عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 15-10-2010, 09:53 PM
د.طارق البكري د.طارق البكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 16
افتراضي

الفصل الأوّل




النشأة والطفولة الشباب







"لم يكن أبومجبل من خريجي الجامعات، بل على دراسته التي عرفها جيله في الكويت، في مدرسة المباركية، التي انطلق منها إلى جامعة الحياة، وعمل في سنّ مبكرة في ميدان التجارة، وكان همّه وديدنه التجارة وفق قيم الإسلام".


فيصل الزامل








كُتب الكثير عن حياة هذا الشيخ الجليل، ومعظم ما نجده في المال والأعمال.. فمن النّادر أن يتحدّث عن نفسه.. فأبلغ ما يتطلع إليه في مجالسه العامة والخاصة الحديث عن همّ حمله يافعاً، واستطاع بجدارة ثابتة وهمّة عالية أنّ يزرع الأركان أوّلاً ويرفع البناء لاحقاً، ليترك للأجيال اللاحقة خلاصاً من هذا الهم.. فلم يكتفِ بوضع اللبنات فقط.. أو حجر الأساس كما يحلو للبعض أنْ يرمز إليه.. بل ثابر ودافع وجاهد وكافح، حتى اطمأن القلب وأدركت النفس فلاحها.. فالجهد أثمر وأينع.. (وأنْ ليْسَ للإنْسَان إلا ما سَعَى).النجم:39.

وعندما سألته: يا شيخنا.. الجميع يتكلم عنك كرجل اقتصاد.. ونحن لا نعلم الكثيرعن أعمالك الخيرية.. فهل نشير إليها في الكتاب؟ أجاب بعد صمت مهيب: "خلِّها لله.. حتى يكون العمل خالصاً لوجهه الكريم وحده".

وكانت وصيَّته عند البدء في وضع أسس هذا الكتاب أنْ نقتصر على الجانب الشرعي فقط، ويقرِّر بصوت حازم صارم: "ركِّز على الأمور الشرعية، فهي أهم شيء.. ولا تركِّز على الشخص..".

كان خلال حديثه التاريخي بالغ التنبُّه، شديدَ التيقظ، حادَ الذاكرة، حريصاً على اللغة العربية الفصحى، يعرف تماماً مقدار كلّ كلمة يقولها، ولم تتمكن كلّ السنين التي يحملها على كتفيه من أن تمحي ذاكرته الخصبة المتوهجة بفضل من الله..


الشيخ صباح الأحمد جابر الصباح رحمه الله

وردد مــرّات عدّة: "انتبه.. واحرص أن تكتب عني كلمة على الجميع أن يعرفها؛ لقد كان لدينا أمير فاضل.. لقد كان الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله تعالى رجلاً فاضلاً.. ولا نزكي على الله أحداً.. وله فضل كبير في كثير من المســـــــائل في البلاد
ومنها إنشاء بيت التمويل الكويتي.. وهذه شهادة للتاريخ.. لقد كان الشـيخ جابر الأحمد - رحمه الله - وراء كل النجاحات التي تحققت في (بيتك)، لكنه لـم يكـــــــــن يحــــب الظهور، كان مثالاً يحتذى به، تهمّه مصلحة الأمتين العربية والإسلامية، وكان مستعداً لأن يفعل أي شيء، ولا يتردد ما دامت فيه مصلحة لأمتنا"..

وأضاف الشيخ أحمد إنَّ الشيخ جابر رحمه الله كان يحمل همَّ الأمّة، وهو من كان وراء تأسيس بيت التمويل الكويتي، وهو الذي أسسه بالفعل، فقد كان وراء إصدار مرسوم التأسيس، بينما الذي رعاه كان وزير المالية آنذاك السيد عبدالرحمن العتيقي - أطال الله في عمره - وهو حالياً مستشار الديوان الأميري. وكانت لقاءاتي مع الشيخ جابر غير علنية غالباً، منذ أنْ كان ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء، وبعد أن صار أميراً للكويت، كانت لقاءاتنا تكاد تكون شهرية، وأحياناً أسبوعية، وكان حديثنا يدور بمجمله حول الاقتصاد الإسلامي، فقد كان اهتمامه بالغاً به، وهذه شهاده لله أقولها.. فقد كان الشيخ جابر يهمه حال الأمة، تماماً مثل القائد المسلم المحنك المخلص لأمته.. رحمه الله".(1)
____

