راسل ادارة الموقع جديد المشاركات التسجيل الرئيسية
  #1  
قديم 05-03-2008, 06:15 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي المعلم ماجد سلطان آل بن فهد

-
المعلم ماجد بن سلطان بن فهد من طلائع طلبة العلم في القرن 19
درس في القاهرة ومات في السجن ودفن في البصرة


20/06/2007 - القبس

بقلم: يعقوب يوسف الإبراهيم

كان للقبول الحسن الذي لقيه ما كتبت عن كشف المجهول القابع في ردهات النسيان تشجيع في الاستمرار ومحاولة مخلصة لتكريس الهوية الكويتية وبلورتها، وفي الوقت نفسه الاعتزاز بالموروث الذي حفل بمسيرة بناة ومصلحين عجت به نخب متعددة الكفاءات. وعدت فأنجزت، أخلصت فأوفت.
إن الكتابة في هذا الشأن هي وضع الامور في نصابها منعا للخلط واللغط ونحن نغربل التاريخ بغربال منسوج بالوثيقة والمعقول، فما سقط منه تركناه وما بقي اخذناه.
فليس من العجب ان يكون مثلي من يبحث عن تاريخ قومه ويتعلم من مبادئ اجداده ويتدارس معالي همهم، وكأنني بطرفة بن العبد حين قال:
وقص الحديث على أهله
فان الوثيقة في قصه
ولا تذكر الدهر في مجلس
حديثا اذا كنت لم تحصه

عند كل هذا يتوقف المشاهد وتحوم أفكاره بين ماض وديع وحاضر سريع. ليتأرجح الحنين صوب المغيب طالبا المزيد، ليستشف ما جنى. وهو بذلك يخط علامة فارقة وحسابا جاريا بين انصرام الأمس بأحماله، وكينونة اليوم بآماله. ليبني اللاحق على ما اسسه السابق من رصيد غنماه، وهو تراكم تجارب وعبر هي الغزل في نسج الشخصية على نول التاريخ العطر، 'فالكويت واسعة الجود تعطي من طلب'.

كما ان هذا العرض يزخر بطاقات جادة اكدت ان رحم الكويت خصب لا يعرف العقم، وهي في ادوارها مثلت تحديا صارخا بالتفاصيل ناطقا بجرأة في المتغير والمنعطف من الاحوال والحوادث.
كما يبرز لمعان الوطن في ابعاده الحضارية لأنه مستودع لحكايات قديمة متجددة وحميمة. فهو لم يكن بمعزل عما حوله، ولا كان خواء او صحراء تيه بل كان زاخرا بالاحداث صانعا لها. لذلك اجتذبت الكويت ومنذ تأسيسها اهتمامات الرحالة والعلماء الدارسين لأحوالها، وفي الوقت نفسه الباحثين عن الاستقرار والثروة، في فيئها. وقد سطر بعضهم ما شاهدوه حينه لتصبح تلك المدونات شاهدا، ومصدرا مهما لا يقتضي مجرد الحفظ بل الدراسة والتحليل، وربما التصحيح والتقويم اذا دعت الضرورة وبزغت الحقيقة، والسبب ان بعض تلك الكتابات كان مصدرها، وما زال، غير قويم او ملم بما فيه الكفاية، فليس من المستغرب ان تتباين وجهات نظرهم او غايتهم مع الحقيقة في تغييب وتقزيم واختزال منجزات من صنعوا التاريخ.

ان الحديث عن الماضي هو التاريخ وادواته: الرواية والدراية، والوثائق والتحقيق، والجرأة في الطرح وتحويل غير الممكن الى ممكن، والبحث عن الغموض والكف عن الاستراحة والاسترخاء على سواحل التدجين والتلميح وتحويل النسخ الى المسخ.
ان التاريخ ليس ارقاما على التقاويم بل هو الحوادث التي حصلت قبل ذلك او بعدها، وكما وصفه فرانسوا ماري آرويه المولود في باريس عام 1694 والذي عرف بعد ذلك باسم فولتير:
'ليس سير الحروب والملوك بل مغامرات العقل وانه - التاريخ - بلا علم وفن لا يبقى منه شيء، ولن يقف على قدميه ما لم نبعد عنه اللاهوت'.
هنا المنفذ الذي يجب المروق منه الى اساس حضارة العرب التي بلغت اوج عظمتها في دولة بني العباس فأضحت اكمل سائر البلاد تمدنا ورفاهية وتربية زاهرة زاهية، والسبب كله يكمن في الاعتناء بالعلم والعلماء وارباب الفنون. ومن الخلفاء من كان معنيا بها بنفسه كالمأمون، اضافة الى مشاغله بالحكم كان مهتما بدراسة علم الفلك، وهو الذي توصل الى تحرر ميل دائرة فلك البروج على دائرة الاستواء فوجده ثلاثا وعشرين درجة وخمسا وثلاثين دقيقة.
كما اعان 'المتوكل بالله' اسطيفان بن باسيل في بداية القرن التاسع عشر الميلادي على ترجمة الكتب اليونانية ومنها كتاب 'الخصائص في الطب' لديوسفوريد.
اما ملوك الاندلس، فمنهم عبدالرحمن الناصر الذي كتب الى امبراطور القسطنطينية ان يبعث له معلمين ليدرسوا اليونانية واللاتينية الى طلبة العلم في الاندلس، فبعث له الراهب نيقولا.
حق العربي

