عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 10-08-2010, 12:14 PM
الصورة الرمزية فتى البارق النجدي
فتى البارق النجدي فتى البارق النجدي غير متواجد حالياً
عضو مخالف، تحت الملاحظة، النقاط: 1
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 48
افتراضي

خَشَب العثمان
(1879 – 1951م)

لئن كان عدد نواخذة السفر الشراعي من عائلة العثمان الكريمة كبيراً وهو مؤشر جلي على ريادة هذه العائلة في مجال صناعة ركوب البحر، فإن هناك مؤشراً آخر على تلك الريادة، ألا وهو خشب (سفن) العثمان التي كانت تدل كما وكيفاً على تمكن هؤلاء من صناعة البحر. وهذا ما سيظهر واضحاً جلياً فيما يلي من الصفحات.
ولقد استعنا في هذا الباب بما كتبه د. يعقوب الحجي في كتابه الرائع "صناعة السفن الشراعية في الكويت"( ) الذي غطى أهم المعلومات عن أهم خشب العثمان وغيرهم.
وقد سبق أن أشرنا في غير موضع من هذا الكتاب إلى كتابه الآخر والرائع أيضاً "نواخذة السفر الشراعي في الكويت" والذي تكلم عن معظم نواخذة السفر الشراعي من عائلة العثمان الكريمة وغيرهم، كما استعنا بالعديد من كتب المؤرخ الكويتي العم سيف مرزوق الشملان في ثنايا هذا الكتاب.
ومن الأمانة هنا أن نثبت الفضل لأهله كذلك بالشكر والثناء على كل الباحثين الآخرين في مجال التراث الكويتي وتاريخ الكويت في المجالات المختلفة دون تفصيل لأسمائهم. بيد أننا في هذا السياق نركز على الجانب البحري من هذا التاريخ وذلك التراث بشقيه الغوص والسفر.
ولئن كانت البداية في الحديث عن صناعة السفن للأشهر والأظهر من خشب العثمان، فإن هذه البداية لن تتجاوز الحديث عن البوم "تيسير" الذي امتلكته عائلة العثمان الكريمة، رغم أنه كان شائعاً في صناعة السفر أن يقوم النوخذة بقيادة سفينة لا يملكها بل يملكها غيره من تجار الكويت ملاك السفن، وفي هذه الحالة يسمى النوخذة "جِعْدي" بكسر الجيم وتسكين العين.
وقلما كانت هذه الظاهرة تشمل نواخذة السفر من عائلة العثمان الذين فضلوا منذ البداية أن يملكوا ما يركبون، وقد سبقهم إلى ذلك كبيرهم عبدالعزيز، حين قال كلمته التي أوردناها آنفاً في هذا الكتاب: "لن أتزوج حتى أربط البري" حتى أصبحت حكمة تحتذي.
ولذلك فقد تملك نواخذة العثمان عدد كبير من سفن الغوص وأبوام السفر، من أشهرها تيسير وموافج والمحمدي والمحمدي الثاني والسالمي وفتح الرحمن وفتح الكريم والعثماني والتي سنأتي على ذكرها بالتفصيل فيما يلي:
تيسير
لو سألت عن السفن الشهيرة في تاريخ الكويت البحري، والتي احتلت مركز الصدارة، لبرز اسم "تيسير" كأحد أفضل السفن التي بناها صناع السفن الكويتيون. ولعله ليس من المبالغة في شيء القول بأن " الداو" و"ابن رشدان" و"تيسير" و"المهلب" كانت أشهر سفن الكويت على الإطلاق، بحيث أصبح ذكرها على لسان كل من ركب البحر من الرجال الكويتيين منهم وغير الكويتيين.
تاريخ الصناعة
اشتهر من عائلة العثمان كبيرهم الحاج عبدالعزيز العثمان الذي امتلك الكثير من السفن التي كانت تستخدم في تجارته مع الهند وباقي الموانئ الخليجية. وما إن اندلعت الحرب العالمية الأولى (العظمى) حتى أصبحت الحاجة شديدة إلى بناء سفن كبيرة لنقل المؤن من الهند إلى غيرها من دول الخليج.
عندها فكر الحاج عبدالعزيز في بناء سفينة كبيرة اختار الأستاد حسين بن منصور، أحد أكبر صناع السفن الكويتيين، وطلب منه بناء سفينة من نوع البوم ذات حمولة تقدر بحوالي (4000 مَن) من التمر (300 طن).
وبدأ العمل في بناء السفينة (سنة 1332هـ، 1914م) أمام منزل العثمان في الحي القبلي من المدينة والمطل على البحر. ولما كان الحاج عبدالعزيز العثمان على ثقة كبيرة بالأستاد حسين بن منصور فقد ترك له الأمر في كيفية بناء السفينة، والتي اكتملت بعد حوالي أربعة أشهر من بدء صنعها.
