راسل ادارة الموقع جديد المشاركات التسجيل الرئيسية

 
 
        

اخر المواضيع

 
 

 
 
العودة   تاريخ الكويت > منتدى تاريخ الكويت > البحوث والمؤلفات
 
 

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-09-2011, 10:56 AM
الصورة الرمزية bo3azeez
bo3azeez bo3azeez غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: ديرة بو سالم
المشاركات: 461
افتراضي السدرة بين أزهار النوير


السدرة: بين أزهار النوير (1)
ذكريات برجس حمود البرجس
ما كان لهذه الذكريات ان ترى النور، لولا طلب عدد من الاصدقاء والزملاء، ولولا الحاحهم المستمر على ضرورة ان ادون شيئا منها، واسرد خلال ذلك تجربة عمر امتدت ما يقارب الاربعين عاما في ثلاثة مجالات، وزارة الصحة، ووكالة كونا، والهلال الأحمر الكويتي، بالاضافة الى مجال الحياة العامة سياسيا وثقافيا في اكثر الفترات اهمية من حياة الكويت، واعني بذلك فترة نشوء الكويت الحديثة بنظامها الديموقراطي الدستوري، وما تخللها من حلاوة ومرارة.
قد يبدو هذا الاستهلال اضفاء للاهمية على هذه الذكريات وصاحبها، ولكنه في الحقيقة مجرد اشارة الى اهمية ما مرت به حياتنا الجماعية تحت هذه السدرة الوارفة التي سميتها الكويت، اما نصيبي من هذا، فهو هذه المذكرات المتواضعة جدا، والتي بلغ احساسي بتواضعها حد تسميتها ذكريات.
هي ليست مذكرات اذن، ولا أدعي اني ادون مذكرات هي من نصيب كبار القادة والشخصيات البطولية، ولانني لست من هؤلاء، ولانني مجرد مواطن في بلد شهد أطوارا من حياته وشارك فيها، ارتضيتُ تسجيل ما حفظته ذاكرتي من احداث ومواقف، وتقديمها الى القارئ الكريم.
والى هذا القارئ، أتقدم منذ البداية باعتذاري ان أخطأت هنا أو هناك، أو نسيت كثيرا من الاسماء والاحداث، فما لدي هو ما توارد على ذهني عفو الخاطر والنية الصادقة في قول ما رأيت، وتسجيل ما اعتقد انه جدير بالذكرى.
ولا يسعني في ختام هذه الملحوظة سوى تقديم شكري وتقديري لكل من حفزني من الاصدقاء والزملاء، وكل من احسن الظن بقيمة هذه التجربة، وساهم في اعداد هذه الذكريات، لما بذلوه من جهد معي، واخص بالذكر ابنتي العزيزة مها، التي حفظت كثيرا من الوثائق، واعتنت بجمع القصاصات والصحف، وقدمت لي مساعدة لا تقدر بثمن، سواء في مرافقتي خلال سردي لهذه الذكريات، أو في تذكيري بما طواه النسيان وتوالي الايام.
برجس حمود البرجس
الكويت 1/11/2009

جيل البحر والسفر، هذه العبارة تراودني دائما كلما نظرت حولي، كلما اصغيت، وكلما عدت الى الغوص في داخلي، وحاولت ان افهم ما يتغير من جيل الى جيل في نفسي وفي من حولي على حد سواء.
لست فرداً من اول جيل ظهر على سطح هذه الارض بالطبع، ولست فردا من اخر جيل ايضا، وانما انا موجة ارتفعت بين امواج متلاطمة في هذا الوجود منذ كان، موجة تعلو غيرها احيانا وتتقاصر دونها في احيان اخرى. انا من جيل انطبع بطوابع بريئة، يتذكر ما ترك بين العاب طفولته على الاقل، فهل تمتلك الاجيال اللاحقة ما تتركه في عجلتها للفوز بهذا المكسب وذاك المغنم؟
يرتبط السفر والجهد الجسدي بالبحر دائما، ولا يغادرني مشهد ابي العائد من الهند بعد احتجاز طويل استمر عدة اشهر، كان ذلك في عام 1943، في خضم موجات السفن الكويتية المسافرة بين الكويت والهند وسواحل شرقي افريقيا جيئة وذهابا، وقد تكاثرت بسبب انشغال وسائل النقل البحرية بميادين الحرب العالمية الثانية، وتكاثرت معها حوادث تهريب الذهب الى الهند. كان ابي احد العاملين على احدى هذه السفن، لم يكن نوخذة ولا تاجراً، حين اوقفوا سفينته واوقفوا ركابها، بل كان مجرد نوخذة شراع لا شأن له بتهريب الذهب وتجاره.

