عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 03-09-2009, 03:43 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي

ملحاق خير

زاملت المرحوم خليفة طلال الجري مدة أربع سنوات بدأت في سنة 1981م وانتهت في سنة 1985م، وكان ذلك في الفصل التشريعي الذي عاد به إلى عضوية مجلس الأمة، وكنت يومها عضوا بحكم منصبي لا بالانتخاب وهذا أمر معروف، وكانت صلتي به قوية لأنها بدأت منذ كان عضوا في المجلس التأسيسي. وكنت أشعر بقيمة هذا الرجل وطيب نفسه، وحرصه على تكوين العلاقات مع من يراهم أهلا لذلك، وهذا هو سر كثرة أعداد من يعرف من أبناء الكويت في مختلف مناطقها. كما كنت أشعر بمحبته لوطنه وحرصه على مستقبله، وهو على استعداد لبذل كل ما يقدر عليه من جهد في سبيل تحقيق ذلك.

استمرت العلاقات الأخوية بيننا، وكنت أرى منه في كل يوم جديد ما يؤكد مشاعري تجاهه، فهو إنسان يستحق المحبة وهو كذلك جدير بالاحترام.

ولا يفوتني في (ملحاق خير) هذا أن أذكر ثلاثة أمور تؤكد ذلك من خلال علاقتنا الشخصية ببعض.

أولها: أنه خلال عضويته في مجلس الأمة اهتم بموضوع له علاقة بخدمة الجمهور، وسعى إلى كشف ما لديه من شكوك عن طريق تقديم الأسئلة للوزير المختص، ولم يكن الوزير - يومذاك - متجاوبا مع رجاء السائل في ضرورة الإجابة والاسراع بها، مما جعله يفكر في خطوة تالية وهي أن يُقدِّم الوزير المعني للاستجواب.

كانت الاستجوابات من الأمور النادرة وليست كما هي الآن حيث نستمع في كل يوم يمر علينا إلى عضو يتقدم باستجواب. وكان الوزراء متعاونين لا يحفر بعضهم لبعض. وبحكم علاقتي بهذا الرجل الكريم توجهت إليه متحدثا في موضوع ذلك الاستجواب الذي أوشك على تقديمه رسميا لرئاسة المجلس.

ولقد وجدت لديه الاستعداد لبحث الأمر بعيدا من التشنج الذي نراه اليوم، وقال لي يومذاك: إنني قد قدمت عددا من الأسئلة لا أهدف من ورائها إلاّ كشف الحقائق فلماذا لا يرد الوزير على اسئلتي. وأذكر أنني قلت له رداً على تساؤله: لك كل الحق في السؤال وفي تلقي الإجابة عما تسأل عنه، وهذا حق يكفله النظام الديموقراطي الذي نسير عليه. ولي إليك رجاء هو أنه إذا استطعت الحصول على المعلومات التي تريدها وأضيفت إليها معالجة القضايا التي قد ترى ضرورة معالجتها بعد حصولك على الردود، فهل أنت على استعداد للتخلي عن هذا الاستجواب؟

فرد عليَّ قائلا: إنني لا أريد الاستجواب من أجل أن يقال إنني استجوبت الوزير الفلاني، ولكنني أريد المصلحة العامة، فمن يضمن لي الوصول إلى ذلك في حالة توقفي عن الإجراء الذي أنوي اتخاذه؟

قلت له: وفي هذا لك حق أيضا، واسمح لي أن أقول لك إنني أضمن تحقيق ذلك إذا أعلنت نيتك بالتوقف عن إجراءات الاستجواب.

هنا قال لي: أنت أخ عزيز، وما تقوله لي آخذه بمأخذ الثقة واعتبرني الآن قد توقفت.

وتم تنفيذ الاتفاق من الطرفين وسارت الأمور على ما يرام، ودل موقف صاحبي على تقديره لصديقه الذي فتح معه هذا الموضوع. وارتفعت درجة محبتي له بعد ذلك كثيراً.

وثاني الأمور هو ما حدث في يوم من أيام الثلاثاء أذكر أنني انشغلت فيه بعمل خارجي فلم استطع أن أحضر جلسة ذلك اليوم، وعدت إلى منزلي ظهرا وفي هذه الأثناء أبلغت بأن طارقا يطرق الباب فخرجت لكي أرى من الطارق، وإذا هو المرحوم خليفة طلال الجري. أدخلته وجلست معه، وسألته ما الأمر؟ لأنه لم يأتني إلى منزلي قبل هذا اليوم أبدا.

فقال: لا شيء لقد جئت من أجْل الاطمئنان عليك، لقد اعتدنا على اللقاء في جلسة المجلس يوم الثلاثاء من كل أسبوع، وعندما رفعت الجلسة ولم تحضر خشيت أن يكون قد أصابك مكروه فجئت إلى بيتك من أجل ذلك.

لقد كانت لفتة لا أنساها من هذا الرجل الوفي الذي يأخذ بلُبِّك ما يقوم به من مبادرات تجاه أصحابه، معتبرا أن مثل هذه المبادرات هي الأساس في علاقات المجتمع المتميزة.

أما ثالث الأمور، فكان أمراً آسراً كما كان قد عودني صاحبي، كان في إحدى سنوات ما قبل الغزو العراقي الغاشم للكويت في أسبانيا يتلقى علاجا هناك وكنت في الوقت نفسه طريح الفراش في مستشفى مبارك. وفي فترة من فترات الزيارة أقبل عليَّ بعض الشباب عرفت فيهم أبناء أخي خليفة الجري، وأبلغوني أنهم أتوا إليَّ تنفيذا لأمر والدهم الذي اتصل بهم من أسبانيا عندما علم بمرضي وطلب منهم الحضور لعيادتي ثم إبلاغه عن وضعي الصحي آنذاك. كانت لفتة كريمة أعجز عن أن أعبر له عن عرفاني بالجميل من أجلها فهو في الوقت الذي لم أقم بواجبي تجاهه ولم اتصل به يطلب من هناك من أولاده الأعزاء زيارتي وإبلاغه بحالتي.

كان - رحمه الله - رجلا نادراً في وفائه وإخلاصه، وفي مقدار المحبة التي يكنها قلبه لأصدقائه.




تاريخ النشر 02/09/2009 </SPAN>
__________________