عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 15-10-2010, 09:51 PM
د.طارق البكري د.طارق البكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 16
افتراضي


مقدمة الكتاب

"جُمِعَ من (برّاية) أقلام ابن الجوزي ما أُدفِئ به ماءُ غسله عند الموت، وجُمِعَ الغبارُ من عمامة صلاح الدين فجعل لبنة تحت رأسه في القبر". الشيخ عائض القرني
(من مفاتيح النجاح)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وصحبه ومن والاه..

أمّا بعد،

فإنَّ الظنَّ بـأنَّ السهولة تكمن غالباً في وفرة المصادر وغزارة المعلومات؛ أمرٌ تعوزه الدقة.. فالصعوبة تعظم في الانتقاء من الكثرة لا من القلَّة.. وقد قيل: ليس هناك صعوبة في الاختيار بين الخير والشر.. بل الصعوبة في الاختيار بين الخير والخير. ويحكى عن عمرو بن العاص أنّه قال: "لسان المرء قطعة من عقله، وظنّه قطعة من عمله".. ولا شكّ أنّ الاختيار قطعة من المُختار.. والأسلوب كما يقول أحمد حسن الزيات (1905 - 1968): "وحده هو الذي يملِّكك الأفكار وإنْ كانت لغيرك".

وربما يكون سهلاً أنْ نجد مصادر كثيرة ومراجع غزيرة مرتبطة بشخصية لامعة مرموقة في المجتمع، وبخاصة إذا كانت معاصرة، ولها أيضاً تأثير بارز في بعض الجوانب الأساسية في البناء والتنمية.. وفي المقابل، ربما يكون عسيراً، أو يكاد يكون مستحيلاً: أنْ توجز هذه المصادر بأسطر معدودات، أو حتى أنْ تقنع بما توافر منها، لتشكل كتاباً صغيراً في حجمه، خفيفاً في حمله.. محدوداً في صفحاته.. فالإيجاز هو البلاغة كما يقول البلاغيون.. مع أنّ لصاحب الكشاف الزمخشري (467 - 538هـ /1074 - 1143م) رأياً آخر مجمله: "كما أنّه يجب على البليغ في مظان الإجمال أن يجمل ويوجز، فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصّل ويُشبع".(1)

وتشتدُّ الصعوبة حدّة عندما تقرّر - راغماً غير راغب - فرض قيد ونصب حاجز في وجه النصّ، فيتفلّت رغماً عنك، ويتمرّد غصباً، فتصرّ - جــاهداً - علـى أن تصيده وتنقض عليه مكبلاً له.. التزاماً بما يفرضه المنهج ويقتضيه المقام، فتفشل أحياناً وتنجح أحياناً أخرى. فالرجل في جعبته الكثير الكثير من المسائل المختلفة، التي تستحق كل مسألة منها التوقف عندها وتدارسها والاستفادة منها..
____
1 - انظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي - ص 290.
بَيْدَ أنَّ المنصف، وعلى الرغم إنصافه - ولا أزعم شرف ذلك - فإنّه قد ينحاز إلى من يكتب عنه، ويعلن استسلامه أمام فيض ما يتواتر إليه من قيم يمثلها، فيعمل على تبيانها وتفصيلها، فيفقد البوصلة حيناً، وتطربه المواقف في أحايين أخرى.. حتى يسمع صوت الأحداث تتدافع عفو الخاطر.. فيصبّ الكلام صباً، وينشر العطر نشراً.. إيماناً بأنّه يكتب للتاريخ.. تاريخاً يرسم المستقبل..

وقد جلستُ مع السيد أحمد بزيع* الياسين، الذي يعرف في المخاطبات الرسمية باسم "الشيخ"، بعد مرحلة ممتدة من التحضير، مع فريق كامل من العلاقات العامة في بيت التمويل الكويتي، لنتحاور بشأن هذا الكتاب، قبل البدء بخط سطوره وكلماته.. وكان في كل لقاءاتنا متّقد الذاكرة بشكل مدهش.. يعرف مقدار ووزن كل كلمة يقولها.. حافظاً للأسماء والتواريخ بدقة.. يصحح خطأ ورد في مصدر ما.. من دون أن يرجع إلى أي ورقة أمامه، يتكلم بلغة عربية فصيحة خالية من اللحن.. ولو أخطأ في تشكيل كلمة وهو يتكلم.. يكرر الكلمة مصححاً لها رفعاً أو نصباً أو جراً.. في دقة متناهية.. مع أنه رجل مال وأعمال واستثمار وليس رجل أدب ونحو ولغة.. فقد كان اهتمامه باللغة والتاريخ واسعاً.. وكان حريصاً على تدوين خطاباته ومحاضراته بنفسه، وقدم لنا الكثير الكثير من الأوراق التي كتبها في مراحل مختلفة من حياته.. مما يؤشر على شدة حرصه وتمسكه بالأصول المخطوطة.. وكأنه يثبت عن غير قصد قيامه بكل الأعمال بتفاصيلها.. وحتى إلقاء كلمات عادية، عادة ما يكتبها لمن في مقامه أشخاص متخصصون.. وكان يحرص في كل كلامه عن إنجازاته أن يقول قبل البدء "بعون الله وتوفيقه".. مؤكداً أن شعاره دائماً القول الذي ينسب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأوَّل ما يجني عليه اجتهاده
وكنت أقف بعد كل لقاء حائراً بين الكتابة له أو عنه.. فقد كانت المسألة معقّدة بامتياز.. فمن الصعوبة أن تكون محايداً - كما يفترض المنهج العلمي - وأنت تكتب عن "شخص" مثل الشيخ أحمد.. ومع ذلك قررتُ المحاولة على قدر الاستطاعة، وأن أدعَ السيرة التي أمامي تتكلم عن ذاتها.. ترسم خط سيرها.. وتعبّد طريقها.. لتكشف عن حقائقها ومكنوناتها ودررها مع الأيام، فتكون بين دفتي هذا الكتاب تأريخاً لمرحلة خاصة خصبة من تاريخ الكويت، تقدّم للجيل الجديد من الشباب ولمن ســيأتي من بعده، صورةً حيّةً مشرقةً ناهضةً لشخص أمضى حياته مجابهاً المخاطر ومتحدياً لها.. مختاراً الطريق الوعر... وما زال حتى اليوم يأبى رغم مجاوزته الثمانين إلا أنْ يواصل السير بعزم الشباب، وأنْ يجالس الذين هم فــي سنّ أحفاده.. ليســـدّد رميهم، ويحدَّ من عزائمهم، ويمهِّد دربهم، ويرفع معنوياتهم.. ويبيــن لهــم بالأفعال لا الأقوال والنظريات المجتزأة: كيف أنّ الإصرار يصنع الأعاجيب، وأنّ النجاح عند الناجحين بحق - كمـا يقال - أكـثـر من ثلاثة أرباعه: كدّ وجهد وعرق وتعب، وأقلُّ من ربعه: حظّ وواسطة وشطارة.. أو بالأصوب (عيارة)..

