عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 02-07-2012, 09:49 PM
ندى الرفاعي ندى الرفاعي غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 693
افتراضي

هاشم أحمد الرفاعي أحد رجال ديوان الملك عبد العزيز قبل اكتمال توحيد المملكة

بقام: عبد الرحمن بن سليمان الرويشد

لم يكن نصيب سيرة السيد هاشم بن احمد الرفاعي من التدوين في بلده الاصلي (البصرة ـ الكويت) بأقل من نصيبها في بلده الثاني (المملكة العربية السعودية).
واذا كنا قد نلتمس العذر لمن اغفل ذكر اسمه بسبب موقفه من بعض القضايا السياسية لذينك القطرين، فما عذر المؤرخ المهتم بتدوين الاحداث عن اوائل نشأة الدواوين والتكوين الاداري للمملكة؟! وقد حاولت ان اتصيد بعض اخبار هذه الشخصية فلم اظفر رغم بحثني المتواصل بما يبل الصدى او يشفي الغليل، اذا استثنيت بضع مقالات نشرت في جريدة الثغر (البصرية) ثم تم جمعها في كتاب طبع في بغداد بمطبعة الرشيد عام 1358هـ (1939 م) سرد فيها السيد هاشم بعض ذكرياته عن خدمته في بلاط السلطان عبد العزيز، وعن احداث اخرى اعقبت اعتزاله الخدمة.. اهدى تلك الذكريات لمن يجعل مهنة الكتابة شغله الشاغل، فكانت سبب شقائه.
كما لم اجد في المصادر السعودية والكويتية ما ينعش الامل في العثور على اكثر من ذلك.. اللهم الا ما اورده الاستاذ المؤرخ الصحفي امين الريحاني في كتابه (ملوك العرب) عن السيد هاشم الرفاعي وانه اول من اتصل به بتكليف من السلطان عبد العزيز، حيث فوجئ الاستاذ امين الريحاني وهو في داره بالبصرة بضيف يدخل عليه، هو السيد هاشم الرفاعي، كويتي التبعية، لكنه في خدمة ابن سعود، ثم يقول الزائر للريحاني: ان السلطان عبد العزيز يقرأ مقالاتك في الجرائد التي تصله اسبوعيا، وهو متشوق الى مشاهدتكم في بلاده، وينتظركم في الاحساء.. عندها ذهل السيد امين الريحاني، فقد كان يصارع الانجليز ويحادثهم منذ شهر محاولا الحصول عى اذن بالسفر الى نجد على امل اللقاء بالسلطان عبد العزيز، فاذا السلطان يعرفه ويقرأ له ويرسل له من يستدعيه للمقابلة.. ثم يضيف موظف الديوان ـ رسول السلطان عبد العزيز ـ نعم السلطان يحب الاجتماع بكل اديب عربي مخلص لبلاده.
ويقول الريحاني: انه بعد تلك الكلمات كدت ان أقَبّل جبين السيد الرفاعي.
ويتناول الريحاني في مذكراته عن السلطان عبد العزيز الكثير من المواقف التي جمعته بالسيد هاشم الرفاعي بأمر من السلطان عبد العزيز، حيث كان السيد هاشم اجدر رجال ديوان السلطان عبد العزيز عام 1341هـ اوائل نمو شؤون المملكة، وقبل انضمام الحجاز الى بقية اجزاء الوحدة.
ويعود اهتمامي بهذه الطبقة من موظفي ديوان الملك عبد العزيز وبلاطه السامي الى ان ذلك الصنف من الرجال ليسوا كتبة او موظفين، يسعون صباح كل يوم الى غرف مكاتبهم، ثم يغادرون تلك المكاتب فور انتهاء فترة الدوام.. هذا الوصف انما ينطبق ـ آنذاك ـ على الدوائر الفرعية التي بدأت تظهر في اواخر حياة الملك عبد العزيز. وانما قصدت برجال الديوان ذلك الفريق العامل بمعية جلالته، والذين كانوا دائما وابدا يتحركون، واحيانا يغادرون اماكن عملهم في مهمات لا يعلمها سوى رجل الديوان الاول، يتم ذلك بأسلوب فريد تقتضيه طبيعة العلاقات المتاحة آنذاك.
