عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19-04-2009, 01:28 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي قيام وسقوط فريج الشاوي - يعقوب الغنيم

قيام وسقوط فريج الشاوي


يعقوب الغنيم - الوطن

فريج الشاوي من فرجان الديرة وقد شهدناه صغاراً وكباراً، عشنا في كنفه سنين طويلة استمتعنا فيها غاية المتعة، كانت الأمور بسيطة في ذلك الوقت وكان الناس من القناعة بحيث لا يلتفت أحدهم إلى ما في يد الآخر، وكان الجميع يسيطر عليهم الإخاء وتسودهم المحبة، يهتم بعضهم ببعض، يعودون المريض، ويسألون عن الغائب، ويتعاونون على أمور الحياة، وكانت لقاءات أبناء الفريج متجددة ومستمرة، تكون في المسجد حين يهب الجميع إلى الصلاة في ميقاتها، وتكون في الديوانيات التي كانت تجمع الشمل، أو غير ذلك. ولهذا فإن انتقال هؤلاء الناس من فريجهم (فريج الشاوي) كان مؤلماً على الرغم من أنهم انتقلوا إلى مساكن أفضل ومواقع أرحب، ولكن حب المسكن الأول لا يعادله حب.
تحدث الشاعر عبداللطيف عبدالرزاق الديين عن هذا الفريج وتغنى في شعره بذكر مجالس أصحابه، وما يدور بينهم من جد وهزل، وكان يكاد ينوح حزناً على تلك الأماكن بعدما زالت وأصبح يعود إلى مواضعها بين فترة وأخرى، وهو يرى أن نسيان ذلك الزمان من الصعوبة بمكان لأنه كان يجمع الأحبة، ولذا فإن موضع لقائهم كان عنده أحلى من الرياض الخضر، لأنه كان المكان الذي يجمع الأحباب:
في منتدى قد حوى ما راق منظره
عن الربى والرياض الخضر يغنينا
فالشمل بالصحب والأحباب ملتئم
كأننا أسرة نبدو لرائينا


أما ما أنشده بعد العودة إلى زيارة موقع الحي، فهو نشيد أشبه بالبكاء لأنه إذا مر بهذا المكان تذكر الماضي، وفي قصيدة له يقول:
فلما رأيت الدار ليست كعهدها
وقد حال منها كلُّ شيء إلى الضدِّ
نأيت بجسمي مرغماً غير أنني
تركت بها قلبي مقيماً على العهد


وكان القصيد الذي قاله أبو خالد في شأن الكويت كثيرا، ولذا قال له الخال الشيخ إبراهيم سليمان الجراح من قصيدة له:
نقبت عما غاب من أمجادها
جيلاً على مرِّ الزمان فجيلا
قرَّبت للنشء الجديد بعيدَها
فطويت من عمر الزمان طويلا
لم تنس أترابا لنا وملاعبا
أيام طرف الدهر كان كليلا


والقصيدة طويلة، كتبها بمناسبة صدور ديوان الشاعر عبداللطيف عبدالرزاق الديين، الذي أبدع الكثير من القصائد في تمجيد وطنه الكويت، وفي إحياء ذكر فريج الشاوي وأصحابه الذين يجالسونه فيه.
وإذا أردت أن تعرف شيئاً عن هذا الفريج الطيب فهذه نبذة سبق أن كتبتها في وقت بعيد، وقد أضفت إليها ما تذكرته من معلومات، واختصرت ما فيها من زوائد وهذه النبذة هي:

يضم فريجنا عدداً من أبنائه الخيرين لا تزال ذكراهم عالقة في النفوس، ولا نزال نلتقي مع من بقي منهم في وقت صلاة الجمعة من كل أسبوع عند مسجد المطير الذي أنشأه المرحوم عبدالمحسن محمد المطير بضاحية عبدالله السالم، وقد انتقل هؤلاء المصلون مع الخال محمد سليمان الجراح الذي كان إمام هذا المسجد من مسجد البدر الذي خلف فيه الخال الشيخ أحمد الخميس، إلى مسجد الساير القبلي بجوار مجلس الأمة على شارع الشهداء، ثم إلى المسجد الأخير في ضاحية عبدالله السالم الذي أشرت إليه، وكم نحس بالسعادة ونحن نتحدث مع هؤلاء الذين قضينا معهم من أيام عمرنا عدداً لابأس به، وأذكر أننا في الفريج كنا نعيش أسرة واحدة يعاون بعضنا بعضاً ونسعى إلى (الفزعة) حين يدعو الداعي، ولم ألحظ شيئا من المشكلات خلال تلك الفترة التي عشناها مع هذا الجمع الكريم من أبناء الكويت، وأذكر من بين جيراننا إخواني في الرضاعة أبناء المرحوم عبدالمحسن التركي، وأولاد المطير وأولاد الخبيزي وأولاد عبدالرحمن الفارس، ومن الكبار أذكر عبدالكريم المنيس وابنه إبراهيم، ومحمد الناصر الساير، وبدر وناصر الساير، وكذلك أذكر عائلات العبد الغني العبدالهادي والذويخ والشميس والقندي، كما أنه كان يعيش في الفريج نفسه ابن خالتي عبداللطيف الديين مع والده ووالدته وأخواته، وأذكر كذلك المطوعة أمينة وابني أخيها سليم وصالح، وكان سليم شاعراً جيد الشعر باللهجة العامية، أما والدته فكانت امرأة متدينة تقرأ (المالد) في موعده، ويتجمع الأولاد والبنات بجوار بيتها للعب بهذه المناسبة، حيث كان يوم المولد النبوي يوم عطلة في البلاد آنذاك ولا يزال كذلك.

والجدير بالذكر أن الأطفال كانوا يسعدون جداً في مثل هذه المناسبات الدينية، مثل ذكرى المولد، وذكرى الإسراء والمعراج حيث يُقرأ المالد، وتُتلى كلمات البرزنجي في مولد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في المساجد، وتقرأ الكلمات المنسوبة إلى ابن عباس في ليلة الإسراء والمعراج، أما ليلة النصف من شعبان فلها شأن آخر إذ كانت تسمى ليلة السهر يجمع فيها الأولاد، وأحياناً يكونون من أسرة واحدة مبلغاً من المال يشترون به بعض المأكولات ويسهرون طوال الليل في لعب وأُنس، وفي ليالي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من شهر رمضان يكون القرقيعان، حيث يدور الأولاد والبنات على البيوت مرددين الدعاء المشهور بطول العمر لأبناء أهل كل بيت، حيث يقوم هؤلاء بإعطائهم كميات صغيرة من المكسرات المعدة لهذه المناسبة، ولا يغيب عن ذاكرتي قيام عدد من الرجال بمثل ما يقوم به الأطفال، ولكن الحكومة منعتهم من ذلك فيما بعد، لأن المشاجرات التي كانت تتم بينهم كانت تكدر الأمن الذي كان المواطنون يعيشون في ظله. وقبل يوم العيد مباشرة يدور الأولاد بأعلامهم وطبولهم يغنون: كاسيروه دلَّه أربع آنات دلَّه بقصد جمع مبالغ صغيرة من البيوت يصرفونها يوم العيد إضافة إلى ما يحصلون عليه من أهلهم.
وكان ما يميز فريجنا وجود مدرستين أهليتين فيه، أولاهما مدرسة العنجري والأخرى مدرسة بدرية العتيقي، وهذه المرأة أعتبرها بمثابة الأم لما كنت أجد عندها من الاهتمام والرعاية عندماآتي إلى بيتها بصحبة ولدها أخي بدر العتيقي، الذي كان زميلا لي في الدراسة بالمدرسة الأحمدية، وقد أتاحت لي هذه الفرصة- وأنا صغير- تعرف نظام مدرسة البنات الأهلية، وحضرت يوماً حفلة أقيمت بمناسبة ختمة أقيمت في المدرسة، واستمعت إلى ترديد التحميدة، ثم سار الجميع وأنا أتبعهم مع الأخ بدر وبعض أبناء الفريج، حيث دخلنا بيت الخاتمة في منطقة براحة حمود الناصر البدر بالقبلة، وهناك استكمل الاحتفال الذي عدنا في نهايته مسرورين.

ولا أنسى أن أذكر أن هناك مدرستين في أطراف الفريج هما مدرسة ملا محمد التي سبق أن درست فيها، ومدرسة فاطمة الصرعاوي للبنات التي كان بابها مقابلاً للباب الخلفي لمدرسة بدرية العتيقي، وكان ذلك مثار منافسة بين بنات المدرستين.
ومن سكان فريجنا أذكر ملا كدِّى الذي كان ملماً ببعض المعارف ويبدو أنه كان دارساً جيداً ولكنه لم ينل فرصته من الحظوة عند الدوائر الرسمية، إلا أنه محبوب بين الناس، ومن أصدقائه الخلّص خالي داود الجراح، الذي تألم لوفاة كُدِّى فرثاه بقصيدتين أثبتناهما في ديوان الخال.
وممن فاتني أن أذكره من سكان الفريج المرحوم عبدالرحمن الدقيسي وكان متعهداً للنقل بمنطوق هذه الأيام، كان بيته مقسوماً إلى قسمين: أحدهما لسكناه، والآخر يضم عدداً كبيراً من الحمير التي يستخدمها لنقل مواد البناء بالذات من مكان إلى مكان، وكانت هذه الحمير تخرج مبكراً إلى عملها بأصواتها وجلبتها ورنين جلاجلها حتى أصبح ذلك الصوت الصباحي ميزة من ميزات الفريج تعودنا عليه ورضينا به.