1 - قال الشيخ أحمد في مؤتمر حول (المحور الخيري في عهد الشيخ جابر الأحمد رحمه الله) في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الكويت (بتاريخ 13/1/2007): "إنّ سمو الأمير الراحل شخصية فذة وقدوة مثالية، أحبه شعبه وأحب شعبه، وأحبه الناس.. وكان كالمحيط الزاخر بالإنجازات في عالم الحضارات المزدهرة بالثقافة الحقة والعلوم النافعة في الميادين المتعددة التي تفخر بها الكويت، حتى ارتقت الدرجات الرفيعة، نتيجة لمسيرة والد الجميع رحمه الله.. فقد كانت له نظرة ثاقبة في عظائم الأمور، وحكمة بالغة في تسيير الأمور الصعبة، وفعل الخير.. ولم يكن ينتظر المحتاج ليطرق بابه، بل كان يبادر إلى معرفة أهل الحاجات قبل أن يسألوه، ويتضح هذا في رحلة الخير عندما توجه إلى باكستان وبنغلاديش والهند، حتى قال قائلهم: بمثل هذا تتوحد الأمة الإسلامية.. فقد كان عند النكبات والكوارث يسارع إلى العون والنجدة.. وفي عهده أصبحت الكويت وكأنها جمعية خيرية عامة واحدة، وعندما أسس بيت الزكاة أوصى بالأسر المتعففة وبأهل الحاجات الملحة، وأعطى الهيئة الخيرية الإسلامية مقراً وتأييداً، وأنشأ كلية الشريعة التي خرّجت أساتذة متفوقين أناروا الكويت بعلومهم ومعارفهم.. وكان في كل يوم من حياته رحمه الله يسجل إنجازاً تاريخياً في صالح الوطن والمواطنين".

تاريخ ممتد

تاريخ الشيخ أحمد بزيع الياسين طويل ممتد في العمل والبذل والعطاء..(1)، ولد في السادس من شهر شوال من عام 1346هـ/1928م، في ظروف حياة لا تشبه ظروف حياة جيل اليوم، ولا مجال للمقارنة على الإطلاق، فشتّان ما بين تلك الأيام الصعبة وبين اليوم.. أحبَّ العلم منذ نعومة أظفاره، على قدر حبه للعب مثل أقرانه الصغار.. درس في الكتاتيب - وهي دور التعليم التي كانت متوافرة في تلك الأيام - قبل أن يدخل المدرسة.. وتتلمذ على يد عدد من العلماء ما يزال يذكر فضلهم، من بينهم الملا بلال، أستاذه الأول فـي الكتّاب، ثم العالم الجليل الشيخ عبدالله النوري(2)، وقد حفظ القرآن الكريم، وتعلّم في الكتَّاب اللغة العربية والدين والحساب، إلى جانب حصص اللياقة البدنية.. كما اهتم بالقراءات الدينية (3) منذ صغره.

ولد في حي (القناعات)(4)، وهو حي يقع وسط مدينة الكويت، ونشأ في أسرة محافظة متدينة، وكان جده ياسين محمد القناعي مالكاً وربّاناً لسفينة شراعية تنقل الحجاج من الكويت والخليج العربي إلى ميناء جدة، وكان ينقل الحجاج على الإبل من ميناء جدة إلى مكة المكرمة.

أمّا والده فقد عمل فـي تجارة الإبل، وكانت لدية حملة حج حتى عام 1945، وكان كثير الأسفار فـي التجارة العامة بين الكويت والشام والسعودية على ظهور الإبل. وكان له عمّ يدعى محمد يعمل في الغوص، وكان رباناً لسفـينة يملكها من نوع (سنبوك)، والسنبوك سفينة شراعية تستخدم في حرفة الغوص بحثاً عن اللؤلؤ، وكان يتنقل فيها بين الخليج ودول شرق إفريقيا والهند للتجارة.


