عرض مشاركة واحدة
  #29  
قديم 03-05-2009, 11:31 PM
الأصيلة الأصيلة غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
الدولة: Kuwait
المشاركات: 231
افتراضي

الشهيد/ سعد راضي سعد المياس

تاريخ الميلاد: 23-8-1968
تاريخ الاستشهاد: 15/10/1990

الأيام الأولى للاحتلال

كان رحمه الله يحمل الكثير من الصفات الرجولية والبطولية وكان يتأمل الأحداث المحزنة التي صار عليها بلده الكويت، ويقول لصديقه «يجب أن يضحي الإنسان في سبيل وطنه» فكان رحمه الله يشعر بالقهر والغضب وأنه ليس هناك ما يحول دون المقاومة والتحدي وكل من يقابله كان يلاحظ حماسه الشديد وهمته القوية، ورغبته في القيام بعمل ما من أجل الكويت ومنذ اليوم الأول حاول الحصول على السلاح، حيث ذهب مع مجموعة من الشباب إلى مخفر منطقة الصباحية، وطلبوا السلاح لكنهم لم يحصلوا عليه، فذهبوا إلى معسكر عريفجان وهناك أخبروهم بعدم وجود السلاح لكنهم رغم ذلك انتظروا لعل وعسى، ثم اضطروا إلى مغادرة المعسكر، ومع ذلك لم ييأس فكان يسعى من أجل توفير السلاح لمقاومة المحتل، لأنه لم يكن ينوي الاستسلام والانزواء في المنزل.
لم يفكر في مغادرة الكويت، وكان يجلس مع مجموعة من الشباب في الديوانية لمتابعة الأخبار والتشاور، في كيفية توفير التموين وخدمة أهالي المنطقة، ومن الأنشطة التي قام بها اشتراكه في مظاهرة في اليوم الأول للاحتلال، وفي اليوم الثالث حضر إلى الديوانية وبحوزته خطة إعداد منشورات فنصحه أحد رفاقه بالتروي والتفكير نظراً لخطورة هذا العمل في تلك الظروف فكان جوابه «لن أفكر» فقد عزم وتوكل على الله سبحانه وتعالى لأن الحماس سيطر عليه وكان يرى ضرورة المقاومة لأنها هي وسيلة الاحتجاج على الاحتلال، ثم باشر بنقل المنشورات في سيارته وعندما حذره صديقه من النتائج التي يمكن أن تترتب على عدم أخذ الحيطة والحذر أجابه «الرب واحد والعمر واحد» وأكد له اصراره على المضي في المقاومة مهما كانت الصعاب، فلم يعد يرى أمامه غير الدفاع عن الوطن.

المقاومة

بالاضافة إلى إعداد المنشورات التي تندد بالاحتلال، شارك في المقاومة المسلحة بالتعاون مع مجموعة للمقاومة في المنطقة العاشرة التي نفذت بعض العمليات البطولية ضد القوات العراقية، أما الشهيد فقد قتل ثلاثة من جنود الاحتلال، كما أحرق بعض السيارات العراقية، وقام بجمع الأسلحة ، كما أكدت أخته ذلك بناء على المعلومات التي نقلها إليها بعض الأشخاص الذين كانوا يشيدون بشجاعة الشهيد رحمه الله. وعلى الرغم من صعوبة الحصول على معلومات دقيقة وتفصيلية عن نشاط الشهيد في مجال المقاومة المسلحة وغيرها فإن هناك بعض المعطيات خاصة تلك المرتبطة بحيثيات الاستشهاد التي تؤكد ان الشهيد رحمه الله كان يقضي معظم وقته في القيام بأنشطة ضد الاحتلال العراقي..