ومن الجدير بالذكر ان ما اسلفناه من الاهتمامات بالترجمة ومعرفة لغات وامور الاولين، قد ظهر مؤخرا وتحديدا في مارس 2005 بحثا قلب المفاهيم العلمية الدارجة رأسا على عقب. فقد اكتشف باحث في معهد الآثار في جامعة لندن أن العالم العربي ابوبكر احمد بن علي بن قيس بن المختار المعروف ب 'ابن وحشية النبطي'، المولود في القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي، هو من فك رموز الهيروغليفية (اللغة الفرعونية) وانه نشر اكتشافه التاريخي في كتاب نسخه عام 241ه861-م بعنوان 'شوق المستهام في معرفة رموز الاقلام'، وان المستشرق النمساوي جوزيف همر، كان قد وقع على تلك المخطوطة فقام بطبعها في لندن عام 1806 بعد ان ترجمها الى الانكليزية، وهذا التاريخ هو قبل ستة عشر عاما من اعلان نجاح عالم الاثار واللغات الفرنسي فرانسوا شامبليون، الذي رافق حملة نابليون بونابرت الى مصر ،1801-1898 في قراءة 'حجر رشيد' المكتوب بالهيروغليفية. هنا يقف المتسائل، هل ان شامبليون قد قرأ ترجمة همر ونسب الانجاز التاريخي الى نفسه؟ وهل يعاد حق العربي لابن وحشية، الذي امتلكه قبل اكثر من الف سنة من محاولة الفرنسي شامبليون والمجد التليد الذي انهال عليه وتمتع به منذ عام1822؟
من هنا نفهم ان العلوم لا تنتشر الا اذا وجدت من يعينها من ولاة الامور او المتنفذين.
ولم يلبث حملة حضارة العرب طويلا، فباتوا في سبات عميق بعد سقوط بغداد الاول.
وطال عمر النوم قرونا فقصرت الحضارة وانتكست آجلا وعاجلا، ولم تصح، الا على اصوات مدافع نابليون بونابرت عام 1798م في حملته على مصر، التي امتدت ثلاثة اعوام، وانسحابها في يوليو عام 1801م حينما دكت مدافع قواتها احياء سكنية في القاهرة، مثل شبرا وبولاق وحي الحسين والجامع الأزهر الذي خرجت منه المقاومة.
شهادة الجبرتي