التدشين
أصبحت السفينة جاهزة للإنزال إلى البحر، وكان ذلك حدثا كبيراً في مدينة الكويت في تلك السنوات. فقد كان حاكم الكويت آنذاك الشيخ مبارك الصباح، وكان حبه للكويتيين وسفنهم وتجارتهم لا يحتاج إلى شهادة، فأمر أن يتجمع الناس للمشاركة في إنزال هذه السفينة. وبالفعل فقد تجمع الرجال والنساء والأطفال حول السفينة، وكان بينهم الشيخ مبارك الصباح ذاته وحوله العديد من نواخذة الكويت الكبار مثل أحمد بن ناصر وأحمد الغانم وعبدالعزيز القطامي وعلي وجاسم المبارك وغيرهم، وكذلك الحاج عبدالعزيز العثمان وأقاربه.
وبدأت عملية الإنزال حيث استلقت السفينة على أحد جانبيها وأخذت تزحف ببطء نحو الساحل حيث سواعد الرجال تدير "الدوار" وتشد الحبال، ولم ينته اليوم إلا والسفينة طافية على سطح الماء.
وعندها تعجب الشيخ مبارك من السرعة التي تمت بها عملية الإنزال، فأطلق عليها اسم "تيسير" نظراً للسهولة واليسر اللذين رافقا عملية الإنزال. وبذلك عرفت باسم "البوم تيسير". بعد ذلك دعُي الجميع إلى وليمة غداء أقامها الحاج عبدالعزيز لكل من شارك في حفل إنزال "تيسير" للبحر، كما كانت عليه عادة التجار الكويتيين آنذاك.
مواصفات السفينة
تعتبر "تيسير" من السفن الكويتية "الكاملة الأوصاف" فهي مصنوعة من خشب الساج الهندي، وذات حمولة تقدر بحوالي 4000 من(300 طن)، كما أنها تمتاز بحملاتها المحكمة الصنع والمرتفعة نسبياً عن القاعدة، والممتدة على طول القاعدة " البيص"، كما أنها تمتاز بصفات ملاحية جيدة، منها استجابتها بسرعة لأية حركة من دفتها وسرعة وثباتها على سطح الماء، بالإضافة إلى مقدرتها الكبيرة على حمل البضائع.
وفيما يلي بعض من المواصفات الفنية للسفينة "تيسير":
طول القاعدة (البيص): 44 ذراعاً (66 قدماً).
طول السفينة من أعلى: 80 ذراعاً (120 قدماً).
العرض: 17 ذراعاً (26 قدماً).
العمق: (الغزر): 8 أذرع (12 قدماً).
طول الصاري الكبير: 48 ذراعاً (72 قدماً).
طول الصاري القلمي: 40 ذراعاً (60 قدماً).
طول الفرمن الكبير: 80 ذراعاً (120 قدماً).
مساحة الشراع الكبير: (51 شقة).
مساحة الشراع الصغير: (31 شقة).
الغاطس: حوالي 18 قدماً.
ولقد قام بتفصيل شراع " تيسير" النوخذة عبداللطيف العثمان على الوجه التالي:
الشراع العود وقد فصل على الثلث( ).
والشراع القلمي وقد فصل على النصف.
وقد بلغت تكاليف بناء " تيسير" حوالي 35 ألف روبية هندية.
رحلات تيسير
كان "تيسير" جاهزاً للسفر في بداية سنة 1913م، وكانت الدنيا تعج بأخبار الحرب العالمية الأولى ونقص المؤن في الكثير من البلدان الخليجية، لذا كان لزاماً على "تيسير" أن يبدأ في السفر، بعد أن حصل على "القول"( ) من حاكم الكويت آنذاك الشيخ مبارك الصباح، وفيما يلي نص "القول" الذي كتب باللغتين العربية والإنجليزية تسهيلاً لمهام هذه السفينة في البحار والبنادر والدول التي تزورها:
الواقفون على مرسومنا هذا من السالكين في البحار والساكنين بالبنادر من جميع الدول العظام الفخام المتحابة، من خصوص البوم المسمى "تيسير" ملك عبدالعزيز بن عثمان وهو من جماعتنا أهل الكويت وتابعنا، نأمل في حكم دراية الدول العظام المتحابة إذا نظروا إليه ووقفوا عليه أن يعاملوه بالمعاملة اللائقة كما جرت به أصول وقوانين وشرائط وروابط الدول المتحابة. هذا وأصدرناه وبيد حامله سلمناه كيلا يخفى. في 11 ذي القعدة 1332هـ .
صحيح
حاكم الكويت
مبارك الصباح
وقد اختار له مالكه عبدالعزيز العثمان قبطاناً هو النوخذة محمد سليمان العثمان الذي قاد "تيسير" في أولى رحلاته إلى الهند وعاد إلى الكويت محملاً بالأخشاب وغيرها من الضروريات.
وبعد ثلاث سنوات نزل النوخذة محمد عن "تيسير" وأسلم قيادته للنوخذة عبداللطيف سليمان العثمان، وركب مع النوخذة العثمان الشاب عبدالوهاب، لكي يتعلم منه فنون الملاحة وأصولها. ولقد كانت رحلات "تيسير" دائماً إلى الهند وبخاصة إلى ساحل الملبار الهندي لإحضار الخشب اللازم لصناعة السفن.
