عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 04-07-2009, 01:44 AM
عنك عنك غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
الدولة: الـكـويــت
المشاركات: 412
افتراضي


محمد البراك الفضالة

إن أول اضراب من نوعه شهدته الكويت ، هو الاضراب الذي أعلنه سائقو سيارات الأجرة عام 1937م ، ردا على قرار الحكومة القاضي بمنع الكشتات ( النزهات خارج البلدة إلى الضواحي) .
وقبل أن يقوموا باضرابهم هذا ، ذهب وفد منهم إلى السيد حامد النقيب وكيل شركة فورد ، ليوضحوا له وجهة نظرهم والأضرار التي قد تنجم عن هذا المنع ، ويستطلعون رأيه فيما عزموا عليه ، فأشار عليهم بعدم الإضراب وأن يكتفوا بتقديم عريضة للشيخ أحمد الجابر فقط ، ولكنهم لم يتلفتوا إلى قوله فأعلنوا الإضراب ، وكان مفاجأة مذهلة بالنسبة للحكومة! وكان مفاجأة مدهشة بالنسبة للشعب !
ولما لم يكن في الكويت نقابات لأصحاب المهن ، كما هي الحال في البلاد الأخرى – والنقابة هي التي تتولى عادة وتقود مثل هذا الإضراب – فلا بد إذن من يد محركة لهذا الإضراب ، والذي لم يكن للكويت عهد بأمثاله .
فأخذت الحكومة تفتش وتفتش عن هذه اليد المحركة .. فلم تجد سوى الشباب ، وهل يا ترى بإمكان الحكومة في ذلك الوقت أن تلقي القبض على كل الشباب ، وتخلق لنفسها أزمة ربما تنقلب لغير صالحها وهي في غنى عنها ؟
هذا لا يمكن . إذن لا بد لها أن تختار واحدا من الشباب وتحصر التهمة فيه .
ومن هو يا ترى هذا الشاب ؟ إنه ليس سوى الشاب الجريء : محمد البرّاك ، لا أحد غيره . فانطلقت إحدى السيارات المسلحة من داخل الكويت إلى "الراس" حيث يوجد (محمدالبرّاك) مع ثلّة من رفاقه الشباب ..
ثم عادت السيارة تحمل البرّاك وحده إلى المحكمة التي يرأسها الشيخ عبد الله الجابر ، وضرب ضربا مؤلما حتى أغمي عليه ، ثم ألقي به في السجن . أما السوّاق المضربون ، فألقي القبض على عدد منهم وأدخلوا السجن وهم :
- عبد الله بن أحمد العصفور : ضرب وسجن لأنه دافع عن زملائه .
- يوسف بن ابراهيم الخميس : توسّط له والده وأفرج عنه فورا .
- علي الصائغ : سجن عشرة أيام .
- مصطفى عبدان : سجن عشرة أيام .
- محمد الطواري : سجن عشرة أيام .
- عيسى عبد الله عبد الجليل : سجن عشرة أيام .
- السيد عبد الوهاب السيد عبد اللطيف .
أما الحكومة فإنها ما لبثت أن تراجعت عن قرارها . وتراجعها هذا يعني انتصارا ساحقا للمضربين في ذلك الوقت . واكتفت بإظهار هيبتها أمام الناس بضربها لإبن البرّاك ، وكأنه المعني الوحيد في تلك الحادثة !!
وقبل الخروج من موضوع هذه الأولية ، نرى لزاما علينا إيفاء هذا الشاب بعض ماله من حقوق على مواطنيه :
فلقد عاش محمد البراك حياته كلها في صراع عنيف مع الإستعمار ، وجاد بكل غال ورخيص من أجل المبدأ السامي الذي هو مبدأ كل عربي ، جريئا إلى أبعد حدود الجرأة في كل ما يكتب ويقول ، وكان يعمل بنشاط مستمر لتكوين جبهة قوية متضامنة من الشباب العربي في الكويت لدعم القضايا العربية في كل مكان من الوطن العربي ، ولتكون في مقدمة النضال من أجل الوحدة العربية الكبرى .
هذا هو مبدأ البراك ، وهذا هو كل ما يسعى إليه ويتمناه ، وهو في الوقت ذاته ، يسعى إلى رفع مستوى الروح العربية في بلده : الكويت .
