عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 05-02-2010, 05:15 AM
الصورة الرمزية جون الكويت
جون الكويت جون الكويت غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 2,208
افتراضي

الغوص في أعماق التاريخ

كتب أمين معرفي
عندما نغوص في أعماق التاريخ نستخرج من أحشائه الدرر الكامنة لحوادث مرّت بها الديرة، التي تفوح منها الرائحة الزكية، كالمسك والعنبر من ماضيها الجميل لأبناء تربوا على العادات والتقاليد والقيم الأصيلة وأصبحت نبراسا يضيء لهم دروبهم في الحياة وتمسكوا بها.

وصارت جزءا من ثقافتها التي توارثوها جيلا بعد جيل، فلم يتعلموها من مدارس ومعاهد علمية حديثة، إنما رضعوها من ثدي الوطن الذي تدثروا بردائه للوقاية من الأخطار المحدقة بهم، فلم يستطع كائن ما دق إسفين الخلاف بينهم.
لأنهم لم يكونوا يعرفون شيئا عن الأعراق والأطياف، وإنما ما كان يـجمعهم هو العقيدة الراسخة «حب الوطن» والتفاني في سبيل الذود عن حياضه ضد كل من تسول له نفسه التعرض له بالسوء.

لذا تـخطوا واجتازوا الصعاب لوقوفهم صفا واحدا كالبنيان المرصوص يشد بعضه ازر بعض، وكانت اللحمة في ما بينهم متينة وهي أحد اسباب قوتهم، حيث عجز اعداؤهم قديما عن شق هذا الترابط والتلاحم والتآزر والتكاتف وكانوا يتقاسمون لقمة العيش على الحلوة والمرة.
ولم يكن يهدأ لهم بال إذا ما أصاب أحدهم مصيبة ما، فكانوا يتسارعون لتقديم العون رغم الفاقة والعوز، مستلهمين ذلك من العقيدة الإسلامية الغراء وأصالة العادات والتقاليد العريقة.

ومن الحوادث المهمة التي مرت بها الديرة، وتدل على حب الخير هي سنة «الهيلك» أو الهيلق، كما يسميها البعض، وهي مجاعة عمت المنطقة العربية ما بين الفرات شمالا حتى الإحساء جنوبا وكذلك البلاد الواقعة على الساحل الشرقي للخليج العربي، وذلك بسبب ما أصاب المنطقة والبلاد المجاورة من جفاف واستمرت المجاعة من سنة 1868حتى 1871م، وفي أتون هذا الموقف الصعب قصد الكويت الكثير، طلبا للمأوى والغذاء خلال هذه السنين العجاف، وقام أهل الكويت الخيرون.

وفي مقدمتهم حاكم البلاد الشيخ جابر الأول أو «جابر العيش» -كما كان يكنى- بفتح بيوتهم للناس وإطعامهم في وقت يندر فيه ما يسد رمق الجائع ويروي ظمأ العطشان، ومن أبرز العوائل الكويتية التي قدمت المساعدة للمحتاجين: آل البدر وآل الصبيح وآل معرفي وآل العتيقي وسالم بن سلطان وآل الإبراهيم، وغيرهم كثير ممن فتحوا بيوتهم ليلجأ اليها الناس. وخصص -المرحوم- يوسف البدر بيتا أقام فيه مطبخا لإطعام المحتاجين حتى تجاوز الناس هذه المحنة.

هذا غيض من فيض مما خلده لنا التاريخ عن ماضي الديرة، التي جبل أهلها على الخير وما أحوجنا اليوم إلى التذكير بهذه الفترة العصيبة من تاريـخنا العطر حتى يصبح نبراسا يضيء طريق الأبناء والأحفاد للحفاظ على المكتسبات التي ورّثها لنا الأجداد، فهل يتعظ الجيل الحالي بحياة الماضي القاسية وضنك العيش ويكون قادرا على التوازن مع نفسه حتى يستطيع العبور إلى بر الأمان بقيادة آل الصباح الكرام؟!

أدام وأعز وأبقى الله من كانت الكويت همّه الأول والأخير.

أمين معرفي
القبس - اليوم
رد مع اقتباس