عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 18-11-2008, 08:47 AM
عنك عنك غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
الدولة: الـكـويــت
المشاركات: 412
افتراضي

العتوب اسم يطالع الباحث في تاريخ البحرين و الخليج العربي بوضوح شديد ... فقد استطاعت هذه القبيلة التي تكونت اصلا من تحالف مجموعة من بطون القبائل بالجزيرة العربية أن تحتل مكانا بارزا في تاريخ هذه المنطقة لتصبح بعد ذلك أساسا لحقبة جديدة وهامة من هذا التاريخ ... وفي مستهل القرن، الحادي عشر الهجري الثامن عشر الميلادي.
تقدمت العتوب التي كونت لنفسها خبرة كبيرة بالبحر صيدا و تجارة و قتالا لتحاول سد الفراغ بعد أن وهنت قبضة الخلافة العثمانية ورزحت البحرين تحت حكم مجموعة من الولاة الذين حكموها باسم الدولة الصفوية في فارس... ورغم محاولة اثارة الفتنة بين العتوب وهم عرب والهولة وهم عرب أيضا فقد عادت القبيلتان للتحالف ولكن الظروف لم تكن مواتية فاتجهت مسيرة العتوب الى البصرة لتمتد بطونها بعد ذلك فتعاود التواجد على شواطئ الخليج.
ورغم الحلقات الكثيرة التي مازالت غامضة في تاريخ العتوب وخاصة في بداية وصولهم للبحرين الا ان هذا البحث واعتمادا على ماتم العثور عليه من وثائق يكشف النقاب عن بعض ما غمض من تاريخ العتوب ويحدد بصفة قاطعة بعض ما أختلف حوله المؤرخون كثيرا حول تاريخ ظهورهم بالبحرين.
كانت البحرين احدى مناطق شبه الجزيرة العرب و تمتد حدودها من الكويت شمالا الى قطر جنوبا ومن نجد غربا الى الخليج شرقا تسكنها قبائل عربية من عبدالقيس وبني وائل وتميم وغيرهم من القبائل العربية، وعندما انبثق نور الاسلام وتاسست دولته كان هذا الاقليم جزءا من أجزاء الدولة الاسلامية في عهد الرسول (ص) والخلفاء من بعده وكذلك في زمن الدولة الاموية و صدر الدولة العباسية، وتخللت هذه الحقب بعض الثورات ولكن لم يكتب لها النجاح حتى قامت ثورة القرامطة وتاسست الدولة القرمطية في البحرين، وانتهى حكم القرامطة على يد العيونيين الذين ينتمون الى قبيلة وائل واسسوا دولتهم في البحرين ثم ضعفت دولتهم و تجزات المنطقة لفترة، ثم جاء المد المغولي على يد (هولاكو) وفتح بغداد وشملت سيطرة المغول البحرين وبعد ان انحسر المد المغولي سيطرت على ضفاف الخليج (امارة هرمز): وهي امارة تغلب عليها الصبغة العربية وان كان امراؤها من بقايا المغول ولكن لغة هذه الدولة العربية واغلب شعبها من العرب و حري بنا نحن المؤرخين العرب في الخليج ان نهتم بتاريخها حيث كانت جزر البحرين و سواحل عمان وسواحل فارس المطلة على الخليج العربي تشكل جزءا من هذه الدولة.
سيطرة الجبور:
في نهاية القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) سيطر (الجبور) على اقليم البحرين بزعامة أميرهم أجود بن زامل الجبري واستطاع ان يحتل جزر جزر البحرين وبعض سواحل عمان ويضمها الى امارته مستغلا الظروف التي تهيأت له انذاك.
