عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-07-2011, 11:23 AM
الصورة الرمزية bo3azeez
bo3azeez bo3azeez غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: ديرة بو سالم
المشاركات: 461
افتراضي

مجمل العلاقات الكويتية العراقية:
يمكن القول ان مشكلة ترسيم الحدود هي التي كانت تحكم العلاقات بين الكويت والعراق، وان تلكؤ العراق في اقرار هذه الحدود، هو السبب الرئيسي في التوتر الذي كان يشوب، من وقت إلى آخر العلاقات بين البلدين.. ولعل التصريحات التالية من قبل المسؤولين العراقيين توضح نظرة العراق الى مشكلة الحدود:
تصريح للسيد/ مرتضي سعيد عبدالباقي، وزير خارجية العراق في 1973م بان: كل الكويت أرض متنازع عليها، هناك وثيقة تقول ان الكويت أرض عراقية، ولكن لا توجد هناك اي وثيقة تقول انها ليست ارضا عراقية.. نحن لا نأخذهما (جزيرتي وربة وبوبيان) من الكويت، ولكننا نتخلى عن الكويت من اجل الجزيرتين.
(راجع د. عبدالرضا علي اسيري، الكويت في السياسة الدولية المعاصرة، ص 140).

2- ما ورد في مذكرة طارق عزيز نائب رئيس الوزارء ووزير خارجية العراق الى الامين العام لجامعة الدول العربية، بتاريخ 15/7/1990م الوطن العربي برغم انقسامه الى دول هو وطن واحد، وان اي شبر من هذا الوطن هنا او هناك، في ارض هذا القطر او ذاك يجب ان ينظر اليه اولا في ضوء الاعتبارات القومية، وخاصة اعتبارات الامن القومي العربي المشترك، كما ينبغي تجنب الوقوع في مهاوي النظرة الضيفة والانانية في التعامل مع المصالح والحقوق لهذا القطر أو ذلك إن مصالح الأمة العربية العليا والحسابات الاستراتيجية العليا للأمن القومي العربي يجب ان تكون حاضرة دائما كما يجب ان تكون المعيار الأول في التعامل في كل هذه المسائل بين الاقطار العربية.
3- ما جاء في مذكرة 21/7/1990م الموجهة من العراق إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية من أن وضع الحدود في الواقع وضع بلدين متجاورين تجمعهما اواصر القربي الوثيقة لم يتوصلا حتى الآن إلى أي اتفاق حول تحديد حدودهما في البر والبحر.
والمشكلة بين البلدين لم تكن في تحديد الحدود، ولكن في ترسيم الحدود، اي في وضع الخط الحدودي على ارض الواقع، برا وبحرا.

1- تحديد الحدود:
في سنة 1931م تم التوقيع في لندن على اتفاقية بين كل من بريطانيا (الدولة الحامية للكويت آنذاك) والدولة العثمانية (حيث كان العراق تحت الحكم العثماني)، وقد حددت المادة السابعة من هذه الاتفاقية خط الحدود بين الكويت والبصرة، ولم تدخل هذه المعاهدة حيز التنفيذ بسبب قيام الحرب العالمية الأولى.
< في اواخر نوفمبر سنة 1922م وجه السير بيرسي كوكس المندوب السامي البريطاني في العراق الدعوة الى العراق والكويت ونجد لعقد مؤتمر في العقير، ومثل الكويت في هذا المؤتمر المعتمد البريطاني السير مور، وكان الموضوع الاساسي للمؤتمر تحديد الحدود بين الدول الثلاث، وقد وقعت الاطراف الثلاثة على اتفاقية العقير في 2/12/1922م، وكانت حدود الكويت في هذه الاتفاقية هي تلك الحدود التي تم التوصل اليها في اتفاقية سنة 1913م.
< وفي الرسائل المتبادلة بين الكويت والعراق (21/7، 10/8/1932م) وأكد المسؤولون العراقيون مسار الحدود بين العراق والكويت، وهي ذات الحدود المنصوص عليها في المادة السابعة من مسودة الاتفاقية البريطانية التركية سنة 1913م.
< وفي سنة 1936م وفي عهد الملك غازي صدر الدليل السنوي للعراق الذي احتوى على تفصيل دقيق للحدود بين العراق والكويت، كما تضمن خرائط واضحة تمثل الكويت كدولة مستقلة، ويظهر من هذا الدليل ان خط الحدود الجنوبية للعراق يبدأ من منتهى الساحل الجنوبي لناحية الفاو ثم يسير متعقبا الساحل حتى يقطع خور عبدالله.