ملابسات الاعتقال

كانت الوشاية والغدر السبب في وصول قوات الاحتلال إلى الشهيد وجاء الغدر من أشخاص كان يعتبرهم رحمه الله أخوة وأصدقاء جمعته معهم سنوات الطفولة والشباب، ولذلك كانت ثقته بهم كبيرة فلم يهتم لنصائح صديقه بضرورة الانقطاع عنهم، وهم عبارة عن مجموعة من الفلسطينيين كانوا يسكنون في منطقة الفحيحيل ربطتهم بالشهيد صداقة قديمة، ورغم انقطاعه عنهم قبل الاحتلال إلا أنه أعاد معهم العلاقة، ومن المعروف أنه في تلك الأيام كان لكثير من أبناء الجالية الفلسطينية علاقات وثيقة بقوات الاحتلال العراقي ليس مجالها هذه الحيثيات، ولكن الشهيد كما سنلاحظ لم يضع في اعتباره هذه التطورات السلبية في مواقف تلك الجماعات من الكويت والشعب الكويتي ومما يؤكد دورهم في اعتقاله انه رحمه الله عندما كان في المعتقل قال لابن عمه ان اعتقاله تم بناء على تبليغ من الفلسطينيين الذين كانت تربطه بهم صداقة وأنهم أخبروا السلطات العراقية المحتلة انه يطبع منشورات ويرفع علم الكويت فتم اعتقاله، وكان ذلك يوم 19/9/1990، حين تأخر رحمه الله ولم يعد إلى المنزل، مما آثار قلق أهله فأسرعت أخته للسؤال عنه عند أولئك الأصدقاء فأخبروها بأن السلطات العراقية اعتقلته، قالوا لها ذلك رغم ان اعتقاله كما تبين بعد ذلك تم في أثناء عودته إلى منزله من الفحيحيل، أي انه لم يعتقل عندما كان معهم مما يثير التساؤل كيف علموا باعتقاله؟ لقد كانت مفاجأة مؤلمة فظيعة، فحاول أهله الاطمئنان عليه وسألوا عنه في مخفر الفحيحيل، ورغم وجود سيارته هناك، إلا أن ضباط المخفر أنكروا وجوده، فلم تفلح جهود أهله في الوصول اليه.

في المعتقل

لقد كان رحمه الله في المعتقل، يتعرض للتعذيب الوحشي لأنه أحب الكويت وأخلص لوطنه ودافع عنه، فتعرض لمعاملة قاسية ووحشية من العراقيين الذين نقلوه إلى حجرة من حجرات جمعية المعلمين الكويتية التي حولتها سلطات الاحتلال العراقية إلى معتقل مثل العديد من المؤسسات والمباني العامة والخاصة وقد التقى هناك ابن عمه المعتقل الذي لم يكن يعرف أن الشخص الذي يئن ويتألم هو الشهيد سعد، لكنه عندما رفع العصابة عن عينيه فوجئ بالشهيد سعد معه في الحجرة فشرح له سبب اعتقاله الذي أشرنا إليه وهو وشاية من الفلسطينيين، كما علم ابن عمه أن الضباط هددوا الشهيد بالتعرض لأهله، فاضطر إلى الاعتراف أنه يطبع منشورات ويرفع علم الكويت ، لذلك واصلت سلطات الاحتلال تعذيبه لانتزاع المزيد من المعلومات منه.

تم نقل الشهيد وابن عمه من جمعية المعلمين إلى مبنى بلدية الجهراء ذلك المبنى الذي شهد الكثير من المآسي في تلك الفترة وهناك تعرض الشهيد للتعذيب الوحشي وكانوا يسحبونه بعد تعذيبه وبعد أن يتحول وجهه إلى اللون الأزرق ولم يكن يقوي على الحركة أو النوم، ومن الوسائل التي استخدموها في تعذيبه جهاز الاشتراك الذي يستخدم عادة للسيارات، علاوة على الضرب بواسطة عصاة مطاطية، ولمزيد من التعذيب لم يكن يسمح له الذهاب إلى دورة المياه، واذا سمحوا له ضربوه، وفي الوقت نفسه قامت سلطات الاحتلال بتفتيش منزله وعثروا في غرفته على بعض المنشورات، ويبدو أن للشهيد الكثير من الأنشطة والدليل على ذلك قوله لابن عمه ان هناك الكثير من المعلومات التي لن أبوح لك بها الآن «ولكن إن شاء الله اذا كتب الله لنا العمر وخرجنا من المعتقل سوف أخبرك بكل شيء» كان هذا جوابه على تساؤل ابن عمه حين قال له ان التعذيب الذي تتعرض له يشير إلى أن التهمة ليست فقط إعداد منشورات.
ورغم الأمل في النجاة إلا أنه كان يتوقع كل شيء فكان رغم آلامه ومحنته يوصي ابن عمه بالاهتمام بأهله.