وفي مطلع القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) بدأ الغزو البرتغالي للخليج وخضعت امارة هرمز للبرتغال وتحالفت معهم وامتد نفوذ البرتغال وامارة هرمز الى جزر البحرين ثانية بعد حرب مريرة مع امراء الجبور في الاحساء. وفي اوائل القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) ضعف امر البرتغال في الخليج فدبت الفوضى والاضطرابات في الاقطار التي يسيطرون عليها ومنها جزر البحرين ونشب الخلاف بين سكانها فرفع ابناء الشيعة شكواهم الى الشاه (عباس الصفوي) طالبين من الدولة الصفوية مساعدتهم على خصومهم فجهز الشاه جيشا لاحتلال البحرين بقيادة (قولي خان) فاحتلها سنة 1031هـ - 1622م ونصب الصفويون على البحرين (سندوك سلطان) وفي 1043هـ - 1633م عزل سندوك الا انه توجه بهدايا للشاه منها سيف (تيمور لنك) فأعاده الى البحرين ثانية ثم عزل وخلفه (بابا خان) 1077هـ - 1666م فكان ظالما غشوما فطلب اهل البحرين عوله فعزل وعين (سلطان بن غزل خان) ثم خلفه الامير (مهدي قلي خان) الذي عزل سنة 1113هـ الموافق 1701م لظلمه وجوره ونصبوا في محله (قزاع سلطان) فقال احد الشعراء موضحا أحوال البلاد المعاصر لدخول العتوب بقوله :
مهدي قلي صرفوه عن بحريننا *** عام الفتور وحكموا قزاعا
ملأ الفجاج ببغيه وفجوره *** فلذا أتى تاريخه (قد زاغا) ([1])
وكانت البحرين مهيأة لقبول أي حاكم عربي يسود في عهده الأمن وتستقيم العدالة الاجتماعية فلما قدم العتوب كان الظرف مناسبا لهم لفتح البحرين عام 1112هـ - 1700م فحاولوا القضاء على النفوذ الاجنبي فيها كما سياتي ذكره.
بدء تاريخ العتوب:
العتوب جمع عتبي وهو حلف يضم أفخاذ كثيرة تنتمي لعدة قبائل هاجرت من مساكنها في نجد واستقرت على ضفاف الخليج بقرب البحرين، ومنطقة البحرين ليست غريبة على عشائر تنتمي لبني وائل وتميم فهي مساكنهم منذ القدم والبحرين كانت ز لاتزال تعتز بشاعرها طرفة بن العبد الوائلي واميرها المنذر بن ساوي التميمي.
وتحالفت هذه القبائل مع بعضها البعض وتصاهرت فيما بينها وأصبحت تمثل قبيلة العتوب الواحدة، واقدم من ذكر ذلك عنهم الشيخ (عثمان بن سند) المتوفي عام 1250هـ الموافق 1834م، قال: (والذي يظهر أن بني عتبة متباينو النسب لم تجمعهم في شجرة أم وأب ولكن تقاربوا فنسب بعضهم لبعض، وما قارب الشئ يعطي حكمة الفرض)، وتحالف العشائر العربية معروف في جزيرة العرب منذ اقدم العصور.
لقد كان التاريخ ضنينا علينا بمعرفة بدء هذا الحلف أو كيف ولماذا اختاروا اسم العتوب الذي اطلقوه على انفسهم، هل هو اسم لأقوى هذه العشائر فانتمى الاخرون اليها؟ او جاء ذلك مما أورده بعض المؤرخين الذين فسروا ذلك بانهم عرفوا بتسميتهم هذه بعد ارتحالهم من موطن اقامتهم اي بعد عروجهم او عتبهم نحو الشمال؟ والتسمية هنا حركية اشتقت من الفعل (عتب) أي تحول و انتقل و ما نقوله هو ان من عشائر العتوب من ينتمي لقبيلة عنزة وقبيلة تميم وسليم، ومن العشائر التي تنتمي اعنزة آل خليفة و آل صباح و الجلاهمة والفاضل ومن هاجر معهم من منطقة الافلاج وهم ينتمون (لجميلة وائل) ولا يزال بعض ابناء عمومتهم يسكنون تلك الجهات، واهم العشائر التي تنتمي لتميم وسليم البنعلي بجميع بطونهم وافخاذهم.
لم يضع المؤرخون تاريخا ثابتا لبداية هجرتهم ولا وصولهم الى ساحل الخليج العربي او زمنا معينا لدخولهم قطر ولا وقتا محددا لتواجدهم في البحرين ولعل السبب في ذلك هو اعتمادهم على مصادر ووثائق غربية في معظمها.
وبعد امعان النظر واطالة الفكر وعمق البحث وجدنا فيما خطه علماء من اهل البحرين في مخطوطاتهم وهم ادرى بشعابها حين ترجموا لعلمائهم انهم اشاروا بصورة غير مباشرة الى وقائع تاريخية أرخوها بحساب الجمل أو السياقة وبعد مقارنة نصوص هاتيك المخطوطات بمثيلاتها في نسخ أخرى من خارج البحرين وجنا أن العتوب كان لهم وجود عامة منذ نحو ثلاثمائة سنة خلت.
