الموضوع: العطيبي
عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 24-08-2010, 12:07 AM
خالد 1 خالد 1 غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 5
افتراضي


كتب التاريخ والتراجم مليئة بالمواقف المعبرة ، والقصص المشرقة لسلف هذه الأمة الذين ضربوا أروع الأمثلة في ميادين الخير ، ولأن هذه الأمة أمة مباركة لا يدرى الخير في أولها ، أم في آخرها ؛ لذا لم تخل سير المتأخرين من الدلالات ذاتها .
ومن جميل ما قرأته في سير المتأخرين هذه الرائعة التي أوردها الدكتور عبد المحسن الخرافي في كتابه " مربون من بلدي " ص 468 بتصرف يسير :
المربية الفاضلة المطوعة لولوة هلال العطيبي المولودة في فريج – حي – ابن عاقول في منطقة الشرق – المنطقة الكويتية القديمة – سنة 1865 م ، كان لها كتاب – بضم الكاف وتشديد التاء – لتعليم الصغار ، وقد التحق به الكثير من بنات الكويت .
تزوجت ، ورزقها الله – سبحانه – بولدين ، وبنت ، وكان يقيم معهم في بيتهم غير زوجها ، وأولادها بعض العبيد لهم .
حياتها كانت ميسرة نوعا ما ، وزاد الحياة جمالا كون المطوعة لولوة تعد مشعلا من مشاعل النور في الكويت في ذلك الوقت .
وبعد أن كبر أولادها ، وبلغ ابنها الأكبر عشرين سنة ، توالت الحوادث التي لم تكن في الحسبان على مربيتنا الفاضلة .
بينا كان ولدها الأكبر يعمل في القرب من شاطيء البحر ، وإذا بسفينة شراعية كبيرة تسقط عليه فيموت – رحمه الله - .
احتسبته عند الله ، ولم تنقطع عن مسيرتها المباركة .
ويخرج زوجها وولدها الثاني في رحلة صيد سمك ( حداق ) – بفتح الحاء ، مع الجيم القاهرية في آخره التي تكتب بالقاف ، وتنطق بنطق أهل القاهرة للجيم - ، فيطول غيابهما ، ولما خرج بعض أهل الكويت للبحث عنهما ، وإذا بهما قد غرقا – رحمهما الله - .
احتسبتهما عند الله ، ولم تنقطع عن مسيرتها المباركة .
لم يبق لها من الدنيا إلا ابنتها التي كانت تبلغ اثنتي عشرة سنة .
وفجأة ، وفي أحد الأيام ، وقع على البنت كيروسين ، وهي بالقرب من نار موقدة في البيت ، فاحترقت البنت – رحمها الله - أمام عيني أمها .
احتسبتها عند الله ، ولم تنقطع عن مسيرتها المباركة .
لم يبق معها في البيت إلا الخدم – العبيد - ، وقد ذهبت متعة الدنيا ـ وقرة العين من زوج وأولاد ، ولعل وجود الخدم يخفف عنها بعض ما بها – ولا أظن – بخدمتها ، وتلبية حوائجها .
وفجأة .... يصاب أحد العبيد بداء السل ، وتنتقل عدواه إلى العبيد ، فيهلك من في البيت – رحمهم الله - ، وتسلم مطوعتنا لولوة هلال العطيبي .
احتسبتهم عند الله ، ولم تنقطع عن مسيرتها الأخيرة .
يالله .... مصائب تتوالى ، وهموم تتعاقب ، وصبر يفوق الخيال .
ترى ما الذي ثبتها ؟ !
ما الذي حفظ لها دينها ؟ !
ما الذي عصمها من جنون ، أو خبل ؟ !
لقد كانت المطوعة لولوة – رحمها الله – تردد عند كل بلاء : إنني أنسى مع التعليم همي !!!
إن المطوعة لولوة ضربت مثلا رائقا لكل مصاب ، في ضرورة اللجوء إلى الله – تعالى – عند كل مصاب ، وتفويض الأمر كله إليه ، فهو حسبنا ، وكافينا ، يعطي بمحض فضله ، ويأخذ لحكمته ‘ لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه .
فإذا ألمت بك المصائب والخطوب ، وأحاطت بك البلايا والخطوب ، فلذ بربك علام الغيوب .
فقلت للفكر لما صار مضطربا **** وخانني الصبر والتفريط والجلد
دعها سماوية تجري على قدر **** لا تعترضها بأمر منك ينفسد
فحثني بخفي اللطف خالقنا ***** نعم الوكيل ونعم العون والمدد
المطوعة لولوة ضربت لنا صورة رائعة في أثر العلم في نفس المؤمن عند البلاء ، فكلما عظمت معرفتك بالله – جل وعلا – كنت أرضى بما قسم لك .
وقد كان النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أرضى الناس عن ربه ، يلجأ إليه عند المصيبة ، ويأنس به عند البلاء ، فيجد من حلاوة المناجاة ، ولذة الأنس ما حرمه أهل العروش ، والكروش ، والقروش !!
اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد .
وأخيرا .... في قصة المطوعة لولوة تتجلى تلك الهمة العالية ، وضرورة الاشتغال بالخير مع شدة البلاء .
إن كثيرا من الناس يهرعون عند المصائب إلى الوحدة ، والعزلة ، وهي في هذه الحال خبال ، ووبال ، تهدم كل أثر بهجة في نفسك ، وتجعلك تطلق فكرك في بحور الهم ، والحزن ، والخلود إلى الكسل .
إن من أعظم ما يعين على تجاوز المحنة – بعد اللجوء إلى الله – أن يمضي المبتلى فيما كان عليه من عمل مبارك ، وسعي مرضي ، ومواصلة لإنجاز مشاريع الحياة الهادفة .
رحم الله المطوعة لولوة هلال العطيبي ، وجمعها مع من تحب في الفردوس الأعلى ، وسلمنا وإياكم من بلاء ومحنة ، وبارك في أعمارنا ، وأعمالنا . اللهم آمين .

منقول من منتدى شذرات للكاتب الشيخ عبدالعزيز العويد
رد مع اقتباس