***
يقوم الأطفال- يومذاك- بكثير من الأعمال التي يخدمون بها أهلهم وبخاصة في مسائل إحضار الخبز من الخباز، أو شراء الباقلا الذي كانت تبيعه في فريجنا أم إبراهيم في بيتها فنأنس في اليوم البارد بدخول مطبخها الدافئ حيث نشم رائحة الباقلاء بعد تمام طهوها، ومن ذلك أيضاً إحضار السخلة من الشاوي، ويومها كان في كل بيت سخلة أو أكثر، وكان الأولاد يخرجون صباحاً لإرسال سخالهم إلى الشاوي وهو الراعي، ثم يعودون مساء لتسلمها، وإعادتها إلى البيت، وكانت كلُّ معزة تتميز باسمها الخاص الذي تُنادى به فتستجيب.
وقد سمي فريجنا باسم فريج الشاوي بسبب وجود الشاوي في وسط الفريج، وكان يضم مجموعة كبيرة من النعاج والماعز، ينضم إليها عدد آخر يأتي من فريج السبت المجاور، وأحياناً من أماكن أبعد منه، فيخرج بقيادة الراعي صباحاً، وفي مقدمته حمار يحمل حاجات صاحبه، ثم يعود في المساء، وكان الشاوي مؤسسة قائمة بذاتها يرسل الأغنام إلى المرعى، ويعالجها ويشرف على ولادتها، ومراعاة المتعسرة منها في الولادة، وصاحب الشاوي الذي في الفريج، وهو المرحوم علي أظبية، وكان رجلا محبوباً عند الناس وله علاقات طيبة مع الجميع، وكانت كثير التردد على بيتهم بسبب صداقتي لابنه دخيل الذي لم تنقطع صلتي به حتى الآن.

أما الأشياء السارة حقا- في فريجنا- فالألعاب التي نلعب بها بمشاركة أبناء الفريج مثل الهول والمقصى والدوامة، وعمل التنّاك الذي هو عبارة عن قارب صغير نصنعه من التنك نستعمله لركوب البحر، وكذلك عمل العربات الصغيرة التي نستعمل في صنعها الأسلاك العريضة التي توضع على صناديق البضائع نجلبها من السوق عند عودتنا من مدرسة ملا محمد صالح العدساني، وكانت هذه الحركة المستمرة مثار ازعاج للجيران، حيث إن لعبنا كان يتم في أكثر الأحيان ظهراً لأننا في فترة العصر نكون في المدرسة، ولكن هؤلاء الجيران يأخذون ذلك برحابة صدر ويتجاوزون عن إزعاجنا لهم، وبخاصة أن لبعضهم أبناء يشاركوننا هذه الألعاب.
لقد بقيت هذه الصور عالقة في أذهان أبناء الفريج جميعاً، وهي التي تجمع شملهم اليوم فتراهم في المسجد يوم الجمعة في لقاء لم ينقطع، بل هم يتوارثون هذه العلاقة الطيبة فيحضرون معهم أبناءهم الذين تمكنوا من معرفة أصدقاء الآباء، وألَمٍّوا بأخبار الفريج وسوف يقومون بتوريث الأحفاد كل هذه الذكريات.

***
متى كان قيام فريج الشاوي؟
من الصعب تحديد تاريخ ذلك، لأن تسجيل الناس للأحداث التي تمر بهم لم يكن دارجاً ومتفقا عليه، فكان الناس يعتمدون على الذاكرة، أو على ربط الحدث بحدث أكبر كأن يقال: ولد فلان في سنة البطاقة، وما شابه ذلك، غير أننا في موضوع فريج الشاوي، وإن لم نصل إلى البداية الأولى فإننا نستطيع أن نُلمَّ بتواريخ قد تكون قريبة من فترة نشأة الفريج الذي لا شك في أنه كان أرضاً خالية تجمع الناس فيها فتكونت مستوطنة سرعان ما تعارف سكانها وتآلفوا، وصاروا كأنهم أبناء أسرة واحدة.
إن مما يتبادر إلينا فيما يتعلق بنشأة الفريج هو تاريخ بناء المسجد، لأنه من الواضح أن حاجة الناس إليه قد بدأت منذ تكونت مستوطنتهم التي أشرنا إليها، وهذا المسجد هو المسمى إلى اليوم مسجد الساير الشرقي، وهو الوحيد في فريج الشاوي.

