عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 22-09-2011, 10:58 AM
الصورة الرمزية bo3azeez
bo3azeez bo3azeez غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: ديرة بو سالم
المشاركات: 461
افتراضي

السدرةبين الأسرّة البيضاء (4)
في هذا الجو الخمسيني تفتحت طرقٌ على الصعيد العام والخاص، أي على صعيد الدولة والمجتمع وعلى صعيد الأفراد، في كويت جديدة بدأت تلوح آفاقها، كما قلت، مع بدايـة تصدير النفط، أضف إلى ذلك ما بـدأ يحـدث على الصعيد العربي حـولنا فيلقي بظلاله، إن خيراً أو شراً، على امتداد الخريطة العربية. وبدا أن منطقتنا، وبلدنا معها، ترحل إلى عصـر آخر، ونجد كأفـراد وجماعات أن علينا أن نتحرك أيضاً ونغادر نوافذنا وأبوابنا التقليدية إلى ساحات جديدة.

قبل الدستور
في 29 يناير 1950 توفي الشيخ أحمد الجابر، وكان ابن عمه الشيخ عبدالله السالم في الهند، فتولى إدارة شؤون البلاد الشيخ عبدالله المبارك الصباح حتى عودته من الهند.
آنذاك لم تكن توجد قواعد محددة لاختيار الحاكم، ولا وجود لدستور يمكن الرجوع إليه. فكان الاختيار يتم بناء على توافق آراء أفراد الأسرة الحاكمة. الشيخ عبدالله السالم كان الأكبر سنا وقد تجاوز الخمسين عاماً فحاز على موافقة أفراد الأسرة. وحين وصله خبر اختياره جاء بالباخرة إلى الكويت. وفي يوم التنصيب حدث ما يمكن أن يعتبر أول مبادرة على الروح الجديدة في كويت الخمسينات.

كويت جديدة
كان من المتبع أن يحضر يوم التنصيب المعتمد البريطاني في الخليج ومقره في مدينة بوشهر، فرتب الشيخ عبدالله السالم على ما أذكر أمراً جيداً في اعتقادي، وقد أكون مخطئاً، وهو أن يتأخر متعمداً عن الوصول إلى قصر نايف، حيث مكان الاحتفال، حتى لايصل إلى مكان الاحتفال قبل وصول المعتمد البريطاني فيبدو وكأنه هو من يستقبله. وهكذا أجبر المعتمد البريطاني على أن يكون هو من يستقبله وليس العكس. قد يكون هذا الأمر مقصوداً أو غير مقصود، إلا أنه كان مبادرة لطيفة دلت على احترام وتقدير للنفس وللكويت.
وكانت هذه المبـادرة فاتحة التغيير في عهد عبدالله السالم الذي شمل أحوالا متعددة. فمثلا كان يرفـع على سيارات أسرة الصباح، وهي بـلا أرقام، علم أحمر عليـه كلمة الكويت لتمييزها. هـذه السيارات المتميـزة كانـت تعيق المرور في غالب الأحيان، فاتخـذ الشـيخ عبدالله السالم أول خطوة بأن جعل لسيارات الشيوخ أرقاماً شأنها في ذلك شأن بقية سيارات خلق الله ومن دون أعلام.

قوانين وتنظيم
وجاءت الخطوة الثانية؛ وضع القوانين وحاول تنظيم الحياة في الكويت ونقلها من عهد القبيلة الى عهد المدنية الحديثة، وأصدر مجلة اسمها «الكويت» لنشر القرارات والاعلانات الرسمية، وهي المجلة التي أصبح اسمها «الكويت اليوم»، وبذلك وضع حداً لعهد متشدد بلا قوانين، كان فيه الشخص العابث أو الخارج على المألوف يتعرض للضرب من دون محاكمة، وكان فيه عبدالله المبارك أشبه ما يكون بوزير داخلية مسؤول يساعده عبد الله الأحمد الأبن الأكبر للشيخ أحمد الجابر، رئيسا لدائرة الأمن العام، الشهير بقسوته وصرامته في تطبيق القوانين الشرعية الاسلامية، وباستقامته وتدينه أيضاً، فكان العمل له والسمعة لعبد الله المبارك.

