عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 23-05-2010, 09:57 AM
الصورة الرمزية جون الكويت
جون الكويت جون الكويت غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 2,208
افتراضي

اعداد \ طلال سعد الرميضي

نستكمل الحلقة الثانية من نشر المقالة التاريخية التي كتبها رئيس أول مجلس الأمة الكويتي المرحوم عبد العزيز حمد الصقر ونشرتها مجلة العربي قبل خمسة وأربعين سنة في عام 1964م وذلك في عددها السابع والستين ، ويحدثنا العم عبد العزيز عن تاريخ الملاحة قديما بإمارة الكويت وحجم الأسطول البحري الذي كان ينقل البضائع والسلع من الكويت إلى مختلف موانئ التجارية بالخليج العربي والهند وأفريقيا ، ويشرح لنا بكل شفافية أسباب تراجع الملاحة البحرية بالكويت وبناء السفن الشراعية بسبب ظهور النفط والتنافس الغير متكافئ مع البواخر الحديثة وتوقف شحن التمور إلى بنادر الهند وباكستان ،ويحث الصقر على ضرورة المحافظة على هذا التراث البحري العريق لأهل الكويت ، كما تطرق إلى أهمية الكويت كمركز تجاري وممون رئيسي للبلدان المجاورة في الماضي ،ويتكلم عن أهمية كلمة الشرف لدى التاجر الكويتي والتي تعد أقوى من الوثائق المكتوبة ،وغيرها من المواضيع الشيقة ،حديث ممتع من شخصية لها تاريخها السياسي والاقتصادي نأمل أن تحوز على قبول الإخوة القراء .


الأسباب التي من أجلها
تراجعت ملاحة الكويت وبناء سفنها

أما اسباب هذا المصير الذي صارت اليه الملاحة وصناعة السفن الشراعية في الكويت فمتعددة اهمها ما يلي:
أ- بروز النفط كمورد رئيسي للبلاد، فقد ضاعف فعالية غيره من الاسباب، كما اضاف اليها من ذاته سببا جديدا اسهم بدوره فيما سبقت الاشارة اليه – عند الكلام عن «الغوص» - من التطورات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية التي عمت الكويت والتي تفتحت معها ابواب جديدة للرزق اكثر من الملاحة ربحا، وأقل منها مشقة واخطارا.

ب- النقص الملموس في كمية التمور التي كانت تشحن بالسفن الشراعية الى الهند وباكستان، وذلك لأنه بعد ان كان التصدير الى تلك الجهات حرا، اصبح – عقب استقلالها وانتهاجها سياسة التوجيه الاقتصادي كغيرها من الدول- خاضعا لانظمة خاصة بالاستيراد كالاجازات اللازمة لذلك.
فنجم عن هذا ان ضاق الخناق على تصدير التمور بالسفن الشراعية، بل ان تصديرها الى الباكستان قد توقف نهائيا. ولا يخفى ما لهذا من تأثير على ايراد تلك السفن نظرا لأن تصدير التمور كان يمثل جزءا كبيراً من ايراد رحلة السفينة.

جـ- كانت الكويت وسائر بلدان الخيج العربي تستورد من ميناء «كليكوت» بالهند كل حاجتها من الاخشاب اللازمة للبناء ولأعمال النجارة ولصناعة السفن، وكانت هذه الاخشاب تشكل نسبة كبيرة جدا من حمولة السفن الشراعية الكويتية وهي عائدة، فتناقص استيراد هذه الاخشاب ونزل الى حوالي عشرة في المئة مما كان عليه أو الى اقل من ذلك. ويرجع السبب في هذا التناقص الكبير الى ما حدث من تطور في الكويت خاصة وفي بلدان الخليج بصفة عامة، بحيث استعيض عن الاخشاب الهندية التي كانت تستورد للنجارة بانواع اخرى افضل منها بدأت تستورد من بورما وبانكوك، وكذلك من اليابان وأوروبا. هذا بالاضافة الى التناقص الكبير الذي طرز كذلك على بناء السفن الشراعية ذاتها، وقد كان بناؤها يستنفد فيما مضى كميات كبيرة من الأخشاب.