الاستشهاد

أشرنا إلى أنه رغم التعذيب الوحشي، إلا أن الشهيد رحمه الله لم يكن يفقد الأمل في الافراج عنه، ولكن الله عز وجل أراد له الشهادة، فقد بقي في المعتقل يعاني ويتحمل في سبيل الوطن والأهل حتى يوم الأحد 14/10 حين تلقى أهله مكالمة من الفلسطينيين «الأصدقاء»! أخبروهم بما يلي «سعد يبلغكم السلام وسوف يخرج في الغد» لكن الحقيقة كانت مؤلمة ففي صباح الاثنين الموافق 15/10/1990، وبالتحديد الساعة السادسة صباحا سمع أهله صوت طلقات ففتحت أخته النافذة وأرادت الاطمئنان على مصدر وهدف هذه الطلقات فأمرها العسكري العراقي الذي كان أحد أفراد فرقة الإعدام بإغلاق النافذة، ففعلت وبعد أن تأكدت أن فرقة الاعدام غادرت المكان أسرعت إلى فناء المنزل والتقطت قطعة من القماش ملطخة بالدم كان أفراد القوة العراقية قد تركوها، فقامت برميها في القمامة وفجأة لاحظت وجود الجثمان عند مقدمة السيارة ففزعت وأسرعت إلى أختها، التي جاءت لرؤية الجثمان فلم تتعرف عليه هي الأخرى، وظنتا ان القاء الجثمان هنا عبارة عن كمين من العراقيين، فأسرعتا إلى المخفر للتبليغ وعندما سمعهما الضابط استهزأ بهما ـ لأنه كان يعرف الحقيقة، وحوالي الساعة 7.30 أخبر إمام المسجد جاره السيد عبدالوهاب بوجود الجثمان بالقرب من منزل الشهيد، فذهبا معاً لرؤيته والتعرف على هويته، وفي تلك الأثناء جاء أحد ضباط المخفر وصوب مسدسه نحو رأس السيد عبدالوهاب واتهمه بقتله ثم اقتاده إلى المخفر، وهناك سأله هل عرفته؟ فأجاب نعم انه جارنا سعد عندئذ أمره الضباط بالتزام الصمت وعدم التحدث أمام أخت الشهيد ثم أعاده إلى مكان وجود الجثمان.

وصف الجثمان

كان الجثمان مشوهاً، وقد برز التشوه في اليدين والصدر وكان يحمل آثار تعذيب واضحة، ولذلك كان من الصعب التعرف على ملامحه، وكان موثوق اليدين وقد أصيب بعدة طلقات على رأسه من الخلف وكان ممددا على وجهه على الأرض لذلك لم تتعرف عليه أخته في البداية لتورم الوجه وسواد اللون، لكن أحد الأشخاص من الذين كانوا يتفحصون الجثمان أخبرها بعد ذلك أنه جثمان سعد فلم تصدق في بادئ الأمر، ثم تعرفت عليه من أسنانه لقد كانت صدمة شديدة ولحظات مؤلمة وهي ترى جثمان شقيقها الغالي وقد اغتالته يد الغدر والعدوان، وعندما قالت شقيقته للفلسطينيين إن سعد كان يرتدي دشداشة لونها بيج أجابوها أنه تعرض للضرب في المخفر فتمزقت ملابسه ولذلك أعطاه أحد الأشخاص دشداشة أخرى، لقد كانت فاجعة حتى أن شقيقه عندما رفع الغطاء عن وجهه وهو الغطاء الذي وضعه عليه الجيران لم يصدق أنه شقيقه.
لكنها الحقيقة القاسية المؤلمة، فقد غاب الشهيد سعد الذي قدم حياته من أجل الوطن، وبعد ذلك نقل أعمامه وأخته الجثمان بواسطة سيارة الإسعاف إلى المستشفى حوالي الساعة 12 ظهراً.
كان الشهيد رحمه الله طيباً هادئ الطبع، يتجنب المشاكل يحب ملازمة البيت، ويهوى العمل على الكمبيوتر الذي كان عنده في المنزل وكان ملتزما خلوقا ورجلاً بكل ما تعنيه هذه الكلمة.
لقد أراد فداء الكويت والتضحية من أجلها وسعى منذ اليوم الأول لجمع السلاح والدفاع عن الوطن فكانت الشهادة التي أضاءت وجه الشهيد الذي كان النور يشع منه عندما نقلوا جثمانه إلى المقبرة ألم يقل رحمه الله منذ اللحظات الأولى للاحتلال يجب أن يضحي الإنسان في سبيل الوطن. لقد انتقل إلى رحمة الله وافتقده أهله ولكن العزآء أنه أحد شهداء الكويت. أما أولئك الذين غدروا به وكانوا أداة لسلطات الاحتلال، فإن الله عز وجل لن يغفر لهم خطيئتهم إن شاء الله.

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته

إعداد الأستاذة الدكتورة نجاة عبدالقادر الجاسم


>> رحم الله الشهيد سعد المياس واسكنه الله جنات الخلد <<

التعديل الأخير تم بواسطة الأصيلة ; 03-05-2009 الساعة 11:33 PM.