عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 09-02-2008, 02:44 AM
فاعل خير فاعل خير غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
الدولة: كويت - بلاد العرب
المشاركات: 268
افتراضي

وقد بعث الشيخ مبارك الصباح برسالة مؤرخة في 29 يونيو 1900 إلى المقيم السياسي البريطاني في بوشهر يبلغه فيها 'أنه بناء على رغبتكم فقد منعنا الأسلحة وزيادة على ذلك فقد عينا محسوبكم حجي علي بن غلوم رضا ومعه أربعة أشخاص للكشف على كل سفينة ترد إلى الكويت من مسقط أو البحرين أو غيرهما من البلدان والقصد من ذلك هو التقيد بهذا الأمر، علما بأن رعيتنا ممتثلين له ولا يقدمون على فعل يخالف ما اتفقنا عليه' (الوثيقة رقم 8).
وقد أكد الوكيل الإخباري علي بن غلوم تنفيذ الشيخ مبارك لهذا القرار فذكر في رسالته المؤرخة في 14 يوليو 1900 أن جميع السفن الكويتية القادمة من مسقط يتم تفتيشها بمعرفة أربعة من رجال الشيخ مبارك بالإضافة إلى علي بن غلوم، وذكر الأخير أنهم 'يذهبون إلى السفينة القادمة إلى الكويت سواء كان الوقت ليلا أو نهارا ويفحصون حمولتها فإذا وجدوا شيئا من الأسلحة يأخذونها إلى بيت المال، حيث إن المقيم السياسي صرح للشيخ مبارك بذلك، والشيخ مجتهد في تفتيش السفن وأنا أساعده في ذلك'.
وذكر أيضا أن بعض ربابنة السفن من أهل الكويت جاؤوا إلى الشيخ مبارك يلتمسون منه أن يسمح لهم إذا حصلوا على حمولة من مسقط إلى الباطنة أو صحار. فقال لهم 'إنه لا مانع بشرط أن يكتب لكم السيد برغش 'سلطان عمان' ورقة يرخص لكم فيها بذلك، وأن تقوموا بذلك علانية لا سرا، وبغير هذا الشرط سوف تتعرضون للعقاب إذا ما خالفتم أمري'. والجدير بالذكر أن مسقط كانت أحد مراكز تسويق الأسلحة المهمة في المنطقة.
وقد تبدو الإجراءات التي اتخذها الشيخ مبارك الصباح نحو وقف تجارة السلاح مخيبة لآمال تجار الكويت لما تدره هذه التجارة من أرباح كبيرة، لكن الواقع يخالف ذلك، فقد استمرت تلك التجارة، وبمعرفة الشيخ مبارك نفسه الذي استغل هذا الاتفاق، فأصبح يتحكم في كمية السلاح التي تصل إلى داخل الجزيرة العربية، وكذلك في منع السلاح من الوصول إلى أعدائه. ومثال ذلك ما جاء في الرسالة التي بعث بها الشيخ مبارك إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج في 9 من جمادى الأولى 1321ه (3 من أغسطس 1903) يذكر فيها أنه تم القبض على أحد السعاة المغادرين لمدينة البصرة إلى حائل، وقد وجد بحوزته مجموعة رسائل إلى عبدالعزيز آل رشيد تفيد أنه قد طلب من عبدالله المحمد البسام شراء أسلحة له من مسقط، حيث طلب منه شراء ثمانمائة بندقية ماركة مارتين، وأنهم الآن يفكرون في طريقة إخراج الأسلحة المذكورة من مسقط (وثيقة رقم 9).
وفيما عدا الخبر الذي أشرنا إليه قبل قليل عن دور علي بن غلوم في تفتيش السفن، لا نجد خبرا آخر له عن موضوع الأسلحة إلا في عام 1904 أي بعد نحو أربعة أعوام. فقد ذكر الوكيل الإخباري في رسالته المؤرخة في 6 من شهر مايو 1904 أنه في 13أبريل 1904 وصل إلى الكويت الحاج علي ذهبة ومعه شخص فرنسي يدعى 'كوكي' الذي أهدى الشيخ مبارك بندقية من نوع الشوزن، وقد عين لهما الأخير بيتا خاصا ليسكنا فيه. بينما توجه 'كوكي' إلى مسقط بعد أن عقد مع الشيخ صفقة أسلحة، بقي الحاج علي ذهبة في الكويت.