د- لم تكن البواخر ترد الى الكويت حتى اواخر القرن الماضي، ولذلك كان ا عتماد الكويت كليا حينذاك على سفنها الشراعية.
وفي اواخر القرن الماضي بدأت بعض البواخر القادمة من «بمباي» تصل بين فترة واخرى الى بعض موانئ الخليج- ومنها ميناء «المحمرة» بشط العرب بايران وتسمى الآن خرم شهر- وحينئذ اخذت ترد بعض البضائع من «بمباي» الى هذا الميناء برسم الكيوت وتنقل بواسطة سفن شراعية الى الكويت، ولكن منذ مطلع القرن الحالي اخذت البواخر تصل رأسا الى الكويت.

وظل ذلك فترة من الزمن بمعدل باخرتين كل شهر تقريبا.
وقد ساعد ازدهار اقتصاديات الكويت واتساع نطاق تجارتها مع الخارج على اتجاه هذه البواخر العالمية اليها وهي في طريقها بين الشرق والغرب، وبخاصة ما كان يأتي منها من الشرق، فكانت تحمل في طريقها وضمن حمولتها الكبيرة اي كمية من البضائع المراد شحنها الى الكويت ، فضيقت بذلك مجال العمل على السفن نفسها في وضع غير متكافئ مع هذه البواخر الحديثة المكتملة الشروط والموفورة الامكانيات هذا برغم ان بعض مالكي السفن الشراعية قد شرعوا منذ حوالي سنة 1946 في ادخال بعض التطوير على سفتهم بان زودوها بمحركات بحرية «موتورات ديزل» واخذت هذه الظاهرة تعم تدريجيا حتى شملت معظم السفن المتبقية حينذاك.

والواقع ان هذه الخطوة كانت ارتجالية، بدليل انه لم يوجد بالكويت انذاك اكثر من واحد او اثنين من القادرين فنيا على تشغيل هذه المحركات، فاستعان اصحاب السفن باشخاص غير كويتيين من البلدان المجاورة ودون ان تكون لهم الخبرة الفنية اللازمة الا نادرا.
وقد كانت النتيجة ارتفاع تكاليف هذه المحركات وصيانتها الي حد جعل هذه الخطوة غير عملية من الناحية الاقتصادية، وبخاصة بالنسبة الى هذه لاسفن غير الكبيرة الحجم اذا ما نظرنا الى رحلاتها المعتادة الى الموانئ النائية.


لابد من تطوير الملاحة بالكويت

ونتيجة لكل ما ذكر يمكن القول بأنه ما لم تتطور الملاحة بالكويت لتجاري المستوى الملاحي العالمي الذي تقتضيه ضرورات العصر الحاضر بجميع متطلباته، بما في ذلك نوع السفن وحجمها وتدريب الملاحين والعمال على العلوم والاساليب الحديثة، فستصبح الملاحة بالكويت خاصة والخليج عامة اثرا بعد عين ولهذا ارى ان الكويت وهي ليست بلادا زراعية ولا صناعية بل هي بلد ساحلي اعتمد طول حياته على الملاحة، واصبح له فيها تاريخ مشرف وباع طويل- من واجبها حكومة وشعبا التضافر للحفاظ على هذا المقوم الاساسي للمجتمع الكويتي.

لنأخذ في ذلك مثلا لنا بلدانا كالنرويج واليونان يعمد اهلها اعتمادا كبيراً على الملاحة برغم ما لديها من امكانيات أخرى صناعية وزراعية وغيرها وهناك دول لم يكن لها تاريخ طويل في الملاحة العالمية كالهند مثلا قد اولت هذه الناحية عناية فائقة بحيث يؤمل ان تصبح في بحر سنوات قليلة جداً في مصاف الدول الملاحية العريقة، اذ ينتظر ان تصل حمولة اسطولها التجاري بضعة ملايين من الاطنان وللباكستان كذلك سياسية مماثلة في هذا الاتجاه.


الكويت قبل الزيت

هذا مع العلم بأن شركة ناقلات النفط الكويتية المؤسسة سنة 1957«برأسمال كويتي» قد بدأت انشاء ناقلات نفط وستصل جملة حمولاتها في أوائل سنة 1965 إلى حوالي 153000 طن، ولكن للأسف لم يتحقق للآن امل الشركة في ان يقبل الكويتيون على العمل في الملاحة.