من هذا المنطلق كان عام 1112هـ الموافق 1700م بداية البحث لتحقيق تواجد العتوب في البحرين من الخليج العربي وذلك فيما عاصرهم من الدول والمشيخات فساقنا البحث الى وثائق باللغة العثمانية بخطها العربي اذ عثرنا في ارشف رئاسة الوزراء العثماني في دفتر المهمة رقم 111 وعلى الصفحة 713 منه وثيقة مؤرخة في 21 رجب 1113هـ الموافق 23 كانون أول (ديسمبر) سنة 1701م ارسلها والي البصرة (علي باشا) الى السلطان العثماني والصدر الأعظم باسطنبول (وصورة الوثيقة مع ترجمتها في نهاية البحث) وترجم الوثيقة عدة اساتذة في جامعة اسطنبول منهم البروفسور (خليل ساحلي أغلي) و (احمد اغراقجة) وغيرهما وبعد المقارنة بين الترجمات انتهينا الى تحليل نصوصها والوصول الى الحقائق الآتية:
أولا:
تواجد العتوب في مستهل القرن الثامن عشر في منطقة البحرين حيث ورد في نص ننشر صورته في نهاية البحث وهو مؤلفة مؤرخا الوقائق مع العتوب في البحرين قولة:
قضيت القبيلة المعتدية *** وعام تلك شتتوها فأحسبه
وبحساب الجمل لمجموع حروف الكلمة (شتتوها) يصبح التاريخ سنة 1112هـ - 1700م. ومن ذلك ثبت لنا تواجد العتوب في عام 1112هـ وهذا يدلنا على ان العتوب كانوا من سكان هذه المنطقة قبل هذا التاريخ حيث استقروا وتعودوا على ركوب البحر وقيادة السفن وهذا يحتاج لفترة زمنية ليست قصيرة.
ثانيا:
ان القوة البحرية التي اسسها العتوب للنقل (القطاعة) والغوص مزودة بأدوات عسكرية كالمدافع و البنادق مما جعلها قوة بحرية كان لها اثرها على مياه الخليج وسواحله في ذلك الوقت.
ثالثا:
عدم وجود قوة بحرية ضاربة في الخليج الا قوة العشائر العربية القاطنة على ضفافة بشطريه العربي والفارسي، اما قوة عمان فقد وجهت نحو التوسع خارج الخليج في هذه الفترة التاريخية.
رابعا:
مع بداية مطلع القرا الحادي عشر الهجري او مطلع القرن الثامن عشر الميلادي كانت الامبراطورية الصفوية قد دب اليها الهرم نتيجة للفوضى والاضطرابات والفتور مما اطمع الشعوب الواقعة تحت نيرها أن تطالب بالاستقلال وان تقوم بحركات عسكرية للتخلص من سيطرة الفرس كما دخلت في حروب مع الافغان و الترك و هذه الفترة توافق حكم (سلطان حسين بن الشاه سليمان) الذي جلس على كرسي الحكم من سنة 1105هـ حتى 1125هـ الموافق (1693م – 1712م).
خامسا:
من الحقائق التي ذكرناها نتبين ان الوالي الفارسي على البحرين بات يخشى هذه القوة البحرية المتزايدة للعتوب خاصة وللقبائل العربية الاخرى عامة فاغرى قبائل (الهوله) وهم من العرب الذين تحولوا الى الساحل الشرقي من الخليج وأصلهم الحوله الا ان الفرس يطلقون عليهم الهولة – شأنهم في نطق (الحاء) (هاء) فغلب عليهم هذا الاسم، اغراهم البتعرض ومناوشتهم في البحر، خاصة وان العتوب باتوا ينافسونهم في النقل البحري (القطاعة) والغوص، واخذت هذه القبائل تتعرض لبعضها البعض مما جعل مياه الخليج غير أمنة. وعرف العتوب ان ذلك كان بايحاء وتوجيه من والي البحرين (مهدي قلي خان) المشهور بظلمه وجبروته. فقرروا مهاجمة البحرين وقد تم ذلك فاستطاع العتوب السيطرة على البحرين و التجأ الوالي الى القلاع يتحصن فيها هو وخاصته وجنده.
وكتب القاضي الشيخ محمد بن عبد الله بن ماجد الى الهوله يطلب منهم النجده حيث كانت الدولة الايرانية اضعف من ان تنجدهم لانشغالها في الحروب مع الافغانيين فاتى الهوله بقوة كبيرة هاجمت العتوب ونشبت معركة بحرية في راس تنورة لم يحالف النصر فيها العتوب وانسحبوا من المعركة حاملين عائلاتهم ومرتحلين الى البصرة كما توضحه الوثيقة التركية.
