناك خيل وكان لها جاخور قرب مسجد الرزاقة وغالبية الكويتيين كل اسرة كان عندها حصان او فرس وبعدين اخذت الخيل تستعمل للحمولة مع الحمير من الفرضة الى المناخ والسوق وكانت الجمال تنقل المؤن والتموين الى صحراء الجزيرة العربية والى اواسط نجد، لكن كان عندنا تجار خيل حيث تجلب الخيل من مرباها في العراق وسوريا والجزيرة العربية وهناك بيوتات تاجرت في هذه البضاعة (الخيل).
وذلك ان الانكليز ابان استعمارهم لبعض من اجزاء آسيا والهند كانت هناك عندهم اماكن للسباق في بومبي وغيرها وكانت بريطانيا في ذلك التاريخ قبل قرنين من الزمن حتى منتصف القرن العشرين يجلبون الخيل من الجزيرة العربية وتمر عبر الكويت ويتولى الكويتيون التجار نقلها على ظهور السفن الشراعية الى الهند لتوصيلها وبيعها هناك وكان يؤخذ لها في اثناء الرحلة العلف من الشعير وغيره وماء الشرب متيسر.
كانت هذه المجموعة من الخيل موجود لها ارشيف في الهند وربما نقل الى انكلترا وكانت تعرف باصولها العربية والقبائل التي تنتسب اليها.
كانت هذه الجلسة ونحن نناقش ممتعة وقد سألته عن الحمير فأخذ يتأسف ويقول كان عند غالبية الأسر الكويتية الميسورة حمار او حمارة، واذا انجبت حمارا او حمارة فعنده عيد حيث يستفيد منها.. كانت الحمير قديما توصل المعزب راعي البيت الى السوق ومن ثم تذهب الى الكوت آبار المياه لتحمل الماء العذب الى المنزل وفي المساء يتوجه بها راعي البيت المعزب الى الديوان الذي يقصده اذا كان في شرق توجه بها الى قبلة واذا كان في قبلة توجه الى مضيفه في شرق وكانت هي الوسيلة السهلة لكبار القوم في تلك الحقبة للتنقل وتوصيلهم وكأنها 'الكدلك' اليوم فالذي يملك حمارة او حمارا للتنقل هذا من الشخصيات الاغنياء الميسورين البارزين كانت هذه حال الكويتيين في تلك الحقبة.
ويعلق ابو احمد: كان هناك سوق لبيع الجمال وآخر للحصن وآخر للحمير وكل له المحرى المنادي للبيع كان، كما يقول ابو احمد رحمه الله، من اشهر البيوت التي عملت في تجارة الخيل آل البدر وآل العامر وكان ياخور آل العامر مشهورا وهو الذي صار فيما بعد قيصرية المعجل وكانت تجارة الخيل رائجة في الكويت في تلك الحقبة اسوة بتجارة اللؤلؤ الذي يستخرج من البحر ويرحل الى الهند للبيع هناك. كانت الكويت فيها حياة ونبض اقتصادي بارز في تلك الفترة.
الموسوعة أبو فهد العيسى
هذه بعض الافكار والملاحظات التي كان يلقيها علينا ابو احمد رحمه الله، وكان الموسوعة ابو فهد صالح العيسى الذي كان يجلس الى شماله عندما يتوقف ابو احمد في نقطة فانك تجد ابو فهد زاهب للاجابة ويذكر ابو احمد ببعض الملاحظات والموضوعات التي قد نسيها ويريد ان يستعيدها.
كان صالح العيسى من الرجال الاوفياء لهذا الرجل صالح الشايع وكان لا يفارق هذا الديوان الا اذا كان متوجها الى الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية لانجاز بعض الاعمال التجارية، ونجد مكانه في المجلس خاليا شاغرا ينتظر ملازمة ليملأه - اتذكر بعد وفاة ابو احمد رحمه الله رفض ابو فهد ان يجلس في مكانه المخصص، وقال علينا ان نغير اماكننا فما كان من السيد عبدالوهاب صالح الشايع الابن الثاني لابو احمد رحمه الله، إلا أن توجه الى صالح العيسى واخذه لمكانه القديم، وقال: هذا مكانك الدائم لقد فقدنا ابانا ولا نريد ان نفقد اماكن جلسائه من اماكنهم (الله لا يغير علينا).
هكذا كانت الاجواء في هذا الديوان وكان كما كنت الاحظ عندما يكون ابناء عبداللطيف الشايع او ابناء عبدالعزيز الشايع عندما يريد احدهم مغادرة الديوان ليتوجه الى مكان عمله يقف حيث هو حتى يأخذ الاشارة من ابو احمد للانصراف: ما احلاها من عادات طيبة تربى عليها الاولون واوصلوها الى هؤلاء الذين بدورهم سيغرسونها في ابنائهم انها ذرية طيبة.
