الموضوع: العرب
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 01-07-2011, 08:56 AM
ندى الرفاعي ندى الرفاعي غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 693
افتراضي

( تحفة) قال إعرابي للإمام الحسن البصري رضي الله عنه: علمني ديناً وسُوطا، لا ذاهبا فروطاً، ولا ساقطا سقوطا، فقال: أحسنت يا أعرابي، "خير الأمور أوساطها"، وهذا من كلام النبوة فليُعلم. ومن كلام سيدنا علي أمير المؤمنين عليه رضوان الله تعالى وتحياته: "خير الناس هذا النمط الأوسط". يعني بين المقصر والمغالي. والإعراب حُسن المحاضرة عند لزوم الكلام، وهذه من مواهب الله تعالى للعرب، ويلطف قول ابن شمس الإسلام: "خير الفقه ما حاضرت به". أي أنفع علمك ما حضرك في وقت الحاجة إليه. ولم يجتمع حكم التعارف الواضح الذي هو ضد التناكر في شعب من الشعوب كاجتماعه في العرب فإن بطونهم وأفخاذهم وقبائلهم وشعوبهم معلومة ما سوى المستعربة، وهم حلفاء العرب، فألحقوا فيهم وما هم على الحقيقة منهم، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} الحجرات13. وقال الفاروق الأعظم، سيدنا عمر رضي الله عنه: "تعلموا أنسابكم تصلوا أرحامكم، ولا تكونوا كنبط السواد، يُسئل عن نسبه فيقول أنا من قرية كذا". وكان رضي الله عنه يعرف القرشي بالنظر المجرَّد ويفرقه عن غيره. وقيل للصادق بن الباقر عليهما الرضوان وأشرف التحية: ما هذه العروبة؟ قال: النظافة والطهارة من الأخلاق السيئة. قال صلى الله عليه وسلم "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وقد فشت مكارم الأخلاق في العرب، إلا أنها مشوبة بالنقص، فأكملها بالأدب المحض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفى خلالهم، وبث دين الله في العوالم منهم، وأخذ عنهم، فهم هداة الأمم، وقادات العرب والعجم. وقد قال الصادق رضي الله عنه لأحد أصحابه: أحسن إلى من كان له قُدمة في الأصل، وسابقة في الفضل، ولا يزهدنك فيه سوء الحالة منه، وإدبار الدولة عنه، فإنك لا تخلو في اصطناعك له وإحسانك إليه من نفس حرة تملك رقها، ومكرمة حسنة توفي حقها، وأحسن إلى من تملكه يحسن إليك من يملكك، وقس سهوه في معصيتك بعمدك في معصيته، وفقره إلى رحمتك بفقرك إلى رحمته، واعلم أن أتم النصيحة الإشارة بالصلح، والتباعد عن الأذى والحقد والغيظ.
وقد رأى العرب، أن العاقل مَن يسوس نفسه قبل جنده، ويقهر هواه قبل ضده، وإلا فإذا اتبع الهوى، وأخذ بغاية النفس فقد هوى، وضلَّ وغوى، وزلَّ عن العروبة التي هي لباب طهارة الأخلاق، وتزكية الشيم. وفي قوله تعالى بشأن كلامه القديم {أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّا} يوسف2، إشارة لجمع هذه اللغة التي هي ناطقة هذا الجنس العربي كل خير، وتنزيهها عن كل سوء، ولهذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم آمراً "أحبوا العرب لأني عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة في الجنة عربي"، وفي خبر آخر " حب العرب إيمانٌ وبغضهم نفاق". كل ذلك لِما انطوى عليه الجنس من الشيم الكريمة، والمعاني الضخمة، والأخلاق الشريفة، والفصاحة الوافرة، والبلاغة الباهرة، وقد نزلت الحكمة على ألسنتهم، وقامت المفاخر بشعوبهم، وانتسجت خوارق العادات الهمم العاليات والأطوار الشريفات، بالكثير من رجالهم، ولا يضرهم حسد حاسدهم، وجحد جاحدهم، فإن شأنهم أعظم من أن يشار إليه أو ينبه عليه، ولا بدع فالحق أقوى ظهير، والباطل أضعف نصير، وقد يجب على كل فرد من الملة الإسلامية حب العرب، حبا للمصطفى صلى الله عليه وسلم وأن يحب التخلق بأخلاقهم، وأن لا يزهد بهم لما يراه من بعض الأخلاط الذين اندمجوا في العرب وليسوا منهم، بل يترتب عليه أن يكون عالما بمجرياتهم، وأصولهم وفروعهم ومزاياهم وشيمهم وهممهم، ويشاكلهم إن لم يكن منهم بأطوارهم ومكارم أخلاقهم وجميل صفاتهم، فإن حسن التشاكل، يولد حسن التواصل، ومن تشبه بقوم فهو منهم، وكيف لا يتشبه العاقل بقوم عماد مجدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنا في مقام الجمع الأتم، قال عليه الصلاة والسلام "أنا سيد ولد آدم، وعليٌّ سيد العرب"، وذلك ليُعلم أنه المربي الأعظم لجميع البشر، وفي عليٍّ ما يقضي له بالسيادة على العرب من الأصالة والشجاعة والعفو والهمم، وضخامة المجد وكرم الأخلاق. ومن كلام الإمام الرضا عليه الرضوان: "ذُل العرب بثلاث، بالانحراف عن الشرع، وبإهمال الآل، وبالتقاعد وهناً عن شيم أسلافهم". والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ذل العرب ذل الإسلام". وقال سيدنا عليّ الرضا المشار إليه رضوان الله عليه: "لم يكن في الأحرار من العرب حرّة تحت قِرّة". أي لا يضمر كريمهم غيظا وحقدا ويظهر مخالصة، والحرة مأخوذة من الحرارة، وهي العطش الوافر، والقر البرد.
رد مع اقتباس