تأسس هذا المسجد في سنة 1893م مما يدل على أن الفريج كان موجوداً في هذه السنة، بل قبلها بقليل إلى أن أحس السكان بحاجتهم إليه، ولقد أنشئ بتعاون أبناء الفريج، وتعهد بمتابعة بنائه وتبرع له المرحوم ساير الشحنان، ولذلك أطلق عليه اسم مسجد الساير الشرقي لتمييزه عن مسجد الساير القبلي الذي يقع في الجهة الغربية الجنوبية لمبنى مجلس الأمة الحالي، وكان هذا المسجد قد بني في سنة 1919م، أما المسجد الشرقي- وكلا المسجدين قائم حاليا- فيقع في الجهة الشرقية الجنوبية لمبنى المجلس المشار إليه.
وفي سنة 2001م أصدر الأخ العزيزالدكتور عادل محمد العبدالمغني كتاباً وثائقياً مفيدا تحت عنوان: »سيرة حياة رجل« تضمن سيرة والده رحمه الله، واحتوى على كثير من المصورات التي توثق لحياة هذا الرجل الكريم الذي عرفناه منذ كنا أطفالاً رجلاً من أهل الفريج الذين يحظون باحترام الجميع.
كان من أهم ما يتعلق بموضوع قيام فريج الشاوي أن أثبت المؤلف مبايعات لها أهميتها في تقريب المدة الحقيقية لنشأة الفريج وإن لم تكن نهائية كما نتمنى، ولكن وجود شيء ما له مدلول، يقربك من الحقيقة أمر جميل.

وهنا سوف أشير إلى وثيقتين هما:
-1 وثيقة صادرة في سنة 1893م، وفيها باع تركي بن عبدالله الناصر المليفي جد الإخوة براك العبدالمحسن التركي المليفي وإخوانه البيت الواقع خارج البلد (كما ورد في الوثيقة) وكان موثق عقد البيع هو الشيخ محمد بن عبدالله الفارس، ومما ذكر في الجوار بيت آخر يملكه المليفي نفسه.
-2 وثيقة صادرة في سنة 1899م، وهي تتحدث عن رجل اسمه سالم الوهيدة، وهب شخصاً آخر بيتاً له، وذكرت الوثيقة أن هذا البيت ملاصق لبيت ساير الشحنان، وأن الشخص الذي تلقى الهبة يُسمى اكتيِّب خلف العنزي (بحسب تحقيقات الدكتور عادل).

وعلاقة آل عبدالمغني بهذا البيت مذكورة خلف الوثيقة التي شهد عليها عدة رجال منهم ساير الشحنان، وذلك أن ما جاء خلفها ينص على أن البيت موضع الهبة قد صار ملكا لمحمد بن عبدالمغني في سنة 1938م.
ونحن نلاحظ على هاتين الوثيقتين بعض الملاحظات التي لابد من إدراجها للاستدلال على تاريخ نشأة الفريج الذي نتحدث عنه.

أ- ذكرت الوثيقة المذكورة أولاً أن البيت يقع في خارج البلد. وهذه العبارة لا تدل على أنه في أرض فضاء، فقد ذكرت الوثيقة عدداً من المساكن المحيطة به، ولكنها تدل على أنه بعيد عن وسط المدينة الذي يتمثل في منطقة نشأة العاصمة فيما يوالي قصر السيف.

ب- نلاحظ أن البيع كان بالريال الفرنسي، وكان هذا النوع من النقد متداولاً في الكويت وفي عدد مما جاورها من البلدان آنذاك.

ج- أن كاتب العقد الشيخ محمد عبدالله الفارس ولم نسمع أو نقرأ أنه كان قاضياً للبلاد في يوم من الأيام.

