عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 10-08-2010, 12:18 PM
الصورة الرمزية فتى البارق النجدي
فتى البارق النجدي فتى البارق النجدي غير متواجد حالياً
عضو مخالف، تحت الملاحظة، النقاط: 1
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 48
افتراضي

النوخذة راشد مبارك المبارك
نشأ النوخذة راشد المبارك في بيت معظم رجاله من النواخذة، ونحا منحى عميه جاسم وعلي المبارك، وتعلم منهما ومن والده مبارك قيادة السفن الشراعية، ولما أصبح بإمكانه قيادة السفن الشراعية طلب منه التاجر ثنيان الغانم أن يقود سفينة صغيرة له، فظل يقودها، حتى صنع له سفينة جديدة من نوع البوم هي البوم "نايف"، وقام بقيادته سنوات طويلة من الكويت إلى الهند وبالعكس.
وقد ركب معه في هذه السفينة صانع السفن الكبير الأستاد علي عبدالرسول الذي لا يشيد بصفات "نايف"، كثيراً، لكنه يمدح النوخذة راشداً وقيادته الطيبة لهذه السفينة "نايف"، وكثيراً ما كان النوخذة راشد المبارك يبحر بصحبة نواخذة آخرين مثل النوخذة الكبير راشد العسعوسي. وكانت تلك الرحلات (كما يذكر الأستاد علي عبدالرسول) مسلية وتعلم الإنسان الكثير من الأمور.
ولم تكن السفينة "نايف" الوحيدة التي قام بقيادتها النوخذة راشد المبارك، فقد تسلم قيادة سفينة العثمان المشهورة "تيسير" سنة واحدة بعد أن ترك قيادتها النوخذة عبدالوهاب العثمان، كما أن معظم رحلاته كان إلى الهند، ولم يذهب إلى ساحل إفريقيا الشرقي، وقد توفي في الكويت في أوائل الستينات من هذا القرن العشرين.

النوخذة صالح المهيني
ظهر في عائلة المهيني العديد من نواخذة السفر الشراعي، كبيرهم النوخذة علي المهيني الذي درب ابن أخيه صالحاً على قيادة السفن الشراعية، فقام هذا الأخير بتدريب أخيه وابنيْ عمه سليمان ويوسف العلي المهيني أصول الملاحة والسفر.
أما النوخذة صالح فقد اشتهر من بين نواخذة "الهرفي"، والهرفي تعني بداية نقل التمر من البصرة (شط العرب) إلى الهند، حيث تسابق النواخذة (نواخذة الهرفي) لبيع التمور في أسواق الهند نظراً لأن الحكومة الهندية كانت تعفي هذه السفن المبكرة في الوصول إلى الهند من الضرائب.
ولا ينضج جميع أنواع التمر في موسم الهرفي (في شهر أغسطس)، بل أنواع معينة فقط، أما باقي الأنواع فلا تنضج إلا في حوالي شهر أكتوبر.
ولما كان نواخذة الهرفي يبحرون إلى الهند مبكراً، فقد كانوا عرضة لهبوب عواصف تسمى "الأحيمر" تغرق السفن ومن فيها، فهم من أشد نواخذة الكويت جرأة وشجاعة.
ركب النوخذة صالح المهيني مع عمه النوخذة علي لتعلم أصول الملاحة وقيادة السفن الشراعية، وما إن أكمل العشرين من العمر تقريباً حتى أصبح نوخذةً على بوم صغير يملكه والده وعمه النوخذة علي وكذلك عائلة الصقر، واسم هذه السفينة "التوكلي".
وكانت أولى رحلاته في موسم الهرفي إلى كراتشي، وكان يرافقه النوخذة أحمد القصار (من نواخذة الهرفي كذلك) على سفينة تابعة لعائلة المرزوق. واستمر النوخذة صالح ينقل التمر في موسم الهرفي كل عام على سفن تابعة لعائلة الصقر أكثر من 14 عاماً، حتى عرف بأنه نوخذة الصقر، وكان يقوم أحياناً بثلاث رحلات (ثلاثة مطاريش) في الموسم الواحد.
يصف الأستاد علي عبدالرسول صانع السفن النوخذة صالحاً بأنه "سبع والبحارة لا ينامون الليل معه حين يشتد عليهم البحر" كما أن النوخذة صالح جريء وبخاصة في سنوات الحرب العالمية الثانية حين تكون الموانئ مزروعة في مداخلها بالألغام البحرية.
