[جون الكويت]

وأيُّ فقيد…


د.يعقوب يوسف الغنيم
2013/11/16
فقدت الكويت يوم أمس رجلاً من رجالها كان وفياً لها ولأهلها، وكان مربياً جديراً بالاحترام والتوقير، وكان فناناً بارعاً، حرص على أن يصور كافة ما يراه في البيئة الكويتية فرسم كل شيء في الكويت قديمها وحديثها، وحفظ لنا ما لم نستطع الحصول عليه من صور الماضي الجميل، وكانت المعارض التي يقدم فيها إنتاجه مجالاً للتنافس على اقتناء لوحاته المبهرة، إذ كان هواة جمع صور التراث يتزاحمون يوم افتتاحها حتى لا تفوتهم الفرصة فلا يستطيعون اقتناء لوحة أو أكثر من تلك اللوحات الفاخرة.

أنا- شخصياً- فقدت زميلاً في العمل، وصديقاً في الحياة، أتتبع أخباره وأسعى إلى مشاهدة إنتاجه، ولقد استفدت من هذا الإنتاج الغزير كثيراً لتغطية حاجة بعض مقالات «الأزمنة والأمكنة» إلى الصور، فكان إنتاجه الفني نبعاً لا يجف، ومورداً عذباً يعطيني عند الحاجة ما أريد مما يحيي الذكريات، ويقرب كل بعيد، ولقد كتبت عنه أكثر من مقال، تناولت في أحدها ذكرياته الشخصية، وعلاقاته الطيبة بزملائه، فلقد كان وثيق الصلة بأولئك الذين عمل معهم في سلك التدريس، فزاملهم فترة شبابه، ثم استمر في علاقته الطيبة الكريمة معهم بعد ذلك إلى أن فرق الدهر بينه وبينهم.

عرفته منذ سنة 1965م، فوجدت فيه الإخلاص للعمل وحب التعليم والوفاء للزملاء، والصدق مع نفسه، ولقد قال لي يوما: «أنا لا أرسم لوحة لم أكن قد شاهدتها على الطبيعة» بمعنى أنه لا يرسم من خياله، بل من مشاهداته، ولذا فقد كانت لوحاته تستفز المشاهد، وتملؤه بالإعجاب الشديد لما يرى فيها من الوضوح، وذلك لأنها تكون نابضة بالحياة وكأنها الحقيقة الساطعة.
ولأنه فنان كبير، ولانه سجل لنا سجلا من الرسوم الصادقة عن حياة الامس. ولانه صديق عزيز على كثيرين من ابناء الكويت ومنهم كاتب هذا الرثاء، ولانه مخلص وامين، ومحب لوطنه، ولانه تربوي قدير تولّى التدريس والنظارة زمنا، ثم تفرغ لفنه، فإنه موضع تقديرنا جميعا.

وأشهد انه لم يكن يهتم بالمادة بقدر ما يهتم بالعمل، وانه كان يرسم ويصنع المجسمات ويقول الشعر فهو فنان شامل اينما التفتنا لقينا فنه وقدراته الابداعية.

ولقد أحسن مركز البحوث والدراسات الكويتية صنعا حين جمع آثار هذا الرجل فطبع له مجموعة لوحاته كاملة بحيث يستطيع كل كويتي ان يقتنيها ويجعلها في بيته فيطلع عليها، ويُطلعَ اسرته وأولاده، وكل لوحات هذه المجموعة بالألوان مع بيان عن كل لوحة. وطبعت له – ايضا- مجموعة من الصور التي جمعها خلال حياته تحت اسم: «ألبوم أيوب حسين». كما طبع له كتاب ألعابنا الشعبية.

وفيما اعلم فإن الاستاذ ايوب حسين رحمه الله قد وعد رئيس المركز المذكور الاخ الاستاذ الدكتور عبدالله يوسف الغنيم بنقل كل المجسمات، وباقي اوراقه الى المركز وذلك لانه وثق من العمل الذي قاموا به تجاهه وتجاه انتاجه الفني ونحن نأمل ان يتحقق ذلك بعد وفاته حتى نرى كافة ما قدمه خلال حياته الخصبة في مكان واحد.

وبعد، فإننا مهما تحدثنا عن هذا الفنان الصادق المحب لوطنه فلن نستطيع ان نوفيه حقه لان عمله كبير وانتاجه غزير. وكلنا نعيش اليوم في أسى شديد لفقده. نعم.. أيّ فقيد فقدنا بوفاة الاستاذ الفنان أيوب حسين رحمه الله وأجزل مثوبته، وألهمنا الصبر على فقده.

د.يعقوب يوسف الغنيم