الموضوع: أبا الخيل
عرض مشاركة واحدة
  #48  
قديم 01-05-2012, 02:11 AM
الحمود العبدالوهاب الحمود العبدالوهاب غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2011
المشاركات: 11
افتراضي

قصة خروج آل أبا الخيل من سجن ابن رشيد من كتاب


((خزانة التواريخ النجدية))
((المجلد الرابع ))
للشيخ العلامة عبدالله البسام (1)


هذه قصة خروج آل أبا الخيل ( أمراء مدينة بريدة ) من قلم الوجيه سليمان بن عبدالله الرواف رحمه الله تعالى . وهؤلاء الأعيان السجناء من أسرة أبا الخيل كانوا أمراء بريدة فزعيمهم الأمير (حسن بن مهنا آل أبا الخيل ) قاد أهل القصيم بمعركة المليدى ضد محمد بن رشيد عام (1308هـ) فصارت الهزيمة على أهل القصيم فأدخل أفراد آل أبا الخيل في سجن حائل في إمارة آل الرشيد .



من شيم العرب قصة واقعية كيف خرج آل أبا الخيل من سجن ابن رشيد في عام 1318هـ



تمهيد

في عام 1294 عقد حسن المهنا حلفا مع محمد بن رشيد لأسباب معلومة لدى قارىء التاريخ (2)، وأثناء الحلف صاهر آل الرشيد حسن المهنا، فتزوج محمد بن رشيد أخت حسن _ لولوة المهنا _ وتزوج حمود العبيد بنت حسن منيرة الحسن . وقد أنجبت منيرة من حمود العبيد ولدان أسماهما : مهنا وسالم . ولمهنا قصة سأوردها ذيلا على القصة .
ودارت الأيام وانفلب ابن رشيد على حسن ، وصارت العداوة ، وصارت منهما مناوشات حربية ، وكثرت وصارت وقعة المليدا ، التى انهزم فيها أهل القصيم ، وانتصر ابن رشيد ، وانهزم حسن . وبدلا من أن ينجو بنفسه ، أو يحتمى في بلده ، أشار عليه بعض ضعاف الآراء أن يلجأ إلى عنيزة أملا أن يتوسط له الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن بسام رحمه الله(3) لأنه كان له مقام لدى محمد بن رشيد ، يقضي على المرء في أيام محنته ، فيرى حسنا ماليس بالحسن . وقبض عليه محمد بن رشيد
وسجنه هو وأولاده وأقاربه.والمسجونون هم : حسن المهنا (4)، وولداه صالح(5)وسليمان ، ومحمد العبدالله المهنا (6)، ومحمد العلي الصالح أبا الخيل _ ستة رجال .
جرت المليدا وسجن بن رشيد آل أبا الخيل ، والذي يلفت النظر : أن ابن رشيد سجن آل بالخيل بينما بناتهم لايزلن زوجات لهم ، ولم تغضب النساء .
ولاعف بن رشيد ، وابن عمه عن زوجاتهم . إلا أن محمد بن رشيد بعد المليدا ، طلق زوجته أخت حسن ، ربما خوفا منها . ولكنه أشار على ماجد بأن يتزوجها ، فتزوجها . ظلتا تحت حمود العبيد ، وماجد الحمود طوال بقاء آل بالخيل بالسجن ، وكأن شيئا لم يكن بالظاهر من كلا الطرفين طيلة عشر سنين . وربما أن البنتين يقول لسان حالهما : وقبَل يد الجاني التي لست قادرا على قطعها ، وارقب سقوط جداره . نعم هذا هو واقع الحال ، لقد ظلتا يقبلان أيديهما ، ويرغبان ذويهما في السجن طول عشر سنين . وسقط الجدار ، وسنحت الفرصة لإنقاذ ذويهما ، وعملا مافي وسعهن لإنقاذهن ففعلتا ، وقطعتا الأيدي اللاتي كنا يقبلناهما اقرأ القصة.
حمود العبدالوهاب هذا من أهالي بريدة ، وكان ذا رأي شجاع . وقضى عمره عند المهنا خويا ، وكان له منزلة عند حسن . فهو أمير المزكية ، عامل الزكاة (7)، ومن كبار الخويا . ولما تولى ابن رشيد القصيم بعد المليدا ، ضاقت على حمود الأرض بمارحبت فلامال ولاعمل وذل بين أعداء ولم يجد عملا ، إلا أنه فلح فلاحة ، فزادته فقرا على فقره وذلا على ذله .
تحدث قائلا : كنت في طريقي يوما من فلاحتي بالصوير ، فصادفني في طريقي رجل يدعى الأجبع صاحب نكت على مابه من سقم العقل فلما رآني تمثل بهذا البيت :
أمنول ياذيب تفرس بياديك واليوم جاذيب من الفرس عداك