وفي مقابلة أجراها د. يعقوب الحجي مع النوخذة صالح تحدث له عن بعض رحلاته في البحر، وكانت إحداها الرحلة التالية:
"كنت أبحر بالقرب من ميناء بوشهر حين هبت علينا رياح الكوس (الجنوبية) وكاد الماء يركب من فوق "الدراريب" فقال لي المجدمي (رئيس البحارة) إن البحارة تعبوا من العمل المتواصل لنزف الماء من السفينة، فقررت أن أدخل ميناء بوشهر. واقتربنا من المدخل ونحن نقيس القاع "بالبلد"، ونبحر بحذر نظراً لأن القاع لا يزيد عمقه على أربعة "أبوع" عند المدخل.
ودخلنا البندر بسلام، واسترحنا حتى اليوم التالي ثم أبحرنا إلى كراتشي ووصلناها بعد تسعة أيام، وهناك استقبلنا التاجر عبدالعزيز الصقر وحمد الله على سلامتنا، فأنزلنا التمر وأبحرنا جنوباً إلى بومباي.
ولما كانت الحرب العالمية الثانية ما زالت مشتعلة، فقد طلب منا التجار الهنود في بومباي نقل أقمشة خاصة بهم إلى البصرة، لكن التاجر عبدالعزيز الصقر (ومعه الشايع) لم يوافقوا على ذلك وشحنوا سفينتنا ببضاعة خاصة بهم إلى الكويت (مثل الشاي والأقمشة)، وأعطوني 500 روبية إكرامية، وكذلك أعطوا البحارة إكرامية.
وبعد 18 يوماً وصلنا بوشهر ثم وصلنا بعدها الكويت حيث استرحنا أياماً معدودة ثم أبحرنا للشط (البصرة)، ثم إلى كراتشي مرة ثانية (مطراش ثاني)، ثم إلى بومباي حيث حملنا بضاعة لأحد التجار من دولة قطر. وحين وصولنا قطر وصلتني برقية من الكويت تفيد بأنني رزقت ولداً هو ابني البكر محمد، فأبحرت مسرعاً باتجاه الكويت، لكن الهواء كان ضدي، ولم أصل إلا بعد 11 يوماً (مياوش)".
أما قصة النوخذة صالح حين أحضر "التموين" أيام الحرب العالمية الثانية للكويت هو والنوخذة عيسى النشمي، فقد نشرتها جريدة القبس بالتفصيل. وفيها يذكر النوخذة صالح أنه هو والنوخذة عيسى النشمي أول من أحضر الأرز للكويت حين بدأت الحرب العالمية الثانية، وقلّت المؤونة في الكويت والخليج.
وبعد سنوات من قيادة النوخذة صالح لسفن الصقر (كان في السفينة قتيبة) ترك صالح سفينته وركب في عام 1943م سفينة لعائلة العثمان هي البوم "فتح الكريم". وتم الاتفاق بينه وبين النوخذة عبدالوهاب على قيادة هذه السفينة، وقد نشرت جريدة القبس( ) في ملحقها تفاصيل رحلة النوخذة صالح هذه. ثم عاد النوخذة صالح إلى العمل في سفن تابعة للصقر، وكان خلالها يقوم بتدريب أخيه أحمد وابن عمه النوخذة سلميان المهيني.
أما أحمد فقد تسلم قيادة البوم "مشهور" بعد أن تركه أخوه صالح لمدة تقدر بحوالي 8 سنوات، ثم ترك البحر بعد ذلك، وأما النوخذة صالح فقد استمر في ركوب السفن الشراعية حتى "طاح" السفر، وتوقف "الهرفي" فلزم الكويت وعمل مرشداً في الميناء سنوات طويلة مع رفيق السفر النوخذة عيسى النشمي.
وكان ذلك في العام 1954م بعد أن خدم في النقل الشراعي مدة تقارب الأربعين عاماً.
يقول د. يعقوب الحجي:
سألت النوخذة صالحاً عام 1984م هل يشعر بالشوق لركوب البحر ثانية فأجاب:
"الشوق للبحر والسفر موجود، لكن الزمن تغير وبقيت الذكريات، وهذه الأيام حين أمشي في السوق وأقابل أحد بحارتي فإنهم يقبلونني ويسلمون عليّ بحرارة ويذكرونني بالخير لأني عشت معه أخوة البحر على أحسن ما تكون".