د- أن تاريخ الوثيقة الواردة في (1) والأخرى الواردة في(2) قريب جداً من تاريخ إنشاء مسجد الفريج الذي تحدثنا عنه وذلك كما يلي:

- في سنة 1893 تم تأسيس المسجد.
- في سنة 1893م الوثيقة (1).
- في سنة 1899م الوثيقة (2).
وهذا كله يعطي الانطباع على قربنا من تاريخ قيام الفريج على الصورة التي أشرنا إليها فيما سبق.
وقبل أن ننتقل من هذه النقطة لابد من الإشارة إلى أن ما يغلب على الظن من واقع المعلومات التي توصلنا إليها أن مجموعة من الناس امتلكوا مساحات من الأرض في المنطقة التي نشأ عليها الفريج، ثم قاموا ببيع أقسام منها بدليل ما ورد عن بيت تركي المليفي، الذي يبدو أنه يملك مساحة ما، وبدليل أن آل اظبية كانوا يمتلكون مساحات أخرى باعوا منها البيت الذي سكناه بشراء والدي له منهم في عشرينيات القرن الماضي، وهناك آخرون على هذه الشاكلة ويكفينا أن نذكر أولئك الرجال الذين وقفوا لبناء مسجدهم بالعمل وبالتبرع وعلى رأسهم المرحوم ساير الشحنان.
ولا شك في أن هذه المبايعات قد استمرت فيما بعد، بحيث غيرت في المنظر العام للفريج حتى ليظن المشاهد للخرائط، أو المتذكر له، وجود اختلاف للواقع عن الوثائق.
قد لا يشبع ما تقدم رغبتنا في معرفة الكثيرة عن فترة قيام الفريج، وذلك لأن الحصول على هذه المعلومات القديمة نسبياً من أصعب الأمور حالياً، ويكفي أننا بذلنا المستطاع، وعرفنا شيئا من ذلك.

***
عند منتصف الخمسينيات بدأت حركة جديدة تجتاح الفريج، ومع تقدم السنين كانت نوايا دائرة بلدية الكويت في التثمين تقوى. بدأت بعيدة عنا ثم صارت تحاصرنا، ولا أستطيع أن أكتم القول إن كثيرين من الناس لم يكونوا راغبين في هجر مساكنهم والنزوح إلى خارج السور الذي كان موجوداً في ذلك ولم يهدم إلا في سنة 1957م، لقد تعودوا على العيش معاً، وارتضوا حياتهم المشتركة ومساكنهم الصغيرة التي ألفوها على مر السنين بحيث تصعب عليهم مغادرتها، أذكر أن والدي رحمه الله كان من أشد الناس معارضة لتثمين بيتنا وطالما دخل في نزاع بل وشجار مع لجنة التثمين التي عادت إلى مقرها عدة مرات بسبب الرفض الشديد للتخلي عن البيت، ولكن كثرة الإلحاح، وعثوره على بيت للبيع في الفريج نفسه جعلاه يوافق ليدخل في صراع آخر فيما يتعلق بالبيت الثاني بعد أن جاءه الدور لكي تثمنه لجنة التثمين. كان والدي مع آخر من خرج من فريج الشاوي، ولم يكن مرتاحاً في مكانه الجديد إلى أن تأقلم معه بمضي المدة كما تأقلم غيره من الناس الذين تم تشتيتهم في المنطاق المختلفة.
ولقد كان خروجنا الأخير بموجب الكتاب الصادر من دائرة بلدية الكويت في اليوم الخامس عشر من شهر مارس لسنة 1958م.
عند هذاالوقت بدأت بيوت الكويتيين في هذاالفريج تخلو واحداً بعد الآخر، إلى أن خلت نهائيا من كافة الأسر، وبعد فترة وجيزة بدأت بلدية الكويت في هدم المنازل حتى جعلتها قاعاً صفصفاً، وأصبح الفريج أثرا بعد عين، لقد سقط من الواقع سقوطاً نهائيا وأصبحت في مكانه ساحة كبيرة تمتد من قصر العدل شرقاً إلى محلة الدهلة.

***
بقي أن نقول إن فريج الشاوي، قد يُطلق عليه اسم فريج الساير، وورد ذلك في بعض رسائل دائرة بلدية الكويت. وأسرة الساير الكريمة من أقدم الأسر التي سكنت في هذا الفريج، وقد ذكرنا جَدّهم الأعلى، واهتمامه ببناء المسجد القائم حاليا، وهي أسرة تستحق أن يُسمى الفريج باسمها لما لها من مكانة في نفوس سكانه أجمعين، ولكننا عرفناه باسمه الأول ولذلك ذكرته -دائما- على هذا الأساس.
بقي أن نقول ان فريجنا قد سقط ولكنه لم يسقط من عقولنا وقلوبنا فهو على بال كل واحد منا نذكر أيامه الجميلة وسُكّانه الطيبين.

تاريخ النشر 25/03/2009
رد مع اقتباس