يقول حمود : ما إن سمعت هذا البيت حتى انهمرت دموعي ، وأقفيت أتعثر ، لأنني أعرف مايقصد من وراء ذلك . وقبل أن أصل البيت لاقاني أهل ثلاث ركائب ، متجهين نحو الخروج من الديرة ، أعرفهم . قلت إلى ، قالو: منحدرين للكويت ، قلت لهم : ماتبغون لكم خوي . قالوا : بلا من هو . قلت أنا قالوا : وين ذلولك ، فأشرت إلى نعلي . قالوا يعني رجلي . قلت : نعم . قال : اذهب إلى بيتك ، أخبر أهلك ، ووصهم على الفلاحة . قلت لهم : ليس لي أهل ولافلاحة . قال : فانحدرت معهم للكويت . ولكن مع الأسف لم أجد عملا ، فرجعت بعد بضعة أشهر لبريدة ، على أسوأ من حالتي الأولى ، حيث زادت الأمور لي شماتة الناس .

ولكن الله رحيم ، ففي ذات يوم طق علي الباب ففتحته ، وإذا بخوي من خوايا
ابن رشيد . فظننته سيأخذني للسجن ، فحس بالأمر وبادرني قائلا: الأمير محمد بن رشيد أرسل للأميره في بريدة يقول : اعرض على حمود العبدالوهاب الخدمة ، إذا هو يرغب الخدمة فأجبته نعم ، ورافقته للأمير _ أظنه الحازمي أو التويعي _ فأعطاني السلاح ، وقال : متى ماعزمت مر خذ الذلول(8)فأخذت الذلول وسافرت لحائل وجعلني ابن رشيد عاملا على الزكاة ، مثلما كنت عند حسن . وبقيت في حائل أتردد على آل بالخيل في سجنهم . وكان لايرد عنهم أحد في السجن داخل القصر ومحددين . وطول عشر سنين لم يحصل منهم مايريب . التكملة في القصة .
حسن بن سالم الزايدي (9)، من أهالي بريدة ، وطوال عمره من خويا حسن . وهو معروف بالمروءة والشجاعة والوطنية . لكنه بعد وقعته المليدا سكن حائل ، وفتح دكانا للبيع والشراء . وكانت تجارته بحاجة لسفر شداد وخرج وبندق .

