عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23-12-2011, 04:06 PM
ندى الرفاعي ندى الرفاعي غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 693
افتراضي السيد هاشم الرفاعي - سيد دانة

_الرفاعي.. )
سيرة «مجهولة» لأول صحافي كويتي
____________
وصفه الريحاني بأديب الأدباء وعبدالعزيز الرشيد بالكاتب القدير وخالد سعود الزيد بالكاتب البحّاثة وعبدالله الحاتم بالكاتب الكبير

سيرة «مجهولة» لأول صحافي كويتي

بقلم: يعقوب يوسف الإبراهيم

انه من المحزن ان يغيب عن ذاكرتنا رجال نحن عنهم لاهون رغم ما قدموه من اعمال جلى تذكر وتشكر.

بينما في الوقت نفسه تطرز صحفنا وصحائفنا عمّن هم اقصر قامة واخفض هامة، و«لكن طبع النفس للنفس قائد».

تحضرني مناسبة وقبل ان اعد هذا البحث (عن واحد ممن ذكرت). فقد وقع نظري على كتاب «في اصول الحركة القومية العربية» 1839 - 1920 من تأليف الدكتور الهادي التيمومي استاذ العلوم الانسانية والاجتماعية بجامعة تونس.

وفي الفصل الثاني تحديدا وتحت عنوان «ارهاصات الوعي القومي العربي» (1839 - 1908)، جاء فيه اسهامات لبيوتات مال وتجارة من مختلف الاقطار العربية، ومنهم عائلة في الكويت - سوف لن اذكر اسمها لان شهادتي فيها مجروحة -.

اتصلت بالمؤلف مستفسرا عن مصادره في ما ذكر عن تلك العائلة. وكان املي ان يذكر اسم مركز بحوث او احد المهتمين في شؤون التاريخ والتراث من الكويتيين، وما اكثرهم واكثر ادعاءهم.

فكان جوابه خيبة امل عارمة حينما ذكر ان مصدره كتاب للمستشرق الروسي كوتلوف «تكون حركة التحرر الوطني في المشرق العربي» منتصف القرن التاسع عشر - 1908.

والذي اعتمد فيه على الارشيف القيصري الروسي واضاف انه لاقى نقدا ولوما لاذعاً من قراء كتابه من المهتمين بالتاريخ. اتهموه بالجهل، والا فكيف يكون هناك ذكر لعائلة كويتية ساهمت مساهمة مشهودا لها في منتصف القرن التاسع عشر وقبل مائة وخمسين سنة. فالكويت في نظرهم هي كويت النفط، وما قبل ذلك فهي مجرد ميناء صغير مغمور على الطريق الى الهند، ولكي اسنده في موقعه قمت بإرسال مؤلفي «من الشراع الى البخار» قصة اول شركة ملاحة عربية. فكان له خير رديف في رده. وهو ما اخبرني به لاحقا وقد وضعه في برنامج طلبته في ما يختص بالموضوع.

ارجو ألا يفهم مما ذكرت أنه فورة غضب. فأقولها: حاشا ولكن ما يجول بالخاطر هو عجب وعتب.

فإذا كان همنا الوحيد هو اعلاء اسم الكويت كما اجمله سمو امير البلاد بمقولته «كلنا زائلون وتبقى الكويت».

فلمصلحة من يجري هذا التغييب لها. وهل ما يحدث هو حسن نية ام هو سوء طوية، فمهما تكن الحال فان الخاسر الوحيد هو الكويت «ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا».


«سيد دانة» اسم لازمه طوال حياته


يمكننا أن نقول إن عام 1885 او ما يقاربه هو تاريخ ميلاد السيد هاشم بن احمد بن هاشم الرفاعي. ولد في حي القبلة بالكويت إبان حكم الشيخ عبدالله بن صباح بن جابر حاكم الكويت الخامس (1866 - 1892).

ابوه السيد احمد من كبار السادة الرفاعية في الكويت ومن اعيانها الذين ينتمي نسبهم الى الحسين بن علي بن ابي طالب (رضي الله عنهم).

والدته من آل عبدالرزاق من اعيان الكويت الذين أصلهم من بني ثور من سبيع القبيلة العربية المعروفة، ويمت اصلهم الى الرباب من يتيم، سكن اجدادهم بلدة العطار في السدير بنجد. يقول عثمان بن سند في كتابه «سبائك العسجد في أخبار احمد نجل رزق الأسعد»، ان ابراهيم العبدالرزاق كان صديقا لأحمد بن محمد بن حسين بن رزق منذ طفولتهما سكنا الزبارة (بقطر) وغادراها الى البصرة عام 1212هـ-1797م. وله من الابناء عبدالوهاب وسالم فأصابوا ثروة وشهرة ومجدا.

ويذكر كتاب «النصرة في أخبار البصرة» للقاضي احمد نور الانصاري. اصاب البصرة وتخومها «داء الطاعون» قضى على الكثير من اهلها، كان ذلك عام 1236هـ/1820م. اعقبها فتنة عند تولي «عزيز آغا» متسلمية البصرة بعد عام واحد من «مصيبة الداء» تحديدا 1237هـ-1821م. فكانت معالم حكمه الدموي اذ صب جام غضبه على تجار عرب فقتل ياسر السميط واستولى على ثروته، وانتزع من سليمان وعبدالله الفداغ ثروة تقدر بلكين قرش شامي (اللك يعادل مائة الف). كما وضع غرامة كبيرة على سالم بن ابراهيم العبدالرزاق ومثلها على خالد بن احمد بن رزق فهرب الجميع وخبا نورهم في البصرة فحطوا رحالهم ارض الكويت في بداية حكم الشيخ جابر بن عبدالله بن صباح الحاكم الثالث 1813-1859.