وفي سنة 1343هـ (1924م) تسلم قيادة "تيسير" الشاب عبدالوهاب بن عبدالعزيز الذي كان يبلغ من العمر حوالي 22 سنة، والذي اكتملت لديه القدرة والمهارة على قيادة مثل هذه السفينة. ترك النوخذة عبدالوهاب الكويت متجهاً إلى البصرة حيث شحن "تيسير" بالتمر وعلى سطحه حوالي 40 بحاراً من بحارة الكويت. ولما تم شحنه وقف أمام مدخل شط العرب ينتظر هبوب "الشمال" لتدفعهم إلى الهند.
وبعد حوالي أسبوعين كانوا في كراتشي ينزلون بعض التمر، ثم استمروا جنوباً إلى بومباي حيث باعوا كل ما عندهم من تمر وأبحروا جنوباً إلى كاليكوت لشراء الأخشاب.
وفي كاليكوت تم شحن "تيسير" بأنواع عديدة من الأخشاب، وبدأ مسيره إلى الكويت باتجاه مسقط، حيث أبرق النوخذة عبدالوهاب إلى والده في الكويت يخبره عن وصوله إلى مسقط بسلام وأنه في طريقه للكويت.
ليس من الممكن ذكر جميع الرحلات التي قام بها "تيسير" تحت قيادة قبطانه النوخذة عبدالوهاب، لكن يجب أن يذكر في هذا المجال أن النوخذة عبدالوهاب جعل البوم "تيسير" يدخل تاريخ الكويت البحري من أوسع أبوابه. فقد تجمع له سعة الصدر والقيادة الحكيمة والعلم الواسع بالبحر وفنونه، بالإضافة إلى التوفيق والعناية الإلهية، ما جعل البحارة يفخرون بأنهم ركبوا "تيسير"، وأن قبطانهم كان النوخذة عبدالوهاب العثمان.
وفي هذا المجال يستحسن ذكر إحدى الرحلات التي قام بها "تيسير" من الكويت إلى الهند (كما يصفها قبطانها عبدالوهاب)، ففي طريق العودة وقف "تيسير" في ميناء المنامة بالبحرين وأنزل بعض حمولته، فانتشر الخبر في الميناء أن البوم "تيسير" قد وصل إلى البحرين.
ولكن بعض التجار هناك دهشوا من تلك الحمولة حتى ظن بعضهم أن مركباً بخارياً قد وصل إلى البحرين وأنزل هذا الحمل الكبير من الأخشاب، وكان النوخذة عبدالوهاب يرى أمارات العجب عليهم، فأخذهم إلى "تيسير" وأراهم نصف الحمولة في جوفه حيث يعتزم الإبحار بها إلى الكويت. ولما ركبوا وشربوا القهوة وأشادوا "بتيسير" ورجاله سقاهم عبدالوهاب ماء "كوه" الشهير.
تولى النوخذة عبدالوهاب قيادة "تيسير" إحدى عشرة سنة متواصلة أكسبها فيها شهرة لم يكتسبها إلا القليل من السفن الشراعية الكويتية، وكان في جميع سفراته إلى الهند، يحمل التمر من البصرة ويحضر الأخشاب من ساحل الملبار إلى الخليج في رحلة واحدة خلال الموسم الواحد.
ولقد ركب مع عبدالوهاب بعض أفضل النهامة الكويتيين مثل عبدالعزيز الدويش وسالم المرطة وغيرهما، مما أضفى جواً من البهجة والأصالة على هذه السفينة التاريخية.
وقد عمل معه كثير من البحارة الكويتيين المشهود لهم بالدراية في مجال البحر، ويفوق عددهم الحصر هنا ومنهم عدد من عائلة الخشتي الكريمة، ومن هؤلاء السكوني في البوم "تيسير" المرحوم عبدالله خميس الخشتي، وقد كان في الوقت نفسه مسؤولاً عن المشتريات عندما ترسو السفينة في أحد البنادر.
وفي سنة 1354هـ (1935م) نزل عبدالوهاب عن سفينته وأسلم قيادتها للنوخذة درباس العمر الذي قاد "تيسير" خمس سنوات، ثم تسلمه بعده النوخذة إبراهيم المشعل لسنة واحدة، وتركه بعدها للنوخذة راشد المبارك سنة أخرى ثم تسلمه بعده النوخذة إبراهيم بن شايع خمس سنوات أخرى، قاد فيها "تيسير" إلى عدن وساحل إفريقيا الشرقي لأول مرة في تاريخه.
نهاية تيسير
ترك النوخذة إبراهيم بن شايع "تيسير" في سنة 1366هـ (1947م)، فظل واقفا على الساحل أمام منزل أصحابه، بعد أن خدم النقل البحري الكويتي ما يقارب 34 سنة متصلة، وكان واضحا أن هذه السفينة خدمت ما فيه الكفاية، وأنها لا بد أن تستريح، عندها قرر صاحبها أن يبيعها إلى (غلوم) تاجر الخشب الذي اشتراها بمبلغ 6000 روبية "وشتّرها" أي قطعها إلى ألواح من الأخشاب لبيعها على الساحل.