سنبوك أثري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- انظر: عبدالمحسن عبدالله الجارالله الخرافي: رواد الاقتصاد الإسلامي المنطلقون من تجربة بيت التمويل الكويتي (بيتك)، ط1، 1429هـ - 2008م، الكويت، ص 57 - 80.
2 - هوالشيخ عبد الله بن الشيخ محمد النوري، (1905 - 1980)، كان رجلاً تقياً ورعاً محبوباً بين أهل الكويت، يرجعون إليه في مسائلهم الدينية. وكان شاعراً ومؤلفاً وأديباً، كما ساهم في تطور التعليم في الكويت.
3 - انظر: حمزة عليان، جريدة القبس، 24/4/2004 .
4 - انظر الملحق رقم 2، ص ... من الكتاب.
ويقول الشيخ عن تلك الفترة: "دخلت الكتاتيب وعمري أربع سنوات، وتخرجت منها في التاسعة، وكان مدرسنا الملا بلال رحمه الله ذا وعي عميق، مجداً في عمله، حريصاً على تعليمنا القرآن الكريم واللغة العربية والدين والحساب، كان يحترم العلم وأهله، ورأيته يقبل - تقديراً للعلم - يد الشيخ يوسف بن عيسى القناعي رحمه الله(1)، ولا أنسى التمارين الرياضية التي كان يعطينا إياها حرصاً على لياقتنا البدنية، حيث كنا نتدرب على المشي وبعض التمرينات، وأذكر كيف كنا نحمل البنادق الخشبية بصفة تدريبية لنتعود على الخشونة".



الكتّاب في الكويت قديماً


ويشير الشيخ أحمد إلى أنّ أهم إنجاز له في مرحلة الكتّاب كان حفظ القرآن الكريم خلال مدة استثنائية.. "وقد ذكرني بذلك أحد زملائي منذ فترة قريبة، ولا أنسى الحفل البهيج الذي كان أهل الفريج (الحي) يقيمونه لحفاظ القرآن الكريم، حيث كان الحافظ يلبس لباساً خاصاً ويحمل سيفاً، ثم يمر به مع زملائه على البيوت في المنطقة وهم يتلون أدعيه متنوعة وينشدون أناشيد خاصة بهذا الحدث المبارك.. وأذكر مطلعها يقول: (الحمد لله الذي هدانا للدين والإسلام واجتبانا)، وكنا نجلس على الأرض في صفوف متتالية، وكان الملا بلال يستعين ببعض الأساتذة الكويتيين، وقد استفدت استفادة كبيرة في القراءة والكتابة والحساب، الأمر الذي ساعدني كثيراًعند دخولي إلى المدرسة".

ففي كتاتيب الكويت كانت الرحلة الأولى إلى الحرف والمعرفة، حيث دخل الكتَّاب سنة 1932 وكان عمره لا يتجاوز أربع سنوات، وهناك تلقى تعليمه الأوّل على يد الملا بلال. ومع بلوغه سن التاسعة كان يعني انقضاء الدراسة في الكُتّاب، حيث تعلم القرآن الكريم واللغة العربية والدين والحساب إلى جانب حصص اللياقة البدنية، والتدرب على المشي وحمل البنادق الخشبية لتعويد الأطفال على الخشونة.
_________

(1) يوسف بن عيسى القناعي (1879 - 1973) أحد رواد النهضة في تاريخ الكويت، وساهم في نهضتها الأدبية، و في حملة الإصلاح الاجتماعي لفهم الدين الإسلامي بطريقة صحيحة في العشرينيات من القرن الماضي، وأصبح في عام 1921 أوّل ناظر للمدرسة الأحمدية، ثم انتخب للمجلس البلدي عام 1932، وعين عضو مجلس إدارة الأوقاف عام 1949، وكان من أوائل الأشخاص الذين دعوا إلى تعليم المرأة.
المدرسة المباركية


التحق الطفل أحمد بزيع الياسين بالمدرسة المباركية(1)، وكان ذلك عام 1937، فكان من الأجيال المتقدمة فـيها، وكان عمره تسع سنوات، وكان يملك حصيلة جيدة من التعليم الابتدائي استقاها من الكُتّاب، حتى إنّه حين دخل المدرسة الابتدائية واختبره ناظر المدرسة الأستاذ أحمد أفندي نقله مباشرة إلى الصف الرابع، وبقي فـي المدرسة يتدرج من عام إلى عام حيث حصل على شهادة الصف الثاني الثانوي عام 1942، وهو آخر صف كان في المدرسة آنذاك.

