عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-06-2008, 04:05 PM
IE IE غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي

في الحلقة الثانية من «نافذة على الوثائق الفرنسية الخاصة بتاريخ الكويت» يستعرض الاستاذ الباحث يعقوب يوسف الإبراهيم تطورات الاحداث المتسارعة في الخليج والمنطقة المحيطة، ويشير الى حلم فرنسا بمد سكة حديدية من «سواسون» حتى البصرة عام 1889 لكن الدولة العثمانية رفضت المشروع. والصراع المحتدم بين الامبراطوريات الكبرى السائدة آنذاك للسيطرة وتقاسم النفوذ في الشرق الادنى والاوسط، ويعدد الانشطة العسكرية والسياسية لفرنسا في تلك الحقبة ويتوقف عند نتائج معركة الصريف والاشكاليات التي لازمت توقيع اتفاقية الحماية البريطانية مع الشيخ مبارك الصباح والمواجهات العسكرية مع الدولة العثمانية وكيف اصبحت الكويت تحت الحماية البريطانية.

عندما انسلخ القرن التاسع عشر من منتصفه وأقبلت نهايات العقد السادس منه، بلغ تصاعد حمى الإمبريالية الأوروبية درجة التصادم أحياناً، التي أحكمت خططها لتقاسم النفوذ في أقطار الشرق الأوسط والأدنى بينها، حينها استفردت بريطانيا بجنوب الجزيرة العربية والأقطار المطلة على خليجها العربي إضافةً إلى جنوب وأوسط بلاد فارس، بينما كانت فرنسا في عهد الإمبراطورية الثانية، حكم نابليون الثالث، تجدد اهتمامها الذي أصبح محسوساً لدى السلطات البريطانية في الهند خاصةً بعد معاناة بريطانيا في حرب البوير Boer War 1880-81 -1899-1902 في جنوب أفريقيا مما أدى إلى تدفق نشاط دول أوروبية أخرى. كان حلم فرنسا محاولة مد سكة حديد من سواسون Soissons حتى البصرة عام 1889، لكن الدولة العثمانية رفضت المشروع. أما روسيا فكــانت جــاهــزة للـتدخـل حـينمـا التـفت شاه إيران – ناصر الدين القاجاري (1848-1896) لها عام 1878 عند عصيان الجيش الإيراني ضده، مما حدا بقيصر روسيا – الإسكندر الثاني (1855 ــ 1881) لإنقاذه من جراء ذلك، فأرسل له قوة من فرسان القوزاق لحمايته الشخصية، وفي الوقت نفسه لحماية مصالح روسيا وتعزيز نفوذها في شمال البلاد. وكانت ألمانيا الأقرب إلى الإدارة العثمانية التي استعانت بخبراتها العسكرية في تنظيم جيوشها المتآكلة جراء الحروب الروسية والبلقانية. فساعدها اختراقها في إقناع العثمانيين في مد سكة حديد برلين – بغداد – البصرة، ومن ثم إلى الكويت.
ولكن المبادرة الأقوى كانت لبريطانيا حيث أحكمت اتفاقات الحماية لمصلحتها، فوقعت مع سلطان عمان ومشايخ الساحل المتصالح في 1873 ومن ثم مع شيخ البحرين عام 1880 وآخرها مع شيخ الكويت عام 1899. وقد وقفت إلى جانب الشيخ مبارك في حربه ضد أمير حائل نكاية بالعثمانيين والتي كان من نتائجها بروز نفوذ آل سعود واستعادة الملك عبد العزيز حكم آبائه وتأسيس الدولة السعودية الثالثة.
وما ان بزغ القرن العشرين حتى ابتدأت السفن الحربية والتجارية لكل من فرنسا وروسيا بارتياد مياه الخليج منافسةً لبريطانيا ولكن تلك المحاولات لم تثمر عن شيءٍ يذكر لإزاحة نفوذها. إلا انها تركت تبعات وآثارا سياسية وعسكرية واقتصادية، وهو ما أكده وزير خارجية بريطانيا اللورد لانسدون Lansdowne في مايو 1903 في مجلس اللوردات: «إن بريطانيا لن تسمح لأي قوة عسكرية بتأسيس قواعد لها في الخليج». وهي روح التحدي نفسها التي ظهرت بزيارة مندوب الملك في الهند اللورد كيرزن لأقطار الخليج في العام نفسه (1903).

التواجد الفرنسي
وعلى الرغم من كل ما سلف، لا بد لنا من أن نستعرض النشاط السياسي والعسكري لفرنسا في تلك الحقبة ما دام الموضوع هو ما يعنينا بالدرجة الأولى:
- افتتاح قنصلية في مسقط عام 1893 وتعيين القنصل أوتافي Otavi.
- وصول البارجة ترود Troude عام 1895 إلى مياه الخليج لتأييد سلطان مسقط ضد الحكومة الأبلظية في أواخر عام 1894.
- ابتداء رحلات بواخر شركة ميساجيري ماريتيم Messageries Maritimes عام 1896 إلى موانئ الخليج حتى البصرة.
- افتتاح قنصلية في بوشهر عام 1897 وتعيين القنصل فيران Ferrand.
- افتتاح قنصلية في لنجة عام 1899.
- زيارة البارجة دروم Drome وعلى متنها القنصل الفرنسي في بغداد روات Rouete في 20 أكتوبر 1900.
- استلام رئيس كتاب المابين (الجناح الخاص بالسلطان) مذكرة مباشرة من الخارجية الألمانية عبر السفير الألماني في اسطنبول تسلم شخصياً إلى السلطان عبد الحميد في 7 سبتمبر 1901 جاء فيها: «تعتزم الحكومة الفرنسية تجهيز وتسليح وإرسال ثلاث سفن حربية لاحتلال جزر في الخليج تحت سيادة الدولة العثمانية».
- كانت المقابلات بين الشيخ مبارك وقباطنة السفن الروسية تتم باللغة الفرنسية. وقد ذكر ذلك قبطان المدمرة أسكولد Askold عند زيارته في 9 نوفمبر 1902، وكان المترجم رجلاً أرمنياً يعمل وكيلاً لشركة بواخر في الكويت ويسكن في بيت الشيخ مبارك، مما يعني أن النفوذ الفرنسي متغلغلاً في أجواء العمل وأن اللغة الفرنسية ليست غريبة عن الحياة العامة في الكويت.