لا اريد هنا ان امدح، لكن هذا واقع الحال او نقله بحذافيره كما كنت اراه في كل صبيحة من هذا الديوان العامر، هذه مظاهر طيبة نرجو ان يعمل بها غالبية المجتمع الكويتي.

الحلقة الخامسة و الأخيرة في هذا البحث سأحاول نقل القراء الكرام الى ما كتب وبحث ونوقش عن المرحوم صالح الشايع.
كان الحظ يحالفنا بأن تصدت السيدة حمدية خلف، حيث سجلت وقيدت كثيرا من الملاحظات والافكار ابان لقائها للمرحوم ابو احمد في شهر ديسمبر 1988، ولقد نشر هذا البحث في صحيفة 'القبس' على حلقتين وكانت السيدة الخلف واصلت في لقاءاتها امثال صالح الشايع، هؤلاء الاشخاص الذين عاشوا في الهند، حيث كانوا يمثلون تجارة اهلهم هناك وكانوا رسلا وسفراء للكويت ايضا، حيث كانوا يقدمون السمعة الطيبة لبلدهم.
وأنا استعرض هذا البحث القيم الذي يجب ان يدرس، لا بل يدرس - بتشديد الراء - للتلاميذ في المدارس لأنه يعطي فكرة عن جيل الآباء والاجداد الذين كانوا هناك في شرق آسيا، يقدمون ويساعدون على تمويل وتموين الكويت بالغذاء.
صحيح انهم يتاجرون لكن المادة التموينية الرئيسية لا تنقطع عن هذه البلاد.
وهنا استعرض ما عرض على صفحتين لطول اللقاء والذي يشكل كتابا صغيرا يذكرنا بالهند والرحلات اليها برؤوس الاقلام التالية:
في بومباي عملت مراسلا لدى الوالد في تجارته اجوب شوارعها سيرا على الاقدام.
ويقول:
التجار الكويتيون في الهند تميزوا بالسمعة العطرة واشتهروا بالامانة وكلمة الشرف.
هذا في سنة 1988.
ثانيا: قام الاعلامي رضا الفيلي الوكيل المساعد في وزارة الاعلام سابقا باجراء مقابلة تلفزيونية مع ابو حمد، رحمه الله، في شهر نوفمبر 2002 وقد كان هذا اللقاء التلفزيوني ثريا جدا، حيث يعتبر جزءا مهما لتاريخ الكويت للتعامل مع الهند واقامة الصلات معها.
لقد كانت المصادفة وانا اتصفح صحيفة الوطن ذات يوم في 2002 فوجدت اللقاء الاول الذي قلت انه سجل تلفزيونيا وبدأت اتابع اعداد هذه الصحيفة الغراء فوجدت في العدد الاول ملخصا قصيرا جدا لا يفي لقصة حياته يقول، انه ولد في المرقاب وان والده علي حمود الشايع وكان تعليمه الاولي على يد المطوعة سارة الحنيان ثم درس في المدرسة المباركية ثم انتقل الى مدرسة العامر فإلى المدرسة الاحمدية، وعندما كان عمره اربع عشرة سنة سافر مع والده الى بومباي حيث كان والده وعمه قد اسسا مكتب الشايع في بومباي الهند سنة 1895، وهناك واصل الدراسة فالتحق بمدرسة الفلاح احدى المدارس التي اسسها علي رضا زينل للجالية العربية هناك، ومن الذكريات التي سجلها انه رأى التلفون لأول مرة واخذ يراقب الحروف والكلمات في هذه الآلة الجديدة وبها تعلم الارقام بالانكليزية عن طريقه، وكان يقول انه رأى اكبر عائلتين من العرب الاغنياء هناك وهما عائلة علي رضا وآل الابراهيم، حيث كانوا يملكون املاكا كثيرة في الدور في العراق، فكانوا في تلك الفترة يملكون (120) يعني مائة وعشرين مليون روبية.
ويواصل ابو احمد رحمه الله حديثه فتحدث عن الشخصيات فيقول: ان غاندي الذي حرر الهند يعتبر داهية الدواهي، هذا الرجل تربى في اول حياته في جنوب افريقيا وبضعفه انتصر على الانكليز، ويقول كان هناك محمد اقبال الذي يعتبر من كبار الشعراء وكان هناك طاغور شاعر الهند الاخر.