وكانت القاهرة المملوكية مدينة قديمة محرومة من حسن البنيان، قليلة العمران لما مر عليها من محن وفتن تقاسمها المماليك مع عامة المصريين ليختلطوا بلا حواجز وتنسيق فتجد كوخا مهدما يستند على قصر منيف، كما يتحاذى الشحاذ بالغني في صفوف الصلاة. شوارعها ضيقة متعرجة قذرة، غالبية اهلها تحت خط الفقر حياة وقوتا، ولباسا وسخا. فهي تقع على اكبر نهر في العالم وسكانها يعانون غياب النظافة وشح الماء، الذي يأتيها في قرب مهترئة على ظهور دواب هالكة. في فترة امتدت من 1688 الى 1755 حكم القاهرة 34 واليا بمعدل وال كل سنتين. وبعد 'مجزرة قصر الجوهرة' التي قضى فيها محمد علي على آخر المماليك 1805م استتبت الامور له فوجدها لا تليق بعاصمة ملكه فبدأ في عمران نهضتها.
دعونا نسمع ما حكاه 'الجبرتي في تاريخه' عام 1231ه / 1815م عن تلك الحقبة:
'ان الباشا اطلق المناداة في المدينة وندب المعماريين والمباشرين للكشف عن الدور والمساكن، فإن وجدوا بها او ببعضها خللا امروا اصحابها بهدمها وتعميرها. وفي العام التالي اصدر اوامره بكنس الشوارع ورشها وتنظيف الاسواق وإنارة الطرقات وإبقاء القناديل على ابواب المنازل، وان يخصص لكل ثلاثة حوانيت قنديل، وكان محتسب القاهرة (مدير البلدية) يتابع تنفيذ الامور بنفسه، كما ازيلت الاركام الملاصقة للنيل وزرعت اشجار وتحولت الى متنزهات'.
****
هو عبدالرحمن بن حسن الجبرتي ابوه احد كبار علماء الازهر الضليعين بالفقه والنحو والبلاغة والرياضيات والمسائل الفلكية، وإضافة الى علمه فهو كان تاجرا موسورا.
ولقب الجبرتي نسبه الى بلدة جبرت المسلمة في الحبشة.. وقد رحل اجداده الى مصر في القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي، وهي تقع في اقليم ساحلي على البحر الاحمر غرب ميناء زيلع، وينسبون الى اسلم بن عقيل بن أبي طالب.
ولد عبدالرحمن عام 1167 ه - 1754م، بعد كثير من الاخوة ماتوا صغارا. فنشأ تحت رعاية واهتمام والده في بيت دين وعلم، ورأى العلماء والأدباء ورجال الدولة والتجار في مجلس ابيه منذ نعومة اظافره، وكان يستمع اليهم ويأخذ من علمهم. وهكذا عرف الكثير من احوال مصر وأكمل تحصيله في حلقات العلوم في الجامع الازهر.
كان الجبرتي من المعجبين بعالم اليمن محمد مرتضى الزبيدي صاحب 'تاج العروس'، وصار من تلاميذه واشتركا في تأليف كتاب عن علماء القرن الثامن عشر وامرائه ومشاهيره. وكان باحثا ميدانيا لا يكل او يمل يجوب المساجد والمكتبات ويقرأ الاسماء المنقوشة على القبور اضافة الى الكم الكبير من الكتب واوابد الآثار ويسجل كل صغيرة وكبيرة.
ولما اجتاحت الحملة الفرنسية مصر كتب عنها بحياد عام، وسجل يومياته اولا بأول في كتابه 'مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس'، كما كتب عن المماليك بتجرد ولم تكن كتاباته مجاملة لأمير وطاعة لوزير. كما كتب عن المصاعب التي جلبها حكم 'الباش بوزوق' محمد علي، وما قام به من مصادرة الاموال وانتهاك الحرمات ووثق في ذلك كتاب 'عجائب الآثار في التراجم والاخبار'. وكان نتيجة ذلك ان تربصت العسس (اجهزة الامن) به وآذته فاغتالت ابنه سنة 1237 ه - 1822م. ففهم الجبرتي الرسالة وتوقف عن الكتابة خوفا وحزنا حتى فقد بصره ومات حزينا مقهورا سنة 1241 ه - 1825م.
وقد نشرت كتب الجبرتي لأول مرة كاملة بين عامي 1296 ه - 1879 و1307 ه - 1890.
وفي مقدمة كتابه 'عجائب الآثار في التراجم والاخبار' كتب يقول: 'اني كنت سودت اوراقا في حوادث القرن الثاني عشر المهجري وما يليه من اوائل القرن الثالث عشر الذي نحن فيه، وجمعت فيها بعض الوقائع الإجمالية وأخرى محققة تفصيلية وغالبها محن ادركناها وامور شاهدناها. واستطردت في ضمن ذلك الى سوالف سمعتها من افواه الشيوخ تلقيتها فأحببت جمع شملها وتقييد شوارعها في اوراق متسقة النظام مرتبة على الاعوام لتسهل على الطالب النبيه المراجعة ويستفيد ما يرومه من المنفعة.
قاهرتان

في عام 1824م ظهرت العربات الفرنسية تجرها الخيول المطهمة في الشوارع الواسعة هدية من فرنسا الى محمد علي، مع رسالة من وزير خارجيتها شاتوبريان، متذكرا الفترة التي قضاها فيها قبل عقدين من الزمن.
وتبدل الامر وأصبح هناك قاهرتان مصرية واوروبية، فالاولى حافظت على الوان الرمال والصحراء، وكانت الثانية تفسح لأبنية وشوارع، ووصلت المياه الى الاسكندرية في ترعة المحمودية، وبدئ بتشييد القناطر الخيرية تسهيلا للري.
ويذكر الرحالة سان جون في زيارته عام 1832: 'كانت الشوارع قذرة مقززة لكنها الآن نظيفة لافتة للنظر تكنس ثلاث مرات يوميا'.
تزامن ذلك مع الاهتمام بإرساء اسس الدولة الحديثة والاهتمام بالعلم، وكان ذلك بداية التنوير الحديث، فأرسلت البعثات الى اوروبا، وايطاليا تحديد، عام 1809، وبعدها الى فرنسا عام 1826 و1828م، وتأسست مطبعة بولاق 1820م وأنشئت المدارس والمعاهد الحديثة، وكان صاحب الدور الاكبر في تخطيط القاهرة المعاصرة المهندس علي مبارك باشا الذي اضاءها بالغاز وزودها بالمياه النقية، والصرف الصحي وبناء كوبري قصر النيل.
هكذا كانت القاهرة، اذا كنت لا تعرفها فاعرفها كما عرفها من سافر اليها وأقام فيها وربما عشقها وهام بها.


طلائع الكويتيين

بعد اقل من نصف قرن من اتجاه بعثات مصر الى اوروبا، توجهت طلائع الكويتيين لطلب العلم الى مصر. يقول الاولون ان قلوب الرعية هي دائما خزان تاريخها، وما أودع فيه تجده ولو بعد حين، حتى وان شابه الخلل، ولكن الدهر يجزي وهو الكفيل بكل ما وقع.
ولنا جلساء لا يمل حديثهم، يفيدوننا من علمهم عما مضى وهم ك 'البارقة التي تجود بمائها'.
يقولون عن انماط التعليم والثقافة في الكويت آنذاك انه كان في بدايته ولا يتعدى التحسس والتلمس للاخذ بأسباب التطور. حينها كانت الثقافة مقرونة بالخطاب الديني فقط، وان كانت هناك محاولات، فهي ظهور نفر من الشباب كانوا البراعم والبشائر الاولى للسعي الى مسيرة الانفتاح على ألوان مختلفة من الثقافة والافكار التي كانت بداياتها قد برزت في مصر، فاتجهوا اليها بعد ان كانت طموحات طلبة العلم قد درجت على تحصيله في البلدان القريبة والمجاورة.
وحينها وطئت اقدام تلك الطلائع غداة اول ضربة معول معلنة ابتداء مشروع قناة السويس عام 1859.