< وبدأت لأول مرة مطالبة العراق بالكويت عام 1937م، فقد بدأت في ذلك العام إذاعة موجهة من القصر الملكي في بغداد (قصور الزهور) تشن حملة دعائية عنيفة ضد الكويت، كما أوردت بعض الصحف العراقية نبأ عزم العراق على ضم الكويت، وان الملك غازي اصدر اوامره بهذا الخصوص، ويقال ان الجيش العراقي رفض تنفيذ الاوامر، وانتهت تلك الازمة بمقتل الملك غازي في عام 1939م.
< وفي سنة 1961م، بينما كانت الكويت تحتفل باستقلالها السياسي الذي بدأ رسميا في 19/6/1961م اعلن الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم في مؤتمر صحافي في بغداد بتاريخ 25/6/1961م ان الكويت جزء من العراق، وهدد باستخدام القوة، وكان الجيش الكويتي آنذاك بسيطا لا يقاس من حيث عدده وعتاده بالجيش العراقي، لذلك ناشد حاكم الكويت (الشيخ عبدالله السالم) بريطانيا تنفيذ بنود معاهدة الصداقة المبرمة بين البلدين، واستجابة لهذا الطلب، التزاما ببنود معاهدتها ووعودها للكويت،
اعلنت الحكومة البريطانية في 30/6/1961م انها في طريقها لاتخاذ بعض التدابير الوقائية، وبناء على ذلك تحركت عدة سفن بريطانية وحاملات القوات والطيران الجوي تجاه الكويت، وفي 1/7/1961م نزل 600 جندي بريطاني في الكويت، وانتشروا على طول الحدود مع العراق. وقد بلغ اقصى عدد للقوات البريطانية المرابطة في الكويت ما يقارب5000 جندي بالاضافة الى2000 جندي سعودي.
وبتاريخ1961/7/12م طلبت الكويت ان تستبدل بالقوات البريطانية قوات تابعة لجامعة الدول العربية التي تـــوافدت على الكويت خلال الفترة من1961/9/10م حتى1961/10/3م، بينما أنهت القوات البريطانية انسحابهــا مـــن الكــويت في1961/10/10م عدا بعض المستشارين.
وفي 1961/10/4م (وبعد ان اطيح بعبد الكريم قاسم) وقعت الكويت والعراق على محضر اعترفت فيه العراق باستقلال الكويت وسيادتها التامة بحدودها المبينة بكتاب رئيس الوزراء العراقي بتاريخ1932/7/21م والذي وافق عليه حاكم الكويت بكتابه المؤرخ1932/8/10م، كما تم تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين على مستوى السفراء، وانضمت الكويت الى جامعة الدول العربية في سنة1961م، والى هيئة الأمم المتحدة في سنة1963م.

2- ترسيم الحدود:
رغم تحديد الحدود بموجب الاتفاقيات المذكورة، فقد ظل ترسيم الحدود عالقا بين الدولتين، مع مطالبة العراق تارة بجزيرة وربة (1951م) وتارة بجزيرتي وربة وبوبيان(1952م)، وتارة بجزيرة وربة ومنطقة ساحلية بعمق أربعة كيلومترات مقابل مد الكويت بالمياه العذبة من شط العرب(1954م).
وفي1972/5/2م زار الكويت السيد مرتضى سعيد عبد الباقي وزير خارجية العراق آنذاك وأبدى استعداد بلاده للعمل من أجل حل مشكلة الحدود بشروط منها:
1- التنسيق السياسي بين العراق والكويت بما يتعلق بقضايا الخليج.
2- استخدام رأس المال الكويتي في العراق.
3- السماح بنقل الأيدي العاملة العراقية الى الكويت بصورة مفتوحة وحرة.
4- تعاون دفاعي مشترك بين البلدين.
5- إيجاد مناطق استراتيجية للعراق في الكويت.

وفي1973/3/20م كانت حادثة الصامتة، حيث قام العراق بشق طريق يمر خلف مركز الصامتة الكويتي ويبعد عنه حوالي150 الى200 متر، وخلال المفاوضات التي تبعت هذا الانتهاك الحدودي عرضت الحكومة العراقية ان تتنازل الكويت عن جزيرتي وربة وبوبيان، وقوبل هذا العرض بالرفض من جانب الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية ورئيس الوفد الكويتي.
وكان من نتيجة هذا الموقف الثابت من جانب الكويت ان قامت القوات العراقية بهجوم على مركز الصامتة الحدودي وتوغلت مسافة ثلاثة اميال داخل الاراضي الكويتية. وبدأ التحرك العربي والدولي لمساندة الكويت واحتواء الأزمة.