والسيد هاشم بن احمد الرفاعي من مواليد البصرة في العراق وينتمي لاسرة عربية عريقة انتشر افراد منها في بيوتات تسكن البصرة والكويت والبحرين والحجاز، ونسبتهم للرفاعية لانتماء اوائلهم الى الطريقة الصوفية المعروفة والمنتشرة في العالم الاسلامي.
وقد اشتهر عدد من افراد هذه الاسرة الكريمة بالتفوق في العلوم الشرعية وشغل مناصب القضاء والوظائف الادارية واشتهر البعض منهم بممارسة الشعر والأدب.
ويعد السيد هاشم ممن تضلع بالثقافة العربية والدينية، مما جعله يمتهن الكتابة، وينشر مقالاته في صحافة ذلك العهد.. وعندما عزف عن الوظائف الحكومية اصبحت الكتابة ـ كما يقول عن نفسه ـ شغله الشاغل على مدى خمسة عشر عاما.. وقد اهتم بالصحافة الى درجة دفعت به الى ان يحاول اصدار جريدة في بغداد، وقد حصل على ترخيص بذلك لكن صدامه بموظف التراخيص في وزارة الداخلية العراقية حرمه من تلك الرغبة.
وتعود معرفة السيد هاشم بالسلطان عبد العزيز الى معرفة والده بالامام عبد الرحمن بن فيصل وصلته به بصداقة متينة، عندما كان الامام عبد الرحمن واسرته في الكويت، فقد كان الامام عبد الرحمن يتبادل الزيارة مع والد السيد هاشم في الكويت.
ويقول السيد هاشم: «كنت ولم ابلغ سن الرابعة من العمر اصحب والدي الى مجلس الامام عبد الرحمن، وكنت ادرس في الكتّاب الذي يدرس فيه الملك عبد العزيز في الكويت» ويظهر ان استقدام عبد العزيز للسيد هاشم، كان من اثر تلك العلاقة، واساسه تلك المعرفة.
فعندما ابلغ الشيخ عبد الله بن حمد النفيسي ـ الوكيل الشخصي للسلطان عبد العزيز في الكويت عام 1340هـ ـ 1921 م ـ هاشم الرفاعي ان السلطان عبد العزيز يرغب في مقابلته في الاحساء رحب السيد هاشم، واستجاب لتلك الرغبة، وعند حضوره الى هناك عرض عليه السلطان ان ينضم الى كُتَّاب ديوانه، وان يعمل معه وحدد له راتبه السنوي في حدود (2500) روبيه، ورغبة من السلطان في ان يساعد ذلك الرجل امر ان يضاعف له ذلك الراتب باسم مخصصات اضافية، فأصبح راتبه في دوان عبد العزيز ـ انذاك ـ خمسة آلاف روبية سنوية.
وكان اول عمل انيط به ان انتدبه السلطان الى البصرة للاتصال بالكاتب الصحفي الاستاذ امين الريحاني وهو اذ ذاك في البصرة، وان يحمل له مشاعر السلطان نحوه كما اشرنا الى ذلك آنفا.
وكان الملك عبد العزيز يرى ان بناء الدولة لا يمكن ان يضطلع به جهد فرد واحد.. لذلك كان بلاطه السامي يعج بالرجال المثقفين، وينتمي معظمهم الى جنسيات عربية مختلفة بالاضافة الى مجموعات اخرى من مواطنيه، ومن اهل بيته مستشارون ومندوبون، يرجع اليهم، ويعمل بمشورتهم كل في حدود اختصاصه.. وكان الكثير منهم له تجاربه الوفيرة في السياسة والمجتمع.. ومع ذلك لم يستطع احد منهم مهما علت مكانته ان يفرض عليه رأيا معينا، كما لم يشعر احد منهم انه الافضل او الاقرب، على الرغم من ان بعضهم كان رأيه يحمل السلطان على ان يتراجع عما تمسك به من رأي.
