عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 30-03-2012, 01:46 PM
ندى الرفاعي ندى الرفاعي غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 693
افتراضي

الشيخ عبد الله النوري ... أنموذج مفتقد


إلى الشباب الكويتي أرجو أن تقرأوا برويّة تاريخ والدكم الشيخ عبدالله النوري الذي رفع اسم بلده عالياً وخدم أمته ونصر دينه فانشروا هذا الفكر الوسطي القدوة
إنني أتوجه بهذه الشخصية الفذة إلى جميع التيارات الدينية والمصلحين ولكل المحافظين «رجل دين يفتي ويرشد ويعلم الناس دينهم ويقود الإذاعة وله برنامج تلفزيوني» أليس هذا لافتاً للنظر
أتمنى أن ينعقد له مؤتمر وطني جامع يناقش فكر هذا الشيخ الذي سبق عصره تشارك فيه «الأوقاف» و«التربية» و«الشؤون» و«الإعلام» وجمعيات النفع العام والخيرية


قليلون تركوا بصماتهم في حياتنا بعمق لا يُمحى فأثروا كل ميدان عملوا فيه وأعطوا بإخلاص وهدوء نابعين عن قدرة وطاقة لا تعرف معنى السدود والحدود، من هؤلاء الذين يمثلون الندرة في كل مجتمع الأستاذ الشيخ عبدالله النوري، الذي عرفته في سلك التعليم والقضاء والمحاماة وعرفته فيما بين واجباته الوظيفية حريصا على الورق والقلم حرصه على لقاء أصحاب الفكر والرأي والأدب سواء من خلال اللقاء والحوار المباشر أو من خلال ما تنشره المطابع، ورغم اني كنت أحد تلامذته المـقربين في المدرسة الأحمدية فإنني لا أنسى الفترة التي اعتكف فيها بمنزله لخلاف مع إدارة المعارف، كان يعقد فيها أمسيات أدبية يحضرها نخبة من أدباء الكويت بينهم أخي الكبير الشاعر محمد ملا حسين الذي كان يأخذني معه فيجلسني الأستاذ الى جانبه على فروة دافئة استمع مبهورا الى نقاش وحوار لا أفهم منه إلا أقل القليل ولكنه لاشك قد أسهم في تكوين ميلي للأدب وحبي للغة العربية حيث تخصصت بعد ذلك بسنين طويلة.
كان انطباعي الدائم عن الأستاذ عبدالله النوري انه شخص لا يعرف شيئا اسمه القرائح، كان العلم المنتج البناء ديدنه فإذا شرع في أمر أعطاه كل اهتمامه وكانت الإجادة هدفه حتى انه ليذكرني دائما بالحديث النبوي الشريف «إن الله يحب إذا عمل احدكم عملا أن يتقنه» ولعل ذلك برز عندما كان يعمل مدرسا، فقد كان يؤمن بأن التعليم أساس كل نهضة وكانت صلته بتلاميذه صلة المودة والمحبة ما جعل هذه الصلة تمتد على طول السنين سواء في نطاق المدرسة أو بعد فراق مقاعد الدراسة وما كان التعليم التقليدي هو الذي يعنيه ولكن اكتساب المعرفة والثقافة بكل ما تعنيه من التكوين الفكري لمواطن يسهم في بناء مجتمعه.

كانت هذه المقدمة هي التي كتبها الراحل عبدالعزيز حسين المستشار بالديوان الأميري كمقدمة لكتاب الشيخ عبدالله النوري – طيّب الله ثراه – ويضم حياته ومؤلفاته والمهن التي مارسها بدءا بالتدريس والإمامة والخطابة والدعوة والمحاماة والكتابة والتأليف والشعر والعمل في المحاكم والإفتاء والإذاعة.

استراحتي مع شخصية محبوبة عند أهل الكويت وعلى بركة الله نبدأ:

المولد والنشأة

ولد شيخنا عبدالله النوري – رحمه الله – في الثالث عشـر من شهر ربيع الأول سنة 1323هـ المـوافق ليوم الثلاثاء 17/5/1905م في مدينة الزبير وكان بكر والده وترجع جذوره الى قبيلة شمر القحطانية.

بدأ والده بتعليمه حروف الهــــجاء وهـــــو في سن الرابعة ثم أتبعه بتعليمه القرآن الكريم فختمه وهو في الثامنة ثم التحق بالمدارس التركية حتى عام 1941 وعندما احتل الانجليز البصرة دخل المدارس الأهلية حتى أكمل الابتدائية لمدة 4 سنوات ورشح في العام 1939 للهجرة – 1920 للالتحاق بدار المعلمين في بغداد حيث أكمل السنة الأولى ورافق والده الى الكويت، حيث عمل والده مدرسا للدين والنحو بناء على طلب من الشيخ عبدالله الخلف – رحمه الله.