ولم يقتصر نشاطه هذا على الشباب فقط ، بل تعداه إلى طلبة المدارس ، فأنشأ عام 1938م مكتبة أسماها : (المكتبة القومية) وأعد فيها دفاتر مدرسية لبيعها على الطلاب ، مكتوب على أغلفتها هذه الجملة الرائعة : (البلاد العربية وحدة طبيعية والمجد للشباب القومي الذي يعمل بإخلاص لتحقيق وحدتها السياسية) .
كل ذلك لتذكير الناشئة وطلبة المدارس بواجبهم نحو الوحدة العربية الشاملة ودورهم في النضال من أجل تحقيقها .
ولقد طارده الاستعمار في كل مكان يحل فيه ، حتى في وطنه الذي نشأ فيه ، فضرب مرارا ، ولاقى من العذاب والتشريد صنوفا ، شأنه في ذلك شأن الرجال العاملين الذين عز عليهم أن يروا أوطانهم وشعوبهم فريسة يتقاسمها الدخلاء .
وهذا الشاب الذي ضرب أمثالا رائعة في البطولة والتضحية لم نجده في يوم من الأيام أنه عمل لنفسه … لأنه لو أراد ذلك لأصبح من كبار الأغنياء وأصحاب الكراسي .
ونحن حين نتكلم عن البراك وما لاقاه ، لا نقصد ما يتوهمه الغير من إثارة للماضي ، وإنما من الواجب علينا أن لا ننسى البراك .
وعندما تأسس المجلس التشريعي عام 1938م أشار عليه بعض أعضاء المجلس التشريعي بالسفر خارج الكويت ، فسافر إلى البصرة ومكث فيها حتى أوائل الحرب العالمية الثانية ، ثم غادرها إلى بومبي وحل في بيت : حسين بن عيسى القناعي ، وافتتح محلا لبيع الأحذية بمساعدة بعض التجار .
وفي أحد الأيام مرت به مظاهرة ضخمة ضد الإنجليز لاحتكارهم الملح ، فاستولى عليه شعور عظيم من الحماس ودافع قوي للإشتراك بها ، وهو يشترك في كل مظاهرة تكون ضد الإنجليز ، وإن كان بعيد العلاقة عنها .
ترك دكانه مفتوحا إلى النهب ، ومشى مع المظاهرة يهتف ويصيح محرضا . وبينما هو في غمرة إزدحامها أحس بألم شديد في صدره والدم يترقرق من قميصه ومد يده إلى موضوع الألم وإذا به يجد شيئا صلبا وحادا قد برز من صدره . تبين فيما بعد أنه سيخ أحد الأعلام الصغيرة التي يضعها عادة رجال السلك السياسي على جانب السيارة الأمامي وقد غرز مع العلم في ظهره ونفذ إلى الجهة اليمنى من صدره ، ونقل بسيارة أسعاف إلى المستشفى وأخرج السيخ منه وضمد وشفي .
وبعد أيام قليلة أخذته السلطات البريطانية من بيت ( حسين بن عيسى القناعي ) واعتقلته ، وكان ذلك في عام 1942م .
وعند نهاية الحرب ، جرت عدة إتصالات رسمية بين الكويت والحكومة البريطانية حول الإفراج عنه أو تسليمه لحكومة الكويت باعتباره أحد رعاياها ، وتم الإتفاق على تسليمه لحكومة الكويت مخفورا .
وعلى ظهر الباخرة ، سُلّْم إلى رجال الأمن الكويتيين ، الذين سارعوا إلى إيداعه السجن ، حيث بقي ثلاثة أشهر ، أُفرج عنه في نهايتها بعد أن ساءت صحته وأشرف على الموت .
ومكث في الكويت لا يبارحها ، يزاول بعض الأعمال الحرة بمساعدة أصدقائه المخلصين ، وأخص منهم بالذكر : السيد عبد الحميد الشيخ يوسف بن عيسى القناعي ، والسيد مرزوق الجاسم المرزوق ،
وظل كذلك بعيدا عن السياسة إلى أن توفى أبو طارق فجأة في ديسمبر من عام 1953م .
وهكذا كانت حياة أبي طارق رحمه الله .
عن كتاب : من هنا بدأت الكويت
منقول هنا .
رد مع اقتباس