ويقول: قابلت شخصيات كثيرة منهم الحاج امين الحسيني والشيخ علي الطنطاوي والشيخ عبدالعزيز الثعالبي والحبيب ابو رقيبة.
ويقول: كنا اذا حدث حادث لاحد ابناء الكويت، او احصل عطب لسفينة اي كويتي تداعينا للنهوض به واصلاح سفينته وعودته الي الكويت سالما.
هذه الاحداث تمر على ابو احمد كأنها شريط سينمائي، وهو يقول بكل صراحة في اخر اللقاء: عندما عدت الى الكويت لم يكن لي اي دور في عمل آل الشايع، والرجل رحمه الله، واقعي، يقول: فقد جلست في هذا الديوان استقبل الناس وارحب بهم واودعهم وهذه مهمة ليست بسهلة.
هذا كله في الحلقات التي كان يتذكرها ابو احمد، لكن اعتبارا من يوم الجمعة الفائت (8/12/2006م) عندما رحل عنا هذا الفارس وترجل كانت صحيفة القبس سباقة الى رثائه والكتابة عنه، وقد كتب حمزة عليان رئيس مركز الارشيف والمعلومات بحثا قيما على صفحة كاملة تحدث عن ابو احمد ولخص قصة حياته كلها.
بعدها جاءت صحيفة الوطن في 9/12/2006م وكتبت عن قصة صالح الشايع وحياته على نصف صفحة، وفي اليوم نفسه كان الدكتور عبدالمحسن الجارالله الخرافي قد كتب بحثا قيما عن المرحوم صالح الشايع لخص فيه قصة حياته كاملة.
وجاء كاتب هذه السطور في اليوم نفسه (9/12/2006م). وفي الصفحة التي كتب فيها الخرافي، فكتبت نعيا للمرحوم قلت فيه 'العم صالح الشايع في ذمة الله'، وبحكم تواجدي على مقربة منه في سنواته الاخيرة سجلت هذه الكلمات التي اقول فيها: 'انني محظوظ وغير محظوظ في صحبتك ومجالستك في سنواتك الاخيرة من عمرك المديد، كنت محظوظا لأنني اغترفت منك من التاريخ والادب والمعلومات العامة في ماضي هذه البلاد الشيء الكثير، بل قيدت ذلك في مذكراتي المتتالية، وكنت غير محظوظ حيث كانت صحبتي لك او صحبتك لي متأخرة ولم احصل على الشيء الكثير'.
في يوم الاثنين (11/12/2006م) كان الدكتور احمد الربعي الوزير السابق قد كتب في 'القبس' مقالا على الصفحة الأخيرة عنوانه 'صديق المزاج المعتدل'، لخص فيه جلسة ابو احمد اليومية الصباحية بكلمة موجزة وقلم سيال. وفي الصحيفة نفسها واليوم نفسه في باب مقالات، كتب الباحث الدكتور يعقوب يوسف الحجي بحثا في وداع عميد آل شايع ذكر فيه انه كان بمنزلة السفير للكويتيين في الهند، ويعقوب الحجي يتابع تاريخ الكويتيين الذين وردوا في تلك الحقبة ولهذا جاء وصفه بحق وحقيقة.
وفي يوم الاربعاء (13/12/2006م) في صحيفة القبس نشر السيد يعقوب يوسف الابراهيم نصف صفحة جاء فيها 'سنفتقد جلساته وحديثه بصراحة وامتلاكه ناصية الكلام ينتفي من الشعر اطيبه ومن الحديث افضله'.
وفي صحيفة القبس يوم 17/12/2006م كان الدكتور حمد محمد المطر استاذ الكيمياء في جامعة الكويت، وهو شريكنا في ا لجلسة الصباحية، دون كلمة قيمة في هذا المجال.
هؤلاء هم من كتبوا عن المرحوم صالح الشايع في بنت ساعتها، لكن هناك الكثيرين تذكروه في القلوب وعلى الألسن. لقد كان ديوان الشايع في اليومين اللذين تليا وفاته لا تجد مكانا تجلس فيه من كثرة المعزين والمحزونين على وفاة هذا الرجل الصالح صالح علي الحمود الشايع، الذي لحق بشقيقه الصالح عبداللطيف علي الحمود الشايع بعد أشهر قليلة، وكأن الاثنين يترافقان في المجيء الى هذه الدنيا والرحيل عنها . لقد كان صالح في الهند وعبداللطيف في الكويت بحيث لا نستطيع التمييز بينهما.
هذه هي الرفقة والاخوة والالفة. رحم الله ابا احمد وابا خالد رحمة واسعة وأسكنهما فسيح جناته.