ومع قرب مغادرة بريطانيا منطقة الخليج العربي في نهاية الستينات ازدادت العلاقات العراقية الايرانية سواء حول قضية شط العرب. واستخدم العراق مزيجا من الاقناع والضغط على الكويت لوضع قواته في المناطق الكويتية كجزء من قوة عسكرية لحماية ميناء أم قصر من هجوم ايراني وشيك. وخلال زيارة وزيري الداخلية والدفاع العراقيين للكويت في شهر ابريل سنة1969م اذن الكويتيون ضمنا بوضع القوات العراقية داخل الاراضي الكويتية.
ومنذ ذلك الحين زعم العراق بأنه قد تم التوصل الى اتفاق غير مدون والذي كان في جوهره اسلوبا تنفيذيا او امرا واقعا. واستمر هذا الوجود المؤقت للقوات العراقية حتى بعدما هدأت التهديدات الايرانية. ويبدو ان العراقيين أرادوا ان يحولوا الوضع القائم الى وضع شرعي قانوني ودائم. وبدأ العراقيون يقومون بأعمال وانشاءات داخل الحدود الكويتية. وزار بغداد آنذاك وفد كويتي عالي المستوى برئاسة الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية لتطويق محاولات التوسع العراقي، ولكن دون نتيجة.
وعندما زار سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء بغداد خلال شهر مايو 1989م، وبدأ سموه الحديث مع نظيره عزة ابراهيم عن موضوع ترسيم الحدود، كان الرد- كما افاد ابراهيم ا لبحوه سفير الكويت لدى العراق آنذاك- شرسا وجافا. وكانت الادعاءات العراقية اكبر مما كان يتوقعه الجانب الكويتي.
ورفض الجانب العراقي الاعتراف بأن وربة جزيرة كويتية، وطلب ان تتقاسم الكويت والعراق جزيرة بوبيان، وان يكون للعراق قواعد وتسهيلات في الخليج وبالذات في جزيرة فيلكا، وهاجمت الصحافة العراقية سموه هجوما قاسيا قرر معه قطع زيارته لبغداد والعودة فورا الى الكويت لولا نجاح صدام حسين في اذابة هذا الجليد.
وانتهت الزيارة الى مجاملات ولم تسفر عن شيء. وحاول الجانب الكويتي ان يضمن البيان المشترك الاشارة الى دعم لجنة ترسيم الحدود (وليس تحديد الحدود) ولكن دون جدوى، وانتهى الأمر الى عدم اصدار بيان مشترك واصدر كل جانب بيانا صحفيا على مسؤوليته.
وفي زيارة للشيخ صباح الاحمد وزير الخارجية لبغداد في 1990/2/18م، عرض عليه سعدون حمادي نائب رئيس الوزراء العراقي مقترحين، احدهما باسم (المقترح التعاوني) و الثاني باسم (المقترح الأمني). وكلاهما يتضمن احكاما غير مقبولة وتمس سيادة دولة الكويت بصورة مباشرة. من ذلك ما تنص عليه المادة السادسة من المقترح التعاوني من ان قرارات مجلس الدفاع المشترك(الذي يتكون من وزراء الخارجية والدفاع للدولتين) يكون ملزما لهما.
اما المقترح الأمني، فيجعل من دولة الكويت مسرحا مفتوحا للعراق برا وبحرا وجوا، اي انه يجعل من الكويت قاعدة عسكرية للعراق. هذا بينما المعاهدة التي ابرمها العراق مع دولة البحرين كانت مجرد معاهدة عدم اعتداء بين الدولتين. وقد رفض وزير الخارجية الكويتي هذين المقترحين مؤكدا انه لا يجوز دستوريا لسمو اميرالكويت ولا لوزير الخارجية التنازل عن الأرض. واضاف وزير الخارجية انه يتعهد، بعد الانتهاء من ترسيم الحدود، بالبحث في كل ما يسهل للعراق امره فيما يتعلق بالبحر.
ولدى عودته الى الكويت بعث وزير الخارجية الكويتي رسالة بتاريخ1990/3/17م الى سعدون حمادي حملها اليه وكيل وزارة الخارجية الكويتية سليمان ماجد الشاهين جاء فيها:«انني قد فوجئت بما قدمتموه لنا من مشروعي اتفاقيتين ذات مضامن امنية ودفاعية كي تكون محور البحث بيننا…. فقضية ترسيم الحدود باعتبارها مسألة فنية ذات مدلول سياسي ليست بالتي تستحق منا -على أهميتها- كل هذا التأجيل»، وفي رسالة تالية بتاريخ1990/4/17م يذكر وزير الخارجية الكويتي:«انه ليسعدني ان التقي معكم بالكويت لنعمل سويا على تهيئة نهائية لموضوع ترسيم الحدود في اطار الاتفاقيات المعقودة بين بلدينا الشقيقين، والذي بلاشك سيمهد الطريق لبحث العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك».