.. في الصحة
وفي هذا الجو جاء قراري الانتقال من شـركة النفط الى الوظيفـة الحكـوميـة في عام 1950.
تقدمت بعدة طلبات، الى المحاكم حيث كانوا بحاجة الى كتاب محاضر، والى دائرة المعارف التي توسعت وصارت تفتح فرصا لتوظيف كتاب المحاضر أيضاً. ولكنني وجدت طريقي الى دائرة الصحة بفضل مساعدة اثنين طلبا مني الانتقال الى هذه الدائرة، هما صالح شهاب والشيخ عبد الله النوري.
هذه الدائرة نشأت في عام 1936، وتولى رئاستها منذ تأسيسها وحتى استقلال الكويت في عام 1962 كل من الشيخ عبد الله السالم الصباح (1936-1952) فالشيخ فهد السالم الصباح (1952-1959) وأخيراً الشيخ صباح السالم الصباح (1959-1961). وكان مقرها في مبنى مجلس التخطيط الحالي ومقر المستودعات الطبية أيضاً.
وكان مجلس ادارة الدائرة آنذاك يتكون من مـدير الصحة نصـف يوسف النصف وعبدالحميد الصانع ومحمد عبد الرحمن البحر وعبد العزيز عبد الله الحميضي وأحمـد عبدالله الفهد. ويشغل وظيفة المحاسب عبد المحسن الزبن، يساعده يوسف العبد الرزاق، أما أمين الصندوق فكان جاسم ابراهيم المضف.

المقابلة
وبـالفعـل استدعاني المـديـر لاجراء مقابلة معي، وأحالني بعـد اللقـاء الى سكرتيره محمد الزعتـري ليمتحن لغتي الانكليزية، فأعطاني كتاباً من 500 صفحة تقريباً لأقرأه، فقلت له، لو كنت أعرف ثلاث صفحات من هذا الكتاب لمـا تقدمت للعمل هنا، وقلـت انني مازلت أواصـل الدراسة.
بالطبع لم أنجح في الامتحان المطلوب، فرفع تقريرا عني يقول إنني لست بالمستوى المطلوب لهذه الوظيفة. فأحالوني الى المستودعات الطبية المسؤول عنها الملا يوسف الحجي ومساعده ابراهيم جاسم المضف لأعمل بوظيفة مساعد مختص باستيراد الأدوية للدائرة.
بعد فترة قصيرة تقارب الشهر، طلب مني الملا الحجي الاتصال بالدكتور اوننغ، التابع للمعتمد البريطاني، وهو دكتور يتميز بهدوء الطبع والتواضع وكان مسؤولا عن المحجر الصحي. فذهبت اليه بعد اتصال مسبق في مسكنه القائم بالقرب من دائرة الصحة مقابل بيت صباح الناصر. كان معه خلال اللقاء شخص غير مؤهل اسمه السيد ميرزا يبلغ من العمر 68 عاماً. ناولني الدكتور اوننغ كتابا باللغة الانكليزية ليمتحنني، قائلا:

«اقـرأ» في يوم واحد
قرأت قراءة جيدة، الا أنني كنت مضطرباً أخشى أن يطلب مني ترجمة ما قرأت، مع علمي أنه لا يفقه من العربية شيئاً. ولكن يبدو أنه أعجب بقراءتي ظنا منه أنني فهمت ما قرأت، واقترح أن يقوم السيد ميرزا بتدريبي على التطعيم، فوافقت. وقام هذا بتدريبي لمدة يوم واحد، وفي اليوم الثاني صرت أتقن التطعيم. عندئذ طلب مني أن أستلم مركز المحجر الصحي في المطار القديم في ضاحية عبد الله السالم. كان المركز عبارة عن خيام مؤقتة أقيمت في انتظار الانتهاء من بناء مبنى جديد للمركز. وهناك تلخص عملي في التأكد من وجود شهادات تطعيم لدى المسافرين، وتطعيم من لم تتوفر معه شهادة.

المستشفى الاميري
قضيت في هذه الوظيفة مايقارب العام براتب مقداره 250 روبية، جيئة وذهابا بين بيتي والمركز، اما سيراً على الأقدام أو بوساطة دراجة أو بسيارة الاسعاف أحيانا اذا مرت بي مصادفة، قبل أن يطلب مني الانتقال الى المستشفى الأميري. وجاء هذا الطلب لأحل محل سعدون صالح المطوع المسؤول عن مخازن المواد الغذائية بعد أن نوى ترك عمله.
كانت الحكومة هي التي توفر الأدوية وتصرف للمستشفى الحكومي الوحيد آنذاك الواقع شرق الكويت مقابل ساحل البحر، والذي افتتح في أكتوبر 1949 تحت رعاية الشيخ أحمد الجابر الصباح، وكان يتكون من دور واحد يحتوي على 45 سريراً، وفيه غرفة عمليات ومختبر وصيدلية، ويعمل فيه 13 طبيبا وطبيبة تساعدهما ممرضتان.