النوخذة عبدالله إبراهيم إسماعيل
من نواخذة الحي القبلي المعروفين. أرسله والده وهو صغير إلى الشيخ أحمد الخميس لتعلم القرآن في ديوان الفوزان. ثم تعلم عند الملا في الكتاب مبادئ الحساب، وكان والده يدفع أربع روبيات في الشهر لقاء تعلم ابنه الحساب، نظراً لأنه كان يود أن يساعده في حساباته البحرية.
ركب النوخذة عبدالله إسماعيل البحر أول مرة مع النوخذة يوسف الجاسم المبارك في السفينة "طارق" لمدة سنة واحدة، تعلم فيها مبادئ الملاحة والقياس من هذا النوخذة القدير. كما ركب مع والده عدة سنوات قبل أن يتسلم قيادة بوم النوخذة عبداللطيف العثمان عام 1944م، وعمره حوالي 26 عاماً.
وبعد عام واحد في قيادة هذه السفينة، ركب في قيادة بوم النوخذة عبدالوهاب العثمان المعروف باسم "فتح الرحمن" وهو ذو حمولة تقارب 2300 من. وفي قيادة هذه السفينة أمضى ست سنوات متصلة.
وفي إحدى رحلاته على بوم النوخذة عبداللطيف العثمان، شحن التمر من البصرة، ونقله إلى دبي حيث كانت في مجاعة في تلك السنوات (سنوات الحرب العالمية الثانية). وكان القنصل في دبي آنذاك عبدالرزاق رزوقي. وأما عن رحلاته على بوم فتح الرحمن، فقد كان يذهب إلى الهند لنقل التمر وإحضار الأخشاب مرتين في الموسم الواحد، وكانت كل رحلة تستغرق حوالي الأربعة أشهر.
وفي رحلة أخرى على فتح الرحمن، كانوا عائدين من الهند قاصدين البحرين وإذا بعاصفة تضطرهم لإنزال الأشرعة وترك السفينة تحت رحمة الرياح والأمواج. وكان النوخذة عبدالوهاب في الكويت يترقب خيراً عن السفينة، وكان يظنها قد وصلت البحرين. ولكن مضت أيام ولم يسمع عنها خبراً.
وبعد أيام وصلت برقية إلى النوخذة عبدالوهاب باللغة الإنجليزية، فأرسل ابنه عثمان لكي يبحث عمَّن يقوم بترجمتها. ولّما تم ذلك علم النوخذة عبدالوهاب أن السفينة بخير هي وملاحيها، لكنها في أحد الموانئ الساحلية الإيرانية وبعد أيام وصلت بسلام إلى الوطن.
وفي أواخر الأربعينيات من القرن العشرين بدأت المحركات تدخل في جوف السفن الشراعية، فركب النوخذة عبدالله على إحدى هذه السفن للتاجر عبدالعزيز حمد الصقر عام 1952م ولمدة سنتين. ثم اشترى هذه السفينة التاجر يوسف العبدالرازق، وطلب من النوخذة عبدالله أن يستمر في قيادته لمدة عامين.
ثم تغير صاحبه واستمر النوخذة عبدالله في قيادته لمدة عامين. ثم تغير صاحبه ثانية واستمر النوخذة عبدالله في قيادته ثلاث سنوات أخرى. ولقد كانت جميع هذه الرحلات إلى الهند.
وفي عام 1958م ترك النوخذة عبدالله السفر البحري، وعمل مرشداً للبواخر في ميناء الشويخ، وكان زملاؤه هناك قباطنة كبار مثل النوخذة بدر عبدالوهاب القطامي، والنوخذة عيسى النشمي. وبعد 16 عاماً قضاها مرشداً ترك هذه الوظيفة التي كان راتبه منها في أول عام لا يتعدى 150 روبية. وفي عام 1973م، وبعد أن ترك هذه العمل باشر عملاً تجارياً ناجحاً استمر إلى هذا اليوم.
ومما يتذكره جيداً أنه في عام 1947م كان في بومباي، فأبحر قاصداً الكويت. وفي الوقت ذاته أبحر من جوه النوخذة حجي بهمن على سفينة صغيرة بها حوالي اثني عشر بحاراً من جماعته. وفي الطريق أصابتهم عاصفة "ضربة الأحيمر" في الثامن أو التاسع من شهر نوفمبر، وغرقت السفينة، ومات جميع ركابها، ولم يعثر على أحد منهم.