عندما تأخر الوالد
تأخر الوالد كثيراً، وفكرت: هو في الهند، ونحن هنا يجب ان نحصل على قوتنا اليومي، بعنا بعض ممتلكاتنا المنزلية لسد حاجاتنا مثلما كانت تفعل بقية العائ‍لات الكويتية، فلماذا لا اعمل؟
كانت عطلة الصيف المدرسية، ولدي ثلاثة اشهر، فقدمت انا الصغير الذي لم يكن عمره يتجاوز الثانية عشرة، طلبا للعمل محصلا في البلدية، مسؤول البلدية آنذاك كان عبدالله العسعوسي، وبعده جاء حمد صالح الحميضي. وخلال ثلاثة اشهر، هي مدة عملي، واجهت صعوبات متعددة بسبب صغر سني حتى ان بعضهم كان يرفض ان يدفع ما عليه من رسوم بحجة انني ما زلت صغيرا على هذا العمل، او انه كان لا يصدق انني المحصل فعلا، اضافة الى انني كنت مسؤولا عن التحصيل في اماكن غير مألوفة بالنسبة لتلميذ مدرسة مثل الكراجات والقصاصيب واماكن بيع الاسماك وسوق واجف والمقاهي والدكاكين، اماكن تضج بأصوات وضحكات واجساد الكبار، فأبدو في وسطها صغيرا ضائعا يحمل هم والد غائب وبيت ينتظر من يخفف عنه ثقل الغياب وهم تحصيل قوته.
كان عليّ جمع الرسوم من هذه الاماكن وتسليمها للبلدية لقاء راتب مجز بالنسبة لسني، 100 روبية شهريا بهذا الراتب اشتريت احتياجات المنزل وحسنت اوضاعنا المعيشية.

الوالد يبكي
حين عاد والدي من الهند بعد أن أفرجوا عن سفينته، ذهبت لاستقباله مع ابن عمي، وهناك، وما أن هبط الى البر آتيا من المياه البعيدة وصياح النوارس، حتى سارعت مسرورا وأخبرته بقصة عملي اثناء غيابه. ربما كنت فخورا بما قمت به، وربما كنت أنتظر ثناء، الا انني فوجئت بذلك المشهد الذي لا أنساه، رأيت الدموع تنهمر من عينيه، والدي يبكي متأثرا ويسألني بلهجة حانية:
«لماذا فعلت هذا؟»
قلت من كل قلبي:
«رغبت ان أساعدك، وأتمنى أن أعمل بدلا منك وأريحك من هذا التعب»
قال وهو يلتفت جانبا ثم يتطلع الى السماء متنهدا:
«حسنا فعلت، ولكن لا تكررها مرة أخرى، اريدك أن تهتم بالدراسة».

غوص وماء
كان والدي مكافحا تحمل المسؤولية وعمره ثماني سنوات اثر وفاة والده، وما أن بلغ الثالثة عشر حتى دفعه اعمامه ال‍ى الحلول محل ابيه في «بوم» العائلة، عائلة البرجس، البوم الذي توارثته ابا عن جد، وظل يعمل في جلب الماء من شط العرب الى الكويت. كان قصدهم ان يتعلم والدي مهنة البحر، ان يصبح نوخذة. كل افراد عائلتنا بلا استثناء عملوا في الغوص وجلب الماء، وامتلكوا بالاضافة الى سفينة نقل الماء، سفينتي غوص. وانهمك والدي في هذا العمل الى ان ترك مهنة جلب المياه واختار طريق السفر الى الهند مع السفن الكويتية بعد ان نشأت شركة للماء وصارت تتحرك على الخط سفن أفضل.