ويروي الأستاد علي عبدالرسول للمؤلف أنه في اليوم الذي شهد فيه "تيسير" نهايته، وقف أحد بحارته (ثنيان العميري) ينظر إليه والفؤوس والمناشير تقطع في جسده، فصاح قائلاً: "لا..كيف تفعلون ذلك بتيسير؟ تلك السفينة التي جلبت لكم المال والأخشاب..اتركوها اتركوها، فهي لم تدع حملاً إلا حملته، ولا بحراً إلا ركبته. لا تفعلوا ذلك في تيسير".
ولم يكن ذلك بسبب الخسارة المادية التي لحقت بالسفينة ولكن لأنها كانت رمزاً لحياة عشقها هذا البحار. إلا أن ذلك لم يمنع وصول أشلاء "تيسير" إلى مطابخ المنازل في الكويت، فقد كان معظم الناس يجهل حينئذ أن عصر الشراع سوف يأتي إلى نهايته في القريب العاجل.
وأما قاعدة "تيسير" فقد اشتراها التاجر غلوم قبازرد، وكانت من خشب "الفنص" وجعلها عموداً لسقف منزله. وأما الجامعة الخاصة بتيسير فيمكنك رؤيتها اليوم إذا ما زرت ديوان النوخذة عبدالوهاب العثمان في الكويت في ضاحية عبدالله السالم.

موافج
كيف يمكن أن نذكر السفن الشهيرة في تاريخ الكويت البحري دون أن نذكر البوم "موافج" أحد أشهر سفن العثمان، والمدرسة التي تعلم عليها أصول الملاحة العديد من رجالهم؟!
لقد احتل "موافج" مركزاً مرموقاً في تاريخ الكويت وزاد من شهرة صانعه حجي سلمان الأستاد الذي أتقن صنع هذه السفينة كما أتقن صنع العديد من السفن قبلها. ولقد أراد الحاج عبدالعزيز العثمان لهذه السفينة أن تكون سفينة نقل وتجارة بين الكويت والهند فكان له ما أراد.
حيث إن "موافج" صُمم بحيث يكون ذا مقدرة كبيرة على الحمل وذا صفات ملاحية جيدة، وكان ذلك في عام 1338هـ, وهو العام الذي وقعت فيه معركة هدية في عهد الشيخ مبارك الصباح (1910م).
مواصفات موافج
تعتبر "موافج" من السفن المتوسطة الحجم إذ تبلغ حمولتها ما يقارب 3000 منّ، ولكنها تمتاز بجودة صنعها وبصفاتها الملاحية الجيدة وبارتفاع حملاتها الممتدة على طول القاعدة، مما يزيد في مقدرتها على حمل البضاعة.
رحلات موافج
أول من قاد "موافج" إلى الهند النوخذة عبدالعزيز العثمان والد النوخذة عبدالوهاب العثمان، فقد تسلم قيادة هذه السفينة من سنة 1329هـ (1911م) حتى سنة 1333هـ (1915م)، ثم أسلم قيادتها للنوخذة عبداللطيف العثمان الذي سافر عليه ثلاث سنوات متتالية ثم تركه ليتسلمه أخوه النوخذة محمد العثمان.
وكان البوم "موافج" في هذه الرحلات ينقل التمور إلى الهند ويعود محملاً بالأخشاب. ويذكر الأستاد علي عبدالرسول أن "موافج" هو الذي قام بإحضار الأخشاب التي صنع منها بوم العثمان الشهير والمعروف باسم "تيسير".
ويروي النوخذة عبدالوهاب العثمان أنه في سنة 1330هـ (1912م) وبينما كان والده عبدالعزيز يقود "موافج" كان معه الأستاد حمود بن حسن. وفي الهند طلب منه الحاج عبدالعزيز أن يصنع له سفينة غوص (شوعي) ففعل وتم بناء السفينة على ساحل الملبار في الهند.
ولما حان موسم سفرهم إلى الكويت طلب الحاج عبدالعزيز من النوخذة أحمد الخرافي أن يحمل السفينة (الشوعي) على سطح سفينته المعروفة "منصور" فطلب مبلغاً يعادل 900 روبية لقاء ذلك. عندها عدل الحاج عبدالعزيز عن رأيه وقرر نقل الشوعي على سطح "موافج"، وقاس طول المقدمة وأوصى حمود بن حسن أن يقطع جزءاً من مقدمة الشوعي، ولما رفع على السطح كان هناك متسع له في المقدمة. عندها أبحر "موافج" إلى الكويت وعلى سطحه سفينة غوص وأطنان عديدة من الأخشاب والحبال وغيرها من الضروريات.