صالح العلي الحمود الشايع

كتب عبدالمحسن الجارالله الخرافي :

فقدت الكويت بالأمس أحد رموزها الاجتماعية رغم جفائه للأضواء والشهرة.
ولد العم صالح علي حمود أحمد الشايع، رحمه الله، في منطقة المرقاب عام 1911م لأسرة محافظة ترجع في نسبها إلى الأساعدة من الروقة من قبيلة عتيبة بعد نزوحها من الزلفي إلى الكويت في النصف الأول من القرن التاسع عشر.
تعلم في الكتاتيب، ثم في المدرسة المباركية، ثم في مدرسة العامر ثم الأحمدية، ثم سافر مع والده إلى الهند وعمره لم يتجاوز السادسة عشرة، حيث كان توزيع العمل التكاملي بين والده علي وعمه محمد ان الأول يستقر في الهند لإدارة الشؤون التجارية للعائلة، بينما يستقر محمد في الكويت.
ومع ذلك فقد حرص والده عليه وعلى تعليمه فاستعان بأفضل المعلمين، ومنهم الأستاذ أحمد فريد ليعلمه اللغة الإنكليزية، فعلمه ودربه على قراءة الصحف الإنكليزية في الهند، فنمت رغبته في القراءة للصحف الإنكليزية والعربية على السواء حتى انه أصبح يشترك في الصحف العربية فتأتيه الأهرام من مصر إلى الهند بالباخرة أسبوعيا.
وهكذا أصبح العم صالح مؤهلا رغم حداثة سنه للقيام بالمراسلات باللغة الإنكليزية، فكان نعم المعين له في الترجمة والكتابة والمراسلة، بل في قضاء المعاملات في البنوك والبريد والدوائر الرسمية في الهند.
فلما عاد والده واستقر في الكويت أصبح هو المسؤول الأول عن مكتب العائلة في الهند.
وكان منزله مضافة لكثير من الشخصيات المرموقة كرؤساء بعض الدول والمسؤولين ورجال الأعمال والأمراء الذين يزورون بومبي.
وكان أثره الاجتماعي واضحا في بومبي، حيث بنى عدة مدارس مثل مدرسة عائشة أم المؤمنين ومدارس أخرى ومساجد في أنحاء الهند بل وفي سيلان، حيث كان يركز على مدارس البنات بالذات لأنهن لم يأخذن حظهن من التعليم هناك في ذلك الوقت، وكانت الأولوية مع تدني المستوى المعيشي لمدارس الأولاد، بالإضافة إلى بعض التقاليد الاجتماعية لدى المسلمين الهنود آنذاك.
انتقل بعدها إلى لبنان وأسس فيه عدة شركات أهمها وكالة سيارات دودج وبلايموث.
ثم عاد إلى الكويت عام 1951م ليستقر فيها.
عرضت عليه الوزارة وأرسلت له الحكومة كلا من المرحوم عبدالعزيز الصقر والمرحوم عبداللطيف النصف فاعتذر ورشح ابن عمه عبدالعزيز محمد الحمود الشايع.
كان وجوده في ديوان الشايع وبقية كبار الأسرة عاملا مهما في تحويل الديوان من شكله التقليدي إلى منتدى أدبي يشهد الأدب والفكر والحوار الهادف البعيد عن بعض آفات المجالس التي تنخر في بعض الدواوين الكويتية - مع الأسف - كالغيبة والنميمة، وكان لا يسمح لأي زائر للديوان أن يقع في هذه المحظورات بأن يحول الموضوع بكل لباقة إلى جانب آخر له فائدة.
وكان، رحمه الله، بسيطا لا يحب التكلف، متسما بالتواضع مع الصغير والكبير بشكل لافت للنظر فارضا للاحترام من الطرف المقابل، لا يتورع عن أن يسأل من هو أصغر منه سؤال المعلم ليستمع منه ما يتعلم منه السائل والمسؤول.
بل كان، رحمه الله، كثيرا ما يفتتح جلسة الصباح في الديوان بقراءة تفسير آية أو حديث بسؤاله اللبق لأحد المختصين من رواد الديوان الذين كان يحتفي بهم، رحمه الله، حيث كان يعتز بأهل الصلاح في ديوانه، ويقرب العلماء، ويحب مجالستهم، ويدنيهم منه مجلسا، ومن لطيف ما كان يصف به أخاه عبداللطيف وصحبه 'المطاوعة' الذين سبق ان تكلمت عنهم في مقال سابق حين أبنت المرحوم عبدالمحسن عبدالله الفارس، وذكرت طباعهم وحفاوتهم انه كان يسميهم 'صحابة عصرهم' وكذلك كان يقدر أهل العلم بشكل عام من التخصصات كلها، كان حريصا غاية الحرص على إخفاء صدقاته ومساعداته للمحتاجين، كما كان، رحمه الله، يحرص أيما حرص على تواصل العائلة وجمع شملها وحل أي إشكال يطرأ على علاقاتهم ولو بشكل عارض، فكان حساسا رقيقا حانيا على الكبير والصغير والرجل والمرأة والصبي والفتاة.