ويختتم كتاب «عنوان المجد في بيان احوال بغداد والبصرة ونجد» لإبراهيم فصيح بن صبغة الله الحيدري «بيت عبدالرزاق وهو بيت مجد وعز وتجارة وقد انطفأت نارهم في البصرة وبقي منهم الكامل النجيب محمد بن عبداللطيف في الهند وبعض الاخيار في الكويت».

كان هاشم عقب ابيه الوحيد الذي ظلله بحنوه وحمايته فالتصق به منذ نعومة اظافره حيث يصطحبه في الزيارات الى دواوين اعيان الكويت وعمره خمس سنوات وكان متشبثا بعباءة أبيه محتميا بها.

يتذكر الصبي انه كان يزور تلك الدواوين ومنها ديوان الامام عبدالرحمن الفيصل السعود الذي لجأ الى الكويت في عام 1891.

كما يتذكر زيارة الامام عبدالرحمن لديوانهم بصحبة ابنه عبدالعزيز وهو صبي يكبره ببعض الاعوام.

كان العيش رغيدا والبيت كبيرا.. خدم وحشم والديوان يستقبل الزوار من اعيان ووجهاء وولائم عامرة للضيوف، والسيد احمد غير حريص على المال ولا حباب له. فهو يتقاضى مرتبا شهريا يبلغ 24 ليرة عثمانية من واردات الاوقاف واملاك السنية ونقباء اشراف البصرة.


مدارس البصرة والعلاقة مع الأستانة
والسيد احمد كذلك من رجال الدين والعلم والمعرفة.. متدين غير متزمت تفتحت عيناه على فسيفساء آدمية مختلفة وهو في حله وترحاله يلتقي بأمراء وشيوخ وتجار ورجال دين اثرت على الصبي فأصبح يعيش في عالم الكبار منذ طفولته. ودخل «الكتاب» ليتعلم قراءة القرآن وحفظه مع مبادئ من الكتابة والحساب. وفي الكويت كان «المطوع» عملا توارثته اسر كويتية جيلا بعد جيل. تلك «الكتاتيب» التي يعلم بعضها الحساب لاستجابة متطلبات واحتياجات تلك الفترة الذي كان عماد الاقتصاد فيها «السفر» و«الغوص» في احد هذه «الكتاتيب» انتظم هاشم وكان من زملائه ابناء الامام عبدالرحمن الفيصل. ختم القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة. لم يكتف والده بذلك فقرر ارساله الى البصرة، ولم تكن المدارس الحديثة معروفة في ذلك التاريخ ولم تعرفها الكويت الا بعد افتتاح المدرسة المباركية عام 1911.

في البصرة العثمانية كان لآل الرفاعي علاقة وقرابة، كما كان لهم حضور وحظوة في بغداد والاستانة التي كان السيد احمد يزورها بين فترات لزيارة الباب العالي لأن مرجع سادات الرفاعية السيد محمد ابو الهدى الصيادي الرفاعي نقيب اشراف حلب كان يقيم هناك وهو اقرب المقربين الى السلطان عبدالحميد خان.

كانت النظم التعليمية الحديثة في العراق العثماني قد دخلت ابان ولاية مدحت باشا (1869-1872) والذي بز أسلافه الولاة في ميدان الثقافة والتعليم حيث لم يعتن الولاة قبله بإدخالها وعلى يده تأسست اربع مراحل في المدارس:

1- المدرسة الرشدية المدنية في البصرة والموصل.

2- المدرسة الرشدية العسكرية في البصرة والموصل.

3- المدرسة الاعدادية العسكرية في بغداد فقط.

4- مدرسة الفنون والصنائع في بغداد فقط.

كانت اللغة التركية هي لغة الدراسة في تلك المدارس التي كانت تدرس العلوم والمعارف العامة وتعنى بالمواد الاجتماعية والرياضة اما اللغة العربية فكانت تدرس بالتركية.

المدارس هذه مجانية هدفها تخريج اجيال ولاؤها المطلق لتركيا ويجبر التلاميذ الصغار فيها على التحدث بالتركية ويعاقب من يتكلم العربية. ويفرض على الطلبة كلما حان وقت الانصراف الهتاف ثلاثا بحياة السلطان «باد شاهم جوق يشا» كل ذلك يدور في محور بداية سياسة التتريك، في الوقت نفسه كان العراق يحكم بالدين والسوط، بينما يتطلع ابناؤه الى الحرية او ما اسموها «المشروطية».

انهى الصبي هاشم الدراسة في المكتب الرشدي في البصرة «كما كان يطلق على المدرسة» عام 1908، ولم تكن الدراسة عليه طوال تلك المدة تشكل عبئاً ثقيلاً، فأراد اكمال دراسته في المدرسة الاعدادية في بغداد وهي وتضم قسما داخليا لسكن الطلاب مجاناً. وقد شجع والده صديق له من كبار علماء بغداد الشيخ ابراهيم الراوي الذي تعهد برعايته مدة الدراسة وان يقوم مقام ابيه.

استقر هاشم في بغداد وكان يصحبه والده في طريقه الى اسطنبول وتلك سفرته الثالثة لها.