ولقد عرفت هذه الكارثة بطبعة عيال بهمن. وما زال الكثيرون من أهل البحر والنواخذة يذكرونها حتى اليوم. ولقد سلم النوخذة عبدالله منها، فالحي ليس بأخ للميت، كما يقول.
وفي ختام حديثه، يقول النوخذة عبدالله إسماعيل: "نعم يعنّ البحر عليّ. ولكن أين البحارة الذين كانوا مثل الإخوة؟! لقد كان النوخذة عبدالوهاب العثمان يقول لي: "كلما خايرت (أي غيرت اتجاه الشراع) يا عبدالله، أنت في قلبي".
أي أنه كان يعرف المعاناة التي كنت أتكبدها نتيجة للاعتماد على بحارة غير كويتيين. لكن لكل زمان دولة ورجال. وأنا لم أجعل الهموم تتغلب عليّ. لكني انشغلت عن عملي التجاري.
ولقد كنا نعرف قيمة المادة وأهميتها في تأسيس الإنسان، لذا حين توقف السفر الشراعي اتجهت بسهولة إلى التجارة. لقد كنت أحسب لها حساباً، وأنا مازلت نوخذة أسافر على السفن الشراعية. ولم أجد فرصة للتفكير في الماضي والحزن على ما فات.
وأنا اليوم، والحمد الله بخير كثير. لكن لا أجد اهتماماً بالبحارة أو بالنواخذة، مع أننا كنا نخاطر بشبابنا ورجالنا في سبيل الوطن".
ومن الجدير بالذكر حبه الشديد وإعجابه الشديد بالنوخذة القدير عبدالوهاب عبدالعزيز العثمان، ولقد روى مواقف مؤثرة متعددة عنه أثبتناها في موضعها المناسب بثنايا هذا الكتاب.

النوخذة علي حسن الشطي
هو ابن النوخذة حسن الذي دربه وعلمه على فنون الشراع والسفر والتنوخذ، فأصبح سكوني مع والده فترة من الزمن. ثم عمل في بوم للقطاعة. أما في الصيف فكان يقوم بنقل الماء من شط العرب إلى الكويت.
وفي منصف الثلاثينيات أصبح نوخذة على بوم للعثمان خلفاً للمرحوم النوخذة محمد صالح، الذي توفي ودفن في جزيرة الشيخ، فاستلم قيادة هذه السفينة من بعده لعدد من السنين، انتقل بعدها إلى قيادة البوم "سمحان" للتاجر خالد الداوود المرزوق، ثم في بوم "المنصور" للمرزوق أيضاً، حتى أواخر الخمسينيات حين ترك السفر.
وكان النوخذة علي الشطي من النواخذة القلائل الذين استمروا في قيادة السفن حتى نهاية الخمسينيات بالرغم من صعوبة الحصول على بحارة كويتيين، ولم يلتحق بوظيفة حكومية حين ترك البحر.
وفي عام 1976م توفي النوخذة علي بعد سنوات طويلة في خدمة السفر الشراعي الكويتي، رحمة الله عليه.

النوخذة عيسى يعقوب بشارة
ولد النوخذة عيسى يعقوب بشارة عام 1919م في منطقة الشرق بالقرب من فريج (حي) الشيوخ، وقد أدخله والده النوخذة يعقوب بشارة مدرسة حمادة ثم المدرسة المباركية فالأحمدية، وقد ركب البحر لأول مرة عام 1928م وعمره آنذاك تسع سنوات بصحبة والده إلى الهند، ولم يتجاوز ستة عشر عاماً، حتى أصبح "معلماً" أي مساعداً للنوخذة في الحسابات الفلكية.
ثم سافر مع النوخذة حسن اللنقاوي في البوم "سردال" ملك التاجر النوخذة أحمد الخرافي معلماً أيضاً. حتى عاد إلى البوم سردال لأحمد الخرافي ولكن كنوخذة هذه المرة عام 1938م، وهكذا في البوم "نايف" للتاجر يوسف المرزوق لمدة عامين، ثم في عام 1942 وحتى عام 1953 في بوم "الفتح" لمحمد وثنيان الغانم، ثم أربع سنوات في تجارته الشخصية كنوخذة حتى عام 1957 كان يقوم خلالها بنقل البضائع والذهب لتجار آخرين كذلك.