وكان هؤلاء الكبار والصغار موضع استشارته حين يلتقي من يفاتحه حتى يصل بهم إلى الرأي السديد لما يلم بهم من مستجدات الأمور.
وكانت عنايته بتشجيع البنات حين يوصي بهن قائلا عنهن: 'يغلبن الكريم ويغلبهن اللئيم'.
لقد قدم نموذجا اجتماعيا فريدا في الاعتناء بأخيه المرحوم عبداللطيف الذي يصغره بثماني سنوات حتى سنة وفاته من حيث متابعة صحته ودراسته وأسرته والتوصية عليه فكان لأخيه أبا وأخا.
لقد شهدت بنفسي صموده خلال الاحتلال الآثم على الكويت بل فتح ديوانه العامر - ديوان الشايع بالشامية - وجمع الناس وحبب إليهم البقاء في الكويت، وجعل ديوانه مقرا لتبادل المعلومات والأخبار التي تعين الصامدين على صمودهم، وكذلك تسليتهم من السأم في ظل الاحتلال.
فلم يخرج إلا عندما تردت حالته الصحية واحتاج إلى علاج لا يتوافر في مستشفيات الكويت المنهوبة، وقدم خير مثال للمواطن رغم تقدم سنه، فكان له من اسمه نصيب.. رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي .
صالح علي حمود الشايع
السيرة الذاتية صالح علي الحمود الشايع ولد في حي المرقاب سنة 1911م و له من الأبناء أحمد وهو الأكبر وسليمان وعبدالوهاب وعبدالرحمن وفهد توفي رحمه الله وسهيل و3 بنات.
تعلم عند الكتاتيب، ثم في المدرسة المباركية ثم مدرسة العامر وسميت بهذا الاسم بعد ان استأجر المدرسون ديوانية العامر وأسسوا هذه المدرسة بعد ان تركوا المدرسة المباركية إثر خلاف مع إدارة المدرسة، وهي في سوق المعجل، ثم انتقلت مدرسة العامر إلى الأحمدية وكانت بيتا قديما، تقع بالقرب من البرح وبينها وبين البحر سكة (شارع) قديم، وبعد إقبال التلاميذ على هذه المدرسة وازدياد الطلبة انتقلت المدرسة الأحمدية إلى مبنى آخر على البحر مباشرة، واستمر صالح الشايع في هذه المدرسة حتى خريف سنة 1344 ه ـ .1926 سافر بعدها مع والده في الخريف الى الهند في مركب يسمى 'برودا'، وكانت أول رحلة له وسنه لا يتجاوز 16 عاما، وفي الهند أحضر له والده مدرسا هنديا يدعى أحمد فريد ليعلمه اللغة الانكليزية، وكان المدرس ينصحه بقراءة الصحف الهندية التي تصدر باللغة الانكليزية كصحيفة Times Of India، وكان يقرأ الإعلانات المبوبة وبعدها نمت عنده رغبة المطالعة باللغتين العربية والانكليزية، واشترك في صحيفة الأهرام التي كانت ترد اليه اسبوعيا كل يوم سبت في الباخرة ومجلة اللطائف المصورة وهي مجلة ثقافية.
عمل صالح بن حمود الشايع في مكتب والده علي بن حمود الشايع، فكان يساعده في كتابة المراسلات والترجمة الى اللغة الانكليزية، وانجاز اعماله خارج المكتب كالذهاب الى البنك والبريد وهو صغير السن، ولما عاد والده واستقر في الكويت تسلم صالح بن حمود الشايع العمل في الهند الى سنة 1350 ه عندما طلب عمه العمل مكانه في الكويت، لأن عمه كان ذاهبا الى الحج.
كانت له علاقات مع الزوار العرب الذين يفدون الى مومباي فقابل الكثير من أمراء الخليج وبعض الرجال العرب، وكان يدعوهم لزيارة منزله، واستقبل الرئيس التونسي السابق بورقيبة عند زيارته للهند.

كونا

التعديل الأخير تم بواسطة عنك ; 18-06-2009 الساعة 12:30 PM.
رد مع اقتباس