العتوب في هجرتهم الى الكويت:
شرحت لنا الوثيقة العثمانية المؤرخة في 21 رجب 1113هـ - 1701م هجرة العتوب و الخليفات ومن معهم من أوطانهم بعد أن خاضوا حربا ضارية في سبيل تحرير البحرين من العجم و تكبوا في سبيل ذلك 400 قتيل ويمموا نحو البصرة نقلتهم 150 سفينة كل سفينة مزودة بمدفعين أو ثلاثة مدافع وتحمل السفينة اربعين مسلحا يحمل كل واحد منهم بندقية. ووصلت هذه السفن الى البصرة واتصلوا بواليها طالبين منه المساعدة امام الدولة الفارسية والسماح لهم بسكنى اية جهة تخضع لسلطة الدولة العثمانية فكتب والي البصرة (علي باشا) الى السلطان العثماني رسالة شارحا فيها حال العتوب كما يتضح من الوثيقة المنشورة انهم بهجرتهم انسحبوا وهم محافظون على قوتهم البحرية نحو البصرة لأنهم ومن والاهم من العشائر برعوا في ركوب البحر وصار لهم سفن تحمل المدافع والجنود المسلحين واصبحوا من القوى التي تسيطر على الغوص والتجارة في الخليج العربي. وقد أشارت الوثيقة الى أن سفن التجارة لم تكن تستطيع ان تمر ببندر (ميناء من موانئ الخليج في طريقها الى البصرة دون أن تتعرض لقوتهم) الا من اصطلح معهم بدليل ان الفتنة التي اندلعت بينهم عطلت التجارة مع ميناء البصرة كما ورد في نص رسالة الوالي العثماني قي البصرة ولما كانوا هم أهل سفن وبحر فقد نزلوا بلدة القرين كما تذكر الروايات التايخية، فتأسست الكويت بعد عام 1113هـ - 1701م بقليل و لاشك ان هذه القوة البحرية تحتاج الى خبرة في ركوب البحار وبناء الاسطول وصيانته ومعرفة في الطرق والدول سواء في الخليج العربي او خارجه وهذه الخبرة تحتاج الى زمن حتى استطاع العتوب وحلفاؤهم ان يتكاثر عددهم هناك وان يبنوا اسطولا كبيرا مسلحا عليه رجال مدربون يعرفون الطرق البحرية بعد أن هاجروا من الجزيرة العربية وكانت تسود بينهم البداوة فلابد من فترة زمنية سبقت سنة 1113هـ الموافق (1701م) لكي يتحول ساكن الصحراء الى ملاح ماهر في ركوب البحار ومحارب يجيد استخدام السلاح في عرض البحر، ولابد من الاشارة الى اهل الافلاجكانوا ياتون الى سواحل الخليج العربي يركبون الغوص لانهم قد عرفوا السباحة والغوص في العيون الكثيرة في الافلاج، وما حولها فليس ببعيد ان منهم من كان يأتي طلبا للرزق في ساحل الاحساء وجزر الخليج.
(والافلاج) جمع فلج بفتح اوله وثانيه، ويعني النهر الصغير أو الماء الجاري من العين لانفلاجه اي انفتاحه، بحيث ان اماكنها تجمل معنى الماء الكثير او الجاري او السريع فمثلا (الغيل) والغيل في اللغة ماء على سطح الارض ثم (السيح) وهو ماء ظاهر يجري على الأرض و (الهدار) وهو سيل مجلجل متدفق و (برك) و (سحاب) وهو الوادي الذي تقع عليه مدينة ليلى و (القمع) و (المعيذر) و (نباع)، وطولمنطقة الافلاج نحو مائتي كيلومتر، ومن وديان الافلاج اكثر من ثمانية عشر واديا.
واورد الهمداني عن (عين الراس) وهي من عيون الافلاج ان امرأة اقتحمت ناقتها العين فوقع سوار المرأة في جوف العين وعثر عليه في عين الاحساء.
ويعتقد بعض المؤرخين والاثريين ان الافلاج موطن الفينيقين لأنهم عثروا على مدافن ومنازل اثرية قديمة يقال لها (قصيرات عاد) وفي وادي الغيل بالافلاج عاش (قيس وليلى العامرية) عند (جبل التوباد).
ووادي الهدار تجتمع سيوله في وادي الجدول شرقي قرية البديع التي استوطنتها (جميلة) من (عنزة) وتبعد 32 كم عن (ليلى) ويسقى وادي الهدار قرية تاريخية تسمى صداء، واشتهر من الجميلين (فيصل الجميلي) الذي شيد قصرا في البديع لا يزال الى الان يتناقل ابناء البديع قصة القصر وصاحبه، قيقول مؤرخ الافلاج (ابن عيسوب) ان فيصلا الجميلي كان يحمل لشريف مكة كل عام الاتاوة المفروضة عليه وبينما هو متوجه ذات مرة الى مكة لدفعها كعادته اذ مر على ضب حفر جحرة في سبيل الوادي واقام سدا من الحجارة خلف جحره. كما حفر ضب خندقا عميقا حوله، فبنى القصر وحفر حوله خندقا ملأه بالماء وامتنع عن دفع الأتاوة وحاصره جيش الشريف وعاد الجيش خائبا وقال القائد للشريف (وجدنا سلمى اسفلها ماء و اعلاها سماء).