جاء في 'محاضرات عن المجتمع العربي في الكويت' ل 'عبدالعزيز حسين' (ص 113) اصدار الجامعة العربية 1960 القاهرة:
'ان اول بعثة رسمية اوفدت الى الخارج كانت الى مصر عام 1939، والحقيقة انها قد سبقتها بعثة الى بغداد عام 1925، لكن كثيرا ما ذهب طالبو المعرفة على نفقتهم الخاصة قبل ذلك التاريخ للدراسة في الازهر في القاهرة او الى بغداد والاحساء، التي كانت تعد في الماضي من اهم مراكز الدراسات الدينية واللغوية في الخليج'.

إن كثرة اسفار الكويتيين جعلتهم يدركون اهمية الدراسة والتخصص في المعاهد العلمية العالية، وكان الوضوح في ذلك جليا تراه في زجل 'الربان' عيسى بن عبدالوهاب القطامي صاحب 'دليل المحتار في علم البحار'، 1287 - ،1347 يقول فيه:
لو علموني هلي في مصر او بيروت
لا بدع عجايب لهم تذكر بعد ما موت

(يتبع)
__________________

التعديل الأخير تم بواسطة AHMAD ; 05-03-2008 الساعة 06:24 AM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-03-2008, 06:17 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي

الجزء الثاني

21/06/2007 - القبس

بقلم: يعقوب يوسف الإبراهيم

كان للقبول الحسن الذي لقيه ما كتبت عن كشف المجهول القابع في ردهات النسيان تشجيع في الاستمرار ومحاولة مخلصة لتكريس الهوية الكويتية وبلورتها، وفي الوقت نفسه الاعتزاز بالموروث الذي حفل بمسيرة بناة ومصلحين عجت به نخب متعددة الكفاءات. وعدت فأنجزت، أخلصت فأوفت.
إن الكتابة في هذا الشأن هي وضع الامور في نصابها منعا للخلط واللغط ونحن نغربل التاريخ بغربال منسوج بالوثيقة والمعقول، فما سقط منه تركناه وما بقي اخذناه.
فليس من العجب ان يكون مثلي من يبحث عن تاريخ قومه ويتعلم من مبادئ اجداده ويتدارس معالي همهم، وكأنني بطرفة بن العبد حين قال:
وقص الحديث على أهله
فان الوثيقة في قصه
ولا تذكر الدهر في مجلس
حديثا اذا كنت لم تحصه
يتابع الباحث يعقوب يوسف الابراهيم استعراض الحالة التاريخية لمصر وطلبة العلم الكويتيين الذين وفدوا اليها.عن مقال قصير بدون توقيع بمجلة البعثة الصادرة عن بيت الكويت في القاهرة (العدد الأول - 3 يناير 1949) بعنوان طلائع بعثات الكويت الى مصر ننقل ما يلي:
نستطيع ان نقول ان الكويت على الرغم من انها لم يمض على تأسيسها ثلاثة قرون فإنها اسبق بلدان الخليج في القرنين الاخيرين الى الارتشاف من مناهل العلم والرحلة الى منابعه، وقد تحمل الراحلون منهم مشاق السفر الصعب حينذاك. واجتياز فياف وقفار من اجل ذلك. واننا نبسط في هذا المقال تراجم مقتضبة للراحلين منهم الى مصر فقط لطلب العلم في العهد الماضي. مرجئين البحث والتحدث عن الراحلين منهم لطلب العلم الى الحجاز والاحساء وغيرهما الى فرصة اخرى.
الأوائل من طلبة العلم