رحلة بحرية استمرت زهاء عشرين عاماً كانت كلها ريادة وقيادة وصل فيها إلى جميع الموانئ الهندية مثل: بومباي وكراتشي وبوربندر وخورميام وبراوه وجام نقر وقوه وكاروار ومنقلور وكنانور وكاكليوت وكوشي وألفي.
وكذلك الموانئ الإفريقية في السواحل الشرقية لإفريقيا مثل: زنجبار ومقديشو وممباسا وماركه ولاموه ودار السلام. ومن خلال هذه الرحلات إلى هذه الموانئ كانت تحصل أحياناً بعض المشكلات.
ففي إحدى هذه الرحلات فاجأتهم عاصفة قوية تكدر النفس، وكان برفقته النوخذة محمود العصفور. لكن النوخذة عيسى استطاع في تلك الرحلة أن يثبت أن سفينته هذه "محمل بحر" وأنه نوخذة صلب لا يهاب.
وهناك رحلة أخرى على "الفتح" تحدث عنها النوخذة عيسى إلى د. يعقوب الحجي، وكانت رحلة صعبة لم يحدث له أسوأ منها، فقد كادت العاصفة (عيوقي) أن تغرق "الفتح" بعد أن أطاحت "بالسكوني" من مكانه وكسرت أسنانه، وكانوا بالقرب من ساحل مكران "بلوشستان" لكن "الفتح" قاوم ببسالة وكذلك بحارته وقبطانه، بعون الله تعالى والتوكل عليه.
كذلك ذهب النوخذة عيسى إلى أقصى ما كان يذهب إليه الكويتيون في إفريقيا وهو دلتا الروفيجي، وخيران سمبا أورنجا في تنزانيا. ولا شك أن دخول السفينة الشراعية إلى تلك الأماكن يتطلب النوخذة المناسب، فكان الرجل المناسب لتلك المهمة.
قام النوخذة عيسى بقيادة سفن أخرى من بينها بوم التاجر أحمد الخرافي "سردال" ولم يشأ أن يترك البحر إلا بعد أن توقف التجار عن إرسال سفنهم الشراعية إلى الهند وإفريقيا، عندها ترك النوخذة عيسى السفر الشراعي، وبقي في الكويت، وكان لديه مكان على ساحل البحر (شاليه في الخيران) يذهب إليه في نهاية كل أسبوع وكان يستقبل فيه من عنده شوق لمعرفة بعض صفحات من تاريخ هذه البلد البحري.
وقد ذكره أحد البحارة حين قال: "إنك حين ترى النوخذة عيسى على البر، تظن أنه رجل عادي، لكنك حين ترابعه في البحر تجده يقود المحمل مثل السبع… إنه نوخذة من أطيب النواخذة".
ولعله من المناسب أن نختتم حديثنا عنه بحادثة مؤثرة يرويها عن نفسه إلى الأخ الباحث في التراث الكويتي الأستاذ عادل محمد العبد المغني والذي وثقها في كتابه "لقاء مع الماضي" قائلاً:
"المواقف كثيرة.. وإليك هذه الحادثة التي تعرضت لها شخصياً وحدثت لي في عام 1943م، عندما كنت نوخذة لبوم "الفتح"، وكنا قد حملنا التمر من البصرة ووجهة سيرنا إلى الهند وكانت السفينة بمنتصف الخليج العربي.
وما إن حل علينا الظلام حتى هبت علينا رياح شديدة وكان علينا موسم الهرفي وكثير من النواخذة يتحاشون هذا الموسم الذي يكون في شهر أغسطس وما يصاحبه من أنواء، (وكنا خلال السفرة رافعين الشراع العود) وهو أكبر أشرعة السفينة، وفي هذه الحالة يمكن أن يتمزق الشراع من شدة هبوب الرياح، فأعطيت تعليماتي للبحارة لإنزال (الشراع العود) ورفع الشراع الأصغر (السفديرة) ومع شدة هبوب الرياح والظلام الدامس وارتفاع الموج لم أجد نفسي إلا وأنا ملقى في عرض البحر.
هكذا شاءت الظروف أن أنجرف بمفردي في وسط الأمواج العاتية وهي تتخاطفني، ومن شدة ارتفاع الموج ابتعدت عن السفينة حتى اختفت في وسط الظلام، فسلمت أمري إلى الله تعالى فهو المحي والمميت.