وفي القرن الحادي عشر نزح ال صباح و ال خليفة من الهدار، وفي اوائل القرن 12 اجتاح الدواسر الأفلاج و لازال فيها من عنزة و الدواسر والستور الى الآن، ولواستعرضنا الأحوال السياسية في عرض الخليج العربي ايام نزوح العتوب ومن معهم اليه لرأينا أن الأوضاع كانت مضطربة لعدم وجود قوة تهيمن على المنطقة فليست للدولة العثمانية قوة تحمي ممتلكاتها على الأقل، ودولة العجم في ضعف و تدهور، و اليعاربة في عمان مشغولون في فتوحاتهم بأفريقية، وبنو خالد وهم آل عريعر قد وجدوا الفرصة سانحة لاقامة حكمهم على طول ساحل الأحساء فالقطيف والعشائر العربية بدأت تكون نفسها فهي في صراع على البقاء، واسباب الرزق محدودة فالقبائل العربية النازحة من الجزيرة العربية في صراع مع القبائل العربية المستقرة على سواحل الخليج ومنهم الهوله على التجارة والملاحة وقد استغل العجم تلك المنافسة الاقتصادية فأثاروا بينهم الفتنة.
ونزل العتوب قرب (سلوى) في اخر البحر وكانت ميناء الى يبرين وفيها مياه واثار زراعة ونخيل، وهناك اثر لمكان يطلق عليه (قرين بن وائل) وهو مربط حصان بن وايل (من بني وايل) قرب (سلوى) وان حطمه البدو في السنوات الأخيرة يحتمل ان العتوب وهم من بني وائل نزلوا من الاحساء عن هذا الطريق خاصة وان وادي الهدار ينعطف نحو الاحساء ثم الى قطر ومنها الى البحرين وذلك قبل ذهابهم للكويت.
هكذا ثبت لدينا ان العتوب تمكنوا من فتح البحرين في سنة 1112هـ وسنة 1113هـ (1700-1701م) ولم يستقروا فيها فمن المحتمل جدا ما ذكر من انهم نزلوا (قطر) قبل ذهابهم الى الكويت سنة 1082هـ (1671م) ويؤكد ذلك احتمال مساعدتهم لال عريعر في احتلال القطيف وما اعطوهم من نخيل لازالت قائمة يتوارثها الخلف عن السلف منذ سنة 1082هـ (1671م).
واذا قيل (وفي غياب المصادر العربية المعاصرة التي يمكن الأطمئنان اليها يمكن للباحث اعتبار عام 1716م (1128هـ) هو أقرب التواريخ تحديدا لنزول جماعات العتوب منطقة الكويت)، نقول ان المصادر العربية المخطوطة والمطبوعة التي ذكرناها والوثائق المحفوظة التي اهتدينا اليها تشير مؤكدة ان العتوب وحلفاءهم من القبائل العربية الأخرى كانوا في الخليج قبل هذا التاريخ وتجمع هاتيك المصادر على تواجدهم في البحرين في سنة 1112هـ وسنة 1113هـ الموافق 1700 – 1701م ونستنتج ان هجرتهم كانت في ايام حكم براك بن عريعر في الاحساء و القطيف وذلك في الفترة ما بين 1080م – 1091م الموافق (1669-1780م) كما تناقل الخلف عن السلف وبذا نضع اليوم هذه الحقيقة التاريخية التي ليس فيها احتمال او شك او تردد ما دامت الوثائق محفوظة ومرفقة بالبحث.
ظروف الهجرة:
ولابد للباحث لكي يصل الى الحقيقة التاريخية ان يستعرض الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في تلك الفترة التاريخية التي مرت بها الجزيرة العربية وما حولها بحيث ادت الى هجرت العتوب من قبلها الى اطرافها. ولا شك ان اسبابا تضافرت مع بعضها البعض فادت الى نزوح بعض القبائل العربية ومنهم عرب العتوب ومن معهم من نجد الى سواحل الخليج، فان خروج البرتغاليين من الخليج اتاح الفرصة امام بعض التجمعات القبلية للهجرة من مواطنها في شبه الجزيرة العربية متجهه نحو الساحل الغربي للخليج العربي خاصة اذا علمنا ان سنة الحياة القبلية قوامها الترحال وراء الرزق من خصب وزراعة وتجارة وتلك سمه من سماة الحياة القبلية في الصحراء منذ القدم وقد اندفعت بعض القبائل نحو سواحل الخليج العربي طلبا للخيرات كالؤلؤ والاسماك وما تجلبه السفن من تجارة تأتيها من البلاد القاصية والدانية واذا اضفنا ما تعرضت له قبيلة (عنزة) التي منها (العتوب من قحط شديد في أواخر القرن السابع عشر مما ادى الى قلة الخيرات بالنسبة لعدد القبائل فقد حدث قحط عظيم يسمى (صلهام) هلك فيه عدد كبير من الناس والدواب وذلك في (وادي عدوان) واستمر من سنة 1076هـ - 1078هـ (1665م – 1667م).