وفي 13 من شهر صفر 1322ه (29 أبريل 1904) وصلت الأسلحة بكاملها وهي 2000 بندقية محمولة في ثلاث سفن كل سفينة كانت تحمل 750 بندقية وبقية البنادق تم توزيعها في سفن أخرى تم تفريغها في الكويت.
ويقول الوكيل الإخباري إنه قد سأل أحد البحارة سرا عن كيفية شحن كل هذه الكمية من الأسلحة من مسقط وعدم خشيتهم من عواقب ذلك، فأجاب النوخذة أن 'كوكي' استدعانا إلى بيته وسألنا لماذا لا توافقون على شحن أسلحتي إلى الكويت قلنا نخاف من المندوب البريطاني والمندوب البلجيكي، ومن الممكن أن يعترضا طريقنا وتكون أرواحنا وأموالنا في خطر.
فأجابهم 'كوكي' بأنه لا خوف عليكم مطلقا، فسوف أعطي النوخذة ورقة يحملها معه، ومتى ما واجه المندوب البريطاني أو البلجيكي في الطريق يمكن إبراز الورقة وسوف يمتنع عن تفتيشكم تماما، وإذا اعترض وحصل لكم ما تكرهونه فإنني أتعهد وألتزم بتعويضكم وإطلاق سراحكم وأدفع لكم ثمن السفن نقدا في مسقط، وإن جميع سفنكم في ذمتي وبعهدتي، فهل من شيء تخافون منه بعد ذلك؟
وهكذا أزال الخوف من نفوسنا وقمنا بشحن الأسلحة وحملنا الأوراق التي زودنا بها 'كوكي'، وحينما علم نواخذة بقية سفن الكويت بذلك والضمان الذي قدمه 'كوكي' اشتروا الأسلحة وشحنوها إلى الكويت.
ويضيف الوكيل الإخباري أن الحاج علي ذهبة أقام في المنزل الذي خصصه الشيخ مبارك في 17 صفر (3 مايو 1904) وبدأ بالتعامل بصفقات الأسلحة، وكان قد جلب ثلاثة أنواع من الأسلحة للبيع (200 مسدس و200 بندقية شوزن بأنبوبتين و350 بندقية مارتين والمجموع 750).
و'كوكي' المذكور في هذه الرسالة هو مستشرق وتاجر سلاح فرنسي مشهور (Antonin Goguyer) تعلم العربية في وقت كان الاستشراق الفرنسي في ذروة نشاطه، ثم بدأ حياته العملية مترجما في المحاكم التونسية، وكان يكتب في الصحف العربية التي تصدر في تونس، التي كانت تتعارض مع السياسة الفرنسية الاستعمارية هناك، فاضطرت السلطات الفرنسية إلى إبعاده، ونشط بعد ذلك في الصومال وإثيوبيا، وكان يمد المواطنين بالسلاح ضد البريطانيين مما أدى إلى إلقاء القبض عليه وسجنه ثم إبعاده عن البلاد. وقد انتقل نشاطه بعد ذلك إلى البحرين التي جاء إليها بصفته وكيلا لشركة مجوهرات فرنسية. وكان ذلك غطاء لمهمتين أساسيتين الأولى تجارة السلاح والأخرى عمله مراسلا للسلطات الفرنسية وعميلا لها. وربما كانت تجارة السلاح أيضا جزءا من المهمة الثانية.