وفي رسالة جوابية لنائب رئيس الوزراء العراقي بتاريخ1990/4/30م، اصر، وبعبارات جافة، على ان مسألة الحدود بين العراق والكويت لم تكن في اي وقت من الأوقات مسألة فنية، وان ما يسميه وزير الخارجية الكويتي باتفاق ليس له اي اثر قانوني او واقعي، وقد طويت صفحته منذ وقت طويل، وان الوضع في الواقع ومنذ تكوين الكويت والعراق في هذا القرن هو وضع بلدين متجاورين تجمعهما اواصر القربى الوثيقة لم يتوصلا حتى الآن الى اتفاق حول تحديد حدودهما في البر والبحر،

وان العراق يرغب في معالجة هذه القضية في اطار لا ينطلق من الأنانية القطرية بل من اعتبار شبر الأرض العراقي او الكويت سواء كان في البر او البحر جزء من الوطن العربي، وان هاجس العراق ان يكون في وضع يستحقه تاريخيا وواقعيا يمكنه من الدفاع عن الامن القومي في هذه المنطقة.
ولم يحسم موضوع ترسيم الحدود بين الكويت والعراق بصورة نهائية الا بعد ان اصدر مجلس الامن الدولي القرار رقـــم687/1991م بضرورة حل مسألة الحدود بين البلدين من خلال لجنة دولية لترسيم الحدود مكونة من الكويت والعــــراق واندونيسيا والسويد ونيوزيلاندا، وفــــــي1992/8/26م اعتمد مجلس الامن بقراره رقم1992/773م تقرير لجنة ترسيم الحدود البرية بين الكويت والعراق، واعترف العراق بذلك رسميا في سنة1994م.
والحق ان الكويت كانت تحاول دائما حل مسألة الحدود بالكثير من الحكمة والتعقل والأناة، متجنبة اسلوب الاثارة، ومع الحرص على الابقاء على صلة حسن الجوار قائمة بما يسمح بالمزيد من التشاور وتبادل وجهات النظر، وكان رائد الكويت في ذلك كله الا يتم حسم هذه المسألة علىحساب استقلالها وسيادتها ووحدة اراضيها. ويظهر هذا التوجه من كتاب وزير الخارجية الكويتي المؤرخ 1990/3/17م الموجه الى سعدون حمادي نائب رئيس الوزراء العراقي، فقد جاء به ان:«الكويت لا تتحرج ابدا من التطرق لأية قضية تهم بلدينا الشقيقين، بل تبدي كل الاستعداد للتعاون في كل ما من شأنه دعم امن واستقرار بلدينا، وهناك مجالات لا حدود لها للتعاون بين بلدينا سواء على المستوى الرسمي او على ا لمستوى الشعبي متى تهيأت كافة الظروف الموضوعية لتحريرها من كافة المعوقات التي تحد من انطلاقها».
وحتى بعد اشتعال الازمة اعتبارا من1990/7/15م، كان رد الكويت في 1990/7/18م انه:«تأكيدا على حرص الكويت على انهاءهذه المسألة الهامة مع العراق، وايمانا من الكويت بسلامة موقفها وبما يمليه عليها انتماؤها القومي فانها تحتكم لأمتها في اختيار لجنة عربية يتفق على أعضائها كي تقوم بالفصل في موضوع ترسيم الحدود على أسس من المعاهدات والوثائق القائمة بين الكويت والعراق». غير ان هذه المبادرة لم تجد لدى العراق-كما سبق القول- اذنا صاغية.
ثانيا- كيف تعاملت السلطة التنفيذية الكويتية مع التهديدات العراقية:
يقول السيد راشد عبد العزيز الراشد، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء في مايو1990م، وعضو الوفد الكويتي المشارك في قمة بغداد في هذا التاريخ:«لو أردنا الآن أن نضع ونحلل الصورة ونحلل الحركة لصدام ومن معه واعوانه من المجتمعين لرأينا ان هناك فعلا مؤامرة تحاك ضد ليس باعتقادي الكويت، انما الخليج، وهو استنفار من هؤلاء للاستحواذ على اكبر اموال ممكنة من خلال الضغط والتخويف السياسي…
انا خرجت بانطباع ان هناك مؤامرة علينا….. وباعتقادي ان جميع من حضر هذا الاجتماع وباعتقادي انه يشاركني هذه المشاعر بأن هناك فعلا تجني على الكويت بالذات»، ويضيف السيد راشد الراشد انه لم ينقل هذه المشاعر بصورة رسمية الى سائر المسؤولين في الحكومة الكويتية، لأن وزير الخارجية الكويتية كان مشاركا في الاجتماعات ويعرف ما دار فيها، وليس مطلوبا منه، كوزير دولة لشؤون مجلس الوزراء، ان يكتب مذكرة لأي شخص كان.