وهكذا فأنه نتيجة لتتالي القحط والأوبئة في أواخر القرن الحادي عشر اصبحت البلاد في ضائقة اقتصادية اقتصادية وهلك الكثير من الناس بسبب القحط ونشبت الحروب بين القبائل للتنازع على البقاء لقلة خيرات البلاد نتيجة لتعرضها للكوراث الطبيعية المتتالية وهنا ينطبق عليهم قول احد ادباء سدير في قصيدة منها:
غدا الناس اثلاثا فثلث شريدة *** يلاوى صليب البين عار وجائع
وثلث الى بطن الثرى دفن ميت *** وثلث الى الأرياف جال وناجع
كل هذه الاسباب دفعت بعض القبائل الى الهجرة صوب مناطق غنية بالخيرات كالعراق والحسا وسواحل الخليج، ونظرة فاحصة لما أورده (ابن بشر) و تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد في تلك الحقبة التاريخية يدلل على ماذهبنا اليه ومن اشهر القبائل التي نزحت من نجد الى العراق و الشام في هذه الفترة بعض البطون من قبيلة عنزة وهم "العمارات" اتجهوا نحو العراق و (الرولة) نحو الشام و (الفدعان) الى الجزيرة الفراتية و (لسبعة) باتجاه حماة. وسبب هجرتهم كان نتيجة لحرب مع بعض القبائل العربية فأجلوا عنزة من نجد وبقيت بقية من عنزة وهم ساكنو القرى ومنهم (جميلة) سكان قرى الهدار فطمع فيهم الدواسر وانتهزوا فرصة خلاف وقع بين الجميليين فناصرت الدواسر بعضهم على بعض الأخر.
ويذكر الشيخ ابراهيم بن محمد ال خليفة بيان السبب في ارتحال ال صباح واخوانهم ال خليفة من وطنهم الاصلي في قوله (اما سبب ارتحال ال صباح وال خليفة من الهدار فقد كان لسبب نزاع حصل بينهم وبين بني عم لهم من بطن (جميلة) من عنزة واخيرا تغلبوا على خصومهم واخرجوهم من البلد فلجا الخصوم الى قبيلة الدواسر في الوادي فزحفوا معهم على الهدار على ان البلد لم تخل من مناصر لهم اضافة الى مساعدة الدواسر فتم لهم الاستيلاء عليها واخرجوا منافسيهم المتغلبين من ال صباح واخوانهم ولايزال الدواسر وبقية من جميلة وائل يسكنون الهدار الى الان.
الخلاصة ان العتوب وحلفاءهم نزحوا من نجد في وقت مامن القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) على الارجح واتجهوا صوب الشمال الشرقي مع انحدار وادي الدواسر على درب تكثر فيه الابار والعيون فمن مدينة الأفلاج (ليلي) حيث كانت مساكنهم الأصليه واتجهوا نحو الاحساء ولعلهم سلكوا طريق القوافل نحوها فحطوا رحالهم عند بئر (أسيلة) ثم انتقلوا منها الى بئر (انسالة) واتجهوا بعدها نحو الشمال الشرقي محاذين شعيب (المقيمى) وقرب (الخرج) ضربوا درب (المزاليج) نحو (المبرز) من ارض الهفوف وانهم اتخذوا دربا جنوبيا اخر اوصلهم الى المبرز بعد تركهم الخرج حيث نزلوا بئر حرض فبئر وطينان ومرورا في عين الزليفية حتى وصلوا الاحساء.
وان العتوب حين جاءوا من الافلاج ومروا في يبرين ثم الخن والجيب فمباك واتجهوا صوب سلوى في قطر، هذه الطريق التي سلكها العتوب من شعب الهدار حتى الاحساء فقطر فالبحرين تمليها لظروف الطبوغرافية بالاضافة الى الظروف الاقتصادية ووجود ابار المياه والشعاب التي تؤدي بالتالي بالمهاجرين صوب ساحل الخليج من ارض الاحساء فالبحرين ذلك الساحل الغني بالزراعة كالتمور والفواكه والخضر وبالمياه العذبة من عيون وابار مع النشاط التجاري والملاحي كلها عوامل جذبت المهاجرين.