«سادة الكَرية»
اصيب هاشم بعد مدة قصيرة من استقراره بحمى شديدة، لم يفلح الاطباء في علاجها، فأشاروا على السيد احمد بأن هواء بغداد لا يلائم صحة الشاب، وقد لا يرجى له شفاء فيها، وربما احتاج الى رعاية امه واهله. فرجع الى الكويت وواصل السيد احمد سفره الى تركيا، حيث كان له فيها امال كبار. وفي طريق عودته الى الكويت مرورا ببغداد داهمته المنية فيها عام 1909، وهو في مسجد السيد سلطان علي في محلة «راس القرية» وتنطق «الكَرية» والسيد علي هو الملقب بـ «سلطان الاولياء» هاجر من البصرة في القرن الخامس الهجري وتزوج اخت الباز الاشهب الشيخ منصور بن يحيى النجادي الانصاري التي انجبت السيد احمد الرفاعي الجد الاكبر لكل الرفاعية في العالم الاسلامي، وصاحب الطريقة الرفاعية المعروفة. دفن السيد سلطان علي في بغداد في راس الكرية، كما اسلفنا لذلك يطلق على آل رفاعي «سادة الكرية». اما السيد احمد الرفاعي فمرقده في وسط العراق في قضاء الرفاعي «محافظة الكوت».

وصل نبأ وفاة السيد احمد الى ولده هاشم برسالة من الشيخ ابراهيم الراوي، كانت خسارة الشاب هاشم بوالده كبيرة، وهو الذي كان يعيش في ظله وتحت كنفه، اصبح فجأة مكلفا ومسؤولا عن اعاشة عائلة اعتادت عيشة الرخاء واليسر ولم يترك الوالد ثروة يمكن الاعتماد عليها، كما لم يكن قد تعاطى التجارة والاعمال.

وفوق هذا وذاك هو مقبل على زواج وهو في عقده الثاني. ولم تكن من اهتمامات الوالد ترك ما يسند ابنه الوحيد ليعيش عيشة المترفين وكل ما تركه بلغ 169 ليرة «مائة وتسعة وستون» ليرة عثمانية.


الشراكة مع الشقيق
بعد تدارسه الأمر، قرر الاشتراك مع اخ غير شقيق من امه، اكبر منه سنا واتفق ان تسكن العائلتان في بيت واحد توفيرا للمصاريف. وكما كان متعارفا عليه ان تكون الكلمة للاخ الاكبر. يقول السيد هاشم في ذلك: «اتفقنا على ان اكون طوع اشارته، فلا اعصي له امرا، وقد كنت في هذه الشراكة مسيرا غير مخير. وكان الاخ، رحمه الله، لا يستبين طريقا يبصر فيه امل الحصول على المال مهما كانت الصعاب التي تعترض قطعها، الا وانتدبني لتذليل اهواءها».

فذهب متاجرا بحمولة من تمور البصرة الى ساحل اليمن بسفينة شراعية باعها هناك، ثم طلب منه اخوة السفر الى بومبي للعمل عند اخواله من آل عبدالرزاق، فقصدها بسفينة ايطالية قبيل الحرب العالمية الاولى، هناك عاوده المرض بعد اقامة سنة وبضعة اشهر. فقرر الرجوع الى الكويت بعد موافقة اخيه طبعا.

لقد اصابا في شراكتهما ربحا لا بأس به، فمالت نفسه الى الزواج ولم يدر انه بولوجه في هذا المشوار قد ضاعف عبء المسؤولية، لكنه في الوقت نفسه شعر بنوع من الاستقلالية والاعتماد على النفس، واصبح لا يرضى ان تكون مصائر قراراته بيد اخيه الكبير.

ولكن حصل ما كان يخشاه حينما علم من احد الاصدقاء الذي جاءه مهنئاً على صفقة خيل اشتراها اخوه من الشيخ مبارك الصباح من دون علم منه. ولما واجهه معاتبا اجابه الاخ بالايجاب، ولو انه لم يستشر بذلك مما اثار حفيظته، فاختلفا وانحلت الشراكة. فكان نصيبه كما يقول: «صفى الاخ حساباتنا على كيفه وناولني الف وثلاثمائة واثنين وخمسين روبية هي كل حصتي كما زعم وادعى، فقبضتها دون مناقشة الحساب». كان في ذلك الوقت مسؤولا عن عائلة يبلغ افرادها خمسة والخادمة.

ففكر ان يغامر بعمل ما، فاختار ان يجرب حظه في «الغوص»، حيث يكدح اهل الكويت الصيف القائظ كله. فموسم الغوص يبدأ في مايو ويسمى «الغوص الكبير» ومدته اربعة اشهر، وينتهي في سبتمبر، ونهاية الغوص تسمى «القفال» وهي عيد في الكويت وبين «القفال» و«الدشة» بداية الغوص ستة أشهر.

ولكن ما يملكه من مال لم يكن كافيا لشراء سفينة وتجهيزها بالبحارة واحتياجاتهم فحاول ان يستدين فطرق ابواب التجار فلم يجد منهم من يلبي رجاءه.


سيد دانة
هنا يتجلى نبل المرأة الكويتية وايثارها. فما ان علمت زوجته بحيرته حتى سلمته كل مصاغاتها الذهبية (الخشل) لكنه رفض ذلك فأصرت باكية متوسلة اليه ان يأخذها. يقول: «اخذت حلي امرأة في مقتبل العمر لم يمض على زواجي منها أكثر من شهرين. أخذته وأنا اشعر بألم دونه. ورهنته عند احد التجار بألف روبية دون ان يعلم احد بذلك حتى الوالدة. اشتريت سفينة وتعاقدت مع بعض البحارة واقرضتهم حسب نظام الغوص السائد، فنفدت الدراهم كلها دون ان احصل على العدد الكافي من البحارة».