«يجب المحافظة على هذا التراث»

في ذلك كله رد على من قد يقول ان للكويت في النفط غناء عن التفكير في الملاحة فهذا القول مردود عليه بأن النفط بطبيعته مورد يستنزف مع الزمن، في حين ان الملاحة مورد متزايد غير متناقص، هذا بالاضافة إلى ما تصفيه الملاحة على الافراد من الرجولة وقوة الشكيمة وقدرة على مجالدة الزمن والاعتماد على النفس وعدم الاتكال على الغير والصلابة في مواجهة المصاعب.
وقد كانت هذه صفات الكويتيين على مر الاجيال بحيث اصبح لنا في هذا المضمار تراث نعتز به ونحرص على ان لاندثر ولذلك ارى من واجبنا المحافظة على هذا التراث المنبثق من طبيعة بلدنا وعلى تلك الصفات التي نرجو ان يزيدها مورد النفط قوة بدلا من ان ينال منها أو يوهنها.


«التجارة»

تحدثت بمناسبة الغوص عن جانب مهم من جوانب التجارة كمهنة رئيسية في الكويت وكأحد المقومات الجوهرية لمجتمعنا والآن اتحدث عن هذه المهنة بمختلف جوانبها دون تخصيص.
ويمكنني القول ان الكويتي ليس صانعا ولا زارعا وانما هيأته طبيعة بلاده لان يكون تاجرا ماهرا ولذا نرى التجارة امتدت حتى إلى القائمين على الملاحة من ابناء الكويت اعنى من يركبون السفن على النحو السابق ذكره فهؤلاء كذلك قد اصبحوا بالفطرة تجارا وكان اغلبهم يتولون بأنفسهم تصريف امورهم ومعاملاتهم التجارية بالخارج، وذلك بالإضافة إلى مسؤولياتهم ومهامهم الملاحية ولهذا برز من بينهم تجار مهرة، وانسجاما مع حكم الطبيعة والفطرة على هذا النحو كان لابد وان يعتمد الكويتيون على انفسهم وان يجعلوا عملهم داخل بلدهم متمما لتجارتهم الخارجية، وبذلك كان للكويت دور تجاري مهم في هذا الجزء من العالم.


الكويت مركز تجاري لجيرانها عامة

وبالطبع قد تفاوتت أهمية هذا الدور تبعا لما مر بالبلاد من فترات متباينة وأدوار مختلفة، فمثلا كانت الكويت قبل الحرب العالمية الأولى مركزا تجاريا على جانب من الأهمية، لا بالنسبة لها فقط وإنما بالنسبة لجيرانها عامة وللملكة العربية السعودية خاصة.


الكويت كانت الممِّون الرئيسي للسعودية

وكانت تعتبر حينذاك المموِّن الرئيسي للسعودية، وحتى بعد أن أصبح ميناء جدة الميناء المهم للمملكة السعودية، وأخذ يساهم في تموينها بالبضائع ظلت الكويت الممون الأكبر للملكة إلى عهد قريب، ولكن بعد أن اتسع ميناء الخبر من جهة، وسيرت قطارات السكة الحديدية إلى الرياض، انخفض الصادر من الكويت إلى المملكة السعودية وكان هذا الانخفاض أمرا طبيعيا ونتجية حتمية، فمن جهة، ولعلها أهم الاعتبارات، لا جدال في أن مصاريف النقل بواسطة الخط الحديدي جاءت انسب وأقل تكلفة وذلك برغم تطور وسائط النقل بين الكويت وبلدان نجد وتحولها من الابل إلى السيارات الكبيرة.


امتدت تجارة الكويت إلى العراق وإيران

كذلك امتدت صادرات الكويت في أحوال كثيرة رلى العراق وإلى إيران، فقد كانت الكويت في الماضي، وهي تصدر ما يتجاوز حاجة استلاهكها المحلي، تصدر حوالي النصف من هذا الصادر للمملكة السعودية والنصف الآخر لإيران والعراق وغيرهما من البلدان، وكان ما تصدره إلى المملكة هو الأرز والأقمشة والقهوة والسكر، أما الآن فلا تزال الكويت تصدر إلى المملكة، ولكن بنسب أقل بكثير مما كانت تصدره إليها قديما، وتحتوي هذه الصادرات على جانب من الكماليات، وهو كذلك الحال بالنسبة لإيران والعراق.
ومما لا شك فيه أنه قد ساعدت على هذا الازدهار التجاري بالكويت عوامل شتي زهمها وضع الكويت لاجغرافي، واسطولها التجاري، وعدم القيود علي التجارة فيها، وانخفاض الرسوم الجمركية بها، والتسهيل في الاجراءات وشرف المعاملة، كل هذه العوامل مجتمعة جعلت من الكويت مركز الثقل التجاري بالنسبة للخليج وغيره.
تجار الكويت ارتبطوا بكلمة الشرف المنطوقة، بدون الوثائق المكتوبة