قارئ الكريم : أوردت هذا التمهيد للتعريف بأبطال القصة . أما القصة ، فهي كما يلي :
يقول حمود العبدالوهاب في بقائي في حائل , أزور آل بالخيل في السجن ، فدارت بيني وبينهم ذات يوم أحاديث عن القصيم ، وعن ماضيهم . صار لها أثر بنفسي وفي نفوسهم ، فأخذت أفكر هل من سبيل لإنقاذهم ، وكيف وهم في هذا السجن مقيدين في الحديد ؟ وأبوهم حسن(10) معزولا عندهم ، مشددا عليه إلى درجة أنه موضوع في رقبته حديد يربط في السقف ، وفي الرجلين حديد. وقلت في نفسي :
لابد من بحث القضية ، فالذي أنقذني من كربتي قادر على أن ينقذهم . وعدت إليهم ، وأبديت لهم رأيي . فقالوا : السجن والحديد وقوة ابن رشيد هذه لاتهمنا ، سنخلص منها . المهم من هو الرجل الذي يستطيع أن يعد لنا العدة ، التي نهرب عليها . يعنون الجيش والسلاح قلت : إذا وجد هذا كيف ؟ قال لي أحدهم: أنت حاول أن تجد لنا وسيلة نهرب عليها ، بشرط أن يكون معنا سلاح ، وسنهرب إن سلمنا أو متنا . نحن في طريقنا إلى الموت في هذا السجن .
فخرجت منهم أنا افكر من يقوم بهذه المهمة ، إنها صعبة إذا وجد الفدائي ، من أين المال الذي نؤمن به الجيش والسلاح ؟! وذهبت إلى السوق ، وصادفني حسن الزايدي ، فقلت في نفسي : أما آخذ رأيه في هذه القضية ، لايوجد أحد من جماعتي غيره . وواعدته في بيتي ، وجاء إلي ، فعرضت عليه الموضوع ، فقال لي بدون تردد : تريد أحد يقوم بهذا الأمر ؟ قلت له: نعم. فبادرني قائلا: أنا أقوم به ، ولكن مثل ماتشوف أنا حالي ، ماعندي شيء يجهزهم بالجيش والسلاح .
قلت له: إذا حصلنا لك فلوس تقوم بالمهمة ؟ قال نعم ، حتى لوأدى ذلك إلى قتلي إذا نجا أمراؤنا .
فعدت إليهم بالسجن ، وقلت لهم ماقاله الزايدي . قالوا: الفلوس جاهزة . وكما قدمت سابقا عن بناتهم : أن واحدة منهن مع حمود العبيد ، والثانية مع ماجد .
كن يرسلن لهن يوميا عشا كل واحدة يوما، وكانت الواسطة خادمة لمنيرة الحسن من أهل بريدة . وكن يأمنها ، ويرسلن معها الأخبار ، ومايحدث ، وكل مايحتاجونه .

فأوصوا الخادمة ، وقالوا لها رأيهم ، فنقلته لعماتها ، ففرحتا وقالتا كل ما يحتاجونه ، سنعطيهم إياه ، وفعلا أخذتا ترسلان لهم الفلوس ، ليرات عثمانية ، لأنها هي العملة في ذلك الزمن . يرسلا لهم يوميا ذهبا بأسفل وعاء العشاء، دفعات صغيرة ، لئلا يعثر عليها إذا كانت كبيرة فيشك فيها.


وأخذ الزايدي يتردد عليهم ، ويأخذ ماعندهم . وأخذ يعد العدة : أشدد وخروج ، وسلاح ، وغير ذلك ممما يحتاج لسفرهم وبحكم كونه صاحب دكان ، يشتري الشداد مثلا ويضعه أمام الدكان للبيع ، وإذا وجد فرصة نقله للبيت ، فيأتيه الزبون الذي سامه بالأمس ، فيقول: بعناه . وكان في أثناء مشتراه للأغراض وسيره للطرقات ، يردد هذا البيت :


أما يجيك الغوش يرتع أبنو ماس وإلا أفعليه الطير يا مسندي حام



وقد أكمل الزايدي عدة السفر كاملة ، حتى السلاح الذي أعده كاملا من المارتين الجيد ، والفشق الكثير ،استعدادا للقتال إذا مادعت الحال إلى ذلك.


وجاء الزايدي يخبرهم أن كل شيء قد انتهى من قبله ، عدا الجيش


_ الركائب _ فإذا أنهيتم الاستعداد للخروج ، فأخبروني اشترى الجيش .


وجاء دور المساجين ، كيف يخرجون من السجن ؟ السجن المحصن داخل القصر ، وعليهم حارس يقفل عليهم الباب ليلا ، وهم مقيدون بالحديد بأرجلهم ، ومن وراء ذلك عبدالعزيز بن رشيد ، وقوته وجبروته وبطشه ، وكون كل نجد تحت سيطرته ، وإلى من يلجئون ؟


فأعملوا فكرهم ، وقرروا قرارهم . ومن الأسباب التي جعلتهم يقدمون على الخروج من السجن : أن الركن الشرقي من حجرة السجن خارج القصر ، أنها تنفذ على درهة خارج القصر ، محاطة بسور العقدة . بسور البلد العالي، لذا قرروا فتح فرجة مع هذا الركن الذي ينفذ على هذا البرج . فخطوا فيها رسما بقدر مايخرج منه أكبرهم ، وبدأوا بالخطة .