وقد تملكني شعور بالقوة ولم أقنط من رحمة الله، فإن أراد الله لي الحياة فسوف أنجو وإن لم يكن فتلك مشيئة رب العالمين سبحانه وتعالى.
أمضيت فترة طويلة تتلاقفني الأمواج على غير هدي وبقيت على هذه الحال قرابة ثماني ساعات وكان رفاقي على ظهر السفينة في حالة عصيبة لفقدانهم نواخذهم، وكانوا قد أنزلوا قارب النجاة (الماشوة) للبحث عني حول السفينة، وتناوب الرفاق في البحث، فكل ساعتين تستبدل مجموعة بأخرى.
وبعد تلك الساعات الطويلة بدأ الإجهاد يدب في جسدي، ولم أكن في ظل هذه الظروف أملك حولاً ولا قوة إلا إيماني العميق الراسخ برب العباد، فهو المنقذ إذا أراد أن يكتب لي عمراً.
وبينما أنا أدعو بما ألهمني الله من دعاء شاهدت جسماً قريباً في جنح الظلام، وظننت أنها سمكة كبيرة، فحاولت التعلق بها وليكن ما يكون، ولكن لم يكن ظني بمحله فما هو إلا قارب النجاة (الماشوة)، وعليه رفاقي الذين جاءوا لانتشالي من الغرق بعد معاناة استمرت طويلاً".

النوخذة منصور إبراهيم الخليل الخارجي
النوخذة منصور إبراهيم الخارجي من أكبر النواخذة الذين ظهروا في جزيرة فيلكا ومن أشهرهم، بل هو واحد من كبار نواخذة الكويت وقباطنتها، حتى إن بعضهم لقبه "بشيخ المعالمة" نظراً لتفوقه في علم "القياس" وتحديد مواقع السفينة في عرض البحار.
ولقد اشتهر بين نواخذة وتجار الكويت، فقام بقيادة العديد من السفن الشراعية الكويتية، ولم يترك السفر إلا في عام 1944م، بعد أن بدأت المحركات البخارية تدخل في صناعة السفن الشراعية وبعد أن بدأ السفر الشراعي الكويتي بالركود.
ولد النوخذة منصور في جزيرة "خرج" قبالة الساحل الإيراني للخليج، ثم استقر والده في جزيرة فيلكا، وبدأ تعلم ركوب البحر وعمره لا يتعدى ست عشرة سنة، فركب أول الأمر مع أخيه علي في السفينة البغلة "السلامتي" للتاجر محمد الغانم، وكان ذلك عام 1313هـ (1895م).
وفي عام 1324هـ (1906م) أصبح "معلماً" مع أخيه علي "في خدمة الوالد الحاج إبراهيم خليل". أصبح بعد ذلك نوخذة يقود السفن الشراعية إلى الهند وساحل إفريقيا الشرقي.
ركب النوخذة منصور العديد من سفن الكويت المشهورة، فقد ركب على بوم شاهين الغانم المعروف باسم "الوشار" وهو من السفن كبيرة الحجم، كما ركب سفينة أخرى لعائلة الشاهين الغانم هي البوم "كاكه" أو "النيباري"، ولقد قاد هذه السفينة إلى العديد من موانئ الهند وإفريقيا وكان خبيراً بالملاحة وقيادة السفن. بالإضافة إلى إتقانه اللسان العربي والفارسي والهندي والسواحيلي. كذلك تسلم قيادة البوم "المصفى"، والبوم "موافج" لعائلة العثمان، وهو من أقدم وأشهر خشب الكويت.
ترك النوخذة منصور الخارجي مخطوط كتاب أسماه "القواعد والميل والنتيجة وعلم البحر" يقع في حوالي 193 صفحة من القطع الكبير، وقد قسمه إلى خمسة أبواب أو أقسام ضمنها قياسات خطوط الطول والعرض وكذلك التضاريس والعلامات الدالة على بعض الجزر، كما ضمنه نصائح لنواخذة السفن الشراعية (راجع كتاب "ربابنة الخليج العربي") تأليف خالد سالم محمد.
وفي عام 1372 هـ (1952) توفي النوخذة منصور الخارجي عن عمر قارب الثمانين عاماً.