قسوة الحياة
كنت أراه متعبا ومرهقا دائما تحت ثقل المسؤوليات وقسوة الحياة آنذاك في زمن الحرب، زمن الامكانات الضئيلة في الكويت حيث امكانات الناس بسيطة ومحدودة. في مثل هذا الزمن جاهد وكافح ليضمن لنا معيشة كريمة مثل حياة بقية العائلات الكويتية، وفي مثل هذا الزمن كنت اتمنى ان اعمل ولو حارسا لأساعده. ولا اذكر انني اغضبته يوما او اغضبت والدتي الى درجة انه ظل يخشى عليّ من هذه العاطفة المرهقة التي أحملها تجاهه وتجاه من حولي بشكل عام حتى آخر أيامه. كان والدي وحيد أبويه. وليس له سوى شقيقة كبرى. وخلال غيابه عن المنزل طيلة اشهر في السفر، كنت أنا من يتحمل المسؤولية، فأنا مثله كنت وحيد الأبوين، وتحملت المسؤولية صغيرا.

..وبكيت أنا
قبل يوم من وفاته في عام 1985 في المستشفى الاميري، دخلت لعيادته والطبيب يحاول اقناعه بتناول الطعام، فقال للطبيب انه لا يخشى شيئا، سواء أكل او لم يأكل، وان خشيته الوحيدة عليّ، استغرب الطبيب، وقال له:
«ابنك رجل كبير وذو مركز، فلماذا أنت خائف عليه؟»
قال والدي:
«اخشى عليه لانه عاطفي جدا، لم يغضبني او يغضب والدته منذ صغره».
في هذا المشهد الثاني الذي يفصله عن المشهد الاول عند مرسى السفن اثنان وستون عاما، غلبتني دموعي انا هذه المرة، فقبّلت والدي وخرجت، ربما حتى لا تفيض عواطفي وتستثير المزيد من مخاوفه وهو في ايامه الاخيرة.

بين النوير والبحر
انا من عائلة البرجس، اي من اسم محمل بعدة دلالات. فاذا لفظتها برجيس عنيت بها اسم نجم، واذا لفظتها برجس عنيت بها شجرا شائكا ذا ازهار حمراء، اما اذا ذهبت بها الى برجاس، فقد عنيت ما يرفع على رأس رمح او نحوه في ملاعب الخيل. في هذه الدائرة الدلالية او ما يمكن ان تفضي اليه اذا توسعت، اصداء آتية من ماض بعيد ربما تأخذنا الى الصحراء، الا اننا الآن عائلة تسكن بجوار البحر، وسيكون عليها ان تتصادى مع مقتضياته، مع مدينته الساحلية، اعني الكويت، ومع مدينته الابعد على رابية، اعني الجهراء حيث ولدت في عام 1931 لام جهراوية اسمها طرفة عثمان الموسى، ولاب تسكن عائلته في كويت الثلاثينات المتأرجحة بين ميول تشدها الى ماضيها القبلي وميول تشدها الى حاضر يتحرك نحو الحياة المعاصرة بكل ما فيها من ارتباكات ونزاعات مستجدة.
أورثني مكان الميلاد صورة مدينة تشبه حقل نوير وربيعا وبرّا أرتاده طفلا يستمتع في اجوائه كلما رحلت العائلة اليه شتاء، واورثني مكان النشأة واللهو على شاطئ البحر صيفا صورة بيت من ثلاثة اقسام، البيت والحوطة والجاخور في فريج البدر في منطقة جبلة.

الصيف والشتاء
هذا التردد بين مكانين، بين صيف وشتاء، كان سمة شبه عامة في تلك الايام حيث تملك العائلات بيتا هنا وبيتا هناك في الجهراء، او بيتا في قرى نائية بمقياس ذلك الزمن، مثل الفنطاس او الفنيطيس او الدمنة التي اصبح اسمها السالمية. لهذا لم يغادر الربيع طفولتي، واظنه لم يغادر طفولة الكثيرين منا حتى اليوم، فنحن ما زلنا نرمز لهذا التوق بالخروج الى البر، اي الى الطبيعة التي نتلمس بقاياها.
كنت اتردد على الجهراء كثيرا في ايام العطل المدرسية، بل وكنت اهرب احيانا من المدرسة لاعيش اياما ناعم البال مبتهجا ومرتاحا في حدائق ومزارع لم نرها الا في الجهراء. البرسيم والنخيل والرطب. كان كل هذا رائعا، والاروع في تلك الايام البيئة والطقس المختلفان عما هما عليه الآن، فالمطر غزير، والزهور عالية تخفينا وتغمرنا حين نجلس بينها. لم يكن النخيل غابات، وكان بلحه صغيرا جدا بحجم حبات الفستق، والسوق في الجهراء صغير ومحدود لا يتجاوز
بضعة دكاكين، ومع ذلك كنا صغارا نجد في كل هذا عالما متكاملا لا ينقصه شيء ونحن نبتهج في سوقه ومزارعه ونصطاد طيوره ونتمدد فوق أعشابه الخضراء. وما زلت أذكر تلك اللحظات التي كنا نسمع فيها من ينادي: صلاة.. صلاة.. صلاة، فنرى الناس يتحركون ويتخذون طريقهم إلى المسجد.