وقد اشار في يوم من الايام، وعلى اثر اختلاف كبير في وجهات النظر وهو يخاطب كل المستشارين: «ها نحن هنا نمثل الامم المتحدة، او قال عصبة الامم.. نختلف ولا نفسد للود قضية».. لذلك كان تاريخ الملك عبد العزيز خلاصة نتيجة تعرفه المبكر على اسس القوانين التي تتحكم في مصائر الامم والشعوب.
وعندما قضى السيد هاشم الرفاعي في ديوان السلطان قرابة السنة وهو يشغل وظيفة كاتب، قرر السلطان ان يبعث به ليمثل بلاده في مفاوضات الميجور (فرانك هولمز) الذي تقدم بطلب امتياز نفطي في بلاد نجد، وعندما كان السيد هاشم على وشك تسلم تلك المهمة والذهاب الى البصرة لانجازها، كان احد مستشاري السلطان عبد العزيز السيد (عبد اللطيف المنديل) موجودا بصحبة السلطان عبد العزيز في الاحساء، وقد حضر اليها ليشارك السلطان مستشارا في مؤتمر العقير، وعلم بالامر فخاطب السلطان معترضا على ذلك الترشيح قائلا: «ان السيد هاشم وان كان يتمتع بصفات الموظف النشط، الا ان هذه المهمة بالذات مهمة شاقة فضلا عن انه قريب العهد بالخدمة في ديوان السلطان، ولا اعتقد انه يمتلك في الوقت الحاضر الكفاءه التي تخوله لتمثيل تلك المهمة الخطيرة».
ومع صراحة المستشار السيد عبد اللطيف لم تنل تلك الصراحة من احساس السيد هاشم، بل انه كما يقول: قد ازاح عنه ثقل تلك المهمة، التي كان يداعبه الخوف من الفشل في ادائها وقد تلت تلك المهمة التي لم يذهب اليها السيد هاشم عدة مهمات، منها: السياسي، ومنها المالي، فكان يحظى بثقة السلطان وعطفه.
وذات مرة ـ وكان وقتها يعيش مع موظفي الديوان في الرياض ـ استدعاه السلطان عبد العزيز ليعرض عليه موضوع الزواج وينفره من وضع «العزوبة» قائلا له: «الزواج بمثابة درع يتقي به المرء خطر الفساد»، فاستسلم السيد هاشم لإرادة السلطان التي لا تقبل الامتناع، وتوكل على الله، وعزم على أن يرتدي ذلك الدرع ليتقي به نبال الفساد.
وكان السلطان عبد العزيز قد أوعز إلى احد خاصته وهو شخصية كبيرة من حاشيته يدعى «عبد العزيز الرباعي» وطلب أن يبحث أهله عن امرأة صالحة تكون زوجة للسيد هاشم لتزيل عنه وحشة الاغتراب، وتم الاختيار، وبعث السلطان بهدايا العرس من نقود وثياب، وعند عقد القران حدث شيء ما حال دون ذلك، حيث سمع أقارب العروس وهم يسكنون في ضاحية الرياض بنبأ تلك الزيجة، ويا لدهشتهم عندما علموا أن غريبا لا يعرفونه يريد الاقتران بقريبتهم فاعترضوا سبيل ذلك، وحاول السلطان عبد العزيز أن يشرح لتلك الجماعة من الأقارب بأن هاشما الرفاعي من بيت رفيع، لكنهم لم يلتفتوا لذلك، وأصروا على عدم إتمام ذلك الزواج، وردت الهدايا إلى خادم السلطان عبد العزيز الوسيط (عبد العزيز الرباعي)، فتأزم الموقف ـ آنذاك ـ واشتدت الممانعة.. عند ذلك ذهب السيد هاشم إلى السلطان في قصره يستعطفه ويتقدم بعذره إليه عن ذلك الزواج، الذي يمكن أن يكون سببا في مشكلة تقوم بين العائلة، فرده السلطان عبد العزيز ببشاشة، وأفهمه بأن ليس في الطريق ما يعيق، وأنه سوف يتدبر الأمر.. ولم تتم تلك الزيجة.