وبعد ان تصاعدت الأزمة، اي بعد 1990/7/15م، توقع السيد ضاري عبد الله العثمان وزير العدل والشؤون القانونية آنذاك، ان العراق يزمع القيام بعمل ما ضد الكويت، فقد افاد امام اللجنة:«بعد ان أودعت المذكرة في مجلس جامعة الدول العربية فكان فيه اجتماع في ثاني يوم لمجلس الوزراء، وتم استعراض المذكرة العراقية التي بها تحديد لعناصر معينة….
وكانت في قراءات متعددة للمذكرة. وكانت لي قراءتي الخاصة من خلال استعراض العبارات التي وردت في المذكرة. واذكر في ذلك الوقت بأن المذكرة هذه اعتقد انها البداية لتحرك معين من النظام العراقي، والله يستر الى اي مدى يريدون ان يصلوا في هذا التحرك، وانا اعتقد ان النظام العراقي يريد ان يلعب مع الكويت لعبة الذئب والحمل، وهذه العبارة اتذكر اني قلتها…. الحقيقة اني اتكلم وانا منزعج جدا، واعتقد ان العراق يريد ان يقوم بعمل ما ضد الكويت، وطبعا انا استبعدت القضية، قضية نزاع على الحدود او نزاع على الجزر، لكن كنت اتصور ان القضية اكبر من هذا… ان القضية ليست قضية ما ورد في المذكرة او قضية نفط ولا قضية مزارع، القضية ان العراق يريد ان يلعب مع الكويت لعبة الذئب والحمل، فالذئب يريد ان يلتهم الحمل».
غير ان رؤية السيد ضاري العثمان لم تكن هي رؤية سائر المسؤولين في الحكومة الذين لم يتوقعوا الغزو، او انهم لم يتوقعوا الاجتياح الكامل للكويت بل مجرد اختراق القوات العراقية للحدود واحتلال جزيرتي وربة وبوبيان وجزءا من الساحل الشمالي، اما ما حدث في1990/8/2م فقد كان خارج نطاق التوقع لدى المسؤولين:
1- فقد أفاد الشيخ صباح الأحمد النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية انه:«يعني ما كنت يوم من الايام اتصور ان العراق بده يعمل بغض النظر عن اي مذكرة حصلت، لكن قلت يمكن يحصل بوبيان ووربة يحتلها، ولكن ان يصل ان يحتل بلدا بكاملها، واللي ما حطيتها في ذهني، فكذلك قد يكون انا بتصوري غلط، لكن هذا كان احساسي، احساسي مو ان يسوي شيء، يسوي ممكن ما مو سيصل الى الكويت،
انه يدخل رأسا الى الكويت ويضمها التاسعة عشر بالسرعة بهذا الشكل، لا كنا متوقعين يدخل3 كيلو يأخذ النفط مال الرتقة، يأخذ الجزيرة مالت وربة وبوبيان، ينزل فيها، كل هذا كنت متوقعه، لكن ما توقعت يوم من الأيام ان يصل الى الكويت…. لكن ما كنا يوم من الأيام افكر في ان العراق سيصل الى هذاالحد».
2- وعندما سئل السيد عبد الرحمن العوضي وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء آنذاك عما اذا كان مجلس الوزراء قد عقد جلسة تساءل فيها الاعضاء عن مبررات الحشود العسكرية، اجاب:«تساءلنا، وتناقشنا بشكل تفصيلي يوم الاحد لدرجة ما كنا نعتقد ان هذا سوف يهاجم، هناك تساؤل لكن استبعد انه يهاجم، ان هذا من ضمن تهديدات صدام العادية لنا. بدأها بخطاب، وبالتالي ما كان نتوقع انه يهجم… للضغط عليها».
3- ويقول السيد علي الخليفة العذبي وزير المالية آنذاك: «السياسة الكويتية من الستينات بنيت على حسن النية بالنسبة للعراق».
4- ويقول السيد محمد ابو الحسن المندوب الدائم للكويت لدى الامم المتحدة:«العلاقات كانت بين الكويت والعراق متكاملة وجيدة جدا… لم يدر بالخلد على الاطلاق ان سوف نواجه بهذا التطور».
5- وافاد السيد حمد الرومي وكيل وزارة الاعلام آنذاك انه:«لم يكن في ذهننا انه راح يصير غزو في الصورة هذه، نتكلم بصراحة، واي مواطن لا يمكن ان يفكر في احتلال للجزر او منطقة بترولية، هذا كان متوقع، اما بالنسبة لاحتلال الكويت، فهذا لم يكن الواحد في خلده».