.. والمستوصف «السوري»
قبل هذا كـان لدينا مستشفى الارسالية الأميركية منذ ما قبل الحـرب العالمية الأولى، وهـو مـن أدخل الطب الحديـث عندنا والطب الوقائي عبر حملات التطعيم. أما بالنسبة للمستوصفات، فلم يكن لدينا منها شيء باستثناء مستوصف حكومي متواضع يعالج الحالات العادية ولايجـري عمليات، كان الناس يطلقون عليه تسمية المستوصف السوري نسبـة الى الدكتـور يحيى الحديدي الذي قـدم اليه من سوريا في عام 1940، والدكتور صلاح الدين أبو الدهب الذي جاء بعده.
منذ انشاء المستشفى الأميري تولى ادارتـه نصف يوسف النصـف، وكـان لا يـزال هو المـدير حين وصلت في عـام 1952 أميناً للمستودعات الغذائية براتب 250 روبية أضعها بين يدي والدي، ففي تلك الأيام لم تكن لـدي التزامات من أي نوع. وبدأت هنا أستشعر لأول مرة ربما طبيعـة الحيـاة بين الأسرّة البيضاء، طبيعة النفوس البشريـة بما تحمله من تفان وإخلاص أحياناً، ومـا تحمله من طموحات شخصية وصغائر على حساب هذا العمل الإنسـاني في أحيان أخـرى.
قبل مجيئي، كانوا استقدموا طبيباً انكليزياً يدعى إريك بيري، رئيسا للأطباء منذ إنشاء المستشفى، بالإضافة إلى أطباء عرب، مثل نايف حسن من لبنان وسامي بشارة وعادل نسيبة وأحمد سلامة. وعرف المستشفى مع بداية عملي فيه أول طبيب كويتي مؤهل في الكويت ومنطقة الخليج بعامة، تخرج وبدأ بممارسة عمله، هو د. أحمد الخطيب.

خلافات
لا أعـرف ماذا كانت عليـه الأوضاع قبل وصولي، إلا أنني بـدأت ألمس حدوث مشكلات على أكثر من صعيد، بين الأطباء أنفسهم وبينهم وبـين رئيسهم بيري، وبين أعضاء مجلس الإدارة ورئيس دائرة الصحـة الشيخ فهـد السالم الصباح الـذي تسلم رئاستها في هـذا العـام وعقد أول اجتماع له مع أعضاء مجلس الإدارة، وفي الاجتماع الثاني حدثت الخلافات. لم يكن رئيس الدائرة كما بـدا ينوي الإبقاء على هذا المجلس ولا على مديره، فاستقال أعضاء المجلس والمدير نصف يوسف النصف.

.. واستقالة
ومن مكاني ذاك في المستودعات الغذائية عرفت أن الاستقالات كان سببها اختلاف وجهات النظر اختلافا جوهريا، فالشيخ فهد السالم الصباح يريد تنفيذ آرائه وأفكاره وفرضها بلا نقاش، بينما اعتاد أعضاء المجلس، وبخاصة مع تراكم تجارب مشاركة الكويتيين في اتخاذ القرارات في الشأن العام منذ العشرينات مرورا بالثلاثينات ووصولا إلى الخمسينات، عدم الموافقة على التفرد، والأخذ بمبدأ النقاش وممارسة الحقوق الديموقراطية والإطلاع على الأمور ظواهرها وبواطنها. وكان هذا جزءا من اتجاه عام بدأ يتخذ طريقه إلى حياة الكويتيين، واصبح الوقوف بوجهه نوعا من التعويق واحتجاز فاعليات التطور.
بعد أن استقال النصف، عينوا مكانه عبد الحميد الصانع بطلب من الشيخ فهد السالم، وكان الصانع على علاقة جيدة بالنصف، وكلاهما خطوطه مفتوحة مع الشيخ عبد الله السالم الذي شملهما بعطفه وثقته. ولم يلبث الصانع أن اصطدم بالشيخ فهد وترك دائرة الصحة، فقام بتعيين مدير جديد هو علي الداوود الحمود الذي ظل في هذا المنصب من عام 1952 إلى عام 1959. وصار الحمود، الذي يتمتع بمعرفة مسبقة وعلاقات من جهة العائلة بالشيخ فهد، هو المسؤول، واحتاجوا إلى مساعد مدير، فجاؤا بعبد المحسن المخيزيم، والد من يتولى الآن بيت التمويل الحالي، ولم يكن هناك انسجام بين الداوود والمخيزيم.