ويذكر الشيخ أحمد زملاء الدراسة فـي المدرسة المباركية، وهم يمثلون الصحبة الطيبة التي نشأ وتربى معها، ويقول إنّهم من الذين قاموا بخدمة وطنهم فيما بعد خدمات جليلة؛ ومنهم أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح رحمه الله، مع فتية آخرين من أسرة الصباح الكريمة، إضافة إلى السادة عبدالرحمن سالم العتيقي، ومحمد يوسف العدساني، وعبدالله سلطان الكليب، وأحمد الخطيب، وخالد عيسى الصالح، وعقاب الخطيب، وإبراهيم العبدالرازق، وجاسم القطامي، وعبدالعزيز الخالد، ويعقوب القطامي، وصالح شهاب، وعبداللطيف أمان، وأحمد العريفان، ومجرن الحمد، وعبد اللطيف الثويني، وعبدالعزيز شهاب، وسليمان حسين البدر، وأحمد اليماني.. وغيرهم كثير من الشخصيات التي كان وما يزال لها أثر كبير فـي تاريخ الكويت المعاصر.

ويقول الشيخ إنّ الشخص الأول الذي ترك أثراً كبيراً في طفولته كان الملا بلال، أستاذه الأول فـي الكتّاب.. وفي المدرسة المباركية كان للأستاذة أحمد أفندي ناظر المدرسة تأثير كبير أيضاً، إضافة إلى سائر المدرسين الذين لا ينسى فضلهم جميعاً - رحمهم الله - وبينهم: جابر حديد مدرس الحساب، وعبدالملك الصالح مدرس التاريخ والجغرافـيا، وسيد عمر عاصم مدرّس القرآن الكريم، والشيخ عبدالله النوري مدرس المحاسبة ومسك الدفاتر. وأمّا أهمّ شخصيتين كان لهما أثر خاص في مراحل لاحقه من حياة الشيخ أحمد فهما رحمهما الله: الشيخ بدر المتولي عبدالباسط عميد كلية الشريعة بمصر وأمين الموسوعة الفقهية بالكويت ورئيس الهيئة الشرعية فـي بيت التمويل الكويتي لفترة طويلة من الزمان، ثم الشيخ عبدالعزيز العلي المطوع التاجر الكويتي الكبير المعروف (1910 – 1996).
ــــــــــــــ
1 - افتتحت في 22 ديسمبر 1911، وسميت بالمباركية نسبة إلى الشيخ مبارك الصباح، وتعد أوّل مدرسة نظامية في تاريخ الكويت.

وتقول المصادر إنّه من مظاهر "النبوغ المبكر" للطفل أحمد بزيع الياسين، حادثة يؤكدها الشيخ أحمد نفسه؛ أنّه عندما كان فـي المرحلة الابتدائية حدث موقف "لا ينساه"، ومفاده أنّه كان معروفاً في المدرسة بقدرته على حلّ المسائل الحسابية المعقدة، وفي أحد الأيام، وكان وقتها فـي الصف الرابع، أي في السنة الأولى من دخوله المدرسة، استدعاه مدرس الرياضيات الأستاذ جابر حديد، وطلب منه حلَّ إحدى المسائل الرياضية التي عجز عن حلها طلاب الصف السادس.. فوفقه الله تعالى إلى حل المسألة التي عجز عنها هؤلاء الطلاب، مع أنّه أدنى منهم بصفين.

ويروي الشيخ أحمد القصة بقوله: "أذكر أنني استدعيت ذات يوم من قبل الأسـتاذ جابر حديد - رحمه الله - من الصف الرابع لحل مسألة في الحساب عجز عن حلها طلاب الصف السادس، وقد وفقني الله إلى حلها، فسرَّ الأستاذ جابر سروراً كبيراً، وقد كنتُ متمكناً من الحساب، ومع ذلك كنتُ أميلُ إلى اللغة العربية والتاريخ والأدب، وأحفظ أشعار بعض الشعراء - كالمتنبي وأبي فراس الحمداني - التي كانت تتغنى بتاريخنا العربي وأمجادنا العظيمة".