ثقافته

ومــــن يــــقرأ تـــاريخ الرمز الشيخ عبدالله النوري يعجب بحرصه على تثقيف نفسه وقد انعكس هذا على شخصيته المتسامحة وعلمه الغزير وثقافته الواسعة وعمله الصالح مما جعله يتبوأ أعلى المناصب ولعل تعلقه الشديد بالقراءة وولعه بالمطالعة منذ الصغر أوصله الى تثقيف نفسه اضافة الى حضوره مجلس العلم والأدب، يقول في صغره وهو يتغزّل من فرط حبه للكتب:

بدا لي وجهها كالشمس

من خلف غيمات

فما أحلى لقاها لو

امنا من رقابات

لها جيد له حسن

يفوق الحسن مرات

فليلاي الذي أعني

كتاب ذو افادات

كلمات بسيطة ذات معان جزلة توضح حبه للكتب ولعل هذا ما جعله يهتم بإصدار الكتب وله الكثير من المؤلفات.

وهو كثيرا ما يستشهد بالكتب التي تأثر بها في بداية حياته منها: تفسير القرآن الحكيم للشيخ محمد عبده، ومشكاة المصابيح للخطيب العمري، وألباب التأويل للعلامة الخازن وتفسير المرفي ومفتاح الخطبة والوعظ لمحمد أحمد العدوي اضافة الى الكتب الثقافية والأدبية والقانونية وما له علاقة بالتعليم وكذلك ما وفره له والده من كتب ومراجع مثل كتاب رياض الصالحين وشرح قطر الندى ودليل الطالب في فقه الإمام أحمد.

المربي

كــــان شيخنا عبدالله النوري – رحمه الله – مــــربيا ومدرسا ومعلما، بدأ عمله في مدرسة محمد العجيري في حي القبلة عام 1341هـ الموافق 1923 للميلاد وكان عمره 18 عاما، وقد تضافرت عوامل عدة في دفعه الى التوجه نحو التدريس منها نشأته وتربيته ولكون والده – طيّب الله ثراه – مدرسا.

وعين أيضا مدرسا في المدرسة الأحمدية ثم في عام 1942 مدرسا متطوعا في المعهد الديني لمدة 3 سنوات بين عامي 1942 – 1945م.

باختصار أمضى الشيخ عبدالله النوري – رحمه الله – في التدريس بالمدارس الحكومية 12 عاما وعمل أيضا عملا إضافيا في التدريس وإمامة المسجد 8 سنوات في مسجد اليعقوب (الخالد) من رمضان 1345هـ إلى 1353هـ.

ولله الحمد ان الحكومة لم تقصر وأطلقت اسمه على إحدى مدارس البنين بوزارة التربية تقديرا وتكريما لجهوده الحميدة في ميدان التدريس والتعليم وتخليدا لأعماله الجليلة وأيضا هناك جمعية عبدالله النوري وهي جمعية خيرية مباركة لها الكثير من الإنجازات.

إمام وخطيب

كان – رحمه الله – خطيبا بليغا وفصيحا ومحدثا سلسلا مؤثرا سمحا يجيد الخطابة ما جعل أكثر الناس تحضر خطبه، وضمّن كتابه (أحاديث) نظرته للإمامة خاصة خطبة الجمعة، لأنه من الأئمة الذين جددوا في الخطبة لأنه رأى ان التقليد في الخطبة جمود، لأن أكثر الأئمة ينقلونها من المؤلفات القديمة المعتمدة.

كان – رحمه الله – يختار موضوع خطبته من الكتب والأحاديث وكان يحدث الجميع مبسطا العلم الشرعي للكبير والصغير وكان يرتجل الخطبة ولعل مهنة التدريس ساعدته كثيرا في أن يكون إماما وخطيبا لأنه ختم القرآن في وقت مبكر ولعل المصادفة كانت في عام 1340هـ الموافق 1927م عندما شعر والده بإعياء وهو يؤم المصلين في صلاة التراويح فاعتذر واستخلف ابنه عبدالله لإكمال الصلاة.

عمل الشيخ عبدالله النوري إماما لمسجد الخالد منذ سنة 1346 – 1352هـ وعمل إماما لمسجد دسمان في عهد المرحوم الشيخ أحمد الجابر، ومسجد بن بحر سنة 1378 وأخيرا مسجد العثمان في القادسية حتى وفاته.