{موضة} الحذاء
أهم العاملين في المستشفى الأميري آنذاك في عامي 1951 و1952:
د. بيري رئيس الأطباء، الحاكم الفعلي للمستشفى، ومرسخ نظام الإدارة الإنكليزي ببيروقراطيتـه وروتينـه القاتل، واستطاع هـذا الطبيب، نظراً للجهـل بالإدارة آنذاك، مد نفوذه الى دائرة الصحة بعامة.
د. جون والتر نائب رئيس الأطباء، الاخصائي بالأمراض الباطنية من الدرجة الأولى، والحاد الطباع والسريع الانفعال، وأيضاً الميال الى الغطرسـة والبعد عن التواضع.
كلا هذين الطبيبين كان ذا عقلية استعمارية مستمدة من رواسب استعمار بريطانيا للهند، جمعت بين الخشونة والعنجهية. والغريب أنهما كانا يضربان الأطباء بل وحتى المرضى أحيانا. وقد رأيت د. بيري يضرب طبيبا هندياً متخصصا بطب العيون هو د. مستري من جوا (المستعمرة البرتغالية في الهند قبل تحريرها) بالحذاء.
كان هناك أيضاً مساعد لرئيس الأطباء هو د. جون فوبس اختصاصي التخدير الجاد في عمله رغم أنه لم يكن حاصلا على شهادة الزمالة في التخدير، ود. ماكريدي، ود. آلبن اخصائي العيون، والطبيبة كلارك المسؤولة عن قسم الولادة، ورئيسة الممرضات ملوي التي كنا نلقبها بلقب أم أحمـد، وتحل محلها أحياناً خلال غيابها زوجـة د. بيري. وتسلم قسم الأسنـان د. كاي. وتسلمت الآنسة سميث قسم التصوير بالأشعة. وهكذا تشكلت مجموعة انكليزية.
يضاف الى هؤلاء أطباء وعاملون عرب من جنسيات مختلفة، مثل د. نايف حسن مسؤول قسم الأطفال، ود. أحمد سلامة مسؤول قسم الأمراض الصدرية، ود. يوسف عيتاني. والمشرف على الصيدلية الصيدلي المؤهل يوسف أبو ضبة، والمشرف على المختبر هوفاكونيان. أما أمين المستشفى فكان كاظم قسطنطين يساعده محمد سليمان النصف، ويشرف على سجلات المرضى علي عبدالله الزيد.
وعمل طبيبان عموميان في المستوصف هما، د. سامي بشارة ود. عادل نسيبة.
في هاتين السنتين تكونت شركات المقاولات الأجنبية الخمس التي بنت مستشفى العظام الحالي المسمى في حينها ملحق المستشفى الأميري، واتجهت النية الى أن يكون خاصا بالانكليز فقط، الا أن هذه النية لم تتحقق. كان لدى شركة نفط الكويت مستشفى في المقوع، يستقبل المرضى الأوروبيين حسب اتفاق بين د. بيري وادارته، على أن يحول المرضى الآسيويون والأفارقة الى المستشفيات الحكومية!
في هـذه الفترة شهدت أهم مـا مر علي خلال عملي آنذاك حين أرسلت شركة نفط الكويت الينا شاحنة محملة بالمواد الغذائية المعلبة، وبعد البحث تبين أن الشركة أرسلتها أولا الى الشيخ عبدالله السالم، فقال: «لاأريدها.. ارسلوها الى المستشفى الأميري لنعـرف هـل هـي صالحة أم لا».
كان د. بيري رئيس الأطباء يقـوم أسبوعيا كل يـوم ثلاثاء بالتفتيش عـلى المستشفى، بما في ذلك المطبخ والمخازن، فسأل عن المعلبات، وأصدر تعليمات بأن لايستخدم أي شيء منها بعد أن تبين أن هذه البضاعة تالفة كلها الى درجة أن العلب كانت منفوخة.
وظلت هـذه الأغذيـة التالفـة التي تخص شركـة النفط عندنا في المخـازن طيلة مـا يقارب أربع سنوات، حتـى عام 1954، ثم تم رميها والتخلص منها، وانتهت القصة.
في هذه الفترة أيضـا استقدموا محاسبا فلسطينيا مـع عبـد المحسن الزبن اسمـه عبد الله السعدي بوساطة الشيخ فهد السالم، وكان الشاعر الفلسطيني كمال ناصر يعمل سكرتيرا خاصا لديـه في عام 1953، قبل أن يترك ويذهب الى ممارسة نشاطه السياسي في لبنان حيث قتل بعد سنوات اثـنـاء عملية عسكرية اسرائيلية استهدفت معـه أيضا كمال عـدوان ومحمد يوسف النجار.