وكان له جار هو يوسف المنيس عندما سمع بحاجته أقرضه الف روبية اتمم بها نواقص الرحلة من رجال وزاد. ثم سافر على بركة الله ليجرب حظه في مغاصات اللؤلـؤ وهيراته. بعد شهرين من الكدح باع ما تجمع عنده من لؤلؤ بمبلغ خمسة آلاف روبية. وعاد يجوب مغاصات القطيف، وقبيل نهاية موسم الغوص بأيام معدودة عثر على لؤلؤة فريدة (دانة) بلغت من الرونق والبهاء والجودة ما بلغت. على اثرها التصق الاسم به واطلق عليه لقب «سيد دانة» ذلك الاسم الذي لازمه كل حياته. عرج على «دارين» في الاحساء وهي من المدن التي يقصدها تجار اللؤلؤ للبيع والشراء. فصادف وجوده تاجر اللؤلؤ المعروف هلال المطيري فأعجب بها، واشتراها بمبلغ خمسين الف روبية، وكان ذلك المبلغ رقما خياليا. ويقال ان هلال المطيري باعها في بومبي بمبلغ مائة الف روبية كان ذلك عام 1911.


الحرب العالمية
اندلعت الحرب العالمية الاولى في الخليج بعد الانزال البريطاني في الفاو 6 نوفمبر 1914 ثم سقوط البصرة في 23 نوفمبر واستمرت الحرب الى نهاية عام 1918 من جراء ذلك تدهورت اسعار اللؤلؤ وتجارته فحل كساد جثم على اقتصاد الخليج المعتمد اصلا على تجارة اللؤلؤ. كذلك كانت اسقاطات سياسية ادت الى تغيير انظمة وظهور انظمة سياسية اخرى نتجت عن مخاض سياسي وحصار اقتصادي وحروب استغرقت فترة حكم الشيخ سالم المبارك الحاكم التاسع.


مبدأ الشورى عند الحكام
كان الشيخ احمد الجابر مبعوثا من قبل عمه ليتباحث مع سلطان نجد انذاك (الملك عبدالعزيز السعود) بالصلح وفك الحصار عن الكويت التي عاشت زمنا عصيبا نتيجة عدم تشاور الحاكم مع أهل الحل والعقد في الكويت كما كان متعارفا عليه في السابق الى ان أبطله الشيخ مبارك حيث دخلت البلاد في دوامة نتج عنها معارك الصريف وهدية ثم تبعها مجابهة الاخوان في الجهرة وحمض، ومجتمع الكويت تجاري سالم لا يتحمل سنوات المجابهة والمعاناة.

فبدأت حركة لتصحيح تلك الأوضاع بعد وفاة الشيخ سالم عام 1921 وعند وصول الحاكم الجديد انذاك الشيخ احمد الجابر والذي علم بما يدور ولم يعارض بل اجتمع بوفد من أعيان الكويت واتفق الجميع على مبدأ الشورى كما اتفق على تعيين مجلس من كبار التجار وبدون انتخاب. وتمت جلسات لم تثمر نتائجها كان ذلك في ابريل 1921 كثرت خلافات اعضاء المجلس فأدت الى ردود فعل سلبية اثرت على المتحمسين لتحسين الأوضاع. وكان أكثر المتحمسين هو السيد هاشم الذي ارسل منشورا الى المعتمد البريطاني وقعه باسم مستعار هو «الامة» جملته: «انا نبرأ الى الله من هذا المجلس الذي جمع اعضاء لم يعرفوا التمرة من الجمرة ولم ينتخبوا من قبل الامة». قدم المعتمد المنشور الى الشيخ احمد الجابر الذي قدمه بدوره الى المجلس فثارت ثائرة اعضائه ليتجه سماعهم الى هذا النقد اللاذع وأخذوا يبحثون عن هوية كاتبه فثارت الشبهات حول عبدالعزيز الرشيد. ولم يقع على الحقيقة الا الشيخ يوسف بن عيسى القناعي إذ عرف ان الخط الذي كتب فيه المنشور يعود الى السيد هاشم الرفاعي، ولكنه برأ ساحة الرشيد ولم يفصح عن الرفاعي، لأنه كان يعتقد ان ما ذكره الرفاعي هو واقع الحال وليس من العدل تجريم من قال الحقيقة ولا يقام الحد على من تكلم صادقاً. وقد اقتنع الشيخ احمد الجابر بهذه المقولة فلزم الصمت. وعلى الرغم من مواصلة الجلسات الا ان الفتور اصابها، فانفل المجلس خلال ثلاثة اشهر ولم يحل، لقد كانت حياة المجلس التأسيسي الأول من ابريل الى يونيو 1921.


رصاصة الرحمة
ولد المجلس ضعيفاً بائساً لم يتفق اعضاؤه على شيء ولم يقوموا بعمل شيء، فجاءت رسالة السيد هاشم الرفاعي بمنشوره «رصاصة رحمة» ودخل البلد في ازمة اخرى.