النوخذة يعقوب بشارة
ارتبطت عائلة بشارة البحر والسفر الشراعي الكويتي منذ زمن طويل. فقد كان كبيرهم معيوف بشارة نوخذة يقود السفن الشراعية إلى الهند، وكان يعد أحفاده وأولاده لركوب البحر.
فظهر فيهم النوخذة يعقوب بشارة، الذي اشتهر بقيادة السفن مثل البوم "ظبيان" للتاجر عبدالمحسن الخرافي، والذي قاده عدة سنوات إلى الهند، ثم البوم "المحمدي" للتاجر والنوخذة عبدالله العثمان،والذي قاده حوالي خمس سنوات إلى معظم موانئ الهند.
وكان خلال هذه الرحلات يدرب العديد من الشباب على ركوب البحر وقيادة السفن، منهم ابنه عيسى وأقاربه، الذين أصبحوا فيما بعد وبخاصة النوخذة عيسى من أفضل ما ظهر في الكويت من نواخذة السفن الشراعية.

النوخذة يعقوب خلف اليتامى
ولد النوخذة يعقوب خلف اليتامى (أبو يوسف) في منطقة القبلة بمدينة الكويت القديمة عام 1913م، وتلقى تعليمه في عدة مدارس أهلية كعادة الكويتيين في ذلك الوقت، فدرس عند "المطوع" الشيخ محمد الهولي، ثم في مدرسة الشيخ يوسف بن حمود، وبعدها مدرسة شملان بن سيف للأيتام، وأخيراً بالمدرسة الأحمدية في العشرينيات، وهي ثاني مدرسة نظامية بعد المباركية.
عمل في شبابه المبكر في صيد السمك والغوص على اللؤلؤ لعدة سنوات ثم ركب البحر (كبحار) في "بوم دسمان" مع النوخذة منصور المبارك، وعندما تمرس في شؤون البحر والأسفار أصبح "سكوني"، وهو الذي يتولى قيادة سكان (دفة) السفينة، واستمر لمدة ثلاثة سنوات ثم اصبح "معلماً"، وهو الذي يقوم بمساعدة النوخذة، بالإضافة إلى تولي مهمة تحديد سير السفينة بواسطة الخرائط البحرية التي تعرف بالنولي، بالإضافة إلى استخدام "الديرة"، وهي عبارة عن البوصلة البحرية، وأيضاً "الكمال"، وهو ما يعرف في الوقت الحاضر بجهاز "السكستان"، ويستخدم وقت الزوال لمعرفة خط السير والمسافات والطول والعرض.
وعمل بوظيفة "معلم" لدى النوخذة يوسف عبدالوهاب القطامي في بوم سفار يلقب "بالغزال" لمالكه أحمد محمد الغانم وذلك لمدة سنتين، وعمل أيضاً في الوظيفة نفسها لدى النوخذة عبدالحميد العبدالجادر في "بوم سفار" ويلقب باسم "موافج" لمالكه يوسف محمد العثمان وذلك لمدة سنتين.
وبعد هذا التمرس والخبرة الطويلة في شؤون البحر وعلومه وارتياد كافة موانئ الهند وموانئ شرق أفريقيا بكل سهولة ويسر، أصبح النوخذة يعقوب خلف اليتامى * عن جدارة * نوخذة من نواخذة سفن السفر الشراعي بالكويت وتنوخذ في بوم "موافج" * السابق ذكره * لمدة سنتين، ورافقه في أسفاره عبدالله محمد العثمان للاستفادة من خبراته.
وفي عام 1948م تنوخذ في بوم يلقب باسم عادل، لمالكه خالد عبداللطيف الحمد وإخوانه، واستمر حتى عام 1953م، ثم سافر إلى الهند للعمل بالتجارة على حساب الحمد لمدة سنة.
وكان بود النوخذة يعقوب اليتامى الاستمرار بالعمل البحري لولا انتفاء حاجة الكويت لسفن الشراع، وإثر ذلك عمل في الميناء للاستفادة من خبرته كمشرف عام للنقل البحري لمدة جاوزت الخمسة والعشرين عاماً.
وللنوخذة يعقوب اليتامى عطاء وتفانٍ في مجال الخدمة العامة، فقد انتخب على مدى اثنتي عشرة سنة منذ عام 1976 وحتى 1987م كعضو ونائب للرئيس في جمعية الشامية والشويخ التعاونية بالإضافة إلى رئاسته لمجلس المنطقة لعدة سنوات.
رد مع اقتباس