ان اول طالب كويتي رحل الى مصر لطلب العلم هو الشيخ عيسى بن علوي ولا نعرف له الآن اقارب نستطيع ان نستقي منهم ترجمة وافية لحياته، لكننا ننقل من احد الثقات ان هذا الشيخ يمت بصلة الى عائلة المصيبح (عائلة المصيبح وابورسلي من الهواجر اوائل سكنة الكويت، تناوبا على حراسة الكوت الذي بناه عقيل بن عريعر واكمله اخوه براك عام 1668م).
وانه اشتغل في بداية امره بوظيفة حكومية في الرسومات. وافتتح حانوتا للتجارة قبل هذه الوظيفة او بعدها، ثم رحل في العقد السادس من القرن الثالث عشر الهجري الى مصر ودرس الدين هناك. وبعد ذلك درس الطب عند احد شيوخه حين ادرك ان التخصص في الدين فقط لا يشبع لإنسان قوت يومه في ذلك الزمن.
وسكن مصر ومات بها على الارجح، هذا ما حدثنا به هذا الثقة وعين وفاته على التقريب سنة 1280ه. وقد انكشف لنا من هذه المعرفة الضئيلة ان هذا الشيخ يتمتع بشخصية قوية لا تعرف الفشل مطلقا وتمتاز بذكاء أهله لأن يكون تاجرا وموظفا وشيخ دين وطبيبا.
وتلاه بعد ذلك الشيخ احمد الفارسي فقد رحل اليها سنة 1281 ه وطلب العلم في الازهر وغادرها سنة 1289ه راجعا الى الكويت وهو شخصية معروفة، فلا حاجة الى الاشارة اليها.
وقد زامله طالب علم آخر هناك لا نعرف بالضبط في اي سنة ارتحل اليها ويدعى ماجد بن سلطان بن فهد كما يروي ذلك احد اقاربه. وقد طوف هذا الماجد بعد ذلك بمدن الخليج واشتهر بكرهه للاجنبي والحذر منه، وحث الناس على التضامن والاتحاد.. ويؤكد احد اقاربه ان وفاته كانت بالبصرة سنة 1336 - 1337ه وان الذي قام بمساعدته وارسال ما خلفه من التركة الى ذويه في الكويت.
هو الحاج عبدالله الخليل التاجر المعروف ولابد ان الكويتيين الذين عرفوه في البصرة يعرفون عنه اشياء نجهلها يجب ان نميط اللثام عنها لنعرف هذا الرجل العجيب الذي سبق زمانه بمراحل طويلة.
ورحل بعد هؤلاء الشيخ الحكيم مساعد العازمي، وهل هناك احد من الكويتيين لا يعرف هذا الشيخ ولم يذق وخز مبضعه؟ درس الدين بالقاهرة وأتقن فن التطعيم بصفة خاصة ضد وباء الجدري الكريه وبعد ان مكث بضع سنوات رجع الى وطنه سنة 1300' انتهى.
وقبل المقال السابق ظهر مقال في مجلة كاظمة نوفمبر 1948 وتعتبر كاظمة المجلة الثانية بعد مجلة الكويت 1925 ـ 1928 وكان رئيس تحريرها عبدالحميد عبدالعزيز الصانع الذي كان من طلبة المعلم الشيخ محمد بن رابح في مسجد مزعل باشا بالزبير - كما سيأتي ذكره لاحقا - .
اكتشاف الصانع