الخادمة التي تنقل لهم العشاء يوميا أحضرت لهم مبشرة نجار صغيرة ، فأخذوا يرشون هذه الفتحة يوميا ، ويحكون منها شيئا . وما يسقط تأخذه الخادمة في ماعون العشاء ، لتقذفه في مكان ما . وظلوا يشتغلون يوميا في حك هذه الفرجة ، حتى لم يبق منها شيء إلا بقدر مايندفع باليد ، فتفتح الفرجة ، وكان من الأسباب التي ساعدت على خفاء هذه العملية : أن الأوائل يجعلون في مجالسهم مساند للظهر مرتفعة عن الأرض بمقدار المتر، ويدار المجلس كله فيها. وكان مجلسهم، أو سجنهم مملوءاً بهذه المساند الدواويش من بناتهم. وساعد ذلك علي ستر الفرجه بدون أن يلفت ذلك نظر أحد .


بقي شيء أهم من هذا، ألا وهو الحديد الذي بأرجلهم . كيف يتخلصون منه عند الحاجه؟ قرروا أن يشذبوا(11) الحلق المدرعة فيها أرجلهم، فطلبوا من الخادمه إحضار مبارد حديد .وأخذ كل واحد منهم يشحذ به في حديده من حلق الأرجل، فشذبوها (12)حتى أضعفوه إلى درجة فكها عند الحاجه من دون كلفة. وكانوا يلفون على حلق الحديد خرقا بحجة أنه يأذي أرجلهم من البرد، والقصد هو إخفاء مواضع القطع .


وانتهت الإجراءات كاملة ، ولم يبق إلا أن يشعروا الزايدي ليحضر الجيش ، ويقرر الموعد . لكن بناتهم لاحظن عليهم: أنه يحسن أن لا تحرجوا وابن رشيد في البلد، لأنكم إذا خرجتم وعلم بذلك، إنه سيشدد في طلبكم ، واخشى ان قبض عليكم سوف يقتلكم. قالتا: إنه إذا قرر الغزو، فنحن أول من يعلم بذلك، وسنخبركم .


وجاء الله بالفرج، وقرر ابن رشيد المغزا. وكعادته قرر المغزا بسرية, وخرج بسرعة . ولما خرج ابن رشيد للمغزا ، لم يبق بحائل أحد إلا القليل . وتمت الإجراءات في آخر يوم من ذي الحجة سنة 1317ه0 إذ جاء دور الزايدي، الجيش جاهزة، وكل شيء على ما يرام. وجاءهم في السجن كأنه يودعهم قائلا، أنا سوف أنحدر للعراق أجيب عيش وتمر، معي ست رحل(13)، هل تريدون شيئا؟ قالوا كلهم: لا. لكن الحباس ترجاه أن يأخذ ناقته معه ليجيب له حمل فردة تمن وفردة تمر . وحاول أن يعتذر ، ولكن ألح عليه ، فتوسط له ربعه المحابيس وألزموه بأخذ ناقة الحباس ، ودفعوا للزايدي ليره. قالوا: هذه قيمة حمل ناقة مبروك إن كنت خايف ما يعطيك، وأخذ ناقة الحباس لإكمال العدد _ أخذ إلزاما_ ولئلا يشك الخادم بشيء ، وضرب لهم موعد : الساعة الخامسة ليلا تجدونني تحت السميرا منوخ الركاب . والعلامة السرية : يصفر أحدكم قبل أن يصلني.