ولعلّ في الموقف السابق ما يدلّ على تفوّق الشيخ أحمد، ويظهر ملامح نبوغه المبكر منذ سنوات عمره الأولى، ويكشف أيضاً أنّه كان يميل إلى اللغة العربية والتاريخ والأدب..

ويخبرنا الشيخ قائلاً: "لقد كانت لي أيضاً رغبة شديدة في دراسة تاريخ العرب في الجاهلية وفي الإسلام.. وبالفعل قمت بقراءات واسعة حول ذلك.. ولي اطلاعات جمَّة في كثير من المواضيع المتصلة بالتاريخ".

ونشير هنا إلى أنّ للشيخ أحمد بعض التجارب والخواطر الشعرية والكتابات الأدبية، لكن وبسبب انشغالاته العديدة واهتماماته المختلفة وتفرغه للعمل المالي والمصرفي، لم نجد له مساهمات شعرية وأدبية كثيرة، وكانت بعض الكتابات الشعرية التي لم تنشر مسبقاً(1)، وقد وجدنا بين أوراقه الخاصة - التي سمح لنا بالاطلاع عليها - قصاصة صغيرة كتب عليها كلمات رقيقة بخط يده، وفيها:



(ترفق هنا صورة ضوئية بخط يد الشيخ)



______
1 – خص الشيخ أحمد مؤلف الكتاب ببعض مؤلفاته الشعرية، وقد نشرنا بعضها في هذا الكتاب، انظر الملحق رقم ؟؟ ص ؟؟.



الناس عن دنياك هذه مولين





ويغشاك في مثواك أربع زوايا





دليلنا القرآن والمنهج الزين





منهج يحذر من الخطايا





ولا يستدعي سالي عن الحق في حين





غيره يجاهد ما يهاب المنايا





إلزم التوحيد في العسر واللين





وسبح عظيم الشان رب البرايا





يا الله يا غافر ذنوب المصلين





تغفر ذنوبي يا جزيل العطايا





وتمكن الأمة على الأرض تمكين





بنصر مؤزر في جميع القضايا






وهذه المحاولة التي كتبها الشيخ كانت - كما هو واضح من خط يده - في مرحلة متأخِّرة من عمره المديد بإذن الله تعالى.. وتأتي بعد تجربة طويلة في الحياة، وبعد إنجازات كثيرة.. ومع ذلك لا يتباهى الشيخ ولا يتفاخر.. بل يتواضع تواضع الطفل الذي كان في الكتّاب ثم انتقل إلى المدرسة المباركية..

أحلام طفولية واعدة

وعن آماله وأحلامه فـي تلك الفترة من حياته، يقول الشيخ أحمد: "كنتُ أتطلع إلى أمّة عربية وإسلامية موحَّدة.. ومازلتُ، وما ذلك على الله بعزيز، ورغم النكبات والنكسات والكوارث فإني لم أيأس من رحمة الله تعالى، فإنّه على كل شيء قدير، حيث إننا نمتلك القيم الفاضلة التي ترتفع بها الأمم لو تمسكتْ بها".

هذه هي آمالُ الطفل الصغير أحمد في تلك الأيام، طفلٌ كان يعيش صعوبة الحياة الماضية، قبل تحوّل البلاد من حياة إلى حياة بعد اكتشاف النفط.. طفلٌ حملَ همَّ أمّة.. فأحلامُه لم تكن مقتصرة على مصالحه الشخصية، وبالتأكيد كانت له أحلامه الخاصة، لكنّه كان غارقاً في حلمه الأكبر، ويردد أمام من يسأله عن أحلام طفولته؛ هذا الحلم الكبير بأمّة عربية إسلامية موحدة..
وظلَّ الشيخ أحمد وهو فتى يافع - على عهده - يتطلع بالفعل إلى أمّة عربية إسلاميّة موحّدة، ويؤمن بأنّ هذا الخيار كان وما يزال محكوماً بالأمل، على الرغم من النكبات والنكسات والكوارث التي مرت على العرب.