وأكد كل ذلك ما ذكره سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء امام اللجنة: «انا راح اقول لك الانطباع اللي كان عندي انا. انه اذا حصل هجوم عراقي فقط فيكون محدود في اماكن معينة بأحد حقول نفط في الرتقة. يزيد ويحتل جزيرة بوبيان انما ما تصورت في بالي بأنه سيحتل الكويت. وانا قلت اكثر شيء هو بيعمله انه يعسكر هناك ويساوم»، «احنا كل الانطباع عندنا انه نوع من حرب الاعصاب والنرفزة للكويت».
ويضيف سموه انه عندما بلغه نبأ اختراق القوات العراقية الحدود الكويتية من قبل وزير الدفاع(الشيخ نواف)، اتجه الى غرفة العمليات، وظل الحاضرون في هذا الاجتماع يتابعون (عن طريق الاجهزة سير القوات العراقية. سرعة دخول القوات العراقية تعدت النقاط التي كنت انا اتوقع ان يتوقفوا عندها. وعندما وصلت قالوا ان القوات العراقية متجهة الى الجهراء. قلت ترى المكان هذا ساقط ننتقل الآن الى مقر الدفاع الجوي او نروح قصر الشعب).
ويرجع عدم توقع الغزو من قبل الحكومة في الكويت الى المعطيات التالية:
1- العلاقات الطيبة -كما كانت تراها السلطة التنفيذية- بين الكويت والعراق حتى1990/7/15م، ومن ابرز مظاهرها الحفاوة البالغة التي استقبل بها سمو امير البلاد عندما زار بغداد في شهر سبتمبر1989م حيث صدر مرسوم جمهوري في1989/9/23م بمنحه وسام الرافدين من الدرجة الأولى.
2- اعتقاد المسؤولين في الكويت ان العراق لن ينسى للكويت مواقفها معه طيلة الحرب العراقية الايرانية ودعمه الكامل للعراق ماديا وسياسيا واعلاميا واقتصاديا. فقد كانت الكويت تتبنى دائما مواقف ووجهات النظر العراقية وتدفع عنها. ولعل هذا الاعتقاد كان وراء زيارة سمو ولي العهد لبغداد في شهر مايو 1989م مؤملا حسم الخلافات الحدودية بين البلدين وهي الزيارة التي لم تسفر عن اي نتيجة ايجابية.
3- اعتقاد المسؤولين ان الوجود العسكري في جنوب العراق امر طبيعي في ذيول الحرب العراقية الايرانية التي توقفت في1988/8/8م، والشكوك القائمة بين البلدين، ولا سيما ان اكثر العمليات العسكرية بين العراق وايران كانت في جنوب العراق.
4- عدم تصور قيام العراق باجتياح الكويت في ظل العلاقات العراقية الكويتية قبل1990/7/15م وفي ظل المعادلات الدولية في المنطقة.
5- التأكيدات العربية بأن العراق لن يقوم بأي عمل عسكري ضد الكويت. ففي زيارة للسيد عبد الرحمن العوضي مبعوث سمو الامير الى اليمن قابل في 1990/7/22م الرئيس علي صالح الذي اتصل بصدام حسين (من غرفة مجاورة) وعاد واخبر السيد عبد الرحمن العوضي انه تحدث هاتفيا مع الرئيس صدام حسين الذي نفى وجود حشود عراقية او تحركات عسكرية غير عادية من جانب العراق على حدوده مع الكويت وانه (أي صدام حسين) يدعو الرئيس علي صالح الى الطيران على طول الحدود العراقية الكويتية ليتأكد بنفسه من عدم وجود اي حشود.
وفي 1990/7/24م حضر الى الكويت الرئيس حسني مبارك قادما من بغداد ليؤكد ما تعهد به صدام حسين من عدم استخدام القوة العسكرية. وفي 26/7/1990م حضر إلى الكويت السيد/ أسامة الباز مدير مكتب الرئيس المصري للشؤون السياسية قادما من بغداد ليؤكد المعنى ذاته. وفي 27/7/1990م وصل إلى الكويت الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، وكان قد سافر إلى بغداد بتكلييف من جلالة الملك فهد وقابل صدام حسين ثم حضر إلى الكويت ليؤكد للمسؤولين أنه حصل على تأكيدات من صدام حسين شخصيًا بأن التحركات العسكرية العراقية أمر عادي وأنه ليس للكويت أن تخشى شيئا، ونقل إلى الكويت طلب الملك فهد بألا تقدم الكويت على عمل فيه إستفزاز للعراق.