في فريج البدر
هذه الفترة من أجمل فترات حياتي، وجدت فيها ما لم أكن أجده في الكويت، في بيت أهلي الشبيه بمعسكر، كل شيء فيه ثابت في موعده: الأكل، الخروج، الزيارات، فالدخول، معسكر للصغار فيه نصيب أقل مما للكبار الذين نراهم عن بعد على ساحل البحر، أو في الطرقات حين يكون علينا -احتراما لهم- أن نبتعد ونتوارى.
ومع ذلك، هنا في بيتنا في الكويت، كان لنا الجيران والأصدقاء، وكل شيء مألوف. الناس يعرف بعضهم بعضا، تماما كما يعرف الإنسان راحة يده. هؤلاء هم أهل الفريج، فريج البدر المعروف، حيث نشأت، تكتل اجتماعي سيقل نظيره ويتلاشى في ما بعد، تجد فيه هذه الأسماء، عوائل: البدر والصقر والرشيد والتمار وحليمة وبيت وضحة المشاري وبيت المزيد والسمحان وعائلة الحمد والتويجري وفلاح الخرافي والنمش والحميضي والسابج ويوسف العمر وعبدالله الصانع والصبيح والدويش والسعدون واليحيى والعواد، والعبدالجادر. أسماء.. أسماء يتخطى بعضها الزمن الماضي ويعيش بيننا، وأسماء تغلّب على بعضها الزمن فلم تعد تمثل أو تذكر إلا حين تعود بنا الذاكرة الى تلك الأيام، فننقذها من النسيان، أو تنقذنا من النسيان، نحن طامحون دائما إلى أن نكون كلا كبيراً يعيش فيه ما مضى وما سيأتي.
كان في الفريج ما يقارب 12 ديوانا، هي حلقة الوصل بين عائلاته، وموضع اجتماع شمل أهله المشغولين بحديث الرزق في أغلب الأحيان، ولا تكاد تسمع فيه حديثا في السياسة أو أخبارا خارج عالم يتكامل ويتسع بمقدار ما تتسع رحلات سفنه ويصل تجاره وبحارته.
إذا أردت تحديد مساحة هذا الفريج، فستجده عند ديوانية البدر الحالية عند البحر شمالاً، بين المتحف الوطني ومسجد العثمان، وجنوبا الى حيث يقوم مبنى غرفة التجارة سابقا. مساحة مكتفية بذاتها، بصنائعها ونقعتها وأحاديثها ومصادر مياهها المجلوبة.
من المؤكد ان كل هذا ظل قائما بعد ان غادرناه وانتقلنا منه إلى بيت العم يوسف الحميضي مؤقتا في عام 1943. فحتى ذلك الوقت كانت تتغير البيوت ولكن لا تتغير التكتلات الاجتماعية. وهكذا لم نغترب حين اشترينا أرضا وبنينا بيتا في حوطة السديراوي بجوار مسجد النفيسي الحالي وسوق الصالحية، ثم انتقلنا الى الشامية، وعدنا الى شراء بيت في الشويخ الجنوبية وبنينا هناك بيتا. ما زلنا في الإطار نفسه، أو ما زلت أنا الذي يتذكر، لم أغادر فريج البدر ولا بساتين الجهراء ولا حكمة العمة التي تركت أثرا في نفسي، عمتي التي لا تُنسى.