ولا يفوتنا ونحن بصدد التاريح التجاري للكويت أن نورد شيئا عن العرف التجاري ونوع المعاملة التجارية انذاك، فلقد غدا معلوما للكافة أن التاجر الكويتي كان يعتمد على كلمته وشرفه التجاري، فلم يكن يوجد بالماضي أي تبادل خطي ومعظم الصفقات كانت إلى عهد قريب تتم بين التجار بدون واسطة، وقد تأصلت الأعراف التجارية على هذا النحو، حتى ان التاجر كان يأنف بل ويغضب لو سألته أن تكون الصفقة بواسطة أو ان تثبت بشيء خطي، وكان التاجر يعتبر مثل هذا الطلب رهانة له واشعارا بعدم الثقة به، وفعلا كان الناس يبتاعون ويشترون فيما بينهم شفويا.

وكانت البضاعة تبقى في مخزن البائع مدة، وقد تزيد الأسعار في خلال تلك المدة إلى حوالي 30 في المئة أو أكثر، ومع ذلك كان يسلمها البائع للمشتري دون أي نكول أو محاولة للنكول عن الصفقة ولم نجد في تاريخ التجار الكويتيين أي حادثة نكول في مثل هذه الحالات.


كان بين تجار الكويت تفاهم وتعاطف

كان من التقاليد العربية المستحبة في الكويت وفي سائر المنطقة ما عرف باسم«البضعة»، وهو أسلوب تعاوني كريم يقدم بموجبه أحد التجار مالا أو بضاعة لفرد يسعى في استثمارها تجاريا ويقسم صافي الربح عند التصفية بينهما بنسبة الثلثين للأول «التاجر» والثلث للثاني.
أما في حالة الخسارة أو الهلاك فإن التاجر – أي المالك – هو الذي تحمل هذا العبء وحده، وكانت هذه«البضعة» مظهرا كريما للتعاون والتعاطف بين الناس.

كذلك كان الشأن بين التجار المستوردين وبين التجار المحليين، فقد كان رائد الجميع دوما في الكويت التسامح في المعاملة، فلم يكن احد فعلا يتجاهل ظروف عملائه من حيث مدة السداد أو شروطه، بل كان يتفادى كل ما يرهقهم أو يحرجهم. كما انه قل ان نجد في تاريخ هؤلاء التجار خلافات أو قضايا تحتاج للإلتجاء الى القضاء. وحتى عند وجودها وكان الكويتيون يؤثرون طريق التقاضي بل كان هناك دائما تاجر معروف من بينهم ارتضوه ليكون حكما في هذه الحالة. وفعلا كان ذوو الشأن يأتون اليه فيفضل بينهم، وكان هذا الفصل يتم في دقائق معدودة احيانا، يخرج الجميع بعدها راضين بحكمه.


تغير الأوضاع

على ان الكثير من هذا النهج في الحياة قد تغير مع الزمن وبخاصة منذ الحرب العالمية الثانية تبعا لاتساع الكويت وكثرة من هاجروا اليها من الخارج بعد توسع مجالاتها الاقتصادية كنتيجة لظهور النفط. كما ان سبل المعاملات التجارية قد تغيرت تبعا لكون صلات التاجر الكويتي قد اصبح اكثرها مع تجار خارج الكويت. فنجم عن ذلك كله تبدل في الاوضاع الاجتماعية وفي اسلوب المعاملات التجارية.

وفي ختام هذا «الجانب الاقتصادي» من كلمتي أود ان اشير الى ما سيأتي ضمن حديثي عن الجانب الاجتماعي من مظاهر التكافل المادي بين الكويتيين على اساس اسلامي عربي يحقق افضل صورة للاشتراكية الاسلامية العربية التي نشأ عليها مجتمعنا، واستقرت على اساسها نظرتنا الاصيلة لخير العام وللعدالة الاجتماعية
رد مع اقتباس