وجاءت الساعه الخامسة من ليلة الأحد واحد من محرم سنة 1318ه0


وفي الساعة الخامسة من هذه الليلة، التي هي من ليالي الشتاء المظلمة الباردة، خرج الزايدي بركائبه السبع التي إحداهن ذلول السجان ، وأناخها في دار السميرا، التي تقع جنوب سماح. وعقلها بعقل طيارن منتظرا المساجين. فلما حان الموعد، فكوا قيودهم بأيدهم، ودفعوا الفرجة التي لم تكلفهم شيئا، وخرج واحد منهم وكشف الطريق وأشار إليهم أن اخرجوا، فخرجوا تباعا. ولما خرج الثالث ، نشب وكان ثخينا ، وصارت مشكلة :


لا يمكن نزعه، وليس لديهم ما يوسعون به الفرجة. فقال لهم : اسحبوني حتى ولو أدى ذلك إلى موتي . وفعلا قبضه اثنان من الأمام والثالث من الغرفة . نهض رجليه ، وفرج الله ، وأخرجوه وفيه جراح . ولما تكاملوا في ردهة السور ، كان بهذه الردهة مسجد والمساجد عادة فيها حسو _ أي بئر _ والبئر يكون عليه رشاء _ حبل لسحب الماء، وكان لديهم علم به من جاسوسهم السري الخادمة وكانت قد سبرته وتأكدت أن فيه رشاء قوي. وكما قلت ، لما تكاملوا ذهب أحدهم وأخذ رشا الحسو ولافه _ أي قذفه- حتى أمسك بشرفة العقدة _ السور _ فصعد به أحدهم وأخذ الرشا، وقسمه قسمين: قسم دلاه على الجماعة وقسم جعله على خارج السور _ فصعدوا واحدا واحدا ، من صعد من هنا نزل من الجانب الثاني ، حتى تكاملوا خارج السور . فاندفعوا إلى الزايدي تحت السميرا ، وكانت قريبة من موضع نزولهم. ولما رأوا جهام الجيش ، صفروا علامة أنهم قد جاءوا. ولما وصلوا الزايدي، وجدوا كل شيء جاهز .


ولما وصلوا جيشهم _ الجيش النياق ، نسميها الجيش كناية عن الجيش من الرجال _ ما كان لديهم قرار سابقاً إلى أين يتوجهون ، لأنهم ما كانوا يظنون أنهم سيخرجون بهذه السهولة ، فاختلفوا أين يتوجهون ؟ وكان الرأي الأول المقدم لديهم هو رأي الزايدي ، فأشار عليهم أن يتوجهوا لجبل آجا ، ويكمنوا فيه ثلاثة أيام ، حتى ينقطع الطلب عنهم متيمناً بسنة رسول الله عندما خرج من مكة مهاجراً ، لكن محمد العلي وصالح الحسن قالوا :لم نكمن ، بل نتوكل على الله ونسري متوجهين شرقاً ، لأن الطلب إذا فزعوا ، سيتوجهون حتماً جنوباً ، لأنهم يظنوننا بل سيجزمون أننا سنتوجه لبريدة .


وإن لحقونا ، فلن يدركوا منا سيئاً ما دامت ، أرواحنا بأجسامنا . واتفقوا على هذا الرأي ،وحصلت مشكلة أخرى من يدل الطريق، ظناً منهم أن الزايدي يدل؟ لكن قال :أنه لا يدل . فقال سليمان الحسن: أنا أدل فتوكلوا على الله ، وركبوا ركائبهم ، متوجهين نحو الشرق ، يمة العراق .


وفعلاً لما أصبح الصبح ، وفتح الحباس الحبس ، لم يجد به أحداً.


فأخبر الأمير على حائل ، ففزعت الفزعة على طلبه ، و توجهوا جهة القصيم ، و لم يدر في بالهم أنهم توجهوا جهة أخرى . فلما وصلوا بريده ، لم يجدوا خبرا و لا أثرا ، فرجعوا بخفي حنين . فسلموا من الطلب .


و أخذو يسيرون بدون توقف و من لاقاهم يظنهم أنهم عقيلات(14)، لأن زيهم لا يختلف عن العقيلات . و إذا ردو ماءا يسألون عن إبلهم ، و أنهم قد واعدواهم أنهم سيردون هذا الماء. و لم يفطن لهم أحد أبدا ، لأن الناس لايعرفون أشخاصهم . وربما أن الباديه قد نسو آل بالخيل نسيانا ، عشر سنين بالسجن و طيلة الطريق لم يقترب منهم أحدا ، إلا أنهم ضافوا ابن سويط أمير الظفير على حدود العراق .