فقيه عالم

حرص الشيخ عبدالله النوري على دراسته الفقهية على يد مشايخ عصره يأخذ من بحر علومهم ولم يكتف بملازمته العلماء والتعلم بل نهل من معين الكتب حيث قرأ وفهم أمهات الكتب في التفسير والوعظ والخطابة والفتاوى، هذا ما جعله علما في وقته في المجال الخطابي ومن شدة تعلقه بالقراءة وجد بعد وفاته في مكتبته 7 آلاف كتاب وهذا ساعده في إعداد مواد للبرامج الدينية في الإذاعة والتلفزيون وإلقاء الخطب والفتاوى عبر الهاتف والمجالس وكان بحق داعية للإسلام بماله وبمقاله ويكفي أن نعرف انه خبير بعادات الأسر الكويتية، نعم كان فقيها وعالما وداعية ومرشدا علّم النشء الوسطية الحقة في المساجد ودور العبادة بالكلمة والخطبة وتجاوزت شعبيته حدود الكويت وكان ردحا من الزمن رئيسا للجنة الإفتاء ومرشدا عاما للخطباء والأئمة وكانت دروسه تتحول الى مؤلفات وتنشر في داخل وخارج الكويت وهو انموذج يصلح لهذا الزمان لأنه كان منفتحا سابقا لعصره.

كاتب ومؤلف

برع شيخنا عبدالله النوري في تأليف مجموعة من الكتب والمــــؤلفات وهي نتيجة عمله بالخطابة والكتــابة والإعداد الإذاعي والتلفزيوني والمؤتمرات فبدأ بمؤلفات الفتوى الشرعية وهي المجموعة التي أطلق عليها سلسلة سألوني وتضم خمسة كتب وتقع فيما يزيد على ألفين وستمائة صفحة وهي عبارة عن أسئلة الناس من داخل الكويت أو خارجها وأجابه الشيخ عبدالله النوري عليها ومنها أيضا سألوني في العبادات وسألوني في المرأة ومن مؤلفاته أحاديث الرشد والمحمديات والمعجزة الخالدة وكلها دروس وعبر دينية ثم كتب حكايات من الكويت وخالدون في تاريخ الكويت وقصة التعليم في الكويت والأمثال الدارجة بالكويت وهو من جزأين وله أيضا إصدارات في التاريخ الشعبي للكويت والعروة الوثقى والبهائية سراب وله كتاب مذكرات عن حياة المرحوم الشيخ أحمد الجابر ويعرض فيه ما قام به الشيخ أحمد الجابر من أعمال في حقبة حكمه المجيد من تاريخ الكويت، والكتب تعكس شخصية شيخنا الإمام عبدالله النوري المجدد في عصره.

شاعر

الكويت بلد الشعراء والشيخ عبدالله النوري – رحمه الله – بدأ بكتابة الشعر صغيرا يافعا، حيث انه ألقى أول قصيدة له في تأبين المغفور له الشيخ علي السالم الصباح الذي وقع شهيدا في معركة الرقعي في شهر فبراير 1928م وكان عمر شيخنا 22 عاما وفي ذلك الوقت، دخلت الكويت عصر نهضة الأدب العربي فكان لنا شعراء أفذاذ من أمثال السـيد عبـدالله الرفاعي والمرحوم أحمد خالد المشاري والمرحوم عبدالعزيز الرشيد البداح وسبقهم شاعرنا الكبير فهد بورسلي وصقر الشبيب.

لم يتخـذ شيخــنا عبداللـه الــنوري الشعر مهنة ولا وسيلة كسب بل عرض شاعريته على مواطنين وأجاد وشمل شعره كل أنواع الشعر الوطني والاجتماعي والديني ومع ذلك فهو لم يترك إلا ديوانا مطبوعا واحدا هو «من الكويت» وقد طبع مرتين بالكويت 1962م والثانية في القاهرة 1965م ويعزى انصرافه عن طبع شعره انه مع تقدم عمره اهتم بتبـسيط ونشـر الفقه الإسلامي لعامة المسلمين. ومن يقرأ أشعاره – رحمه الله – يدرك عظمة ملكته الشعرية.

أشعاره

من الطريف في أشعاره انها تعكس وجهة نظره في هذا الفن وتكشف مدى تعلقه بالشعر ومن أبيات قصيدته:

ما الشعر إلا كلمة

أدت مع الإيجاز معنى

ترتاح عند سماعها

أذن الخلي مع المعنى

صدرت ومصدرها الضمير

وأحكمت معنى ومبنى

يقول شيخنا عبدالله النوري في رثاء والده سنة 1927م شعرا يفيض حنينا وشجنا ومنه هذا البيت:

فيا أبوي اني في شجون

يمزق مهجتي حرقا اذاها

ولما توفي معلمه الشيخ عبدالله الخلف وحزن عليه حزن حزنا شديدا قال:

دعيني اسطر في المراثي القوافيا

على من فقدنا اليوم فيه المعاليا
__________________

*****
๑۩۞۩๑

{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين}
هود114
๑۩۞۩๑

*****
رد مع اقتباس