سجل تجاري قديم و وثيقة تاريخية هامة
دفتر حسابات التاجر الكويتي عبدالعزيز المبيلش عمره خمسة وسبعون عاما – الجزء الأول
إعداد : طلال سعد الرميضي
جريدة عالم اليوم : 22 مايو 2007
إن لكل وثيقة قديمة متعلقة بالكويت دلالتها الكبرى وأهميتها القصوى في كشف المعلومات التاريخية حول ماضي الكويت وأهلها.
وقد يعتقد البعض أن الوثيقة التاريخية يجب أن تكشف لنا حدثا هاماً جرى في السنوات الماضية حتى تكسب أهميتها، وهذا القول غير صحيح لأننا نستطيع أن نتعرف على جوانب غامضة وحيثيات هامة من تاريخ الكويت العريق وذلك من خلال دراسة الوثائق القديمة التي لا تحمل في طياتها أخبار الوقائع التاريخية بألفاظ صريحة ومباشرة ، لذا وجب علينا المحافظة على أي وثائق أو مستندات قديمة حرصاً من الضياع والتلف مهما كانت بساطتها.
ومن السجلات القديمة الهامة والتي تستحق الدراسة، والإهتمام دفاتر حسابات التجار
الكويتيين القدامى في الأسواق الكويتية، حيث تحتوي هذه الدفاتر المخطوطة على معلومات هامة عن حياة الكويتيين ما قبل ظهور النفط.
وقد تفضل الأخ الأستاذ الفاضل خالد عبدالعزيز المبيلش بتزويدنا بدفتر حسابات قديم لدكان والده الواقع بسوق الدهن بالكويت ويعتبر هذا الدفتر الذي يقارب عمر صفحاته الخامسة والسبعين عاما - وثيقة تاريخية هامة للوطن تمكننا من التعرف على نواحي عديدة من تاريخ الأجداد العطر.
فلنا عزيزي القارئ أن نتعرف على هذا السجل التاريخي من خلال استعراض محتواه من معلومات تاريخية قيمة.
حياة التاجر عبدالعزيز المبيلش
- ولد الفاضل عبدالعزيز بن فرحان المبيلش بالكويت وذلك في عام 1890 م وترجع أسرته إلى نجد حيث سافر أحد أجداده إلى الكويت ليستقر فيها ونشأ نشأة طيبة في كنف والديه ومع أخويه عبدالله وعلي، وعمل منذ صغره بالتجارة في دكان والده الواقع في سوق الدهن الذي تباع فيه المواد الغذائية كالعيش والتمر والقهوة والدهن العداني، وحصد الدكان سمعة طيبة بين الكويتيين الذين أحبوا التعامل مع المرحوم فرحان المبيلش وابنه عبدالعزيز وبعد وفاة والده استمر المرحوم عبدالعزيز المبيلش في عمله بالتجارة ليكمل ما بناه أبيه من بناء ، حيث كان يقصده الكثيرون لشراء حوائجهم من المواد التموينية، وعرف التاجر المبيلش بانه كان كريما وأمينا في تعاملاته مع الناس ، ويشهد له كل من عاصره بأنه كان سمحاً مع زبائنه في تحصيل ديونه ويعطيهم المدد الطويلة ليتمكنوا من سداد قيمة بضاعته لديهم بدون عسر ، وفي مطلع الأربعينات من القرن الماضي عمل إبن مبيلش بتجارة الأبواب والشبابيك التي كان يستوردها من الهند وحققت له أرباحا طيبة لأن حركة العمارة والبنيان في الكويت بدأت تنشط في تلك الفترة، كما عمل بالصرافة وفتح دكانا آخر في سوق الدهن لممارسة تلك المهنة.
ويذكر أن المرحوم عبدالعزيز المبيلش سكن في بيت إشتراه في فريج المسيل بحي الوسط بالقرب من مسجد محسن العازمي والشهير بالنبهان ، ومن جيرانه في ذلك الفريج بيت الطوارى والمطر والشايجي وتزوج من احدى بنات الأسر الكويتية وأنجب منها أربعة أولاد وهم مساعد ومحمد (رحمه الله) وعبدالرحمن وخالد بالإضافة إلى عدة بنات.
ومن مآثره كما يروى انه كان يملك جهاز راديو أثناء الحرب العالمية الثانية وكان الكويتيون يتابعون أخبار الحرب عبر أجهزة الراديوات التي كانت باهظة الثمن ونادرة ، وكان المبيلش يضع جهاز المذياع على شباك ديوانيته ويرفع صوته حتى يتمكن الناس من سماع آخر الأخبار التي تبث باللغة العربية في المحطة الألمانية بصوت المذيع الشهير يونس بحري وتوفي التاجر عبدالعزيز المبيلش بتاريخ 7/7 /1964 رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته.
الدكان في سوق الدهن
يقع دكان التاجر عبدالعزيز المبيلش في سوق الدهن ويقول الأستاذ محمد عبدالهادي جمال
في كتابة القيم (أسواق الكويت القديمة) في وصف هذا السوق ما يلي:
يمتد سوق الدهن من الشرق إلى الغرب، ويقع مدخله الشرقي عند نهاية السوق الداخلي المطل على ساحة الصرافين ، بينما يواجه مدخله الغربي مدخل سوق التمر، ويتكون سوق الدهن من حوالي 15 - 20 دكانا يباع فيها السمن البلدي (الدهن العداني) القادم من البادية.