حدثني سليمان الحسن أحد المساجين يقول : لمـا قلطنا على العشاء عند ابن سويط ، فكان ينظر إلى صالح الحسن نظرات مريبه . قال : فخفت منه ، و لا قدرت أن أقول شيئا . و لمـا تعشينا و جلسنا على القهوه ، قال ابن سويط من عادتنا : ما ننشد ضيوفنا من أين هم ؟ لأين يريدون ؟ و لكني أبي اسألكم و أعطوني الحقيقه ، و عليكم عهد الله و ميثاقه ما يمسكم مناشر . هل أنتم آل بالخيل المحبوسين عند ابن رشيد . قال : قلنا له : نعم . قال : لفت نظري و خلاني أسألكم هذا الولد _ يعني صالح _ موصوف لي ، وأنا ما شفته فعرفته بالوصف . ثم قال لا تخافون ما دام أنكم ضيوف عندي .قال فقلنا له : ما ، تقصر ونعم بك . لكن خصمنا أقوى منك ،


ولا نحب نبلاك بشرنا ، و أنت بعافيه. قال رأيكم والي وين تبون قالوا نبي نزين أبو جابر بالكويت قال : ونعم ، و الصحيح ما يحميكم من ابن رشيد إلا ابن صباح .

قال و ركبنا من عنده متوجهين للكويت ، ووصلنا الكويت فرحب بنا أبو جابر و أضافنا و أكرمنا .
قارئي الكريم هذه قصه واقعيه روينهاها لك فجة ، كما رواها لي رواة ثقات ممن كانو في السجن إن في هذه القصه شيم عربية ، و شهامة ، وشجاعة ، و بطولات ، و وفاء ، بل و مغامرات :
فحمود العبدالوهاب منشأ الفكره ، لما انتهت القضيه ، و علم أن آل بالخيل خرجوا من السجن ، و كان خارج حائل مع المزكيه ، هرب للكويت ، مضحيا بمصلحته و وظيفته التي كانت في نظره أعز شئ لديه و لجأ إلى الكويت ، و أصبح مواطنا كويتيا ، و لا يزال أحفاده في الكويت، والمرئتان : لولوة المهنا ، منيره الحسن ، اللاتي بقينا مع أزواجن ، عللا الرغم ما يعانياهن من ألم في نفوسهن مما أصاب أهلهن من سجن و تعذيب أمام سمعهن و بصرهن . فلم ينزعجن لذلك ،، و لم يتوسلن بأحد ، و فضلتا البقاء مع أزواجهن لكي يبقين بالقرب من ذويهن ، محولات نفعن و الاتصال بهن ، لمعرفه ما يجري عن كثب ، لأنهن رأين أن ذلك أفضل من مفارقه أزواجهن و الغضب عليهن .
و ما كن في يوم ما يطمعن في انقاذ ذويهن ، لأن هذا الشئ شبه المحال ، بل هو المحال بنفسه ، لأن ظروف الزمن لا تسمح بذلك . رجال في سجن ، مقيدين بالحديد . و كل ما هو محيط بهن ، بل و كل نجد تحت ولايه ابن رشيد . و إذا خرجوا ، إلى أين يذهبون ؟ هذا هو واقع الحل تصوريا و فعليا . و لكن إرادة الله غالبة غير مغلوبة فلما أن سمحت الفرصة لإنقاذهم في ظرف خلق الله فيه خصما للرشيد ، و برز كند لهم بسبب مساعي ابن ابراهيم في مساعيه ضد مبارك الصباح ، لأخذ الثأر لابني أخته محمد و جراح الصباح . و أيقظ الله لذلك حمود العبدالوهاب ، و حسن الزايدي . هنا سمحت الفرصه لإنقاذهم . و هنا بذلتا كل مافي وسعهما لإنقاذ ذويهن ليس في المال الذي هو الوسيلة الوحيدة لإنقاذهم ، بل بالرأي ، و مواصلة العمل في كل شئ حتى التجسس و التحري حتى نفذنا القضيه . و الشئ الذي يلفت النظرة جرأتهن ، و أقدامهن على ذلك بدون خوف ، أو وجل ، أو حساب ، لما سيحدث من فرعون إذ علم بخروج ألد أعدائه و خاصة بالظرف الذي كان فيه ، قد عقد العزم على محاربه ابن صباح .
إنها بطولة تستوجب الإعجاب بفتيات في عهد كعهدهن ، و الصحيح إنهن لا يستغرب عليهن ذلك ، فهن نسيج من نسيج زباء القصيم العرفجية ، التي يقول فيها عبيد بن رشيد .
اليعاد مناصل و نظرب بالحداد أهبيت يا سيف طوى الهم راعيه
اليعاد ما تروى حدوده بالأضداد أفورده للعرفجيه أتـــــــــــــــــــــــــــــــــــرويه
و المواطن الشهم حسن بن سالم الزايدي ، الذي قام بتنفيذ الخطة و لسان حاله يقول : أنا فدائي ، إذا سلم بني قومي ، فلا أبالي بالموت و هذا معنى ترديده أثناء قيامه بالمهمة هذا البيت :