ويذكر السيد هاشم أن من بين المهمات التي كان يقوم بها في خدمة السلطان عبد العزيز قضايا تكشف عن مدى نزاهة القضاء والعدل وعدم تدخل السلطان في أعمال القضاة، ويستشهد على ذلك بقصة كان هو الواسطة فيها، ذلك: أنه ـ عندما كان احد موظفي الديوان بالرياض ـ حدث أن عائلة نجدية من العائلات العريقة في القصيم كان لها عقار وأملاك في مدينة البصرة قبل الحرب العالمية الأولى، وبعد انتهاء تلك الحرب طرأ على تجارة تلك العائلة ضعف وخلل، فغادرت البصرة إلى القصيم، إلا فرد من تلك العائلة بقي في البصرة يدير تلك الأملاك ويشرف عليها باسم العائلة.
وبعد مضي مدة من الزمن اتهمت العائلة في القصيم ذلك الفرد بالتلاعب في حسابات تلك الأملاك.. ويشاء الله أن يقدم ذلك الفرد إلى أقاربه في القصيم.. فتنتهز العائلة الفرصة وتقدم شكواها للسلطان عبد العزيز في الرياض، فما كان من عظمته ـ وهو المحب للعدل ـ إلا أن أمر بأن يحضر الأخصام إليه، وعند مقابلته ارتأى أن تحل القضية بينهم صلحا، وعهد إلى موظف الديوان السيد هاشم الرفاعي بأن يدرس تلك القضية وأن يدقق في الحسابات، وكل ما يتصل أو يتعلق بتلك القضية، وأن يقدم تقريرا بذلك، وأن تتم الدراسة والمراجعة بحضور الخصوم وأخذ موافقتهم حول كل نقطة يدور النزاع حولها. وانتهت القضية بالصورة التي ارتضاها الجميع بمتابعة السلطان، وأمر ـ حينذاك ـ بأن ينظم بموجب ذلك ورقة صلح توقعها كل الأطراف.
وحتى تكون تلك المصالحة سارية المفعول ومقبولة لدى الدوائر الرسمية في البصرة، كان لا بد من مصادقة القضاء الشرعي في نجد على ورقة المصالحة، فكلف السلطان عبد العزيز كاتبه هاشم الرفاعي أن يذهب بورقة الصلح والخصوم إلى قاضي الرياض ـ آنذاك ـ الشيخ سعد بن حمد بن عتيق، لكي يستنطق الخصوم ويذيل على ورقة المصالحة ويختمها.. فطلب القاضي الشيخ سعد من السيد هاشم أن يتلو عليه ورقة الصلح، وبعد هنيهة وإنصات من القاضي استفسر من السيد هاشم:
الصلح حصل بواسطة السلطان ـ حفظه الله ـ أليس كذلك؟ فأجاب السيد هاشم: نعم يا حضرة القاضي. فقال الشيخ سعد: إن الصلح الذي يحصل على من بيده السلطة يكون أحد الطرفين فيه مغبونا، لذا عليك أن تبلغ السلطان ـ حفظه الله ـ بأنني لا أستطيع أن أتحمل مسؤولية الغبن بحق احد الخصمين، لذلك فأنا لا أستطيع أن أوقع على هذه الورقة، وأبلغ الإمام ـ حفظ الله عليه دينه ودنياه ـ أنه إذا كان لا بد من ذلك فإن عليه أن يدفع إليَ بالخصمين ليترافعا إمامي.. وسوف أحكم في القضية وأوقع حينئذ ورقة الحكم.
كان ابن عتيق يتحدث في هذا الموضوع بصورة قطعية لا تقبل النقاش.. وعندما بلغ السلطان عبد العزيز ذلك أعاد الورقة مع احد رجاله إلى القاضي، وزوده بكلمات لم يسمعها أحد. فعاد الرسول مرة ثانية، ومعه الورقة من دون توقيع.. فكتب السلطان في الحال كتابا شديد اللهجة للقاضي، وأشار إلى أن عليه إذا كان يشك في حصول الغبن على أحد الخصمين أن يستحلفه.