وكان الدهن العداني يباع في ذلك السوق في علب مصنوعة من الصفيح او بالوقية حسب طلب المشتري.
ويشتري باثعوا الدهن بضاعتهم من البدو والقبائل التي اشتهرت بصناعة السمن البلدي، وفي مقدمتها أبناء بادية الكويت من العوازم وشمر وغيرهما، الذين كانوا يجلبونه إلى الصفاة على ظهور الجمال وهو معبأ في قرب تسمى الصغيرة منها (عكّة) والكبيرة (نحو) ، كما تأتي أنواع اخرى من الدهن العداني من بادية المملكة العربية السعودية وجنوب العراق.
وكانت الكويت تستقبل كميات ضخمة من السمن البلدي لإعتمادها الكامل على ذلك النوع قبل أن تعرف السمن النباتي ، وكان اشهر أنواع السمن البلدي دهن العوازم الذي كان أجود الأنواع بلا منافس.
ويضع أصحاب الدكاكين الدهن العداني في علب من التنك (الصفيح) أمام واجهة محلاتهم ليتمكن المشتري من تذوق طعم السمن والتأكد من جودته ويجلب المشترون معهم الأواني الخاصة بالدهن، ومنها (البساتيق) و(القواطي) المصنوعة من التنك وكذلك القرب لملئها بما يشترونه من سمن من السوق.
وصف الدفتر التجاري
كان للتجار قديما سجلات تجارية خاصة لتسجيل العمليات التجارية التي يقومون بإجراثها وتعرف بمسك الدفاتر، ويذكر أن هناك نوعين من السجلات أو الدفاتر التجارية قديما لدى التجار فالنوع الأول هو دفتر اليومية وهو الذي يقيد فيه (الكراني) وهو الشخص الذي يعمل محاسبا لدى التاجر كل عملية تجارية جرت من بيع وشراء سواء بالنقد أو بالأجل خلال اليوم الواحد أما النوع الآخر فهو (دفتر الجاري) وهو الدفتر الذي يقوم المحاسب (الكراني) في نهاية كل يوم بنقل حسابات المشترين بالأجل إلى دفتر التاجر، ويحتفظ لكل عميل في صفحة خاصة من ذلك الدفتر تسجل فيه مشترواته بالدين بعد أن يتم التأشير عليها بدفتر اليومية، مما يعني نقلها من دفتر اليومية إلى دفتر الجاري بصفحة المشتري المدين.
والدفتر الذي بين أيدينا هو (دفتر الجاري) وهو دفتر قديم ضخم تتجاوز عدد صفحاته المائتين ورقة ، وقد بدأ التسجيل في هذا الدفتر اعتبارا من السادس من شهر صفر من عام ألف وثلاثمائة وإحدى وخمسين من التاريخ الهجري (10/6/1932 م) .
ويحتوي الدفتر على سجلات المدينين الدين اخذوا بضائع من التاجر عبدالعزيز المبيلش ولم يسددوا قيمتها بالحال إنما بالأجل ، وعرف رحمه الله بسمعته الطيبة لدى الناس وحبهم
له، حيث اشتهر شهرة واسعة بين أهل الكويت قديما بحيث أن الكثير من الكويتيين أخذوا منه بضائع بالدين ، ونستدل على ذلك من كثرة أسماء العملاء لديه وتنوع مساكنهم.
والملاحظ على هذا السجل القيم أنه في كل صفحة يقيد فيها عميل واحد أو أكثر بشكل مفصل ومنظم ومقرون بالتواريخ الهجرية لكل عملية تجارية جرت بشكل مستقل، وإذا سدد الدين يوضع على الصفحة علامة العرقاه (X) ويشطب الدين من دفتر الجاري.
ويلاحظ أيضا أن بعض العملاء قد تنتهي الصفحة وتعاملاته مع المبيلش لم تنته فيضطر المحاسب (الكراني) إلى تقييد إسم العميل مره أخرى في صفحة جديدة ليستكمل معه معاملاته الحالية.
ويتضح لنا أن الخط الذي كتب به الدفتر الجاري سليم وأن أرقام الحسابات واضحة نسبيا بالرغم من وجود أخطاء إملائية في كتابة أسماء بعض العملاء ومنها على سبيل المثال لا الحصر نجد اسم عوض كتب (عوظ) وإسم ضبيب كتب (اظبيب) وضاري كتب (ظاري) ... الخ.
ونود ان نشير الى ان هذا السجل التاريخي كشف لنا جوانب قيمة من الحياة الإقتصادية والإجتماعية بالكويت في الزمن الماضي كأنواع البضائع التي كانت تباع وتشترى في الأسواق الكويتية قديما بالإضافة إلى أسعارها وكمياتها، وإبراز دور الثقة والأمانة بين التاجر الكويتي وعملائه وهي خصال كريمة نكتشفها في عملية تسليم التاجر لبضاعته بكل ثقة وسكينة لشخص كويتي لا يعرف سوى إسمه وكنيته ويعيش في بادية الكويت متجولا لا مقر دائم له ولا مورد رزق مؤكد. والجميل بالأمر أيضا أن المشتري المدين يأتي بعد عدة أشهر ليسدد دينه بالتمام والكمال ودون نقصان لروبية واحدة.
