،، الرعيل الأول في الكويت تخضرموا فترتي ما قبل النفط وما بعده، فقاسوا مر الاثنتين وذاقوا حلاوتيهما، عملوا وجاهدوا وتدرجوا، رجالا ونساء، إلى أن حققوا الطموح أو بعضا منه، ومهما اختلفت مهنهم وظروفهم، فإن قاسما مشتركا يجمعهم، هو الحنين إلى الأيام الخوالي.
'القبس' شاركت عددا من هؤلاء الأفاضل والفاضلات في هذه الاستكانة،،
في مستهل لقائنا مع حماد عايض عويمر العازمي قال: مرت هدامات كثيرة على الكويت بسبب انهمار الأمطار الغزيرة، ومنها عام 1872 وما بعده في 1930 و1934 و،1955 وأنا من مواليد ،1930 حيث انهمر المطر غزيرا فهدم كثيرا من البيوت، أما والدتي رحمها الله فقالت: أنت يا حماد كان عمرك 3 سنوات نصبنا بيت الشعر بعد ان تهدم بيتنا في براحة ابن الحسن في فريج الرشايدة بالقرب من حضرة الزويد، وموقعها الآن المنطقة التجارية التاسعة خلف مجمع البنوك.
وقال حماد: لكي أوضح لهذا الجيل هذا الطريق الذي يوصل إلى دروازة العبدالرزاق كنا نسميه شارع الكهرباء، لأن فيه محلات تبيع الأدوات الكهربائية في تلك الفترة، وبالقرب منا حوطة الشيخ عبدالله السالم، وفريج القطنة وفريج العليوة.
وتذكر الأمطار التي هطلت في عام 1935 أو 1936 فقال إن حضرة الزويد فاضت فأغرقت الأحياء كلها تقريبا، واستمرت حتى بعد السحور حتى وصلت المياه إلى مسجد هلال وبيوت العميري، والآن هذا الفريج العريق تحول إلى 'سرة' أو 'سرا' هي موقف سيارات الأجرة التي تنقل الركاب إلى المقوع والفحيحيل.
الخميسية
وتحدث عن الهبة التي كان يقدمها والده، رحمه الله، للمعلم الذي كان يدرسهم فيقدمها يوم الخميس على مدار السنة، لأنه آخر يوم في الأسبوع، ويصادف ليلة الجمعة التي تعرف بالنافلة، وأحيانا كان يدفع والدي 12 آنة شهريا.
وقال: درست عند الملا جاسم النجم الذي افتتح مدرسة خاصة في منزل الرغيب القريب من فريجنا 'العوازم'، وكانت مواعيد الدراسة على فترتين: صباحية ومسائية، وكان، رحمه الله، يدفع له مبالغ رمزية حتى لا يرهق كاهل الفقراء، ثم درست عند الملا ناصر المسفر في 1941 بفريج 'عليوه' قرب مسجد هلال، كان، رحمه الله، محبا يجمع الطلبة، ويسأل عمن غاب، ودرست أخيرا عند الملا مرشد السليمان في منطقة المرقاب، درست عنده القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة والحساب. فكل ملا من هؤلاء هو المدرس والمدير والمفتش وبعضهم إمام مسجد ومؤذن.
وقال: كنا نجلس على الأرض.. لا سجادة ولا حصير، في فصل الصيف ندرس تحت العريش، وفي الشتاء في غرفة مظلمة، الإضاءة هي الفنر والسراي والتريك، وماؤنا من 'بحله' جرة من الفخار، وإذا ختمنا القرآن الكريم تجولنا في الأحياء مع البشت والعقال الزري، والتجار كانوا يقدمون لنا الهدايا، والملا يأخذ نصفها.
حظرة
وبعد هروبه من المدرسة عمل حماد العازمي في صيد الاسماك بواسطة الحظرة التي تتكون من اعواد القصب، تحدث عن ذلك فقال: عملت في حظرة الشرق قرب 'العجوزة' ونصبت اخرى بالقرب من جزيرة 'الشويخ'، وجزيرة 'اغربه'، و'بوبيان'، في الصيف لنا منصب للحظرة، وفي فصل الشتاء منصب.
واضاف: يعتبر صيد الاسماك بواسطة الحظور من الطرق المنتشرة بالكويت بدون استخدام قوارب او سفن، والحظرة تتكون من ثلاثة اجزاء اساسية هي الجناح والحضن والسر، فطريقة هذه المصيدة ان الاسماك تدخل، وفي الوقت نفسه لا تستطيع الخروج، وينحسر الماء في الحظرة اثناء الجزر، وبعد 7 اشهر او اكثر بايام تستهلك الحظرة، ويتم تبديل الشبكة والاعمدة، الحبال، ولا يتغير وضع الحظرة، ونقوم بتنظيفها بعد كل اسبوع من النباتات اللاصقة والاصداف.