كتب هذا المقال الاديب عبدالله علي الصانع وهو لمن لا يعرفه قد ولد في الكويت عام 1902 وتوفي بها عام 1954 وقضى جزءا غير قصير من عمره مهاجرا الى دبي حيث عاد في اواخر ايامه الى وطنه وانتخب عضوا في مجلس المعارف 'ويعتبر معجم ادباء وقاموس لغة حافظا للشعر القديم والحديث'. هذا ما قاله فيه خالد سعود الزيد في كتابه ادباء الكويت في قرنين ـ الجزء الاول.
كان مقال الصانع بعنوان 'كم في الزوايا من نفائس الخبايا' وهو مقال طويل ننقل مما جاء فيه ما يلي بتصرف:
'في عشية يوم الاربعاء من صفر 1358ه ـ 1938م جرت حادثة دبي المشؤومة، التي لسنا في صدد سرد حوادثها وما اشتملت عليه من قتل وتشريد وسمل اعين وذلك لظروف خاصة وما اشرت اليها، الا لما يتعلق بما سأقصه.
لقد ضاقت بي الدار واصبحت بعد تلك الموقعة، قلق المقر نابي المضجع كثير الوجوم سمير النجوم، وبعد ان اوحش من ساكنه الحناب وأمحل الربع وصوحت الندى مؤنقات رياضه، وآضت يبابا ممرعات غياضه، فتفرق الشمل وانصدع الشعب وانشقت العصى وسبق السيف العذل. فاكفهر الجو وعبس في وجهي الدهر وبسر، فانثويت النقلة وامتطيت النجب الهجان قاصدا عاصمة عمان'.
ويكمل بقوله: 'حتى حططنا بمدينة مسقط الاثقال وارحنا النفس من الانتقال فنزلت مكرما عند زعيم طرابلس العظيم سليمان باشا الباروني وكان مدير الاوقاف في مسقط.
وقد اجتمعت عند سعادته بالشيخين الجليلين عيسى بن صالح قاضي القضاة واخيه محمد بن صالح. فحصل الانس وانزاحت الغمة ورأيت من فيض فضلهما ما هما به وفوق ما كنت اتصوره'.
ويستمر الصانع في مقاله الذي احتل اربع صفحات من المجلة الى بيت القصيد واساس موضوعنا فيقول:
'ثم ترامى بنا الحديث الى ذكر الادب في البحرين والكويت ومنه الى ذكر المرحوم عبدالعزيز الرشيد ومؤلفه 'تاريخ الكويت' فقال ان صاحب هذا التاريخ ذكر تراجم كثير من مواطنيه ولكنه لم يذكر شيئا عن مجيد بن سلطان فقلت له: ومن مجيد بن سلطان هذا؟ فقال منكرا علي عدم معرفتي لهذا الشخص. لا جرم انه لمن الغريب جدا ان يجهل ملم باخبار الكثير من رجالات العرب النازحين عنه والذين هم في عصره او قبله ثم لا يعرف مواطنا له قد ضرب بالسهم الصائب من حرية الرأي وانشاد الخير لقومه العرب مع النزاهة والعفة اللتين تستدعيهما الغيرة الملحة من اصلاح الوضع العربي، في ذلك الوقت الذي لم نر ولم نسمع من احد غيره يذكر انشاء مدرسة او اقامة ملجأ للمعوزين او بناء مستشفى للمرضى. وقد قدم الينا منذ اربعين سنة تقريبا ومكث بيننا مرشدا ناصحا ينير درر حكمه في كل ناد يلجه ويطلب في كل من يتوسمه فيه. وعندما اشتدت المحنة وحل الاسى وطغت الفتنة في عمان واستعرت نيران الحروب بين السلطان السيد فيصل بن تركي والخارجين عليه بزعامة الامام محمد بن عبدالله الخروصي واستمر القتل بين الفريقين ذهب بنفسه الى مقر الامام وناشده الله ان يكف عن القتال وطلب منه ان يتوسط بالصلح لدى الطائفتين المتحاربتين فاظهر الامام استعداده لقبول الصلح على يده فرجع الى مسقط ساعيا لهذه الغاية ولكنه لم يوفق وما عليه بعد الاجتهاد ألا يكون موفقا. وكان كثير السفر الى جزيرة زنجبار ومن المقربين لدى السادة السعيديين سواء بافريقيا او بعمان وفي سنة سبع وثلاثين هجرية (1337ه) توجه الى العراق للعلاج ومن ثم بلغنا انه توفي هناك رحمه الله'.
وبعد سنتين من الحديث كنت في الكويت وكان السؤال عن مجيد لم يبارح فكري فالتقيت بالاستاذ عبدالمجيد الصانع (شقيق عبدالحميد) وقلت هذا جهينة وعنده الخبر. غير انه لم يفدني عنه شيئا وقال:
لم اسمع عن هذا الرجل اي خبر. ثم سألت الشيخ يوسف بن عيسى (القناعي) وقلت انه المصدر لهذا الخبر، فكان جوابه كلا لا نعرف عن هذا الشخص شيئا.
ولكن من حسن الصدف، وللصدف احيانا حسنات ان زارني يوما الشيخ سعد بن شملان* وفي اثناء المحادثة جرى ذكر رجال ذهبوا وكانوا يستحقون الخلود على كر الملوان. فقلت له انني سمعت في عمان عن ذكر رجل من اهل الكويت هو محل الثناء العاطر لديهم يقال له مجيد بن سلطان، وسألت عنه في الكويت فلم يسعفني احد عنه بخبر.
فقال - وقد اعتدل في جلسته : على الخبير سقطت وهذا الرجل حقيقة من اهل الكويت وهو اكثر بكثير مما اخبرك عنه العمانيون من الغيرة على قومه ومن الجهر بحرية الرأي وانشاد الاصلاح في كل بقعة يحلها.
وقد كان من المقربين عند الشيخ يوسف بن ابراهيم وغادر الكويت على اثر هجرة الشيخ المذكور الى العراق فذهب الى الاستانة واستقام بها برهة ثم قدم البحرين ومكث مدة وكان كثير الاختلاط بالحكام والوجهاء كما انه كان محببا عند كل من عرفه وامتزج به. وكنت له اشبه بالتلميذ وكان صريحا في اقواله ينشد الخير لمجتمعه وطالما ندد بالذين لهم قدرة على الاصلاح ولم يصلحوا شيئا وما كانت تأخذه في انشاده سعادة مجتمعه العربي لومة لائم وقد اضطر إلى مغادرة البحرين بأمر من السلطة لهذه الاسباب. فشخص الى عمان وتردد على افريقيا حيث لقي الاهل والترحاب من سلاطين آل بوسعيد ثم توجه الى البصرة ايام الاحتلال الانكليزي سنة 1337ه. وكان على وشك ان يطبع كتابا الفه عن الخليج فقبضت عليه السلطة المحتلة انذاك وسجنته بعد ان عثرت على الكتاب وبلغنا انه مات في السجن رحمه الله وجزاه عن مسعاه الجزاء الاوفى من مغفرته ورضوانه.
والآن لا أراك الا مشوقا الى معرفة هذا الرجل فهو لم يكن اسمه مجيدا. ولكنه انتحل الاسم في عمان واسمه الحقيقي ماجد بن سلطان بن فهد الكويتي. فقلت له: جزاك الله خيرا لقد شفيت النفس وانقعت الغلة 'وكم في الزوايا من نفائس الخبايا'. انتهى.
بعدها وفي مجلة البعثة الصادرة في فبراير 1949 العدد الثاني السنة الثالثة وفي مقال بعنوان 'حول عدد البعثة الممتاز' العدد الأول، السنة الثالثة يناير 1949 كتبه الاستاذ يعقوب يوسف الحمد يقول في جملة ما قال:
'كشف لنا المقال القيم من الوجهتين التاريخية والادبية عن تراجم اشخاص من الكويتيين الذين عاشوا في الجيل الماضي، وكان لهم الأثر الفعال في بناء الحياة من نواح مختلفة في وقتهم. ولقد وقفت طويلا أكرر قراءة الفقرة الأخيرة من العمود الأول عن كويتي عظيم لا نعرف عنه شيئا مطلقا هو السيد ماجد بن سلطان، وقد اذكرتني هذه الكلمة بمقال الاديب الباحث عبدالله الصانع في العدد الخامس من مجلة كاظمة الغراء الصادرة في نوفمبر سنة 1948. بعنوان 'كم في الزوايا من نفائس الخبايا' تحدث فيه عن هذا المصلح فحبذا لو سلكته البعثة في سلسلة أعلام الكويت بعد استكمال المعلومات اللازمة عنه'. انتهى
ومضت السنون بخيرها وشرها. ففي أمسية من اكتوبر 2005 تسلمت مكالمة من د. خليفة الوقيان يثني فيها مشكورا على الجهد ويسأل عن البحث الذي أعده وقد سمع عنه من أحد الزملاء -والذي هو الآن بين أيديكم - وموعد نشره! وهل هناك من جديد؟
وله كل الحق فيما يسأل، فبين رسالة الوجيه يعقوب الحمد وتساؤل د. الوقيان نصف قرن لم نر خلالها عن الموضوع شيئا فتصور قارئي الكريم عسر هضم هذه الأمة لمفردات تاريخها القريب!
عندما تدخل الخصوصية في أمور عامة قد يتصور البعض أنها أتت عمدا، وليعذرني الجميع فإن مساعي بحثي وخيوطه قد اشتبكت بين عنوان البحث وهو ماجد بن سلطان واسرتي ولم استطع فك ذلك الاشتباك لتداخل الحوادث ومجريات الأمور، وكأن قدر هذه الاسرة ان تكون القاسم المشترك لبعض المفاصل المهمة في تاريخ الكويت وهي إرادة لا استطيع الفكاك منها وهذا ما عندي:
حياة ماجد