بالناموس ما يجيبك الغوشي يرتع أبنو ماس
و إلا أفعليه الطير يا مسندي حام
نعم رتع القوم أي الفخر ، فلقد لاقوا خصمهم بعرف الصريف بعد مضي عشرة أشهر على صهوات الخيل ، بدلا من سجن مكبلين بالحديد .
و الجندي المجهول: الخادمه السفير السري الأمين ، التي هي حلقه الوصل في جميع أدوار هذه القصه . قارئي الكريم ، كنت أوعدك أن أروي لك قصه مهنا الحمود ، ابن منيره الحسن ، في وقعه الصريف ، فاقرأ :
منيره الحسن قد تزوجت حمود العبيد _ كما قدمت _ و أنجبت منه ولدان : مهنا ، سالم الحمود العبيد . و كانت قد تزوجت قبله ابن عمها . عبدالله العلي المحمد أبا الخيل ، و أنجبت منه ولدا اسمه محمد
و جرت وقعه الصريف في عام 1318 ه بين مبارك بن صباح ، و بين عبدالعزيز بن رشيد ، كما هو معروف . و كان الرشيد في حاله تأهب للقاء بابن صباح . و قبل الكون بيوم مجتمعين عند بن رشيد . و هؤلاء الفرسان و الشباب ، كل يتوعد و يهدد أنه سيقتل فلان و علان . و كان حديث القوم الخيل ، و الخيالة . و جاء الحديث عن خصومهم آل بالخيل ، و كان من بين الحاضرين شيخ من شيوخ شمر ، و لد عقاب بن عجل ، فقال هذا المجتمع (...)(15) ، ربما أن قصده تحريضهم على القتال ، أو هذا هو رأيه . و قال لمهنا الحمود : أنت يا مهنا ، أحسن أنك ما تغير مع الخيالة هذه المرة ، لأنه ما قدامك إلا أخوالك ، و أنت ما أنت قاتلهم و هم ما هم قاتلينك . فغضب مهنا و انتحى و قال : اصبر علي لما نتلاقا ، و تشوف ويش أسوي . و ربما أن ابن عجل قصد تحريضه ، أو معرفته ما عند هذا الشاب الذي لم يلاقي الفرسان قبل هذه المره . و صارت الغارة من القد .
و معلوم أن وقعه الصريف لم يكن في مجال لقتال إلا على ظهور الخيل ، و أن خيل ابن صباح لا تزيد عن ستين خيالا ، بينما خيل ابن رشيد زيد عن ستمائه خيال . و بعض الرواة يبالغ و يقول :إنها 1200 خيال ، و جالت الخيل ، و تخالط الفرسان ، و برز مهنا الحمود ، و هو ينشد :
يا شاد العمر أمصريه راسي فوق امتوني عاريه
خيل الخيل سنعوسي يا من عين خالي يا أهل الخيل
و سمعه خاله ، فتصامم عنه ، لأنه أولا ما هو كفء له ، و يرى أن ذلك في عرف الفريس عار أن يبارز من هو أقل منه بالشجاعه . و ثانيا : تركه لارحمة به ، بل رحمة بأخته ، لعمله لما سيحصل لها إن علمت بقتله ، و أن قاتله خاله . و لكن الفارس الرشيدي أعد النشدة ، فسمعه خياله آل بالخيل ، فأجابه واحد من شبابهم يقوله :
يا ناشد عن خاله حضرنا حضرنا و الشر غايب عنا
أو يا جلاب عمره شرينا خيال الخيل و أنا بن مهنا
فتعاقب الخيل ، و طاح مهنا بينها . و كان أخوه سالم قريب منه ، فقتل سالم مع مهنا ، و قتل غيرهم كما قتل من خيالة ، آل بالخيل تسعه في هذه المعركة .
و أنه لمن عجائب القدر أن هذه المرأة منيره الحسن ، أنه لم يمضي عشره أشهر بعد خروج أهلها من السجن ، الذي اعتبرته نصرا لها و لهم ، حتى قتل أولادها ثلاثه في وقعه الصريف . سالم و مهنا قتلا حسبما ذكرت و ولدها محمد العبدالله أبا الخيل قتل في هذه الوقعه ، ظمن من قتل من آل بالخيل . و لما أخبروها بقتل مهنا ، و بما قاله من دور خاله ، لم تبكي ، و قالت : هو المتعدي و يستحق ما جائه ... قارئي الكريم ، هذه صورة من حياة أسلافك ، صوره تمثل الصبر ، و الايمان ، و الشجاعة ، و الكفاح ، و التعاون في الملمات بين الرجال و النساء ، و إذا دعا داعن لذلك به .