وقال: للحظرة ميزة لا توجد في وسيلة صيد اخرى وهي لا تحتاج الى اي جهد، وينحصر في جهد الصياد في تفريغ الحظرة من الاسماك مرتين يوميا خلال الجزر، وكنا نجمع خلال فصل الصيف حوالي 400 كيلوغرام من السمك، وفي الشتاء لا يزيد عن 30 كيلوغراما.
وقال العازمي: معظمنا كان يتوجه بصيده الى سوق السمك ويبيعه على الجزافين، والكميات الكبيرة كنا نحملها على ظهر الحمار يعبأ في 'جلة'، ومعظم اصحاب الحظور هم من العوازم، وقديما كانت سواحل الكويت مليئة بالحظور من الفنيطيس الى الصبية والعشيرج مرورا بالدعية وبنيد القار، وام الفنايل (قرب ابراج الكويت).
وذكر العازمي ان الاسماك التي تصطاد بواسطة الحظرة هي: الزبيدي - الشماهي - النويبي - الجم، اللخمة - الشعم، المزيزي، الطلاحة، البدحة، القرقفان، وذكر ايضا ان الحظرة يمتلك صاحبها قطعة ارض بموافقة الحكومة، وبعض الناس يستأجرونها من الملاك بايجار من 20 الى 50 روبية سنويا.
وقال: نحن العوازم لم نستخدم طريقة اخرى في الصيد.
البناني
وعمل حماد العازمي في بناء البيوت 'عامل البناء'، وقال: استاذنا (المقاول) احمد بن غنام، وعملت مع حامد الشاوي، والهويدي، وقمت باستخراج الماء من الجليب لاستخدامه في البناء، وخلطت الطين بالماء، فكان الاجر روبية واحدة، كان الصخين، والهيب والجدوم، والزبيل، والخيش لا تسقط من ايدينا.
وذكر العروق او العدج وهو سطر من الطين يتراوح ارتفاعه حوالي قدم لبناء البيت، وكل حائط يتألف من عشرة عروق تقريبا، وانه بنى اكثر بيوت الصوابر والمرقاب.
مواد البناء
وقال: الصخر كان يقلع من السواحل ويشتريه أصحاب البناء، والطين يجلب من 'مطاين' داخل وخارج السور، منه طين صلبي وتربي، فالأول متماسك يستخدم فوق السطوح بعد أن نخلطه مع التبن لمنع تسرب مياه الأمطار، واستخدمناه في مساح الجدران، أما الثاني التربي يستخدم في صناعة الطابوق، والجص (تراب كلسي محروق) نجلبه من المحارقة بين دروازتي الشامية والشعب وتسمى (المجاص) أو (المجاصة) بعد حرق الجص الذي يتحول الى اللون الأبيض يستعمل في مسج جدران البيوت، ويسمى 'الكج'. وقديما لم نكن نعرف الاسمنت الذي كان يعرف فيما بعد ب'صاروج'، ومن مواد الباسجيل من أعواد 'البمبو' الفارغة تشق طوليا الى نصفين، يستعمل في تسقيف البيوت، واستعملنا 'البوه' وهو القش يخلط مع الطين لقوة التماسك، وأحيانا نستعمل جذوع النخل في اقامة سقف المنزل، ومن مواد البناء 'الحشرج' قطع من الصخور المتوفرة على الساحل تجمع وتفرش على الأرض المراد تغطيتها، و'الحشو' قطع من الحجارة الصغيرة كنا نسد بها ثغرات الحائط والفراغات، والرماد في تسقيف البيت فيوضع بين طبقتي الطين في السقف، وكان يجمع من المنازل، والطاري هو سائل أسود من مخلفات النفط الخام كانت تطلى به الأخشاب لحفظها من التسوس، وخلطنا الأسمنت والجص نسميه 'مذكر' نستعمله في تسوية الحوش وجدران الشباك والأبواب.
نقل الماء
وقال: نقلت الماء من بركة الغنيم على ظهر الحمار بالقرب ونقلت الماء من الأبوام القادمة من شط العرب وهذه لا تقرب من الساحل بسبب الجزر، نسير مسافة طويلة الى ان نصلها، وحماري يحمل ثلاث قرب اثنتان منها على جانبي الظهر، والقربة الثالثة فوقهما، والقربتان تسميان 'عدايل' والمفرد 'عديلة' والقربة العلوية تسمى 'وساطة'.
وقال العازمي: كان بيدي مشعاب غليظ (عصا) وبهذا المشعاب أخطط عدد دروب الماء على الحائط، وكل درب أي 3 قرب بروبية واحدة، وأدفع لصاحب البوم 9 آنات والربح 7 آنات، وكنت أوزع ما بين دربين الى ثلاثة.
وذكر العازمي أن البعير كان يحمل 6 قرب كنا نفرغ الماء في الحب والبرمة والغرشة، وتوقفنا عن التوزيع في بداية الخمسينات عندما حلت التناكر محل الحمير، ونداء الحمار 'شط.. شط' يعني ماء شط العرب.