ولد المعلم ماجد بن سلطان بن فهد حوالي عام 1844م 1260ه في اسرة عربية المحتد من قبيلة الجبور التي كانت تقطن وسط الجزيرة العربية وسواحلها الشمالية المطلة على الخليج. فأقامت ردحا من الزمن في البحرين ثم هبطت الكويت في بدايات تأسيسها وسكنت في حي الوسط في فريج بن خميس بالقرب من فريج بن ابراهيم في بهيته، وكان والده نوخذة احدى السفن العائدة لآل ابراهيم وهو الشيخ علي بن محمد آل ابراهيم وهم آنذاك أكبر من امتلك السفن، ويذكر أنه في عام الطبعة غرق للشيخ عبدالوهاب آل ابراهيم وحده سبعة محامل (سفن). درس ماجد في المدرسة الخاصة بمجلس آل ابراهيم - وسنأتي على ذكرها بالتفصيل لاحقا - مع أقرانه من ابناء العائلة وأصدقائهم ومنهم الشيخ يوسف والشيخ صالح، ويذكر المرحوم محمد السنان ان والده كان يدرس فيها أيضا على الملا دخيل بن حمود بن جسار والذي قرأ عنده الكثيرون من رجالات الكويت آنذاك وتخرج منهم من تبوأ مراكز متقدمة في العلم والمعرفة ورواد التنوير، ومنهم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي لاحقا كان ذلك حوالي العقد السابع بعد المائتين والألف من الهجرة. وكان ماجد ميالا الى طلب العلم منذ صباه فانكب على القراءة ومخالطة العلماء والوجهاء والتحاور معهم شابا واثقا من نفسه تربطه علاقة جيدة في مجتمع متفتح، فالكويتيون قديما جلهم رواد سفر، والسفر مرآة الأعاجيب لا يعرف كنهه القابع في داره ولو عاش قرونا. وهم اهل تجارة وأصابوا في تحقيقها ثروات كبيرة، فأضحى الميزان التجاري ايجابيا دائما وعزز موقع وطنهم تزويد البلدان المجاورة بحاجتها من الملبس والمأكل فهو الأرخص أسعارا والأجود بضاعة يقصده البدو والحضر للتزود والميرة فهو بمسميات اليوم 'منطقة حرة' آمنة راضية مستقرة.
وجراء ذلك دانت لأهلها ريادة في الاهتمام بالعلم والسعي إلى تحصيله أينما كان وان يبدعوا او يكملوا ما ابتدأه أسلافهم وما يعينهم الا حسن السمعة ودوام طيب الذكر فهم أخلص قلبا واشد تمكنا واقل خلافا.
رأى المقربون من ماجد الرغبة في اكمال تحصيل العلم وكانت سمعة القاهرة قد ملأت الآفاق فأزهرها الشريف ومدرسة الألسن والمدارس والمعاهد الحديثة قد ابتدأت اخبارها بالانتشار فتوافد اليها طلبة العلم من كل حدب وصوب، كما أسهمت الكتب المطبوعة في مطبعة بولاق في الانتشار وكانت بدايتها لطباعة ما يتعلق بأمور الدولة - والحديث عنها والطباعة عموما موضوع شيق - وفي الكويت كان الشيخ علي بن محمد آل ابراهيم محبا للعلم والعلماء مطلعا على اخبارهم مهتما بأمورهم وكان هاجسه طباعة كتاب يتناول شرح المذهب الحنبلي.
والمعروف ان مثل هذا العمل يتطلب وقتا طويلا (وكانت مصر كبعد القمر عن مدينة صغيرة قابعة على سواحل الخليج)، مما ساعد ماجد في تلقي علومه مزاملة لهذا المشروع للاشراف على طبعه ومراجعته حسبما تقتضيه الاجراءات المشددة حينها ويرجع السبب إلى أنه في عام 1822 طبع كتاب في مطبعة بولاق يتضمن قصيدة بعنوان 'ديانة الشرقيين' للشاعر الايطالي ليبلتي وفيها تشجيع على الالحاد وحينما علم محمد علي باشا بذلك غضب شديدا وامر بطرد مدير المطبعة 'المسابكي واصدر امرا في 13 يوليو 1823م يحرم الطباعة من دون اذن مسبق منه ومن يخالف يعرض نفسه لعقاب شديد.
(يتبع)
* هامش:
* كان سعد بن شملان وهو من ابطال المعارضة للانكليز في البحرين وتعرض من جراء ذلك للسجن والنفي الى الهند.
وهو من اصدقاء الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز آل ابراهيم احد تلاميذ المعلم ماجد بن سلطان بن فهد كما سوف يأتي من ذكر عن مدرسة مجلس آل ابراهيم لاحقا.
وكان سعد قد ذهب الى الهند في زيارة قصيرة كانت نتيجة لامور صعبة مر بها فأقام عند الشيخ عبدالرحمن في بومبي اربع سنوات لقي من عنده كل ما يتمناه المرء ورجع الى البحرين ولسانه يلهج بالثناء عما لقي وفي مقابلة صحفية في البحرين في الثمانينات من القرن الماضي مع ابنه عبدالعزيز بن سعد بن شملان وكان من اوائل البحرينيين الذين درسوا في المدرسة العالمية التابعة للجامعة الاميركية في بيروت عام 1927م. وذكر فيها سفرة والده الى الهند واقامته الطويلة عند آل ابراهيم وهو الذي نحت عبارة 'انصو كولابا'، لمن كان في حاجة او عسر في بومبي من اهل الخليج. والمقصود بذلك التوجه الى آل ابراهيم في حالة العوز في ضاحية كولابا في بومبي في العقد الاول من القرن الماضي.