يتبع …
وللغرض ذاته حضر إلى الكويت في 28/7/1990م السيد ياسر عرفات. وفي 30/7/1990م حضر السيد الشاذلي القليبي الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى الكويت. وفي 30/7/1990م وصل الملك حسين قادمًا من بغداد. وقد ذكر سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء أمام اللجنة أن التطمينات السعودية والمصرية كانت تشير إلى أن ما يقوم به العراق هو مجرد مناورات على حدوده. وأكد الحديث التلفوني الذي أشار إليه الدكتور عبدالرحمن العوضي أن الرئيس علي صالح أخبره هاتفيا بأنه اتصل بصدام حسين الذي طمأنه بأنه لا يوجد شيء غير عادي.

6 – كما أن موافقة العراق على حضور اجتماع جدة – الذي كان بمبادرة وبعد اتصالات مباشرة مع جلالة الملك فهد – أضفى جوا من التفاؤل حيث اتفق على عقد الاجتماع الثاني في بغداد في وقت لاحق، يليه اجتماع ثالث في الكويت.
وعدم توقع الحكومة الكويتية لعمل مسلح من جانب العراق يصل إلى حد الاجتياح العسكري الشامل، دعاها إلى الاعتقاد بأنها أزمة سياسية طارئة، مثل أزمة الصامتة، لا تدعو إلى الكثير من القلق، ويمكن أن تعالج كسابقتها عن طريق الوساطات العربية، فاختارت الحل الدبلوماسي داخل البيت العربي:
1 – فأخطرت الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة بالرسالة الجوابية لوزير الخارجية الكويتي ردا على مذكرة العراق إلى جامعة الدول العربية في 15/7/1990م، وطلبت توزيع تلك الرسالة كوثيقة من وثائق الأمم المتحدة ووجهت رسالة مماثلة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، ذلك كله دون أن تطلب إتخاذ أي إجراء.
2 – واقترحت لجنة عربية لحسم الخلافات بين العراق والكويت في ضوء الإتفاقات السابقة بينهما.
3 – واجتمع وكيل وزارة الخارجية الكويتي بسفراء جميع الدول لدى الكويت (وليس فقط الدول الأعضاء في مجلس الأمن) لإحاطتهم علما بفحوى المذكرة العراقية.
4 – وأوفد سمو الأمير ثلاثة مبعوثين للدول العربية لشرح موقف الكويت (ضاري العثمان إلى: موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس/ عبدالرحمن العوضي إلى: مصر، الأردن، سوريا، السودان، الصومال، جيبوتي، اليمن/ الشيخ صباح الأحمد إلى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية).
5 – وفي اجتماع جدة اقترح سمو ولي العهد أن يذهب وزيرا داخلية البلدين لمعاينة الحدود ولفحص الإدعاءات العراقية حول تجاوزات الكويت لحدودها مع العراق.
كل ذلك مع تفادي أي إجراء أو عمل قد يفسر بأنه إستفزاز للعراق، حتى أن ممثلي المؤسسات الإعلامية العربية والأجنبية الذين حضروا إلى الكويت قبيل مغادرة سمو ولي العهد إلى اجتماع جدة، رغبوا في زيارة منطقة حقل الرميلة، ووافق وزيرا الإعلام والداخلية على ذلك، ورفضت وزارة الدفاع حتى لا يفسر تواجد الإعلاميين في منطقة الرتقة بجانب حقل الرميلة بأنه تصعيد للموقف وممارسات إستفزازية من الجانب الكويتي بحق الجانب العراقي.
فالحكومة الكويتية واجهت الأزمة من محاور أربعة:
1 – عدم توقع العمل العسكري، أو بالأقل عدم توقع الاجتياح الكامل للكويت.
2 – محاولة حل الأزمة بالطريق الدبلوماسي.
3 – عدم تدويل الأزمة خارج النطاق العربي.
4 – تجنب أي عمل استفزازي قد يعرقل الطريق الدبلوماسي.

وسارت الحكومة الكويتية في طريق العمل الدبلوماسي إلى آخر مداه، واستسلمت للتطمينات العربية، واستسلمت للنفي العراقي عن حقيقة نواياه من ذلك ما صرح به مصدر عراقي في 26/7/1990م، في رده على ما ذكر عن وجود حشود عراقية في منطقة البصرة والزبير، من أن العراق ما زال في حالة حرب مع إيران وأن ما أسمته أجهزة الإعلام الأجنبية لا يخرج عن كونه تحركات روتينية للفيلق السابع الذي تتركز قيادته في أم قصر منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية.
