الموضوع: العرب
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 06-07-2011, 10:34 AM
ندى الرفاعي ندى الرفاعي غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 693
افتراضي

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الجارُ ثم الدار والرفيق ثم الطريق". أي إذا أردت شراء دار فسل عن جوارها قبل شرائها، وإذا أردت السير فاحتط بالرفيق الطيب، وأقبح ما تراه العين شقشقة لسانية، تعطي حلاوة قولية، وتحتها مرارة فعلية، وهذا لا يكون من الحُر، فإن الحُر لا يؤذي الذر، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم بما يفسر هذا وهو صاحب جوامع الكلم "العلم هدنة لا على دخن"، يعني احتمال أذى وإظهار صفاء. والهدنة اللين والسكون، ومنه قيل للمصالحة المهادنة، والدخن تغير الطعام بما يصيبه من الدخان، فاستعير الدخن لفساد الضمائر والنيات، وهذا مما يجب أن لا يكون في الإسلام خاصة، ولا في الآدميين عامة، وهو مما ينافي حقوق الإنسانية، ويهدم نظام الآدمية. وأكثر الناس حفظاً لحقوق الوداد العرب، الذين عُرفت شعوبهم وقبائلهم. ورحم الله الشيخ أبا الفتح البستي الفيلسوف الإسلامي الكامل فقد قال:
إذا مر بي يوم ولم أتخذ يداً *** ولم أستفد علما فما هو من عمري
*******
هذا ما خطر لي الآن بشؤون العرب وحالهم، وما هم عليه من معارضة الزمن عكس صدقهم ووفاقهم وحبهم للأجناس السائرة، ولولا أني مريض في زمن مريض لكتبت في هذا المقام، ما تهشُّ له الأفهام، وتهتز له الأحلام، ولكني أقول قول البستي رحمه الله تعالى:
إذا أحسست في لفظي فتورا *** وخطي والبلاغة والبيانِ
فلا ترتب بفهمي إن رقصي *** على مقدار إيقاع الزمانِ
*****
ومع هذا البيان، وواضح هذا التبيان، فالعرب فضلهم أشهر من أن يُذكر، وأبلج من أن يقرر، دوّخوا الأجيال، ونشروا على رايات مجدهم معنى (همم الرجال تقلع الجبال) وقبل تمدن البلاد الغربية، فقد رفعوا جدران المدنية، وبثوا العلوم والفنون، وقرَّت ببدائع حكمهم وعدالتهم من صنوف الأمم العيون، أيُّ علم ما هم في الملل أساسه، وأي فن ما هم لامعته ونبراسه، مع ظرافة في الطباع، ومتانة في الأوضاع، وصحة في الأحكام، وإيجاز محض في الكلام. طلب الخليفة هارون الرشيد يوما ولده المأمون ليلا، على غير المعتاد، فجاء لابسا لامة حربه وبيده الورق والدواة. فقال: يا غلام كيف تأتيني بهذه الهيأة؟ قال: "يا أبتاه طلبتني ليلا، على غير المعتاد متعجلا، فعرفت أن هذا الطلب لا بد وأن يكون لأحد شيئين إما لكتابة وإما لسيف، واستعجالا على ما يسرك أتيت بالقلم والسيف. فبشَّ في وجهه وهش له، وأخبره أن وزيره نعمان وإليه في البصرة، قد أدّبه وهذبه – وأطال في تعريف أمره – ثم أنه ولاه البصرة فانحرف عن مراضيه، وهناك أطال الكلام أيضا على انحرافه، وحيث أن بريد البصرة يسير في ذلك الوقت، فأمره أن يوبخه ويعرِّفه عزله وسرعة قدومه، موضحاً كل الذي ذكره له. فخرج إلى غرفه أخرى وكتب سطراً وأتى به إليه. فقال: قد كدت أن أراك مخطئاً يا غلام. قال: فليتفضل أمير المؤمنين بقراءة مرسومه، فقرأه فوجده قد كتب (من خليفة الزمان إلى عامله نعمان، أحببناك فنصَّبناك، واختبرناك فعزلناك، يدك في الكتاب، ورجلك في الركاب، والسلام).
رد مع اقتباس