ويستطرد الشيخ في سياق حديثنا عن تلك المرحلة قائلاً: "أنا أرى أنَّ الأمة العربية الإسلامية لن.. ولن.. ولن تقوم لها قائمة إلا إذا رجعت إلى رسالتها التي أرسلها الله سبحان وتعالى على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي رسالة الإسلام، وبالطريقة النبوية أولاً، وطريقة الصحابة والسلف الصالح ثانياً، ومن دون هذا لن تقوم للأمة قائمة.. ودليل ذلك والبرهان عليه؛ أنّه لمَّا كان المسلمون ملتزمين انتصروا وسعد العالم برسالة الإسلام، رغم أنهم كانوا قلة في العدد وفي العتاد.. وقوَّضوا الظلمَ في العالم، ورغم أننا اليوم في كثرة، وعددنا يناهز المليار ونصف المليار.. ولدينا ثروات هائلة جداً.. لا يملكها غيرنا في العالم، إلا أننا نعاني الضعف والهزال - ولا حول ولا قوة إلا بالله - من هنا أنا أركز دائماً على هذه النقطة، وأدعو أولاً وقبل كل شيء للالتزام بكتاب الله تعالى وسنة نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام، بالطريقة السليمة الصحيحة، وأحذر من أمرين: أولاً الفتاوى الشاذة، وثانياً من الاستثمارات الكيدية وغير المدروسة والمتهورة.. التي لها بريق كبريق السراب".


رحلة العمل الأولى

بدأ الشيخ حياته العملية في سنّ مبكرة جداً مع والده رحمه الله، فتعلم منه الحزم وحسم الأمور والضبط والربط كما يقول الشيخ أحمد.. وكان عمل والده فـي التجارة وإدارة حملة الحج على ظهور الإبل التي كان صاحبها، واستمرَّت الحملة حتى عام 1945، وبحكم هاتين المهنتين كان الأب، ومن ثمَّ الابن، كثيرا الأسفار بين الكويت والشام والسعودية، وقد اكتسب الابن من وراء ذلك خبرة وجلداً ومهارة كبيرة فـي مراحل حياته التالية.


ويقول الشيخ عن تلك المرحلة: "كنت أمشي كثيراً جداً، وأكثر روحاتي إلى القرى في الأربعينيات من القرن الماضي كانت سيراً على القدمين، ونادراً ما كنت أركب السيارة، وكل المسافات أقطعها مشياً، فقد كنت أحب تربية الإبل، وهذه مهمة تحتاج إلى المشي طويلاً.. ونظراً لحبي للإبل.. فقد كتبت فيها الكثير من الأشعار التي لم أنشرها من قبل.. لأنَّها مسألة خاصة".


ويذكر أنّه بعد تخرجه في الصف الثاني الثانوي عام 1942 - وهو الصف الأخير في المدرسة المباركية كما أشرنا سابقاً - عمل الشــــاب أحمد الياسين كاتب حسابات عند أحد الأعمام من التجار، وهو المرحوم سليمان إبراهيم المسلم(1)، ولمدة أربع سنوات؛ فاستفاد خبرة واسعة في التجارة والإدارة، ومنه تعرف إلى كثير من الأعمال وبخاصة كيفية المراسلات التجارية.

ويقول الشيخ: "حين بلغت الثامنة عشرة من عمري كان سفري الأوّل إلى الحج، وذلك بعد أن وحّد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - الجزيرة العربية، وكانت رحلتنا على الإبل، واستغرقت الرحلة شهراً ونصف الشهر ذهاباً ومثل ذلك في الإياب، اتجهنا إلى مكة المكرمة أوَّلاً ثمَّ إلى المدينة المنورة، وكنت برفقة علي بن خريص الرشيدي ومحمد بن وطيان العجمي، وكان لهما مع والدي أخوَّة ومحبة، وكانا نعم الرفيقين، رحم الله الجميع، وقد كنا في تلك الرحلة نسير منفردين عن الحجيج أحياناً ونرافقهم أحياناً أخرى.. وفي الجملة كانت لرحلتي الأولى إلى الحج متعة كبيرة وأكسبتني خبرة واسعة في الصبر وتحمل المشقة، وتعلمت الكثير من الرفقة الماجدة، وخرجنا من الجهراء(2) في الخريف، وعدنا إليها في الشتاء".