دجة
ومن الأعمال التي قام بها في حياته بيع السمك بالجملة من الحظور أو على الدجة في سوق السمك قال: لا نعرف محلا ولا دكانا انما نعرض السمك على المصطبة وهي زلفة تتكون من عتبة مرتفعة بنيت من الطين والاسمنت، وكان لي زبيل مكتوب اسمي وكذلك بقية السماكة، وعندما يملأ كان العامل يضعه على الدجة في غيابنا.
واضاف: اما الجزاف فهو الذي يتعامل بشراء السمك من الصيادين لبيعه بالجملة لنا، اما السماك فهو صاحب الدجة، وعدتي كانت بسيطة منها سحارة (صندوق) فيها السكين وطير (فأس صغير) وميزان من الخوص ثم جاء الحديد، ومعاييرنا مصنوعة محليا وتسمى الوقية، وبيع السمك كل وقية تساوي وقيتين ضعف بقية المواد مثل اللحم والرز.. الوقية تساوي خمسة ارطال فقط، وفي آخر النهار نعرض السمك باسعار زهيدة او نوزعه على المحتاجين الذين يأتون الى السوق لعدم توفر الثلاجات لحفظ الاسماك.
وذكر العازمي اسعار السمك قديما الزبيدي كان كل 10 ارطال 4 روبيات = 320 فلسا،والنقرور الحبة الكبيرة 6 آنات = 30 فلسا، والشعم كل 10 ارطال ب 3 روبيات = 225 فلسا، والربيان 8 آنات = 37 فلسا.
ذكريات
وتذكر المرحوم بو صفر الحلاق والمطهر والحجام، وصاحب القهوة المشهورة بقهوة العوازم لاننا كنا نجتمع عنده، وتذكر قهوة غلوم بوعلي العامرة بالناس والكدو والشاي السنكين (الاسود)، والتتان (بائع التتن) كان من الاكراد ويبيع انواعا مختلفة منها للسجائر او القدو، وكان يبيع ربطات من الورق الخفيف كان يسمى 'كاغد' ومكتوب على كل ربطة (ورق الشام) يفرغ المدخن كمية من التتن في ورقة واحدة ويلفها ويدخنها كنا نسميها 'سجارة كاغد' اي ورقة.
وذكر العازمي معمل النامليت او شراب غازي عرفه اهل الكويت تأسس في عام 1936 كان مقره مدخل سوق السمك القديم، ثم عرفنا المشروبات الاخرى في بداية الاربعينات.
وقال: من ذكرياتي افتتاح اول اذاعة في الكويت عام 1947 مقرها شرق ساحة الصفاة، ولا انسى مواد الوقود السعف - عرفج - ثمام، حمض، كرم، حطب، كرب، يله، روث البقر، غفاف.
واما ملابسنا فكانت الثوب والدشداشة، والشلحات، والدكله، والزبون، والبشت والفروة، والباركوت، الغترة والسديري، والازار، والبالطو.
وقال: بما اني من اهل الحظور وأدخل البحر كل يوم، فأنا اذكر حالات البحر باللهجة الكويتية العامية حتى لا تندثر وتضيع من اللهجات واللغات في هذا المجتمع، الذي دخلته كل الجنسيات منها: المايه ثبر (الجزر) الماية سجي (المد)، طفوح (المد القوي)، جيل (ازدياد الماء على الساحل)، كراح (الجزر الاكبر)، فساد (المد الاصفر)، الماية لغو (لا يعرف مدها من جزرها).
طبعة ابن رشدان
وذكر العازمي جده محمد العازمي الذي عمل بحارا مع ابن رشدان النوخذة المشهور، الذي وصل في بومه الى سواحل الهند،وعند عودتهم واجهتهم احوال جوية خطيرة تسمى 'عواصف البرصات'، قال: غرق البوم وراح الحلال كله، واما البحارة فانقذتهم سفينة كانت بالقرب منهم، حدث مشهور كان في عام 1938 بالقرب من مسقط وعند وصولهم كان عمري 8 سنوات وقفنا مقابل منطقة 'طوينة' تقع مقابل نقعة الصقر واخذت التشاشيل تفرغ البضاعة الى الفرضة.
وقال اخيرا: عملت بالبحر منذ الصغر والنباني في شبابي، وبعت السمك، ونقلت الماء على ظهري، وعلى حماري، وجلست على الدجة، لان والدي لم يعمل لانه كان كفيفا، انا كادود العائلة، وكانوا يقولون عني 'حماد' شاغول رجل كداد، واي بيزة احصل عليها اقدمها لوالدي رحمه الله، حتى كنت اسمع المثل : 'كد بيزة وحاسب البطال' بمعنى من كسب بيزة واحدة فيعتبر ثروة بالنسبة للعاطل عن العمل.
حماد عايض عويمر العازمي - القبس
العرض العادي