خدم "موافج" في النقل البحري الكويتي سنين طويلة، وكان يحظى بالتوفيق والعناية الإلهية. وبعد أن تركه النوخذة محمد العثمان تسلم قيادته العديد من النواخذة مثل القبطان الكويتي منصور الخارجي * وهو نوخذة ومعلم وصاحب لسان يتقن التحدث بالعديد من اللغات مثل العربية والفارسية والأردية ولغة ساحل الملبار وحتى اللغة السواحلية * كما قام بقيادته النوخذة يعقوب اليتامى، حتى بيع موافج على تاجر الأخشاب القديمة "غلوم" الذي "شتره" وباعه كأخشاب للوقود وألواح تستخدم لإصلاح السفن الصغيرة.
وبذلك تكون نهاية موافج كنهاية زميله "تيسير" الذي بيع على نفس التاجر، وانتهى إليه نفس ما انتهى إليه "موافج".
ولو سألت لماذا لم يُحفظ "موافج" و"تيسير" وغيرهما من سفن الكويت المميزة؟ لجاءك الجواب بأنه ما من أحد توقع في تلك السنوات أن هناك مارداً يدعى البترول سوف يظهر في الكويت ويقضي على عصر الشراع إلى الأبد.

المحمدي
سفينة أخرى لعائلة العثمان صنعها الأستاد حسين بن منصور. وقد أشرف على بنائها كبيرهم الحاج عبدالعزيز العثمان سنة 1936. وتبلغ حمولة" المحمدي" حوالي 2600 منّ، ويمتاز بحملاته المعتدلة، ويصفه النوخذة عيسى العثمان بأنه: "حمي وقوي الصنعة ويقبل في اليوش"، كما تبلغ سرعته 12 ميلاً في الظروف الجوية الملائمة.
أول من تسلّم قيادة "المحمدي" النوخذة يعقوب بن معيوف بشارة لمدة 5 سنوات ثم تسلم قيادته النوخذة عيسى العثمان من سنة 1942م وحتى سنة 1946م. وعلى يد هذا النوخذة خدم "المحمدي" النقل البحري الكويتي خدمة طيبة وحظي بالكثير من التوفيق وبخاصة في سنوات الحرب العالمية الثانية.
رحلات المحمدي
يتحدث النوخذة عيسى العثمان عن إحدى سفراته الصعبة على ظهر"المحمدي" فيقول: خرجنا من الكويت خالين من الحمل إلا من "الطعام"، وكانت وجهتنا إلى بومباي، وكانت تلك السنة تسمى سنة "البطاقة"(1942)، والسلع الضرورية كانت غالية الأثمان، فكيس الأرز كان يباع بحوالي 300 روبية، وكيس السكر بمبلغ 800 روبية، وأما أوقية الشاي فقد بلغ سعرها حوالي 50 روبية في الكويت.
وصلنا إلى بومباي وحملنا خشباً وإسمنتاً إلى كراتشي لاستخدامهما في عمل سكة القطار هناك، وحصلنا على 11000 روبية أجرة النقل، ثم رجعنا إلى بومباي وحملنا أقمشة بقيمة 15000 روبية. وكان معنا من السفن الأخرى بوم أحمد بشارة وبوم شمس الدين، وبوم سيد يعقوب وغيرهم عندما تركنا بومباي في طريقنا إلى الكويت.
وفي الطريق غابت عنا هذه السفن. وبعد حوالي 19 يوماً وصلنا إلى الكويت وأنزلنا بعض البحارة فيها وغادرناها بعد عشرة أيام إلى البصرة. وعندما وصلنا إلى البصرة كان لزاماً علينا أن ننتظر 40 يوماً حتى استطعنا أن ننزل ما عندنا من بضاعة، وحملنا بعد ذلك ستة خيول عربية إلى بومباي بمبلغ 900 روبية.
وعندما حان موعد سفرنا من البصرة رأينا السفن الأخرى التي خرجت معنا من بومباي قد بدأت في الوصول، ولما تحدثنا مع نواخذتها علمنا أن بعضهم لم يستطع الاستمرار في السفر، وكان عليه أن ينتظر الأسابيع الطويلة في بعض الموانئ تجنباً للعواصف.
وصلنا إلى بومباي بعد 17 يوماً، وهناك قابلنا النوخذة بلال الصقر وهو يستعد للسفر إلى الكويت. وحملنا ما استطعنا حمله من بضاعة وأسرعنا في السفر دون انتظار النوخذة بلال، فقد كان الوقت متأخراً (آخر الموسم).
وخرجنا قبله بأيام، وما إن ابتعدنا عن الساحل الهندي حتى ضربتنا عاصفة مخيفة فاضطررنا إلى النزول جنوباً في بحر العرب حتى جزر "سيشل" في المحيط الهندي. ثم هدأت العاصفة، واستسلمنا لريح "السهيلي" الجنوبي وأخذنا ما يقارب 18 يوماً للوصول إلى مسقط. كانت هذه العاصفة تسمى "ضربة الإكليل"، وفي هذا "الطوفان" البحري غرق بلال ومات هو ومعظم بحارته البالغ عددهم 45 شخصاً ما عدا 13 بحاراً استطاعوا النجاة.
وهذه قصة إحدى سفرات "المحمدي" الصعبة وليست الوحيدة في سنة 1946م.