فجاء الجواب من القاضي على الفور بأسلوب مؤدب، يشعر بتعظيم سلطة القضاء ونزاهة القاضي، فقبل السلطان عبد العزيز ذلك بكل رحابة صدر.
ومن يقرأ الرسائل المتبادلة بين الملك عبد العزيز وبين أمين الريحاني.. وقد نشرت تلك الرسائل في كتاب صدر في بيروت وطبعته دار النشر «أمواج» عام 2001 (1422هـ) يجد في مضامينه ما يدل على مكانة الأداء الوظيفي في الديوان السلطاني للسيد هاشم الرفاعي، لا سيما الرسالة التي بعث بها السلطان عبد العزيز للأستاذ أمين الريحاني في 27 ربيع الأول 1341هـ ـ نوفمبر (تشرين الثاني) 1922م.. ورسالة أخرى ملحق بها بعض التقارير موجهة من الأستاذ أمين الريحاني إلى السلطان عبد العزيز في 25 ربيع أول 1343هـ ـ نوفمبر 1922م.
وعندما وقع الصدام الدامي بين أهل نجد وبين بعض رعايا إيران في البحرين، وتطور الوضع في ذلك الصدام، حتى أدى إلى الاحتراب الذي نتج عنه سقوط عدد من القتلى والجرحى من الطرفين، وذلك عام 1341هـ (1922م)، ولم تظهر سلطات الأمن البريطانية أي اهتمام في إيقاف تلك الاستفزازات، مما أدى إلى تبادل الرسائل بين السلطان عبد العزيز ورئيس الخليج آنذاك الكولونيل «نوكس» الذي أصر على أن المصادمات يتحمل مسؤوليتها رعايا السلطان ابن سعود وقد حدثت بقيادة وكيله في البحرين عبد الله بن حسن القصيبي، لذلك قرر رئيس الخليج إبعاد القصيبي عن البلاد وطلب من السلطان عبد العزيز عدم إرسال أي وكيل له في البحرين إلا بعد استشارة الدولة البريطانية.. فرد السلطان عبد العزيز على رئيس الخليج بخطاب غاضب حرر في 5 شوال 1341هـ ـ 26/5/1923م، وأرسل الخطاب صحبة السيد هاشم الرفاعي ولمح فيه إلى أنه كان ينتظر من رئيس الخليج اعتذارا عن ذلك الاعتداء، بدلا من وضع اللوم على رعاياه في البحرين، وأن ما حدث من إصدار أمر بمغادرة وكيله البحرين يعتبره مساسا بكرامة جلالته.
وعند لقاء رئيس الخليج بـ ـ رسول جلالة السلطان ـ السيد هاشم، وتسلم الخطاب المشار إليه، ندم وحرر مسودة جواب أضعف لهجة من خطابه السابق، وقبل أن يعتمدها أطلع عليها (مندوب السلطان) السيد هاشم الرفاعي الذي درس المسودة، واقترح بعض التعديلات لتكون ملائمة لمخاطبة السلطان عبد العزيز.
وقد أشار الأستاذ راشد ابن الشيخ الزياني في كتاب صدر له حديثا إلى تلك المراسلات والى تلك القصة بكاملها في كتابه «البحرين بين عهدين».
لم يستمر السيد هاشم الرفاعي طويلا في خدمة السلطان عبد العزيز، لكنه مع ذلك أنجز خلال زمن قصير في خدمة السلطان أكثر مما أنجزه غيره في زمن طويل.. وكان آخر عمل أوكل إليه هو انتدابه للإشراف على إدارة شؤون الجمارك في الأحساء والقطيف، وأعطي كامل الصلاحيات في ذلك العمل، لكنه لم تغره تلك الوظيفة، وكان بطبيعته يكره العمل في الوظائف المالية، ويقول: «من يتولى المال يصبح عدوا للرجال»، وقد لبى أمر السلطان عبد العزيز في إشغال تلك الوظيفة، لكنه اشترط عليه ألا يبقى كثيرا في ذلك المنصب.