سر العمة
كانت هذه العمة بركة البيت، امرأة عطوفا الى حد بالغ، حكيمة وعاقلة، ولا اجد كلمة تصفها سوى انها قديسة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، في التزامها ونقائها الديني، كانت محافظة جدا الى درجة انها لم تذهب الى السوق يوما، شهيرة بجمالها واناقة ملبسها، حريصة على النظافة دائما، تنظف الثلاجة بنفسها، وتغسل الصحون بيديها، ولو دخلت ذبابة الى البيت أعلنت حالة الطوارئ بلا مبالغة.
وكان لها سرّها ايضا، سر لا تبوح به لاحد، فبين تارة واخرى كان يتردد على بيتنا غرباء يرتدون ملابس توحي بفقر حالهم، نراهم يدخلون حجرة العمة مباشرة، وبعد وقت قصير نراهم يخرجون وهم يرددون آيات الشكر والدعاء لها، ولسنوات طويلة ظلت لدينا عن زيارات هؤلاء فكرة غامضة.
لهذه الانسانة مكانة وحب كبيران في نفسي، فقد اولتني حيث نشأت في بيت العائلة اهتماما لاحد له، كانت توجهني وتنصحني جنبا الى جنب مع امي، وكنت الاقرب اليها، لم تغضبني يوما ولا أزعجت والدي، وكانت مستعدة للتضحية بكل شيء من اجلي.
لدي شقيقة اصغر مني، ولدي الوالد المتعب، والوالدة التي تلازم اسمها ازهار النوير، الا انني عشت في اجواء عمتي حتى وفاتها في 24 نوفمبر 1965 في اليوم نفسه الذي توفي فيه الشيخ عبد الله السالم.
حين دخلنا حجرتها بعد الوفاة، وجدناها مرتبة بدقة، والطيب يفوح من ملابسها، واذكر حكمتها التي دأبت على ترديدها على مسامعي منذ الصغر، «اكثر من الأصدقاء لان الاعداء اكثر».
كانت تستخدم الحكم والامثال في تربيتي وتعليمي، حجرتها وحكمتها في مشهد واحد معا، وقبل كل شيء اثرها الكبير في تشكيلي نفسيا، في توجيهي منذ سن السابعة نحو حب العمل الانساني والتعاطف مع الفقير والمريض، هذه العاطفة ورثتها عن امي، الا انني تأثرت بعمتي، واظن ان اتجاهي نحو العمل في الهلال الأحمر جاء بتأثير هذا التشكيل الوجداني الذي ترسخ في نفسي.
فما هو سر العمة الذي حرصت على كتمانه، وسر تردد الغرباء على حجرتها من دون بقية حجرات البيت؟
آنذاك، وحين كانت تحدث هذه الزيارات بين الحين والآخر، لم اكن لا انا ولا اي فرد من افراد العائلة نعرف شيئا عن هؤلاء، لم تكن العمة تتحدث عنهم ابداً، ولكننا فهمنا ضمنا انهم فقراء تتصدق عليهم العمة الطيبة، وتساعدهم في امور معاشهم، لم تتحدث مرة عن هذه الصدقات، ولا نطقت بأسماء هؤلاء الفقراء.. كانت تؤمن ان الصدقة يجب ان تبقى سراً في القلب.
وحين دخلت العائلة الى حجرتها بعد وفاتها، لم تجد فيها أي اوراق أو سجلات بأسماء الزوار الغرباء، الذين كانت تساعدهم، وانقطع هؤلاء من جانبهم عن زيارة بيتنا بعد رحيل العمة، وآسفنا كثيرا لاننا لم نستطع مواصلة تقديم المساعدة الى هؤلاء الفقراء، فنحن لم نعرفهم ابدا.
حكمة الاكثار من الاصدقاء، والصدقة المكتومة هما اكثر المبادئ التي تعلمتها من هذه العمة النقية، عمقا في الروح، وكم وددت لو كان في استطاعتي بعد رحيلها اصدار كتاب عنها تعبيرا عن حبي ووفائي لها.

برجس حمود البرجس
__________________
تهدى الامور بأهل الرأي ماصلحت
*****************
فان تولوا فبالاشرار تنقاد
رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بعد 72 سنة.. مازالت السدرة وحيدة وثابتة في الصحراء AHMAD الصور والأفلام الوثائقية التاريخية 16 22-03-2011 12:28 AM
السيرة الذاتية للنائب مرزوق الغانم ... بنت الزواوي المعلومات العامة 4 02-08-2009 04:33 PM


الساعة الآن 06:57 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لموقع تاريخ الكويت