عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 23-05-2010, 09:59 AM
الصورة الرمزية جون الكويت
جون الكويت جون الكويت غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 2,208
افتراضي


الناحية الاجتماعية
لقد عاشت الكويت - وبخاصة إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية- في شكل أسرة كبيرة تقوم على التعاطف بين أفرادها والتكافل الاجتماعي، بكل ما في ذلك من معنى وما له من صور وتطبيقات، حتى شمل جميع ضروب الحياة في الكويت. ولما كان الكلام عما وراء هذا الاجمال من تفصيل أمر يطول شرحه ولا تحصى تطبيقاته، فإنني اقتصر على ذكر بعض التطبيقات الهامة على سبيل المثال:

عندما تغرق سفينة أو تتحطم
معلوم أن الكثيرين من الكويتيين الملاحين كانوا هم ملاك السفينة، وكانت هي مصدر رزقهم ورزق عائلاتهم، ومن المعلوم كذلك أن مثل هذا العمل محفوف بالمخاطر وبخاصة في الأزمنة الماضية، لذلك كان هذا المجال أحد المجالات التي برزت فيها روح التعاطف والتكافل بين الكويتيين، فإذا ما وقعت كارثة بإحدى السفن -ولا مفر من وقوع بعضها كل عام- كغرق السفينة أو تحطمها أو ما إلى ذلك، كان يسارع الأصدقاء والمعارف كافة وبدون استعطاف أو طلب إلى جمع التبرعات دون علم من اصابته الكارثة، وكانت هذه التبرعات التي تجمع عاجلاً كفيلة بتغطية الخسارة كلها، بل كانت تزيد على جملة الخسارة.

عندما تجنح سفينة أثناء رحلتها
وبمثل هذه الروح كان يسارع الكويتيون دون تفريق إلى انقاذ السفن التي تجنح في الخليج اثناء رحلاتها أو تلاقي من الأهوال ما يلزم العاملين عليها لتركها فيه لاستحالة عملية الانقاذ عليهم، وكان تكوين هذه الحملات الانقاذية بصورة تطوعية وسريعة وشاملة تبعث العجب، ويجب ان نعتز بها كصورة لتعاطف مجتمعنا وتآزره، وقد يبلغ عدد أفراد الحملة الانقاذية الواحدة أحيانا مئة شخص. أما مصاريف الحملة الفعلية فكان يتكفل بها واحد أو أكثر من الموسرين ان تعذر على صاحب السفينة أو اصحابها تحملها.

عندما تنزل سفينة إلى البحر
وكانت تبرز روح التعاون والأخوة كذلك في عملية انزال السفن الجديد إلى الماء، فكان رفع العلم الكويتي عليها ايذانا بالشروع في عملية انزالها إلى البحر، وكان كذلك ايذانا بتهافت ممثلين لمختلف العائلات من أصحاب السفن ليسهموا متكاتفين في العملية المذكورة، وكان هذا التطوع يتم ايضا دون طلب صاحب السفينة أو التماس العون من الآخرين.

إذا شب حريق
وإذا تركنا الملاحة عند هذا الحد ونظرنا إلى حياة المدينة وجدنا ذات الوضع، ففي حالات الحريق مثلا كانت نجدة أهل الحي تحصل بسرعة خاطفة، وفي جرأة نادرة رغم بساطة الوسائل والإمكانيات حينذاك.

كل مسؤول عن أسرة جاره عند غيابه
وبمثل هذه الروح لم تكن الأسرة الكويتية تفتقد الطمأنينة إلى الأمن أو إلى توفير حاجياتها فترة غياب عائلها أثناء رحلات السفن الطويلة، بل كان كل مقيم من أهل المنطقة يشعر بأنه مسؤول أدبيا عن أسرة جاره أو صديقه أو أخيه المسافر، وكان يتحسس في أدب جم أحوال جيرانه وعشيرته لجلب ما قد يحتاجه «زيادة على ما كان يتركه المسافر لأهله قبل سفره لسد حاجاتهم المعيشية» نظرا لطول فترة السفر مثلا عما كان مقدرا لها.
كذلك كان كل رجل في حيه أشبه بحارس يقظ لهذا الحي بحيث كان لا يسهل لغريب أن يدخل إلى الحي.

كان في الكويت، اشتراكية إسلامية وعدالة اجتماعية
ولعل أكبر شاهد على قيام التكافل الاجتماعي والعدالة الاجتماعية والاشتراكية الإسلامية في المجتمع الكويتي هو ذلك النظام الذي اتبعته الكويت في توزيع حصيلة السفن من رحلاتها «وكانت اكبر موارد البلاد حينذاك»، فقد اعتبر داخل السفينة في كل سفرة حصيلة مشتركة توزع بين الجميع -بما فيهم المالك- على أسس اشتراكية عادلة، وذلك بعد خصم المصاريف الفعلية لطعام العاملين على السفينة ورسوم الموانئ المقررة، «وكان الجميع يطعمون معا وعلى مستوى واحد دون تفريق أو امتياز لاحد»، أما أسس توزيع تلك الحصيلة فقد جرى بها العرف والتزمها الناس كافة.
ويمكن باختصار القول بأنها كانت توزع على النحو التقريبي التالي:
10 في المئة تقريباً لمصاريف الطعام المذكورة ورسوم الموانئ.
45 في المئة تقريبا جملة ما يؤول إلى العاملين في السفينة على اختلاف انصبتهم.
35 في المئة تقريبا جملة ما يؤول لصاحب السفينة ويتحمل منها مصاريف الصيانة وما إليها.