وهناك عوامل سياسية هي ظهور قوة الخوالد ويدعون (ال حميد) الذين استفادوا من ضعف العثمانيين في الاحساء فورثوا نفوذهم في العقد التاسع من القرن الحادي عشر الهجري الموافق (القرن السابع عشر الميلادي).
وكان براك بن عريعر اول من اسس حكم ال عريعر وقد فتح الاحساء ثم استولى على القطيف سنة 1082هـ (1671م) مستدلين في ذلك بقول احد شعراء القطيف:
رأيت البدو ال حميد لما *** تولوا احدثو في الخط ظلما
اتى تاريخهم لما تولوا *** كفانا الله شرهم (طغى الماء)
وفي اغلب الظن ان العتوب ساعدوا ال عريعر في استيلائهم على القطيف حيث استقبلوهم عند هجرتهم واسكنوهم بين ظهرانيهم حين كان لبنى عريعر السيطرة على سواحل الاحساء وحصلوا على نخيل لا زالت قائمة الى الان ويحتمل نزوح العتوب من نجد في هذه الفترة التاريخية، ثم ان العتوب استقروا في قرية (فريحة) قرب الزبارة في قطر وهي ميناء يقابل البحرين، وكانت قطر انئذ تحت امرة آل مسلم وهم من بني خالد ويستمدون سلطانهم من ال عريعر، وبما ان العتوب من سكان الافلاج في نجد وما الافلاج الا جمع (فلج) وهو نهر صغير فلا غروا اذا ما رايناهم يتاقلمون في بيئتهم ويحسنون استخدام السفن ويعمل بعضهم في الغوص مع اخوانهم ابناء الخليج ولما كان مسكنهم في فريحه فان ارتباطهم بالبحرين كان ارتباطا جذريا لان الاسواق والتجارة وبيع اللؤلؤ كانت في البحرين فلاغرو اذا مارايناهم يتنقلون بين البحرين وقطر لأنه لم تكن هناك وقتئذ حواجز تمنعهم كالجزازات والاقامة والجمارك بل كان التنقل ميسورا بين البلدين حتى التملك كان ميسورا دون وجود قوانين تحدده.
والان وبعد ان استعرضنا نصوص المخطوطات والوثائق وجب علينا ان نستعرض بعض النصوص التاريخية في هجرة العتوب وتواجدهم في الخليج.
النصوص التاريخية:
اشار (ديكسون) الى ان العتوب نزلوا في طريق هجرتهم من (الافلاج) الى قطر التي كانت وقتئذ تخضع لنفوذ بني خالد ومن قطر تفرقت الاسر العتوبية الى سائر موانئ الخليج لتتجمع من جديد في الكويت، ولكن الاستاذ (ديكسون) لم يحدد تاريخ هجرتهم ولا دخولهم للخليج العربي.
كما اشار مستر (واردن) وهو من موظفي بومباي الى ان اسلاف العتوب (ال خليفة و ال صباح) وصلوا الكويت في حوالي سنة 1716م الموافق 1129هـ واستقروا في قطر خمسون عاما قبل ان يجتمعوا في الكويت فيمكن ان تكون هجرتهم قد حدثت سنة 1076هـ - 1666م.
وهنا يرجح واردن زمنا تقريبيا دون ان يضع حدا واضحا يستند فيه على وثائق مخطوطة واضاف الاستاذ (المنصور) الى ان العتوب بعد هجرتهم من (الافلاج) استقروا في قطر مدة تقرب من نصف قرن في ظل قبيلة (ال مسلم) الخاضعين لنفوذ بني خالد ولم يحدد الاستاذ زمن هجرتهم تحديدا ثابتا. ويشير كيلي الى ان عرب العتوب وهم من عنزة نزحوا الى ساحل الخليج العربي في اواخر القرن السابع عشر.
بعد ان استعرضنا بعض النصوص التاريخية في المخطوطات والوثائق التي تدل على تواجد العتوب بالبحرين في مستهل القرن الثامن عشر الميلادي، والدوافع التي دفعتهم الى الهجرة من مرابعهم في نجد الى سواحل الخليج العربي وجزره نرى ان نلقي الضوء على الاحوال السياسية والاقتصادية وما نتج عنها في هذه الفترة التاريخية في البحرين خاصة والخليج العربي بصورة عامة، فقد كانت هناك ثلاث قوى تتطاحن للسيطرة على ثروات الخليج:
1.القوى الاوربية.