حريق المحمدي
وبينما كان "المحمدي" يستريح في الكويت أمام منزل أصحابه إذا به يشتعل، وفي دقائق أصبح كتلة من النار الملتهبة، ولم يعرف السبب الذي أدى إلى احتراقه. لقد اعتبره أصحابه قضاءاً وقدراً.
لقد سلِم "المحمدي" من أهوال البحر ومصاعبه، ولكنه لم يسلم من النار التي أتت عليه وهو واقف على الساحل, فأحالته إلى كتلة من الرماد والمسامير

المحمدي الثاني
في عام 1365هـ (الموافق 1946م) اتفق التاجر عبدالله عبدالعزيز العثمان مع الأستاد علي عبدالله عبدالرسول على صنع سفينة له من نوع البوم السفار، وتم الاتفاق على أن يقوم التاجر عبدالله العثمان بتوفير الأخشاب اللازمة لهذه السفينة بينما يقوم الأستاد علي عبدالرسول بتوفير سبعة من القلاليف لبناء هذه السفينة، على أن يدفع له مبلغاً من المال يعادل 7500 روبية.
وفي 29 من ذي القعدة 1365هـ (24/10/1946م) تم مد قاعدة هذه السفينة، وفي 19 صفر 1366هـ (12/1/1947م) تم إنزالها للبحر لأول مرة.
وفي رسالة من عبدالله العثمان لابنه عيسى جاء أن هذه السفينة جاءت "على المطلب" (أي حسب المطلوب)، ولو أن صاحبها أراد أن تكون حمولتها أكثر من 2500 منّ لتحقق له ذلك.
وفي 6 ربيع أول 1366هـ (28/1/1947م) سافرت هذه السفينة إلى البصرة في أول رحلة لها إلى الهند، وكان دقلها مؤقتاً حتى أحضر لها النوخذة عيسى العثمان دقلاً من الهند حسبما طلب منه والده عبدالله، كما أحضر لها خشبة مناسبة للعارضة الرئيسة (الفرمن العود).
مواصفات المحمدي الثاني
يبلغ طول قاعدة السفينة حوالي 40 ذراعاً(60 قدماً). ويروي الأستاد علي عبدالرسول أن قاعدتها كانت من الخشب الفنص على غير العادة، حيث إن معظم خشب الكويت كانت قواعده من خشب الجنقلي. وكانت القاعدة بها بعض الانحناء في وسطها، ولكن الأستاد علي استخدم طريقة أدت إلى استقامة القاعدة.
وبدأ العمل واكتمل بناء السفينة بعد شهرين، وبلغت حمولتها حوالي 2500 منّ (188 طناً) وكان ذلك في سنة 1948. وأما الدقل العود فطوله 48 ذراعاً (72 قدماً)، وأما الفرمن العود فطوله 45 ذراعاً (67 قدماً) كما بلغ عرض السفينة حوالي 14 ذراعاً(21 قدماً) وارتفاعها حتى السطح العلوي حوالي 6.5 أذرع (10 أقدام)، وأما ارتفاع "السيبة" فهو ذراعان (3 أقدام).
رحلات المحمدي الثاني
أول من قاد هذه السفينة في أولى رحلاتها النوخذة سعود السميط ثم تسلمها صاحبها النوخذة عيسى العثمان وقادها حتى سنة 1953. وخلال تلك السنوات زارت هذه السفينة معظم موانئ الهند وإفريقيا (السواحل).
وفي سنوات حمل الذهب من الهند وإليها (1940 - 1950م) وضعت داخل هذه السفينة ماكينة (محرك) بالإضافة إلى الأشرعة عليها، وأصبحت "شراكة" مع التاجر فهد المرزوق منذ عام 1953، حيث ترك قيادتها النوخذة عيسى ليتسلمها نوخذة اسمه علي عبدالله.
وبعد سنوات من العمل في نقل الذهب إلى الهند تسلم قيادتها نوخذة آخر من خور "فكان"، وبسببه فُقدت هذه السفينة حيث استولى عليها الهنود في ساحل الملبار الهندي عام 1958م.

فتح الرحمن
في عام 1939 طلب النوخذة عبداللطيف سليمان العثمان من صانع السفن الأستاد حسين بن منصور أن يصنع له سفينة من نوع البوم السفار، فجاءت هذه السفينة كسابقتها "تيسير" والتي صنعها هذا الأستاد من قبل، كأحد أفضل خشب الكويت، فقد بلغ حمل هذه السفينة حوالي 4000 منّ، وقد أعجب بها الأستاد علي عبدالرسول ومدحها وأثنى على أستادها حسين بن منصور.
رحلات فتح الرحمن
تسلّم قيادة هذه السفينة النوخذة أحمد عبداللطيف العثمان الذي روى هذه الحادثة التي مرت عليه حين كان على قيادة هذه السفينة في سنوات الحرب العالمية الثانية (1941م) قائلاً:
"أبحرنا من ميناء "كوة" الهندي في طريقنا إلى بر عمان، وكنا عدة سفن منها "الداو" بقيادة النوخذة عبدالوهاب بن عبدالعزيز القطامي وأنا في سفينتي " فتح الرحمن"، وبوم محمد الجارالله وسفينة لنوخذة من أهالي قطر يدعى محمد ولد الخال.