يقول عبدالعزيز حسين في كتابه «محاضرات عن المجتمع العربي بالكويت»: «انتهت المحاولة بالفشل لأنها محاولة مغلوطة من أساسها، فهي لم تكن نابعة من التقاليد والشعور التلقائي بالحاجة الى التشاور في شؤون البلاد كما كان الأمر من قبل، كما انها لم تكن منظمة على أساس من الانتخابات بحيث يصل الى المجلس من يصلحون له، ثم ان المحاولة لم تأخذ بعين الاعتبار الشوط الذي سارته الكويت في التقدم بالنسبة لعهد ما قبل الشيخ مبارك. وكان أساس الاختيار هو الوجاهة والثروة بغض النظر عن الكفاءة والمقدرة. وهم يثورون من اجل كتاب موقع من مجهول غير محاولين معرفة أسباب نقمة الكاتب وعلاج تلك الأسباب، وهم بعد كل ذلك يختلفون ويتخلون عن عضوية المجلس بمحض ارادتهم ورغبتهم».

ربما كان ذلك اول تعامل للسيد هاشم مع الحرف وهو دليل تمتعه بموهبة متوهجة جاهزة للتفعيل يمكنها ان تفيض وتتألق من خلال نداء تداعيات وجدانية يستجيب فيها لحسه وشعوره الذاتي ليبدع إبداع المقل.

انتحى بنفسه فعكف على تثقيفها ثقافة ذاتية منكباً على القراءة ومجالسة المهتمين بالعلوم والدين والادب، ونهل ما يمكنه من تجارب اهل الخبرة، فمخالطة العلماء تلقيح للعقول.

والناس ثلاث طبقات ـ كما يقول بعض الحكماء ـ تسوسهم ثلاث سياسات طبقة خاصة الاحرار تسوسهم بالعطف واللين والاحسان، وطبقة من خامة الاشرار تسوسهم بالغلظة والعنف والشدة، وطبقة من العامة تسوسهم باللين والشدة لئلا تخرجهم الشدة ولا يبطرهم اللين.

والمترجم ينتمي الى الطبقة الأولى.

كان الملك عبدالعزيز ملماً بما حصل في الكويت، وكان يعرف ما يدور في بلاد نجد ويراقب مجرى الأحداث فيها. وهو الذي يريد ان يرسي بداية لدولة حديثة ويحتاج الى كفاءات متعلمة مخلصة غير متوافرة في البلاد النجدية لتتولى ادارة شؤون الدولة الوليدة.


العلاقة مع الملك عبدالعزيز
قبل نهاية عام 1921 كتب الى وكيله في الكويت عبدالله بن حمد النفيسي الاتصال بالسيد هاشم لمقابلته في الاحساء، فتم ذلك في العقير وعرض عليه الانضمام الى ديوانه ليكون أحد الكتبة الخاصين به. وعهد الى الدكتور عبدالله الدملوجي مستشاره ان يتفق واياه على الراتب والامتياز. فكان طلب السيد هاشم راتبا سنويا قدره الفان وخمسمائة روبية، وحينما علم الملك عبدالعزيز بذلك ضاعف المبلغ وجعله خمسة آلاف روبية سنوياً.

باشر العمل بهمة ونشاط لمدة سنة وبعدها انتدب لما عهد فيه من ذكاء بتمثيل الحكومة بالمباحثة والتفاوض على امتياز النفط ومفاوضه الميجر هولمز الذي كان يطمع بامتياز التنقيب على النفط، واستمرت المفاوضات الى عام 1923 كان خلالها يسافر الى البصرة لترجمة الاتفاق ودرسه ومناقشة مواده مع عبداللطيف باشا المنديل وكيل الملك عبدالعزيز في البصرة. وفي احدى هذه السفرات في خريف عام 1922 التقى أمين الريحاني الذي كان يتشوق للقاء الملك عبدالعزيز. لندع الريحاني يقص علينا في كتابة ملوك العرب الجزء الثاني ص20: «زارني في اليوم التالي اديب من الأدباء شاءت الأقدار ان يكون بعدئذ رفيقي في السفر وعشيري في الرياض. فعرفت فيه العربي الحر ابن القفار والبحار الذي يسرك ويسيء اليك عفواً دون تكلف في الأمرين وسيجتمع القارئ من حين الى حين بالسيد هاشم بن احمد الرفاعي من الكويت، وفي ذلك يقول «انه قد جاء البصرة في مهمة رسمية فزارني يوم كنت والحق في حاجة شديدة الى زيارة مثله حيث حدثني السيد هاشم فأزال ما كان يخامرني من الخوف في السفر الى نجد».

لقد جاء ذكر السيد هاشم في كتاب الريحاني عشرين مرة تتخلل بعضها مواقف الجد والهزل. وقد كان له خير العون في أشد الحالات لجهله عادات وكلام أهل نجد والتي ربما كانت تسبب له مشاكل كثيرة عند لقاء الريحاني بالملك عبدالعزيز وبالتالي نجاح ما كتبه في وقت كان الملك بأمس الحاجة الى من يكتب عنه بالتفاصيل ليبرز ريادة دوره الذي كان مجهولا تقريباً خارج نجد.

فاقرأ عزيزي القارئ ما قاله الريحاني على صفحة 58: «كانت تغيظني هذه الكلمة «انا اعلمك» حتى سمعتها من البدو وبعض الخدم فقلت لصديقي السيد هاشم لقد طفح الكيل أيعلمني حتى الخدم والبدو في بلادكم.. فأجابني السيد: إليك ذلك فابن نجد يعلمك وهو لا يريد بذلك غير الخير.. أعلمك هو اصطلاحهم في اخبرك، أوما سمعتهم يقولون: هات علومك أي اخبارك؟ فلا يثقل التعليم على طبعك يا أستاذ!».


مؤتمر العقير 1922
ساهم السيد هاشم في مفاوضات مؤتمر العقير في نهاية عام 1922.