وكان أثناء عمله في تلك الوظيفة ينتدب بين آونة وأخرى لتمثيل حكومة السلطان مع أعضاء آخرين أمثال السيد حمزة غوث، والشيخ حافظ وهبة، والدكتور عبد الله الدملوجي، والشيخ عبد العزيز القصيبي، حيث شاركهم في أكثر من لجنة، كما شاركهم في حضور بعض المؤتمرات المهمة.
وبينما هو في الكويت ـ لحضور مؤتمر الكويت الأول ـ نما إلى سمعه أن جماعة من أهل القطيف ممن يتعاطفون مع مدير الجمارك السابق قد لفقوا ضده بعض التهم التي تتصل بالاختلاس من أموال الدولة، فتكدر لذلك الأمر، وقرر أن يقدم استقالته من إدارة شؤون الجمارك في الأحساء والقطيف، وأصر على ذلك، وقدم تلك الاستقالة فور عودته من مؤتمر الكويت حينما ذهب إلى الأحساء لمقابلة السلطان ليطلعه على نتائج المؤتمر، لكن السلطان رد على تلك الاستقالة شفهيا بقوله: يا سيد هاشم أنت تعلم أن ثقتي بك كبيرة، وتعلم أيضا أن الوظيفة التي تشغلها مهمة، وسوف لن تبقى بها كثيرا، وعليك أن تستأنف مباشرة العمل، فكان من حسن حظ السيد هاشم أن تقرر عقد مؤتمر الكويت للمرة الثانية، فعاد إلى الكويت لشغل منصب عضو المؤتمر.
وعندما عاد الوفد من ذلك المؤتمر إلى البحرين، بقي السيد هاشم في البحرين، وقرر الانفصال من الخدمة، وقرر رفع الاستقالة المؤرخة في 10 شوال 1343هـ شرح فيها أسباب استقالته وحاجته إلى الراحة. وبعد أيام تلقى من السلطان عبد العزيز خطابا مصدره الرياض يشكر السيد هاشم على جهوده، لكنه لم يشر إلى الاستقالة، وبدلا من ذلك قال له السلطان: إن بقاءك في البحرين هو طبقا لرغبتي، ووكل إليه المشاركة في بعض الأعمال كما طلب منه أن يقدم إليه بعد إنجازها في أرض القصيم.
ثم تلقى بعد ذلك خطابات كثيرة من السلطان ولم يجد فيها أي إشارة إلى قبول الاستقالة.. إلا أن السلطان في آخر جواب تلقاه السيد هاشم من عظمته أشار فيه إلى تعيين «حمد السليمان الحمدان» ليحل محله في القطيف، وأن عليه أن يذهب إلى هناك فيسلمه كل ما لديه من عهدة، ويوافيه بعد ذلك في القصيم.
وعند مقابلة السلطان عبد العزيز فاجأه بقوله: «يا أخ هاشم.. إننا والله نعرف من إخلاصك ونصحك واجتهادك ومقدرتك أكثر مما تعرفه أنت عن نفسك.. فإن أردت الإصرار على استقالتك فنحن ربعك الذين لا نتغير ولا تغيرنا الليالي والأيام، وإني لأرجو لك الله التوفيق والهداية».
واعتبر السيد هاشم أن هذه الكلمات الجميلة هي قبول للاستقالة، وظلت صلته بالسلطان عبد العزيز متصلة من دون انقطاع.
رحم الله الملك عبد العزيز، ورحم الله السيد هاشم بن احمد الرفاعي، الذي لم يأل جهدا في خدمة هذه البلاد التي كانت أحوج ما تكون إلى جهده آنذاك.. فقدَم ما يملك من جهد وحسن أداء.

http://www.aawsat.com/details.asp?is...article=256728
__________________

*****
๑۩۞۩๑

{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين}
هود114
๑۩۞۩๑

*****
رد مع اقتباس