ثم كان اجتماع جدة في يومي الثلاثاء والأربعاء 31/7، 1/8/1990م وكان الوفد العراقي برئاسة عزة إبراهيم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي، بينما كان الوفد الكويتي برئاسة سمو ولي العهد الشيخ سعد الله السالم، يرافق سموه عدد من الوزراء وعدد من المسؤولين بوزارات الخارجية والدفاع والداخلية والعدل والنفط. أي أن الوفد الكويتي كان، على خلاف الوفد العراقي، وفدا سياسيا وفنيا في الوقت ذاته.
وذهب الشيخ سعد إلى هذا الاجتماع بنية صافية. وصرح عند وصوله إلى جدة: «إننا نتطلع بقلب مفتوح إلى لقاء أخي نائب رئيس مجلس الثورة العراقي، مؤكدًا حرص الكويت على المشاركة الإيجابية في هذا اللقاء الذي أعرب عن الأمل في أن يشكل الخطوط الأساسية نحو التوصل إلى حل نهائي وعادل لكافة المشكلات والقضايا المعلقة بين البلدين الشقيقين».
وفي الجلسة الإفتتاحية، وبعد كلمات المجاملة، اتضح أنه ليس لدى عزة إبراهيم أي جديد يقدمه سوى أنه قد حضر إلى الاجتماع استجابة لدعوة جلالة الملك فهد، وأن أي مناقشات يمكن أن تستكمل في بغداد. وتلت الجلسة الافتتاحية جلسة مغلقة اقتصرت على رئيسي الوفدين، ولم تسفر هذه الجلسة المغلقة عن أي نتائج. وألح سمو ولي العهد على عقد جلسة ثانية أو القيام بزيارة رئيس الوفد العراقي بجناحه الخاص، وتم ذلك فعلا.
غير أن رئيس الوفد العراقي تعلل بالمرض وعدم القدرة على مواصلة الاجتماع مرددا نفس ما سبق أن قاله من أنه إنما حضر إلى جدة إستجابة لدعوة جلالة الملك فهد. واقترح سمو ولي العهد أن يذهبا معا لتلبية دعوة العشاء الذي أقامه جلالة الملك فهد. وساد اللقاء الجانبي بحضور الملك فهد جوا طيبا، ولكن بلا شك كان بالأنفس الشيء الكثير مما لم تفصح عنه المظاهر الخارجية.
وفي أثناء ذلك رفض الجانب العراقي اقتراح سمو ولي العهد بأن ينتقل وزيرا داخلية البلدين لمعاينة الحدود على الطبيعة للتحقق من عدم وجود أي تجاوزات كويتية بإقامة مزارع أو منشآت عسكرية كما يدعى الجانب العراقي. وأصر على أن يكون الاجتماع بروتوكوليا يعقبه إجتماع في بغداد. كما اقترح عقد اجتماع يضم جلالة الملك فهد والرئيس حسني مبارك وصدام حسين دون ذكر لسمو أمير الكويت، وهو ما رفضه الجانب الكويتي رفضا قاطعا، كما رفض الجانب العراقي اقتراح وفد الكويت إصدار بيان مشترك بأن يتم اجتماع في بغداد يليه اجتماع في الكويت.
وفي صباح الأربعاء 1/8/1990م غادر موكب عزة إبراهيم جدة متوجها إلى المدينة المنورة دون أن يسمع رد الجانب الكويتي بالرفض القاطع للاجتماع الثلاثي المقترح والذي يغيب عنه صاحب القضية، وهو سمو أمير الكويت، وفي مساء اليوم ذاته عاد الوفد الكوييتي إلى الكويت.
(يراجع: «صفحات ما قبل العدوان»، ملاحظات من إعداد سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية، ألقيت في ندوة المعلومات والأمن بوزارة الاعلام بتاريخ 4/8/1992م).

ويذكر سمو ولي العهد أنه – في جدة في مساء يوم الأربعاء 1/8/1990م، وأثناء توجهه بالسيارة للعشاء بناء على دعوة جلالة الملك فهد، قال لرئيس الوفد العراقي (عزت إبراهيم) وكان يرافقه في السيارة، أنه بعد الاجتماع الثاني في بغداد سيكون الاجتماع الثالث في الكويت. فأجابه عزت إبراهيم (ما أحد قال لنا نشوف القيادة). وأضاف سموه أنه بعد تناول العشاء اجتمع مع جلالة الملك فهد وسمو الأمير عبدالله على انفراد وأخبرهما أنه كل ما فهمه هو أن الوفد العراقي جاء إلى جدة (ليقول كلمتين وبس).
__________________
تهدى الامور بأهل الرأي ماصلحت
*****************
فان تولوا فبالاشرار تنقاد
رد مع اقتباس