ويعتبر مؤتمر العقير من اهم المؤتمرات التي رسمت الحدود بين المملكة العربية السعودية والكويت والعراق. ابتدأ المؤتمر يوم 25 نوفمبر حينما وصل الملك عبدالعزيز واخوه محمد وابن عمه سعود العرافة وفيصل الرشيد وعبدالله المتعب الرشيد وعبداللطيف باشا المنديل ود.عبدالله الدملوجي. وفي يوم 27 نوفمبر وصل السير برسي كوكس المندوب السامي في العراق والميجور مور ممثلا عن الكويت وكان المعتمد السياسي فيها وصبيح نشأت وفهد الهذال وعبدالله المسفر ممثلين عن العراق. عقدت اول جلسة يوم 28 نوفمبر واستمرت الجلسات لغاية 2 ديسمبر 1922.

كما ساهم السيد هاشم في مؤتمر الكويت نوفمبر 1923 وكان ضمن الوفد النجدي الذي انتدب وهم حمزة غوت (سوري) حافظ وهبه (مصري) د.عبدالله الدملوجي (عراقي) والسيد هاشم الرفاعي (كويتي) وكان النجدي الوحيد في الوفد النجدي هو عبدالعزيز القصيبي. عقد المؤتمر الذي شاركت فيه الكويت ونجد والعراق وشرق الاردن ولم يحضر وفد الحجاز وكانت الجولة الاولى يوم 17 نوفمبر 1923 وامتد على ثلاث مراحل استمرت حتى 21 يناير 1924، ولم يصل المؤتمرون الى اتفاق ففشل المؤتمر.

خلال ذلك ومنذ نهاية 1922 عمل السيد هاشم في تنظيم جمارك الاحساء وكان في منهجه ان ينضم اليه بعض المثقفين من الكويتيين وقد قابل في الكويت بعضهم فانضم الى العمل في دائرته خالد محمد الفرج الشاعر المعروف الذي سافر الى الدمام وانتظم في العمل مع السيد هاشم وبعدها عمل في بلدية القطيف ثم في الاذاعة السعودية.

اما السيد هاشم فقد استمر في العمل لغاية 5 مايو 1925. كانت مهمة شاقة وصعبة، يقول عنها: «واخر هذه المهام واصعبها بالنسبة لي ما شاهدته فيها من اهوال، اهوال مهمة ادارة شؤون المال في الحسا والقطيف، وفي هذه المهمة ودعت الخدمة في الحكومة السعودية ودعتها لاني سئمت تحمل اهوالها الصعبة ومشقاتها الكبيرة المنبعثة من الكيد والدس». ويكمل: «كثر الاعداء وازداد الخصوم وزاد الطين بلة ان الامام حفظه الله اوسد الي فوق شؤون المالية مهام الاشراف على الادارة. وقررت تقديم استقالتي والاصرار مهما كلف الامر».

ابتدأ في تلك الفترة بكتابة مقالات تنشر في صحف العراق. ربما انطبقت حالته هذه على مقولة المفكر ملتن: «حيث توجد الحرية، فهناك الوطن».


المحنة والكتابة في صحافة العراق
لقد وجد السيد هاشم حريته في الكتابه وكانت تلك المهنة هي بداية المحنة التي عاشها الى اخر حياته.

يقول في كتابه «من ذكرياتي»

«ابتلاني الله منذ ان اعتزلت الخدمة في الحكومة السعودية بداء أزمن فاشتد فتكه وتأصل فتضاعف بلاؤه هذا البلاء الذي اعنيه انصرافي من كل عمل وصدودي عن كل مهنة عدا مهنة القلم».

ويزيد: «لو اردت ان احصي ما خطته هذه اليراعة التي تدون الان ما يمليه الخاطر في هذه المقدمة لكتاب «من مذكراتي» من مقالات ورسائل في الصحف العراقية لبلغ الالاف عدا».

لابد هنا ان نستعرض تاريخ الصحافة في العراق والبصرة خاصة وعلاقة الكويتيين بهما وان نسترجع تأثير مدحت باشا على الصحافة كما نعرفها وكان قبله وابان حكم داود باشا ان صدرت صحيفة اسماها «جورنال العراق» عام 1816 وكانت تعني باخبار الولاة وحركة العشائر والاوامر والتنظيمات الجديدة. اما جريدة الزوراء فقد صدرت عام 1869 عندما اصطحب مدحت باشا معه عددا من الفنيين في العمل الصحفي وادارة المطابع ولكن محاولة الاصلاحيين خابت بعد ان عطل دستور عام 1876 وهو الدستور العثماني الاول. في الوقت نفسه شرع بتأليف جمعيات مناوئة للاستبداد بينها جمعية الاتحاد والترقي وجمعية الحرية والائتلاف فساءت الامور واضطربت الاحوال.

وقد لوحظ تعدد الولاة حيث لا استقرار واضحا في نظام الحكم ويمكن قياس ذلك بتغيير اثني عشر واليا وحاكما تولوا ادارة شؤون ولاية البصرة مثلا خلال مدة خمس سنوات بين 1909 ـ 1913.

اعلن الدستور مرة ثانية عام 1908 اعقبه خلع السلطان عبدالحميد عام 1909. في البصرة انقطعت العلاقة مع الاتحاديين كما قطع السيد طالب النقيب علاقته بالائتلافيين واسس الجمعية الاصلاحية، وكان ذلك في اعقاب مؤتمر المحمرة الذي حضره الشيخ مبارك الصباح والشيخ خزعل حاكم عربستان والسيد طالب ممثلا لاهالي ولاية البصرة مع شخصيات محلية اخرى اتفقوا فيه على مضاعفة الجهد لتحقيق الاستقلال.