وهذا الكتاب من بدءه حتى ختامه موجّه للناجحين الحقيقيين فقط، الذين هم من الأرباع الثلاثة الأول.. ولمن يريد النجاح ويطمح أن يحققه ويسعى إليه، ولمن يحب النجاح والناجحين ويفرح بنجاحهم.. فحبّ الناجحين حبٌّ للصالحين(1)، وحب النجاح في حد ذاته "نجاح".
_____
* كتب في المصادر العربية الكثير عن لفظة (بزيع)، وهي تدور في مجملها حول معان متقاربة، ففي المعاجم: البزيع هو الغلام الذكي الظريف المليح والشيء النامي.. وبَزُعَ الغلامُ صار ظريفًا مليحًا كيِّسًا فهو بزيعٌ وهي بزيعةٌ. والبزيع من الرجال؛ الذكي اللبق. (انظر الملحق رقم 1، ص من الكتاب).
1 – يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
أحب الصالحين ولستُ منهم لعلي أنْ أنـال بهـم شفاعـة
وأكره مَنْ تجارته المعاصي ولو كنّا سواء في البضاعة


وليس المقصود بالنجاح مجرد تحقيق شهادة، أو منصب وسلطان وجاه، أو مال وثروة.. ودليل ذلك أنّ الشيخ أحمد بزيع الياسين هجر كثيراً من المغريات التي كانت تصادفه في ريعان شبابه قبل أن تتراءى نجاحاته وتترى. فقد اختار الطريق الأوعر.. وكان يمكنه سلوك الطريق الأسهل المنعّم الميسر.. وقد كان متاحاً له، بل وكان يُضمر ويُظهر إغراءات مالية ومعنوية.. لكن عند وجود الإرادة والاقتناع فإنّ كلّ مغريات الحياة لا قيمة لها، والإرادة كالسيف كما يقول عباس محمود العقّاد (1889-1964): "ما الإرادة إلا كالسيف يصدئه الإهمال ويشحذه الضرب والنزال". كما أنّ من ترك شيئاً لله تعالى رزقه الله من حيث لا يحتسب(1) وعوضه خيراً منه(2).

ونأمل أن يكون لهذا الكتاب فوائد تؤكد أنّ العمل الصادق والدائب يحقق أهدافه ولو بعد حين.. وقد احتوى الكتاب ما يثير اهتمام القارئ في مختلف مجالات اهتمامه، وحاولت أن يكون السرد قريباً من النفس، بلغة سهلة متناولة، دون تعقيد لفظي ولا معنوي، وأن تكون الموضوعات موزعة على فصول عديدة محددة، وأن نتناول الموضوعات من مختلف جوانبها.. ولهذا قسَمت الكتاب إلى سبعة فصول وخاتمة؛ وجاءت الفصول على النحو التالي:

الأول : النشأة والطفولة والشباب
الثاني : الرؤية الاقتصادية.. مبادىء وأفكار
الثالث : بيت التمويل الكويتي.. رحلة البناء والعطاء
الرابع : إنجازات في (بيتك)
الخامس : الشركات التي أنشأها (بيتك) في عهد الشيخ أحمد بزيع الياسين
السادس : اتساع الإنجازات لتشمل المجال الاجتماعي
السابع : خطب وكلمات وآراء
الثامن : حوارات ولقاءات مختارة


وقد كان للإخوة في بيت التمويل فضل كبير في تحقيق الغايات، آملاً من الله عزَّ وجلَّ أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يقبل الشيخ أحمد بزيع الياسين هذا العمل.. وعسى الله أن يوفقنا جميعاً إلى أنبل الغايات وأسمى التطلعات.

رد مع اقتباس