نتائج معركة الصريف
حينما وضعت الحرب أوزارها بعد معركة الصريف في 17 مارس 1901 ورجوع الشيخ مبارك إلى الكويت بعد اشاعة مقتله في 31 مارس، حلت حالة المكايلة وتقييم الأوضاع على أرض الواقع بين جميع أطراف النزاع اقليمية كانت أو عالمية بعد أول خسارة جسيمة تعرض لها الشيخ مبارك والتي غيرت الثوابت. فابتدأت القناعات بالتذبذب وربما بالشكوك من الجانب العثماني، والمتغيرات هي صنو السياسة و«بقاء الحال من المحال». فتعرضت حالة بقاء الأمرStatus quo وضمان استمرارها والإسراع بإجراء تغيير لما تمت عليه هذه الاتفاقية «غير المكتوبة» التي ابتدأت بعد صدور إرادة سنية في ديسمبر 1897 بتعيين الشيخ مبارك قائم مقام على الكويت ومنحه راتبا سنويا مقداره 150 كارة تمر أو ما يعادل 430 طنا. ثم عززت بتوقيع معاهدة الحماية مع بريطانيا في 22 يناير 1899. فبعث الصدر الأعظم برقية في 30 مارس 1901 إلى والي البصرة محسن باشا – وكان صديقاً للشيخ مبارك - فجاء رد الوالي مخففاً: «فالأمور لم تكن واضحة ولكن الشيخ مبارك مني بهزيمة وهناك أنباء وصلت عن مقتله». حينها صدرت الأوامر لإرسال قوة عسكرية بقيادة أميرلوا محمد فاضل باشا الداغستاني، فوصلت البصرة في بداية أبريل1901 جاهزة للتدخل. وبناء على ورود أنباء بأن الشيخ مبارك قد دخل في مفاوضات سرية مع البريطانيين وإعلان الحماية البريطانية على الكويت (لم تكن معلومات الاتفاقية السرية في 1899 قد وصلت إلى مسامع العثمانيين على الرغم من مرور سنتين من توقيعها!!) ويذكر أحد المؤرخين المعاصرين – عبد الله بن محمد البسام – في كتابه «تحفة المشتاق» ص 287 «دخل مبارك بن صباح شيخ بندر الكويت تحت حماية دولة الإنكليز في جمادى الآخرة 1320هـ».
فتقرر إرسال والي البصرة محسن باشا لجس نبض الأمور ميدانياً. فغادر البصرة براً ووصل إلى الكويت في 19 مايو ومعه ثمانون جنديا خيالا يشكلون نواة لحامية تركية في الكويت. فرفض الشيخ مبارك الطلب «لعدم الحاجة في الوقت الحاضر». فطلب منه الوالي أن يصحبه إلى البصرة لكتابة رسالة اعتذار إلى السلطان. وكانت أثناء تواجد الوالي في الكويت السفينة الحربية البريطانية سفينكس Sphinx لغرض المساندة التي وصلت بعد رجوع الشيخ مبارك من الصريف.
وعندما غادر الوالي صباح يوم 23 مايو بصحبة الشيخ مبارك بحراً، وصلت سفينة حربية أخرى هي «ماراثون» Marathon. لم يذهب الشيخ مبارك إلى البصرة بل توجه مع الوالي إلى محطة البرق في الفاو وأرسل برقية ولاء واعتذار إلى السلطان . وقابل القبطان فيليبس Philips قائد البارجة سفينكس الذي أبرق إلى قائد الأسطول برغبة الشيخ مبارك في تفعيل بنود الحماية. وقد تم ذلك في 29 مايو 1901. وكان الشيخ مبارك في انتظار مجيء المقيم السياسي البريطاني في بوشهر الكولونيل كمبول Kemball. كما طلب الإيعاز لسفن البريد بتسيير رحلات منتظمة إلى الكويت إشارة لاهتمام بريطانيا بدعمها. رفع طلب تفعيل الحماية إلى نائب الملكة في الهند الذي أرسل بدوره رسالة بتاريخ 8 يونيو يقول فيها: «إن الأوضاع في الكويت تغيرت نوعاً ما بسبب الأحداث الأخيرة (يقصد الصريف)». وكان المقيم السياسي كمبول قد أبرق إلى وزارة الخارجية في الهند بأن مقابلة الشيخ مبارك لقبطان البارجة سفينكس في 28 مايو تمت بناء على طلب الشيخ مبارك: «أن تعلن الكويت محمية بريطانية بالكامل».
__________________
"وَتِـــلـْــكَ الأيّـَــامُ نُـــدَاوِلـــُهَـــا بـَـيـْـنَ الـــنَّـــاسِ"
رد مع اقتباس