ومن خلال تجارة السلاح ارتبط 'كوكي' بصلة وثيقة مع الشيخ مبارك الصباح الذي كان يعتبرهذه التجارة مصدرا من مصادر نفوذه في داخل الجزيرة العربية، فضلا عما تدره من أرباح لخزينة الكويت. وتشير المصادر إلى أن 'كوكي' قد انتقل بعد البحرين إلى مسقط، وأصبح من أنشط تجار السلاح الفرنسيين حيث كان يجري نقله في سفن تحمل العلم الفرنسي مما جعل تجارته في مأمن من الخضوع لتفتيش السفن البريطانية، وحظي 'كوكي' بنفوذ كبير لدى سلطان مسقط من جهة والعديد من الوزراء الفرنسيين من جهة أخرى. وقد تمكن 'كوكي' من تكوين ثروة قدرت بأربعين ألف جنيه استرليني، ولدى وفاته عثر في مستودعه على 100 ألف قطعة سلاح من مختلف الأشكال وما لا يقل عن 10 ملايين قطعة من الذخائر اللازمة لاستعمال تلك الأسلحة(1).
أما عن العلاقة التي ربطت بين 'كوكي' والشيخ مبارك، فتقدمها الوثائق الفرنسية بصورة مختلفة عما ذكره الوكيل الأخباري، فقد ذكرت أن 'كوكي' قد جاء إلى الكويت عام 1904 متنكرا في هيئة رجل عربي، وأطلق على نفسه اسم 'عبدالله المغربي'، وقد استضافه الشيخ مبارك - الذي لم تكن تخفى عليه حقيقته - في قصره حيث مكث نحو ثلاثة أشهر غادر بعدها إلى مسقط. وقد حاول الاثنان أن تكون هذه الإقامة الطويلة بعيدا عن أنظار الإنكليز الذين كان 'كوكي' من أشد المناهضين لهم، وعمله في تجارة السلاح كان ضد رغبتهم وسياستهم في منطقة الخليج العربي. واستطاع الشيخ مبارك أن يستفيد من 'كوكي' في معرفة توجهات القوى الكبرى التي كانت تتصارع على تثبيت أقدامها في منطقة الخليج العربي، وقد استطاع مبارك بسلوكه السياسي أن يوظف هذه المعلومات توظيفا جيدا لمصلحة الكويت. وخلال تلك الإقامة كذلك تم الاتفاق بين مبارك وكوكي - سرا - على ترتيبات شحن الأسلحة إلى الكويت بسفن محلية.
وقد ظلت علاقة الشيخ مبارك الصباح بكوكي مستمرة تعكسها المقالات المتعددة التي كتبها كوكي، والتي وصف فيها الشيخ مبارك بأنه 'رجل يقر بالجميل، وأنه واسع الاطلاع، ولا يدفع للبريطانيين أكثر مما هو ضروري للخدمات التي يؤدونها، كما أن رغبته في المحافظة على الاستقلال كانت وراء استعداده الدائم للوقوف أمام المؤامرات الغادرة التي تحيط به..'
ولعل من أبرز ما تكشف عنه تلك العلاقة الوطيدة التي ربطت بين الشيخ مبارك وهذه الشخصية الفرنسية المهمة تلك الرسالة التي بعث بها كوكي إلى الشيخ مبارك للموافقة على إجراء مساع حميدة بتوسيط روسيا وفرنسا للتصالح بينه وبين الباب العالي في تركيا بعد أن تأزمت العلاقة بينهما نتيجة إعلان الحماية البريطانية(1).
هوامش
(1) كتب هذا الاسم في المصادر الحديثة بأكثر من رسم مثل 'غوغيه' و'غوغي' و'غوغييه' و'جوجيه' وقد أثبتنا الرسم الذي اعتمده هو لنفسه فقد كان يوقع رسائله العربية على هذا النحو.
انظر كتاب 'بحوث مختارة من تاريخ الكويت' إصدار مركز البحوث والدراسات الكويتية، الكويت 2005م، ص68.
(2) Saldanah: p.21.
(1) انظر تفصيل ذلك في أثناء الحديث عن علاقة الشيخ مبارك بالدولة العثمانية.
(1) الخصوصي، بدر الدين: دراسات في تاريخ الخليج العربي، الكويت ،1988 ص147
رد مع اقتباس