2.الفرس.
3.عمان
اما العثمانيون فلم يكن لهم كبير الاثر في هذه الحقبة التاريخية.
[1] . (قد زاغا) وهو عام 1113هـ وتفصيلها بحساب الجمل هو: ق = 100، د = 4، ز=7، أ=1، غ= 1000، أ=1، فيكون المجموع 1113هـ



د. علي أبا حسين
الوثيقة – العدد الاول، السنة الاولى
رمضان – 1402هـ ، 1982م

ملحق :
صورة الوثيقة الموجودة بارشيف رئاسة الوزراء العثماني في مدينة اسطنبول بدفتر المهمة رقم 111 صفحة 713 و المؤرخة في 21 رجب 1113هجـرية - 23 ديسمبر 1701 ميلادية ومشار فيها للجزء الخاص باتجاه العتوب للبصرة.
دفتر المهمة رقم 111 صحيفة طم 713
جاء في قائمة قدمها على ياشا والي البصرة الى الاعتاب العالية
ونحيط بعلمكم العالي ايضا
أن في البحرين هي إحدى بنادر العجم ،أوناس من الاعجام وعلى مذهبهم ، وللعجم اهتمام كبير بهذا المكان وتقيم عشيرتي العتوب والخليفات وهما عشيرتان تابعتان للعجم ومقرهما الأماكن القريبة من بندر دليمة ( دلمون) وهاتان العشيرتان على مذهب الشافعي ومذهب ابن حنبل برمتهما ويقيم حول بندر كونك سبع أو ثماني عشائر من الحولة (هوله) ، وهم أعراب على مذهب الأمام الشافعي .
وقد ألقيت الفتنه بين أهل البحرين وبين هؤلاء العشائر فصاروا يعادون بعضهم البعض وقد تقابلوا وقتتلوا مرارا على وجه البحر . وقتل البعض منهم بخدعة وتعطلت ميناء البصرة فلم يعد يقدمها التجار ولا المراكب من الخوف منهم .
وغالب ما يعمل بين البنادر هنا في البحرين مراكبهم . فإذا ما لقي أحدهم مركبا لأخر راسيا في البحر أخذه .
وقد أغارت أحد المرات في البحرين عشيرة الحولة (الهوله) ، على عشيرة العتوب وهي حليفة لعشيرة الخليفات (الخليفة) وأخذوهم على حين غفلة فقتلوا منهم مقدار 400 نفسا ونهبوا أموالهم ولاذ من نجى من الباقين بالفرار فالتجؤا الى الخليفات (الخليفة) وتم الاتفاق بين العتوب والخليفات على ان هذه هي من فتنة العجم من أهل البحرين فقالوا هيا نسير إلى البحرين فنقتل رجالهم ونخرب ديارهم .
وهكذا غاروا على البحرين وحرقوا البيوت الكائنة خارج القلعة ونهبوا اموالهم وقتلوا رجالهم ثم عادوا الى اماكنهم .
واتفق العتوب والخليفات بعدها على ان لا يقر لهم في ديار العجم قرار وقالوا هيا بنا نسير الى البصرة فندخل اراضي الدوله العثمانية ونحتمي بحماها .وهكذا وردوا البصرة وهم لا يزالون فيها ويبلغ عددهم مقدار الفي بيت . وقد جاء عبدكم قاصدهم يقول " نحن باجمعنا مسلمين وقد تركنا ديار الفزيل باش( كناية عن العجم للباسهم الأحمر على الرأس ) وفتناهم وجئنا ملك سلطان المسلمين دخيلين . والامر لكم . هذه هو رجائهم . ولم نعين لهم بعد مكانا للإقامة . فسيبقون مدة على هذا الحال فإذا ما قر قرارهم على أن يتقرون في البصرة إما أن نعين لهم مكان يستقرون فيه . ولهم من المراكب مقدار 150 مركبا. ولكل مركب مدفعين أو ثلاثة مدافع وما بين الثلاثين أو أربعين حامل بندقية . وشغلهم نقل التجار من مكان إلى أخر .
وقد انفذنا الى عشيرة الحولة ( الهوله) قاصدا ندعوهم لنصلح بينهم وبين الخليفات (الخليفة) والعتوب فان ورود وقفول التجار من البصرة يتوقف على هذا الصلح . فإذا تم الصلح فسيتم أمن جانب البحر شرهم . فإذا امكن الاصلاح بينهم يظهر لدي أمر بقاء الخليفات والعتوب في البصرة فهو الأن غير معلوم .

منقول اضغط .

خليل ساحلي أوغلي
21رجب 1113هـ