وبعد مسيرة حوالي 5 ساعات حل الظلام الوقت، وشاهدنا بوم بن جارالله وبوم ولد الخال في اتصال مع بعضهما البعض من خلال الإشارات الضوئية فظننت أنهما يودان العودة إلى ساحل الهند بعد أن اشتدت عليهما الريح نظراً لصغر سفينتيهما، فلم نهتم بأمرهما كثيراً وتابعنا مسيرنا.
ولكن بعد مدة اتضح لنا الأمر، فقد كانت هناك غواصة (ألمانية أو يابانية) تراقبهما وهما يتصلان ببعضهما عن طريق الإشارات الضوئية، وبعد فترة كانت تسير تحت سطح الماء بين السفينتين، حتى ظهرت لهما وأطلقت عليهما النار فأغرقتهما، وركب البحارة في قارب "الماشوه" ووصلوا (عن طريق التجديف) إلى بلد شمال ولاية "كوة".
وهناك أخبرا المسؤولين بما جرى لهما. أما نحن فلم نسمع عن هذه الحادثة إلا بعد وصولنا إلى مسقط، ولقد عرفت هذه الحادثة بطبعة ولد الخال".
استمر النوخذة أحمد العثمان في قيادة سفينته "فتح الرحمن" حتى عام 1951م حين باعها إلى أحد النواخذة من خور فكان، وكان الواسطة بينهما النوخذة راشد العسعوسي، فبيعت بمبلغ 71000 روبية.
ولقد استخدم النوخذة الجديد هذه السفينة سنتين وفي الثالثة كان يحمل بضاعة من شط العرب، وقد وضع في "فتح الرحمن" محركاً لدفعه بدلاً من الشراع. ولما أبحر من شط العرب وأصبح بالقرب من ميناء بوشهر الإيراني دخلت الماء ولم يستطع بحارتها إنقاذها فغرقت هذه السفينة الجيدة عام 1953م.

فتح الكريم والعثماني
كما امتلكت عائلة العثمان السفن التالية من نوع البوم السفار:
"فتح الكريم":
وهو في الأصل للنوخذة عبدالعزيز العثمان، وقد قام بقيادته النوخذة أحمد السبيعي لمدة 3 سنوات، وكان يعمل في خدمة النقل الشراعي الكويتي في عام 1928.
وقد عمل على البوم فتح الكريم السكوني محمد صالح خميس غانم الخشتي بالإضافة إلى البحار في فتح الكريم أيضاً عبدالرزاق الخشتي.
"العثماني":
وهو للنوخذة والتاجر عبدالوهاب عبدالعزيز العثمان، وقد قام بقيادته النوخذة صالح المهيني عام 1943، كما قام بقيادته النوخذة يعقوب بشارة، وتبلغ حمولته 2600 منّ.

صناع خشب العثمان
(الأستادية)

إن صناعة ركوب البحر عملية تكاملية اشترك في إنجاحها مجموعة من النجوم المضيئة في سماء تاريخ الكويت البحري.
وقد تحدثنا عن دور النواخذة، ونواخذة السفر الشراعي بالتحديد في الريادة البحرية الكويتية طوال القرنين السابقين، ولكنهم لم يكونوا ليؤدوا هذا الدور دون جهود مخلصة ومضنية من آخرين. إنهم الأستادية والقلاليف البحارة بمختلف مستوياتهم الوظيفية على ظهر السفينة.
وفي هذا الكتاب سنستعين بما كتبه الباحث القدير د. يعقوب الحجي في كتابه "صناعة السفن الشراعية في الكويت"( )، وكذلك الباحث الأكاديمي المرحوم د. بدر الدين عباس الخصوصي في كتابه: "تاريخ صناعة السفن في الكويت وأنشطتها المختلفة"( ).
وتعرف صناعة السفن باسم "قلافة السفن"، و"قلافة" لفظة عربية ورد ذكرها في كتب اللغة( ): قلف السفينة أي خرز ألواحها بالليف، وجعل في خللها القار، والاسم القلافة، كما ورد أيضاً: قلف الشجرة أي نحّى عنها لحاءها، والقلف والقلافة بمعنى القشر.
وتنسب "قلافة السفن" إلى "القلاف" الذي يقوم بتسوية الأخشاب ونجارتها وقلافتها، وهي عملية شاقة للغاية حيث يعمل القلافون في ظروف صعبة من طلوع الشمس إلى غروبها.
وينتظم في حرفة "قلافة السفن" عدد من العمال يشرف عليهم " رئيس القلاليف" أو "الأستاد" الذي يقوم بتوجيه العمل بحكم خبرته في صناعة السفن، وهو بمثابة مهندس السفينة وواضع تصميمها وخطوطها الرئيسة بالفطرة والممارسة( ).