ان اقرب مدينة عربية مسافة الى الكويت هي البصرة. بالاضافة الى قرب روابط انسانية وصلات عائلية، وتملك اسر كويتية بساتين نخيل منذ بدايات القرن التاسع عشر، كل ذلك جعل التواصل مستمرا، والتواصل هذا لا يقتصر على التجارة، بل في مجالات اخرى ثقافية وفكرية، وكان العلماء ورجال الدين يتبادلون الزيارات وتنتقل معهم الكتب والجرائد والمجلات الصادرة فيها وفي بقية المدن العربية. ظهرت الحركة الصحفية بصدور جريدة رسمية اسمها «بصرة» عام 1889 وكانت تصدر بالتركية والعربية تشرف عليها السلطات العثمانية الى ان احتجبت في 22 نوفمبر 1914 بعد احتلال البصرة من قبل القوات البريطانية في بداية الحرب العالمية الاولى، تبعت جريدة البصرة جرائد اخرى هي «الايقاظ» و«التهذيب» و«اظهار الحق» و«مرقعة الهندي» و«البصرة الفيحاء» و«فيض» و«اتي» و«التاج» و«المنبر» و«الرشاد» و«الدستور» و«صدى الدستور» ومطبوعات اخرى.


مساهمة الكويتيين في صحافة البصرة
يمكننا القول ان هناك تشابها في عالم الصحافة بين ما تم في مصر والقاهرة بالذات حيث ساهم الصحافيون «الشوام» في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين فنرى مثلا فيليب تقلا قد اسس «الاهرام» وفارس نمر مؤسس «المقطم» وجرجي واميل زيدان مؤسسي «دار الهلال» وبين ما حصل في البصرة وفي الفترة نفسها تقريبا وبعدها حيث ساهم الرعيل الاول من الصحافيين والادباء الكويتيين في صحافة البصرة، فقد اسس السيد عبدالوهاب الطبطبائي جريدة الدستور عام 1912 واعقبها بجريدة صدى الدستور حينما عطلت السلطات العثمانية امتياز الاولى عام 1914 بأمر مباشر من ناظر الداخلية طلعت بك لهجومها المستمر على تصرفات الحكومة العثمانية تجاه المواطنين في ولاية البصرة خاصة، وتجاوبا مع ما كان يحدث من تسلط واستبداد في كل الوطن العربي، واغلقت بعد احتلال البصرة من قبل القوات البريطانية.

واصدر السيد هاشم الرفاعي جريدة البصرة اليومية في فبراير 1934 واستمرت بالصدور الى تاريخ احتجابها في يوليو 1937.

كما ساهم جاسم حمد الصقر بتأسيس دار نشر وطباعة اصدرت جريدة الناس في فبراير 1947 الى تاريخ احتجابها عام 1957 حيث انتقلت الى بغداد.

كما كانت الاقلام الكويتية تساهم مساهمة صحفية فاعلة وغزيرة ومنهم السيد عبدالوهاب الطبطبائي والسيد هاشم احمد الرفاعي وعبدالعزيز الرشيد وخالد سليمان العدساني ومحمد البراك وعبدالله الجوعان ومحمد السيد يوسف الرفاعي واحمد السيد عمر وحمد موسى الفارس اضافة الى اقلام كويتية كانت تكتب باسماء مستعارة كالرافعي الصغير وابن الامة وغيرهما.

وعندما قرر السيد هاشم الرفاعي اصدار جريدته استبشرت الصحافة في البصرة بذلك فنشرت جريدة الرقيب في 24 فبراير 1934 «خبر يبشر»:

«سيصدر في البصرة قريبا جريدة البصرة للكاتب اللاذعي السيد هاشم افندي الرفاعي الكاتب النقاد المعروف، وسوف يحمل العدد الاول الى القراء المقالات الشيقة الانتقادية والاجتماعية وكلها بقلم الاستاذ الرفاعي وتصدر الجريدة باربع صفحات كبيرة فنرجو لها الرواج».

لقد مارس السيد هاشم الصحافة مهنة وهواية، بل اكثر من ذلك فهو يقول عنها: «اني اعشق الكتابة في الصحف ومازلت اعشقها الى درجة الهيام».

مارسها وقضى فيها شبابه فكلفته من المال الوفير ومن الجهد الكثير ولم ينته الامر عند ذلك فاختياره «مهنة المتاعب» جلبت له المشاكل والمصاعب.

فيكمل: «ان صفتي الخاسرة في سوق القلم لو اقتصرت على عدم الربح المادي وحسب لهان الامر، بيد ان بلاء يهون عنده كل بلاء ظل يلازمني في هذه المهنة ملازمة الظل فهو رفيقي حيث اتجهت وخويي اينما كنت واي بلاء اعظم واخطر واقسى من بلاء الصراحة. ابتليت بداء الصراحة كما ابتليت بداء الكتابة فتضاعفت نكبتي».


غضب المدير.. السبب السيجارة
وهو ما حدث حين تقدم بطلب امتياز جريدة يومية سياسية باسم «الصراحة» في البصرة قدمه الى مديرية المطبوعات، وصار يراجعها وكادت المعاملة تنتهي، حين دخل على مدير المطبوعات في احد الايام وكانت بيده سيجارة قد نسيها فهاج المدير وماج فطلب منه الخروج ولم يقبل منه موعدا اخر. ان دخوله بالسيجارة اغضب المدير واذا غضب ضرب واذا ضرب اوجع واذا زعل فليس من الهين استرضاؤه وهو صلب لا يلين.