مجتمع الكويت الحديث يستمد من مجتمعه القديم: تكافلا وتعاوناً
هذا هو المجتمع الكويتي القديم، لم أذكر عن حياته إلا النزر اليسير من تطبيقات التكافل الاجتماعي والتعاون والعدالة الاجتماعية فيه.
وان مجتمعا هذا شأنه لا شك في انه بيئة صالحة للعديد من الإصلاحات الاجتماعية التي استحدثتها دولة الكويت بعد ذلك كما حدث مثلا في العلاج وفي التعليم وفي غيرهما، ولم يكن غريبا كذلك ان يأتي دستور هذا المجتمع الكويتي الصادر يوم 11/11/1962 موليا هذا الجانب الاجتماعي عناية خاصة في نصوصه واحكامه. والامل كبير ان تتابع الكويت هذا الاتجاه النابع من ديننا وتقليدنا والمتفاعل مع احاسيسنا وافكارنا، حتى يكون هذا البلد انموذجا للتضافر القومي الشامل في سبيل الخير المشترك وتحقيق الرفاهية للجميع، وحتى نكون- كما قال الرسول الكريم- كالجسد الواحد، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

الناحية السياسية
لقد كانت الكويت من اقرب بلاد العالم العربي الى التقاليد الاسلامية والروح العربية الاصيلة في شأن علاقة الوالي بافراد الامة، فقد كانت هذه العلاقة اقرب الى روح العائلة الواحدة منها الى مجرد الرباط السياسي الذي يضم الناس تحت لواء امارة أو دولة بأوضاعهما الشكلية المرسومة، وكنت تجد هذا الاحساس عند الجميع وفي مختلف المناسبات. وزادت من قوة هذه الصلات العائلية روح التعاون والتكافل بين ابناء المجتمع الكويتي من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية السابق الكلام عنهما.

لا حجاب بين حاكم ومحكوم
اما الشوري كأساس اسلامي للحكم فقد كانت تتمثل في الكويت قبل الدستور في بساطة مظاهر الحكم السياسي وعدم اقامة حجاب بين الحاكم والافراد، مع ماجبلت عليه نفوس الكويتيين من احترام للنظام والتقليد، وتوقير الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير، مما جعل الامور العامة للدولة محل الاستشارة وتبادل النظر مع ذوي الرأي في البلاد.

النظام النيابي الجديد لم يكن طفرة
ولهذا لم نشعر- كما قد يظن الشخص الغريب عن حقيقة الكويت- بأن في الاخذ بالنظام النيابي الدستوري سنة 1962 اية طفرة أو أي سبق للزمن، بل بالعكس شعرنا بأن هذا هو التطور الطبيعي السليم، وانه هو التسجيل العادل لمنطق تطور افكارنا واساليبنا في الحكم والسياسة، وبخاصة اذا لوحظ ما سبق بيانه من مقومات مجتمعنا المتطور في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والفكرية مما يقتضى بالضرورة تطويرا مماثلا في مقومات هذا المجتمع السياسية والحكومية. وهنا ايضا اذكر ظهور النفط وما تبعه من ثراء عام كسبب آخر للتطور السياسي وكعامل تقوية لاسباب التطور الاخرى التي اشرت اليها.

الشعب الصغير اقدر على مراقبة نوابه وحكامه
ويمكنني ان اضيف الى هذه العوامل مجتمعة عاملا آخر يخص الكويت بالذات، وهو ان صغر هذه الدولة وقلة عدد سكانها بالنسبة للدول الاخرى يجعل بيئتها اكثر صلاحية لمتابعة رقابة الشعب لأعمال نوابة ورقابته لحكامه حتى ان الحكم النيابي فيها يكاد يكون في واقعه حكما مباشرا للشعب.
كما ان هذه البيئة الصغيرة السريعة التطور، الموفورة الامكانيات، اقدر على تعرف المسائل العامة على وجهها الصحيح دون مجال للتمويه السياسي الذي قد يتسع مجاله في الجماعات الكبيرة ويستشري ضرره.

ولهذا أود- رغم ما لابد وان يكون هناك من ملاحظات على تجربتنا النيابية الدستورية- ان اسجل تفاؤلي بالتنافس المشروع داخل مجلس الامة وفي دوائر الحكومة لتحقيق اكبر قدر من الاصلاحات الشعبية على احسن مستوى، وفي اسرع وقت،وبأقل ثمن. وهذه كلها اهداف نسير نحوها ولا يمكن ان تتحقق كاملة بين يوم وليلة، ولكن من الاهمية بمكان ان يكون اتجاهنا صحيحا نحوه، وان نقوّم عيوبنا، وان تكون وسائلنا لبلوغها ديمقراطية سليمة، لا تنسى ماضينا، ولا تتنكر لتراثنا، أو تفقد مجتمعنا المتطور ايا من مقوماته السليمة سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية.
وعلى الله التوفيق.

الكويت: عبدالعزيز حمد الصقر
رد مع اقتباس