الطريق الى الحج
وعن الوضع على الطريق إلى الحج آنذاك يقول الشيخ أحمد: "كان الأمن مستتباً في تلك الأيام بعد أنْ وحّد الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - الجزيرة العربية، فساد الأمن وانتشر الأمان على مسالك الحج وفي الجزيرة العربية، بل وجدنا جميع ما يحتاجه الحجيج من خدمات في المدن التي مررنا عليها، جعل الله ذلك في ميزان أعماله، وأجزل له الأجر والمثوبة، وأبناءه من بعده الذين ساروا على نهجه وعمروا الطريق وأمنوها، ووسعّوا الحرمين الشريفين في أجمل توسعه وعمارة".

وبعد عودته من الحج عمل الشاب أحمد في التجارة لحسابه الخاص؛ فأخذ بالتنقل بين الكويت والهند لمدة سنتين، وفي عام 1942 التحق بالعمل في البنك البريطاني بالكويت، وكان منتصف العشرينيات من عمره، ثم عمل بين عامي 1948- 1972 مع المرحوم عبدالعزيز العلي المطوّع.. وخلال تلك الفترة تدرّج في الوظيفة حتى صار مديراً لأعمال المطوّع التجارية في الكويت والمملكة العربية السعودية؛ فأقام في الخبر وجدة.. وامتد عمله إلى لبنان أيضاً.
____
1 – في عام 1985 توفي العم سليمان إبراهيم المسلم عن عمر ناهز 96 عاماً، وهو أحد رجالات الكويت الذين شاركوا في موقعتي الجهراء والرقعي، كما أنّه أحد المؤسسين وعضو مجلس الإدارة الأول لغرفتي تجارة وصناعة الكويت، وترأس لجنة الجنسية الرابعة (الدسمة) عام 1961 إلى 1964. وكان عضواً بمجالس الإدارة في دوائر الأوقاف والصحة والبلدية والمعارف، وأمضى في الهند نحو 20 عاماً، وعمل هناك بالتجارة وأسس مكتباً تجارياً في إيران للتجارة وإعادة التصدير، كما أن له العديد من المشاريع الخيرية داخل الكويت وخارجها.
2 - محافظة الجهراء (أو الجهرة) محافظة كويتية تشمل الجزء الشمالي والغربي من مساحة دولة الكويت إضافة إلى جزيرتي بوبيان ووربة، مساحتها نحو 64% من مساحة الكويت، وسكانها نحو نصف مليون نسمة. (انظر القبس 8/9/2008: الجهراء تاريخ وحاضر).
ويحدثنا الشيخ عن بداية علاقته مع العم عبدالعزير العلي المطوع، وكان من أخواله - وهو شقيق الشيخ عبدالله العلي المطوع (1926-2006) رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي السابق، وهو خال مباشر للشيخ أحمد الياسين - فيقول: في عام 1948 توجهت برفقة الشيخ عبدالعزيز إلى بغداد، ومن هنا بدأت علاقتي مع عبدالعزيز المطوع - يرحمه الله - وكنا نصلي الفجر معاً، ثم نجلس نقرأ القرآن الكريم حتى طلوع الشمس، فكانت بدايتي معه إيمانية خالصة، ثم تحوّلت إلى تجارية، وكان عمري وقتها نحو 20 سنة.



ويتابع الشيخ حديثه قائلاً: ثمّ ذهبت بعد ذلك إلى لبنان بطلب من عبدالعزيز المطوّع نفسه، وقضيت هناك مدة سنتين، حيث كان للمطوع مكتب في بيروت مختص بالأقمشة والصيرفة، وعملت تلك الفترة موظفاً وكانت لي علاقات مع القطاعين التجاري والصيرفي، ومن بين من عرفتهم وما أزال أذكرهم السيد محمود قاسم الشكرجي، إضافة إلى بعض تجار الأقمشة ومسؤولين في شركة طيران الشرق الأوسط.. وبعض أهل العلم.. وكانت طبيعة عملي أميناً للصندوق وكاتباً. وكان المطوع شريكاً لمحمود قاسم الشكرجي، وكنتُ أميناً للصندوق لديهما معاً. وسكنتُ خلال إقامتي في لبنان في فندق (الأهرام) في شارع (فوش) القريب من المرفأ. وكنت أعمل 18 ساعة في اليوم، مع أني كنت متزوجاً وأسرتي معي في لبنان، وكانت إقامتي متنقلة بين لبنان والكويت، حسب مقتضيات العمل.

ـــــــ
رد مع اقتباس