الأمانات لدى بن مبيلش
وقد إحتوى هذا السجل التجاري الكبير على معلومات تاريخية قيمة بخلاف المعلومات المتعلقة بديون العملاء التجارية، حيث إحتوت بعض صفحاته على بيانات هامة تتعلق بوضع بعض العملاء أماناتهم لدى دكان التاجر المبيلش الذي إتصف رحمه الله بالأمانة والثقة لدى أهل الكويت من حاضرة وبادية، لذا فالكثير من الكويتيين يقصده لوضع الأمانة لديه، وقد سجلها رحمه الله في دفتر الجاري خشية من الضياع والنسيان إيمانا بأن أداء الأمانات لأصحابها واجب شرعي عليه، وعادة ما تحفظ الأمانة لديه لمدة موسم أو موسمين ثم يأتي صاحبها لاستردادها.
نماذج من الأمانات المقيدة لدي عبدالعزيز المبيلش
وممن وردت أسماؤهم بصفتهم أودعوا أمانات لدى هذا التاجر الأمين احد عملائه واسمه (عبدي بن غازي الساحلي) الذي وضع أمانة لدى بن مبيلش ثم استردها بعد ذلك، وسعد الحوالي وقريبه خلف ابن أخ الحوالي اللذان وضعا أمانتين لديه، كذلك وضع (مجبل بن ميزر) أمانة وقدرها مائة وسبعين روبيه بتاريخ 2 رمضان 1354 هـ (27/6/ 1935م)، و(ظاهربن اشخير) وضع امانة بتاريخ (9 محرم 1355 هـ 27/3/1936 م)، أما (شريده بن إعويمر) وضع لدى بن مبيلش أمانة على ثلاث دفعات الدفعة الأولى قدرها 2045 روبيه والثانية قدرها 75 روبيه والثالثة قدرها مئة روبية ليكون إجمالي الأمانة ألفين ومائتين وعشرين روبيه وذلك في عام 1370 هـ 1951 م.
كما احتوى دفتر الجاري لحسابات التاجر بن ميبلش على معلومات حول الاقتراض (السلف) الذي يقدمه التاجر لبعض أصحابه ، كما تضمنت بعض صفحاته بيانات حول تجارة بيع الأبواب والشبابيك التي قام بها المرحوم عبدالعزيز المبيلش وأرقام المبيعات التي قام بها وأسعارها وأنواعها.
عملاء من قرى الكويت وباديتها
إن عملاء التاجر المرحوم عبدالعزيز المبيلش كثيرون من خلال قراءتنا لهذا السجل التجاري القديم مما يؤكد السمعة الطيبة التي عرف ابن ميبلش رحمه الله ، فنجد أن لديه عملاء وزبائن من أحياء مختلفة من داخل السور يتعاملون مع دكانه عبر سنوات طويلة، كما نجد أن لديه عملاء من عدة قرى خارج السور كان أبناؤها يأتون إلى السوق لأخذ حوائجهم من زاد وخلافه ويعودون إلى قريتهم، ومن عملائه من قرية الفحيحيل الذين وردت أسماؤهم في هذا السجل الهام نجد حمود الدبوس وصالح بن عويهان، وممن وردت اسماؤهم من أهل قرية الفنطاس فهد الرشيد وحمود بن عبهول واخرون، كما له عملاء من قرية الدمنة (السالمية) كشف السجل أسماءهم وهم عبدالله الأذينه ومبارك الرميضي وحمود وسعد الونده ومحمد منصور الاذينة وغيرهم.
ومن أهل الشامية القدامى نجد أسماء الكثيرين من عملائه ومنهم محمد بن حماد ومبارك وسلمان الغوينم وسالم الرميضي ومرضى بن غنام وآخرون.
كما له من أهل قرية الجهراء ، عملاء كمحمد أبو قذيله ومرشد الشمري حيث ورد في احدى صفحات هذا الدفتر التجاري عبارة (بيان حساب مرشد الشمري وربعه من أهل الجهراء) لأن أهل القرى إذا أراد أحدهم الذهاب إلى الكويت تقوم جماعته بطلب بعض الأغراض والحاجات التي تنقصهم لكي يجلبها لهم أثناء عودته.
كما لأهل البادية من عريب دار نصيب وافر في هذا السجل التجاري حيث وردت أسماء الكثير منهم في صفحاته كما وجدت أسماء عدد من العميلات اللاتي أخذن بضاعتهن بالأجل ، ومن الأمثلة الواردة في الصفحات نجد (هله أم ابنيه- رفعة بنت مبارك- اصويلحه- عيده العويدان) .
إنتهى الجزء الأول
التاجر عبدالعزيز المبيلش ( 1890م - 1964م )
العرض الشجري
