الموضوع: قلعة وادرين
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 17-07-2011, 10:07 AM
الصورة الرمزية bo3azeez
bo3azeez bo3azeez غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: ديرة بو سالم
المشاركات: 461
افتراضي قلعة وادرين

د.يعقوب يوسف الغنيم
هاتفني أحد القراء ليسألني سؤالاً في اللهجة الكويتية، وعندما استوضحت منه عن السؤال قال لي إنه سمع شخصاً لم يذكر اسمه يتحدث لا أعرف في أية جهة الا أنها جهة إعلامية عن عبارة شعبية مشهورة هي قولهم: قلعة وادرين. كانت هذه العبارة تتردد كثيراً في الايام الماضية ولكن الناس قد بدأوا في التخلِّي عنها ونسيانها مما أتاح للشخص المتحدث في الجهاز الإعلامي أن يخبط خبط عشواء، وأن يتحدث بموجب تفكيره لا بموجب علمه، ولم يكن تفكيره صائباً على كل حال، وقد قال ما قاله اعتماداً على ان لا أحد يعرف مدلول هذه العبارة في الوقت الحاضر وهذا في حد ذاته ظن خاطىء.
لن أخوض فيما قال ذلك المطِلُّ من الإعلام، وبخاصة وأن إعلامنا صار يستقطب كل من له لسان قبل أن يكون له فكر، ولكني سوف أتولىّ الرد على سؤال السائل، ولعلي أكون عند حُسن ظنه.
في لهجتنا اذا أردت أن تطرد عنك شخصاً تقول أنه: انقلعْ وَتُنطق القاف هنا جيما. أما العبارة التي وردت في السؤال فهي مكونة من جزأين هما قلعة وتنطق القاف جيما قاهرية، ووادرين بمعنى المكان البعيد الذي يرسل إليه المغضوب عليه، فإذا أبعد شخص لسبب ما إلى منطقة نائية قيل: أُرسل إلى قلعة وادرين أو ذهب في قلعة وادرين. ولقد رددت كثيراً أن اللهجة الكويتية في غالبيتها ذات أصول عربية فصيحة وهذا أمر لا يستغرب فالكويت بلد عربي صميم، وأهلها عرب، وقد وصلت إليهم ألفاظ لغتهم الأم على الرغم من تراخي الزمان واختلاط الناس من أجناس مختلفة. ولذا فإنني هنا ألجأ إلى كتاب «لسان العرب» لابن منظور لاستكشف ما فيه بشأن هذه العبارة فهو يدلّني على ما أريد، ويعطيني – دائماً – الدليل على صحة ما أقول بشأن الأصول العربية الفصيحة للهجتنا.
يقول في مادة (قلع) إن القلع هو انتزاع الشيء من أصله، قلعه يقلعه قلعا وقلعه واقتلعه وانقلع..»، ثم يقول: «وقُلعَ الوالي قَلْعا، وقُلعة فانقلع، والمقلوع هو: المعزول. ويقول في مادة (ودر): «ودَّر توديراً أوقعه في مُهلكة. يقول: وسمعت غير واحد يقول للرجل إذا تجهم له وردَّه رداً قبيحاً: ودِّر وجهَكَ عني، أي نَحِّه جانباً وبعِّدْه».
لا أقول إن هذا الذي نقلته عن لسان العرب هو ما نقوله حرفيا، ولكنه قول له دلالته فهو قال: قلعه، وقال: انقلع وهي ألفاظ مستعملة عندنا بمعانيها، حتى إننا لنسمع إلى اليوم من يقول للشخص الذي يزدريه: انجلع بمعنى انقلع. أي إذهب من مكانك هذا.
أما لفظ (ودّر) فهو مستعمل عندنا كما هو ولا شك في أن لفظ (وادرين) مقصود به الموضع الذي يذهب إليه المودَّرون أي المبعدون، دون أن يكون اسماً خاصا بمكان.
ولقد قدمت فيما مضى نماذج لتشابه، اللهجة الكويتية مع اللغة العربية الفصحى، ولو أردت أن أقدم كل ما جاء في لهجتنا وفي لغتنا على هذا النحو لطال بنا الحديث، ولكن الأمر هنا يضطرنا إلى تقديم شيء يدل على هذا التشابه مهما قل؛ فنقول إن هناك الكثير من العبارات المستعملة في اللهجة الكويتية وهي ذات اصل عربي، منها عبارة: سقط مِنْ عيني» أي فقد احترامي له، وفي الحديث: «إني لأرى الرجل يعجبني فأقول هل له حرفة فإن قالوا: لا، سقط من عيني»، ووجدنا عبارة: طقت الحلقة البطان أي وصل الأمر إلى نهايته، ومثلها قول العرب: التقت حلقتا البطان». ووجدنا كلمة قعد في قولهم: «قعد فلان يمدحك» أي طفق يمدحك وهي استعمال عربي، وكذلك «كذبته» بمعنى أخبرت أنه كاذب، وكذلك قولهم: «الحمد لله الذي جاء بك» أي الحمد لله إذ جئت، وفي اللهجة تسقط الهمزة فيقال: الحمد لله اللي جابك، وأحياناً تقلب الجيم ياء فيقال: يابك.
وفي الأساليب وطرق استعمالها نجد أموراً كثيرة تؤكد الارتباط الكبير بين اللهجة الكويتية وأمها الفصحى، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
في مادة (شمل) ذكر ابن منظور أن العرب تقول: «فلان عندي باليمين» أي بمنزلة حسنة، والكويتي يقول: فلان حطه على يمناك أي ضعه عند اليمين بالمعنى العربي نفسه.
وفي مادة (عمي).. «ولقيته صكة عُمي.. أي في أشد الهاجرة حرا.. وقيل عُمي رجل من عَدْوان. وكان يُفتي في الحج، فأقبل معتمرا، ومعه ركب حتى نزلوا بعض المنازل في يوم شديد الحر، فقال عمي: من جاءت عليه هذه الساعة من غد وهو حرام لم يقض عمرته، فهو حرام إلى قابل، فوثب الناس يضربون حتى وافوا البيت وبينهم وبينه من ذلك الموضع ليلتان جوادان فضرب مثلا.. وفي الحديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة نصف النهار إذا قام قائم الظهيرة صكة عمي» وهذا المثل معروف ومستعمل في اللهجة الكويتية بلفظه، لا ينفي ذلك أن عدداً من أهل الكويت نسيه ولم يعد يستعمله، أو أن عدداً من المحدثين منهم لم يسمع به نتيجة إهماله ممن سبقهم.
بعد هذا أرجو أن تكون الأمانة العلمية هي الأساس الذي نسير عليه من أجل الوصول إلى ما نريد من معلومات، وألا ننسى الأصول العربية الشريفة للهجتنا، فبدلاً من البحث عن معاني بعض العبارات في مواضع أجنبية، فإن من السهل العثور على هذه المعاني في كتبنا العربية التي سجل فيها آباؤنا الأولون كل شيء عن لغتهم على اتساع ما فيها من ألفاظ وشعر ونثر وحكم وغير ذلك.
http://alwatan.kuwait.tt/ArticleDeta...rQuarter=20112
__________________
تهدى الامور بأهل الرأي ماصلحت
*****************
فان تولوا فبالاشرار تنقاد
رد مع اقتباس