كتبه
سليمان بن عبدالله الرواف
بريده ص . ب 603 ت 1631 / 323

_______________
(1) الشيخ عبدالله البسام علم غني عن التعريف . انظر ترجمته بقلم ابنه خالد البسام في كتاب (علماء نجد خلال ثمانية قرون ) الطبعة الثانية (81- 116) .
(2) انظر تحفة المشتاق (358) للبسام . وعقد الدرر لابن عيسى (98).
(3) الشيخ البسام المذكور في القصة من وجهاء عنيزة في عهد الأمير محمد بن رشيد بخلاف الشيخ البسام صاحب خزانة التواريخ النجدية فإنه معاصر توفي (1423هـ) فجرى التنبيه لتشابه الأسماء .
(4) الحاكم الثاني من أسرة المهنا .
(5) الحاكم الثالث من حكام آل مهنا لمدينة بريدة .
(6) الحاكم الرابع من أسرة المهنا لمدينة بريدة .
(7) ذكر المؤرخ الرحالة محمد بن ناصر العبودي في معجم أسر بريدة (21/383) (( معلوم أن حسن المهنا قد استولى على القصيم الذي هو أخصب أقاليم نجد وأكثرها ثمارا وغلات ، وتجبى إليه الزكوات من جميع البلدان التي تتبع بريدة من المذنب والعمار جنوبا حتى القوارة شمالا ومن الشماسية والربيعة والنبقية شرقا حتى صبيح والنبهانية غربا ماعدا مدينة عنيزة وما يتبعها من قرى صغيرة قليلة المحصول )) أ. هـ.
(8) مايستعمل للركوب من الإبل وغيره .
(9) ذكر العبودي في معجم الأسر (14/110) أنه بالذال (الذايدي) وليس بالزاي (الزايدي) وانتقد البسام في ذلك واعتذر له بسبب مرضه .
(10) توفي حسن المهنا في السجن سنة 1320هـ بعد أن بقي في السجن اثنتي عشرة سنة . انظر
النجم اللامع (37) للعبيد . وخزانة التواريخ النجدية (9/146).
(11) يقطعوا .
(12) فبردوها .
(13) مايوضع على ظهر البعير ، ويعد للرحيل من وعاء للمتاع وغيره .
(14) العقيلات . واحدهم عقيلي والجمع عقيلات وهم سكان نجد وخاصة أهل القصيم كانوا يسافرون إلى العراق والشام وفلسطين للتجارة .
(15) بياض في الأصل .
رد مع اقتباس