ولا تقتصر وظيفة "الأستاد" على بناء السفن فحسب، بل كانت تسند إليه مهمة إصلاحها كذلك، كما كان يعهد إليه بمرافقتها خلال رحلاتها الطويلة، لأن وجوده كان يشعر طاقمها بالأمان تجاه أية أخطار قد تصيب السفينة، ولذا كان "نواخذة" السفن يتنافسون على اصطحاب "الأساتدة" المشهورين، وذلك في مقابل "أسهم" يحصل عليها "الأستاد" تبلغ حوالي 250 روبية( ).
الأساتدة
وقد برز في الكويت عدد كبير من "الأساتذة" الذين كانت لهم شهرتهم ليس في الكويت فحسب، ولكن في منطقة الخليج العربي كذلك، مثل الحاج أحمد بن سليمان الذي يشيد به "ديكسون" وبأسرته المشهورة، كما ينوه بقدرته على عمل التصميمات المختلفة الخاصة بالقوارب، كما تشيد به ابنته "زهرة ديكسون" التي أقامت فترة طفولتها في الكويت عندما تقول:
".. إننا إذا مشينا في حوض بناء السفن الذي يملكه الحاج أحمد السلمان، رأينا العمال يقومون ببناء سفينة تعد أضخم السفن التي تصنع محلياً في الخليج.. (ذلك أن) الحاج أحمد يتمتع بشهرة واسعة في ميدان صناعة السفن.." ( ).
القلاليف
يساعد الأستاد في عمله مجموعة من بحاري السفينة ويسمون "القلاليف"، وهم الذين يقومون بتصنيع السفينة وإعداد خشبها، ومفردها "القلاف".
ويقسم د. يعقوب الحجي أجيال صناع السفن إلى ثلاثة أقسام:
الجيل الأول: وهم الرعيل الأول من الصناع الذين قدموا إلى الكويت من البحرين ومسقط وغيرهما من موانئ الخليج فأحضروا معهم خبراتهم الطويلة في صناعة السفن الشراعية الخليجية. هؤلاء الرجال لا يُعرف الكثير عنهم في هذه الأيام، ويمكن أن نرجح إنهاء هذا الجيل في منتصف القرن التاسع عشر.
ولم يكن هؤلاء الرجال يصنعون البوم السفار، ولكنهم اشتهروا بصناعة البغلة وسفن الغوص على اللؤلؤ، وصيد الأسماك وسفن النقل الساحلي والخليجي، التي كانت تصنع بحنكة وإتقان، بمعدل لوح واحد أو اثنين في اليوم. وكانت سفنهم، وبخاصة البغلة، آية في الجمال.
ولقد تتلمذ على هؤلاء الصناع جيل آخر من الصناع الكويتيين استمر من منتصف القرن التاسع عشر حتى الثلث الأول من القرن العشرين، وبذلك يكون هؤلاء من جيل المخضرمين، حيث إن بعضهم صنع العديد من البغلات والأبوام كذلك، ولمع منهم أفضل من عرفته الكويت من صناع سفن. ولقد عرف هذا الجيل المخضرم أيضاً بإتقان العمل، كما كانوا يصنعون السفن كبيرة الحجم * للسفر إلى الهند وإفريقيا * تلك التي تصل حمولتها أحيانا إلى 400 طن.
ولقد قام هذا الجيل على إعداد الجيل الثالث والأخير من صناع السفن الكويتيين وتدريبهم، وهو الجيل الذي امتاز بالسرعة في إنجاز العمل وبجمال الصنعة. إضافة إلى حرصه على بناء السفن ذات القدرات الملاحية الجيدة، وارتقى أفراده بالصناعة حتى عرفت الكويت بفضلهم أنها البلد الذي يصنع البوم السفار، كما لا يصنعه بلد سواها.
كما صنعوا اليخوت الجميلة لحكام الكويت، والسفن ذات المحركات (اللنجات) وسفن الغوص على اللؤلؤ وجميع أنواع السفن التي أثبت البوم السفار أنه أفضل منها استخداماً في البحار المتلاطمة، وأقل تكلفة وأسرع إنجازاً. ولقد تفنن هذا الجيل في صنع البوم السفار.
ويجدر بالذكر أن هؤلاء (الأستادية) اعتمدوا في عملهم على مجموعة من القلاليف الكويتيين الذين يعدون بحق أفضل قلاليف الخليج قاطبة من حيث الخبرة وإتقان العمل، وكأن كل سفينة يبنونها هي ملك لهم. وقد كانوا يتنافسون ويتسابقون فيما بينهم فلا يشعرون بانتهاء يومهم الطويل (منذ شروق الشمس وحتى الغروب) إلا بعد سماع أذان المغرب ينطلق من فوق المآذن المنتشرة على ساحل مدينة الكويت.
وبعد هذه المقدمة عن الأساتدة والقلاليف وأجيالهم الثلاثة، لعله من المناسب أن نُعرِّف بأشهر ثلاثة أساتدة قاموا بصنع أشهر خشب العثمان.
رد مع اقتباس