الطب الوقائي
وسارت الأمور على هذا المنوال؛ لأشخاص معينين مكانة متميزة في المستشفى، مثل د. نايف حسن الذي لم يكن يرد له طلب بناء على تعليمات منذ أيام ادارة نصف يوسف النصف، وكذلك د. أحمد سلامة المسؤول عن علاج مرضى السل في الجناح الرابع في المستشفى الأميري، وهو من فتح مستشفى الأمراض الصدرية مع مساعد له لبناني اسمه كرنيك أغوصيبيان. أما د. بيري، فلم يكن يحظى باستلطاف الشيخ فهد، فاتخذ قرارا في عام 1955 باستقدام طبيب صحة عامة من مصر اسمه سعيد عبده صاحب زاوية في الصحافة المصرية عنوانها «خدعوك فقالوا..»، وكلفه بانشاء قسم الطب الوقائي ورعاية الأمومة والطفولة. وبدأ بالفعل تأسيس الطب الوقائي، مع أنه كان لدينا طبيب طب وقائي من لبنان اسمه زاهي حداد، ومعه شخص آخر مختص بالأمراض الجلدية، ولدينا عوني نمر وعادل نسيبة.

.. والاسنان
بدأ د. سعيد عبده بالتوسع، ولم يكن يأتي بطبيب أو طبيبـة الا من مصر، مما أثار حفيظـة واستياء د. بيري الذي أحنقه أن يؤخـذ منه الطب الوقائي، وحدثت احتكاكات بين الطبيبين، المصري والانكليزي. وازداد ابتعاد الشيخ فهد السالم عن د. بيري حين استقـدم من العراق صديقـه د. يوسـف ميرزا، وأوصى بمنحـه كل الصلاحيات، وجعله يحل محل د. كاي المختص بالأسنان. وهكذا تشكلت ثلاث قوى، واشتد التنافس بـين د. بيري ود. سعيد حين بدأ هـذا الأخيـر يتوسـع ويقيم مستوصفات لتنظيم الأسـرة والـولادة، واستقدم قابلات من مصر يذهـبن الى البيوت.
ومن خلال وظيفتي في المستشفى الأميري، وفي مستشفى العظام (الملحق) الذي تم تعييني أمينا عاما له أيضا في عام 1953 بعد افتتاحه مباشرة، شعرت بما كان يدور من تنافس واحتكاكات متزايدة. ومن منطلق عاطفي أو قومي كنت الى جانب د. سعيد عبده رغم اختلافي معه في الأسلوب. كانت مشاعري معه، فذهبت اليه والتقيت به، وقلت له:
«هناك تنظيم ضدك وضد نشاطاتك في الطب الوقائي، وأود أن تأخذ حذرك»
فضحك ضحكة قوية وقال:
«أتريد أن تعلّمني كيف أتصرف مع هذه المجموعة، واصغر أبنائي أكبر منك؟!»
وهنا اعتذرت وخرجت.
لم تنجح محاولتي، واستمر د. عبده على نهجـه واصطفافه الى جانب الأطباء المصريين، فيما احتفظ د. بيري بميوله وتعاطفه مـع الأطباء الأجانب والفلسطينيين خشية أن يتأثر الشارع العام بالمد الثوري والـقـومي الذي كانت تطلقـه ثورة يوليو، وايضا لخشيتـه من تزايد نفوذ الشيخ فهد السالم.
ودارت الأيـام، واختلف د.سعيد عبده مع الشيخ فهد السالم واستقال ورحل، وشغل منصبه د. كمال برعي. وفي طريقه الى مطار النزهة، لم يكن هناك أحد في وداعه سوى د. ايرك بيري.
وفي عام 1962 حين استقـال د. بيري واتخذ طريقه الى المطـار كنت أنـا من ذهـب يودعـه، وقلت له:
«اودعك بالنيابـة عن د. سعيد عبده.. مع السلامة!»
__________________
تهدى الامور بأهل الرأي ماصلحت
*****************
فان تولوا فبالاشرار تنقاد
رد مع اقتباس