يقول الرفاعي: «عليك ان تدرك حراجة موقفي تجاه المتصلب وانا الاعزل من كل سلاح إلا سلاح الكرامة وعزة النفس والتضحية في سبيلهما».

ترك الامتياز ولم يصدر الجريدة فخسر المشروع ولكنه حسب قوله: «ربحت الكرامة ولله الحمد من قبل ومن بعد».

عزة النفس قد تصل الى حد المكابرة، وعندما يتجاوزا الحدود فقد تمنعانه عما يجب ان يكون وللاقدار حساباتها ومعادلاتها.

ليس من السهل ان نتحدث عن سيرة حياة حافلة بالاعمال الصحفية المتميزة. فان ما قدمه من اعمال هي التي تتحدث عن هذا الانسان الذي عمل وترك بصمات واضحة وقدم معلومات نادرة فهو مرجع في تخصصه،وفي نهجه الواضح والناجح نهر تدفق بالعطاء.

ونحن نقرأ احداث حياته في ذكرياته نجده قد كتبها بصدق ورواها بتجرد مما يجعلها مؤهلة للقبول.


المياه لأهل الزبير
اما الجانب الانساني لشخصيته فانها من تنوع فريد تجبر دارسها ان يقف انبهارا بشخص تمتد علاقته الشخصية من الملوك الى البسطاء من الناس وهي في محتواها تسعى دائما الى نفع عام يتطوع لها وينبري لتحقيقها ما امكن، فهو نموذج للشهم الكريم الوفي.

فحين ما عانى اهالي الزبير من عدم توافر ماء الشرب واضطرارهم الى شرب مياه الآبار الملوثة والمتعفنة فتفشت الامراض وساءت الحالة الصحية. استجاروا به ليذهب على رأس وفد الى بغداد عام 1932 لمقابلة الملك فيصل الاول طالبا للزبير ماء للشرب لمن يعانون شحته، وشط العرب على بعد كيلومترات معدودة منهم.

وبحكم معرفته بالمسؤولين الذين التقاهم في مؤتمر العقير عام 1922 ومنهم عبدالله المضايفي رئيس الضيافة الملكية الذي سهل له لقاء الملك وتحققت نتيجة وساطاته، وعندما جرى الماء عذبا تذكره اهل الزبير بأهزوجة تخلد مسعاه وتعزز لقبه «سيد دانة» تقول:

سيد هاشم فوق الراس

دانة لكَاها غواص


إنشاء جمعية للعمال
ويروى عنه انه التقى مصادفة في احد المقاهي بوفد عمال يدور حديثهم حول انشاء جمعية تعنى بشؤون حقوقهم عن اصاباتهم اثناء تأدية واجبهم في الميناء ووسائط النقل النهرية وكان مدير المواني ضابطا انكليزيا برتبة كولونيل لا يسمح اطلاقا بمثل تلك الجمعيات، فعرض وساطته لدى الادارة الانكليزية. واتصل بالكولونيل وورد الذي كان قد سمع وتابع ما ينشره ويكتبه من مقالات عن احوال العمال ومعاناتهم في المصالح التي تديرها السلطات البريطانية، وفيها من النقد اللاذع الصريح، فوفق في اقناع المدير العام وانتهى اللقاء بموافقته فانشئت الجمعية التي استفاد حتما المنضمون إليها من رعاية لم تكن متوافرة لهم سابقا.


صفاته ومواقفه
ولم تكن مساعدته وفزعته تقف عند الواسطات بل كان كريم النفس ينفق ما يحصل عليه فصاحب الادباء الذين ادركتهم الحاجة وساءت احوالهم المالية وتقاسم معهم الرغيف والمصاريف.

اجتماعي من طراز مميز حينما يرتاد مجلسا يقابل بالحفاوة والتقدير ويفسح له صدر المجلس فيكون قطب الحديث ومحوره. محدث لا يمل ولا يجف مخزون حديثه الادبي والعلمي والثقافي، مرح اريحي صاحب نكتة وقصة. مؤنس لمريديه فيجتمع الناس حوله اذا غشي المنتديات والمقاهي، يصف نفسه احيانا بالفضولي «ومن المغالين بالفضولية يشارك الناس حديثهم سواء دعوه أو لم يدعوه» حسب ما يقول.

لقد اثنى مؤرخو الصحافة العربية على جرائده واشادوا بجهوده في خدمة القضايا العامة ونشر الوعي في مقالاته التي يغلب عليها النقد الاصلاحي اللاذع، اطلق عليه امين الريحاني اديب الادباء اما عبدالعزيز الرشيد فوصفه بالكاتب القدير والاديب الفاضل بينما اسماه خالد سعود الزيد بالاديب الكويتي والكاتب البحاثة، واسبغ عليه عبدالله الحاتم تسمية الكاتب الكبير.




القبس -
الأربعاء 16 شوال 1424 هـ ـ10 ديسمبر 2003 ـ السنة 32 ـ العدد 10954 ـ الكويت
__________________

*****
๑۩۞۩๑

{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين}
هود114
๑۩۞۩๑

*****

التعديل الأخير تم بواسطة ندى الرفاعي ; 31-12-2011 الساعة 09:21 PM. سبب آخر: برجاء تعديل العنوان لأنه أكثر تعبيرا عن المضمون
رد مع اقتباس