عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 07-01-2012, 11:23 AM
الصورة الرمزية الجامع
الجامع الجامع غير متواجد حالياً
مراقب قسم الوثائق والصور التاريخية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
الدولة: الكويت
المشاركات: 560
افتراضي

مع كتاب «أيام الكويت» لمؤلفه أحمد الشرباصي


إعداد فرحان عبدالله الفرحان


قبل ستين سنة (19852 ــــ 1953) حل الفاضل الشيخ أحمد الشرباصي مدرساً في المدرسة المباركية في الكويت، وهو شخصية من اثنتين عملا في الكويت بالتدريس منتدبين من مصر تركا بصمات مدة اقامتهم في الكويت. الشرباصي قبل ستين سنة عندما ألّف كتابه «أيام الكويت»، وبعده، وقبل أربعين سنة تقريبا ألّف الدكتور عبدالعزيز مطر الذي كتابيه عن اللهجة الكويتية «خصائص اللهجة الكويتية»، والثاني «من أسرار اللهجة الكويتية». لكن الشرباصي، بلا شك، ترك بصمات لا تنسى. ونحن في هذا البحث سنلقي الضوء على هذا الكتاب وصاحبه في الكويت، علما بأنه أقام سنة واحدة في الكويت فقط.
أول معرفة لي مع الشرباصي عند وصوله إلى الكويت، حيث احتفلت جمعية الارشاد به وأقامت حفلة على شرفه وطُل.ب منه إلقاء كلمة. وأتذكر أنه تردد بتمنع، لكنه وقف في آخر الحفل وألقى كلمة شكر فيها الحضور قائلا: آسف لأني وصلت من مصر للتو وأنا في حاجة إلى التعرف على الكويت وأهلها الكرام. هذه أول معرفتي بهذا الرجل النشط الذي ترك بصمات في تاريخ الكويت، والذي يعد كتابه سجلا لسنة من عمر الكويت، لأنك عندما تقرأ الكتاب، رغم أنه يسجل شخصية الشرباصي، تجده يعطيك نبذة عن الكويت في تلك الحقبة في صفحتي (329 و330) وتحدث عن أولوياته في الكويت.


الشرباصي وإلي جانبة د. سند الفضالة خلال ادارة ندوة للاتحاد الوطني لطلبة الكويت في القاهرة


وهنا أسجّ.ل مقتطفات مما كتبه، حيث يقول:

تاريخ صداقة
لبعض الصداقات تاريخ يجب أن يقال ويكتب، لما فيه من ذكريات حلوة، ودلالات معنوية عميقة الأثر، ولأن الإنسان لا يستطيع مهما حاول أن يقطع أسبابه من الماضي، بل لا بد له من الالتفات الى أمس، يستعرضه ويستعيد حوادثه وأحداثه، وكثيرا ما يجد لذة عجيبة في هذا الاجترار، حتى في استعادة المواقف العصيبة، والأحداث الرهيبة، وأي إنسان يستطيع أن يقيم دعائم حاضره من دون استناد على أسس من ماضيه؟!
ولي مع إمارة الكويت (لؤلؤة الخليج كما أحب دائما أن أنعتها وأسميها) صداقة لها تاريخ، وليس ثمة من عاب، وقد هبطت الكويت مبعوثا من الأزهر المعمور للتدريس في معاهدها، أن استعيد ذكريات هذه الصداقة، وأن أسجلها، ففيها الذكرى، وفيها التقييد لتاريخ نخشى أن يضيع..
في سنة 1939 تقريبا - أي منذ ثلاثة عشر عاما تقريبا - هبط مصر المفداة نفر من أبناء الكويت يريدون طلب العلم في أزهرها الشريف وغيره من الجامعات، وكان في طليعة هؤلاء النفر الأساتذة عبدالعزيز حسين ويوسف عمر وأحمد العدواني، وسارع كاتب هذه السطور حين علم بمقدمهم فسعى اليهم وتعرف بهم، إذ كان يرى من واجبه - وهو شاب عربي مسلم - ان يعرف أكبر عدد ممكن من شباب البلاد الغربية والأقطار الإسلامية، وقد أكثر من الحديث عن ذلك في ما كتب وفي ما خطب.. وظلت الصلة بين فتى النيل وفتية الخليج تزداد على الأيام تأصلا وتأكدا، وبعد أن كانت صلة لقاء غدت صلة اخاء ورابطة قلوب وتقارب مشارب، حتى تلطف أبناء الخليج فأخذوا ينعتون صاحبهم فتى النيل بأنه «صديق الطلبة الكويتيين في مصر».. وكان فتى النيل يجد في نفسه من هذه الصداقة، وكان يستعين ربه - ما قدر واستطاع - في أن يؤدي لهذه الصداقة ما تستلزمه وتتطلبه، حتى يتحقق فيها معنى الصداقة، وتبادل الطرفان هذا الشعور فآويا من خالص الإخاء الى ظل ظليل..
ومرت الأيام تتلوها اخوتها، وكان فتى النيل يتناجى مع فتيان الخليج في جلساتهم ومحاوراتهم، فيتمنى الجميع لو كثر عدد الطلبة الكويتيين في مصر، ولو تعددت الجامعات والمعاهد التي يدخلونها، ولو انشئت ادارة لبعثات الكويت في مصر، حتى توجهها وتنظم شؤونها وتشرف عليها، ولو تخرج عدد كبير من ابناء الكويت في معاهد مصر، حتى يصيروا اساتذة مربين، وعلماء مثقفين، فيعودوا الى بلادهم، ليتولوا بأنفسهم قيادة النهضة فيها، بدل الاعتماد في الغالب على المدرسين المندوبين من مختلف الأقطار العربية، وان كنا لا ننسى ما في استقدام هؤلاء المدرسين من توثيق الروابط بين البلاد العربية، ومن تلاقح العقليات العربية، ولكن «أهل مكة أدرى بشعابها»، وأبناء البلدة أولى بتوجيه شبابها، ومن الممكن مع هذا تبادل الأساتذة بين هذه الأقطار بصورة لا تطغى على النشاط القومي، وفي الوقت نفسه تحقق الترابط العربي العام.
عندما تطوف في هذا الكتاب تراه يتحدث عن ماضي الكويت، وينتقل إلى التجارة التي تولتها سفن الكويت العابرة الى الهند، ثم إلى علاقات مصر والكويت التاريخية ويتحدث عن مجلس الأمير الذي يتشرف بلقائه بين الفينة والفينة، وهو يقول إن الشيخ عبدالله السالم دائماً يتمثل في شعر المتنبي، ويذكر أبوراشد المناعي راوية المتبني ويتحدث عن المجلات الكويتية ويخص مجلة «البعثة» التي كانت تصدر في مصر والتي تولاها صاحبه عبدالعزيز حسين الذي تولى إدارة بيت الكويت في القاهرة، مكتب البعثات، وصديق الشرباصي، يتحدث الشرباصي عن المدرسة المباركية التي درس فيها سنة واحدة وتاريخها، ثم يعرج على شعراء الكويت وأدبائها وعن إذاعة الكويت الوليدة التي كان يلقي فيها أحاديث على الهواء بصورة مستمرة، كان يتحدث عن القرى في الفنطاس والفحيحيل والشعيبة والجهراء وغيرها، وكانت له رفقة مع عبدالوهاب عزام سفير مصر في باكستان في تلك الحقبة، الذي زار الكويت للتعرف فقط على منطقة كاظمة وقد احتفل به المسؤولون في الكويت وعقدت معه اللقاءات.
ويسرني ان أنقل بعض ذكريات الشرباصي إلى كاظمة في تلك الحقبة من الزمن فيقول في صفحتي (476 و475) التالي:
في يوم الاثنين 19 يناير: دعاني الدكتور عزام لمصاحبته في رحلة الى (كاظمة) مع الاستاذ الفضيل، وكاظمة يقول عنها القاموس انها مكان معروف، ولم يتحدث عنها ياقوت في معجمه. وقد روى الطبري في تاريخه ان خالد بن الوليد كتب قبل خروجه الى (الأُبُلَّة) - وهي ثغر على الخليج الفارسي عند مصب دجلة، وهي قرب البصرة من جانبها البحري - كتابا الى هرمز يقول فيه: «أما بعد، فأسلم تسلم، او اعتقد لنفسك ولقومك الذمة، واقرر بالجزية، والا فلا تلومن الا نفسك، فقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة». وجمع هرمز جموعه، ونشبت الحرب بينه وبين خالد في (كاظمة)، وانجلت عن قتل هرمز وهزيمة الفرس.
و(كاظمة) هي التي عاش فيها الفرزدق حينا، وقد اشار الى نواحيها في شعره حتى جمعها، فقال:
ويا ليت زوراء المدينة اصبحت
باحفار فلج او بسيف الكواظم
وقال :
وما علم الاقوام مثل اسيرنا
اسيرا، ولا اجدافنا بالكواظم
ودفن والد الفرزدق غالب بن صعصعة هناك، وكان الفرزدق كثير التعظيم لقبر ابيه، فلا يأتيه احد يستجير به الا اعانه على بلوغ قصده!
ركبنا سيارة الحكومة ومعنا دليل الطريق، وخلفنا سيارة احتياطية، وسرنا في طريق الجهرة، وبعد ساعة ونصف بالسير المتوسط بلغنا كاظمة، بعد ان مررنا على الجهرة ومنطقة المطلع، ورأينا كاظمة رأسا ممتدا في الخليج، وليس فيه الا بعض اعشاب، وفرضة صغيرة للسفن، وبعض احجار قيل انها بقايا المعسكرات التي كانت موجودة في الحرب العالمية الاولى، وبعض اكواخ للصيادين، ووقفنا نتطلع الى الماء مرة، والى الصحراء اخرى، ونسترجع ذكريات التاريخ ثالثة. واستطعنا ان نرى الجهرة من موقفنا بالمنظار المقرب، وان نرى رؤوس المنازل في الكويت، وكان الجو صحوا والسماء مشرقة والهواء دافئا، واسف الدكتور لاننا لم نصطحب آلة تصوير ورجعنا والسائق الماهر يمرق بالسيارة المتينة بين المسالك الضيقة التي لم تمهد، ويحاذر معاطب الرمال، وحيا الدكتور عزام كاظمة ببيتين هما:
بكاظمة طوفت في ميعة الضحى
وقلبي الى الماضين جم التشوق
اكاد ارى في رملها قبر غالب
واسمع في الآفاق شعر الفرزدق
وتذكرنا البوصيري حين قال:
ام هبت الريح من تلقاء كاظمة
واومض البرق في الظلماء من اضم
وبلغنا الجهرة فزرنا مدرستها، وتجولنا في القرية، ودخلنا احد بساتينها، وألممنا بالقصر الاحمر، ثم غادرنا الجهرة الى (الاحمدي)، حيث زرنا الميناء والآبار.
هذا الكلام والحديث الذي يقوله الشرباصي في تلك الحقبة، عندما ننظر اليوم الى المنطقة نرى انها تغيرت مائة درجة، وهذا يعطينا ان الرجل سجل جزءا من تاريخ الكويت في فترة لم يسجل بعده الا عبدالله خالد الحاتم فقط.
عندما ألقيت نظرة سريعة على هذا العالم، الذي ترك بصمات في الكويت بكتابه «أيام الكويت»، وهو ذكرى وذكريات، نقول من هو هذا الشرباصي؟ انه أحمد الشربيني جمعة الشرباصي الذي ولد عام 1918 وتوفي سنة 1980، ولد في الدهقلية ودرس في الازهر في كلية اللغة العربية، هناك تعرف على عبدالعزيز حسين، الذي عمل بعدها مديرا لبيت الكويت ـ البعثات وبعدها مديرا للمعارف، فطلب عبدالعزيز حسين من زميله وصديقه الشرباصي ان يدريس في الكويت في اول الخمسينات.
كان الشرباصي ألف مجموعة من الكتب، وهذا يدل على نشاطه منها: الحركة الكشفية، الفدائيون، تاريخ الاسلام، بين صديقين، محاضرات الثلاثاء، عائد من باكستان، واعظ أسير، من أجل فلسطين، الإسلام والاقتصاد، في عالم المكفوفين، الأئمة الاربعة، امير البيان شكيب ارسلان، رشيد رضا صاحب المنار والحاكم العادل.
هذه بعض الكتب التي اطل بها علينا بالاضافة الى كتابه عن الكويت «أيام الكويت».
بعد رجوعه الى مصر، وكنت ازوره بين الفينة والفينة، اهداني كتابه عن الكويت قائلا لي: يا ابني هذه ذكرياتي معكم في بلدكم الكويت.
أخيرا.. هذا هو احمد الشرباصي العالم والكاتب الذي اقام في الكويت سنة واحدة كان فيها شعلة ونشاطا في التدريس والرحلات والعلاقات العامة في الاذاعة والمنتديات، وتجده في مكتبة المعارف غالبية الامسيات يتنقل من كتاب الى كتاب وهو يكتب ويسجل حتى ترك هذا السجل كتاب «أيام الكويت».


القبس 7/1/2012
__________________
www.flickr.com/photos/aljamea
رد مع اقتباس