__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-03-2008, 06:18 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي


اسواق الكويت قديما


22/06/2007 بقلم: يعقوب يوسف الإبراهيم
كان للقبول الحسن الذي لقيه ما كتبت عن كشف المجهول القابع في ردهات النسيان تشجيع في الاستمرار ومحاولة مخلصة لتكريس الهوية الكويتية وبلورتها، وفي الوقت نفسه الاعتزاز بالموروث الذي حفل بمسيرة بناة ومصلحين عجت به نخب متعددة الكفاءات. وعدت فأنجزت، أخلصت فأوفت.
إن الكتابة في هذا الشأن هي وضع الامور في نصابها منعا للخلط واللغط ونحن نغربل التاريخ بغربال منسوج بالوثيقة والمعقول، فما سقط منه تركناه وما بقي اخذناه.
فليس من العجب ان يكون مثلي من يبحث عن تاريخ قومه ويتعلم من مبادئ اجداده ويتدارس معالي همهم، وكأنني بطرفة بن العبد حين قال:
وقص الحديث على أهله
فان الوثيقة في قصه
ولا تذكر الدهر في مجلس
حديثا اذا كنت لم تحصه
في الحلقة الثالثة والاخيرة يكمل الكاتب يعقوب يوسف الابراهيم البحث في تاريخ شخصية كويتية تعتبر من طلائع طلاب العلم.
وفي عهد سعيد باشا صدر قانون يمنع طباعة الكتب التي تتعارض مع تعاليم الدين وسياسة الدولة ومصالحها، كما يفرض الحصول على اجازة الطبع من نظارة (وزارة) الداخلية مع تفاصيل محتوى الكتاب وعدد النسخ، اما القانون الذي صدر في عهد توفيق باشا فكان صارما ومعرقلا لحركة النشر حيث فرض رسوما مالية.
وقد غادر الكويت في منتصف الستينات من القرن التاسع عشر بحرا على احدى السفن (بغلة) العائدة الى آل ابراهيم تحمل تمورهم الى موانئ اليمن والحجاز، حيث كان الشيخ عبدالله بن عيسى آل ابراهيم مقيما بين جدة ومكة المكرمة آنذاك، فمنازل آل ابراهيم في مكة المكرمة تسمى حوش الكويتيين وموقعها على طريق السيل قرب سوق حراج الخردة حاليا، وصل ماجد الى جدة واقام فترة من الزمن هناك للسفر الى مصر لان مشروع قناة السويس لم يكن منتهيا آنذاك وحركة السفن الى موانئ شمال البحر الاحمر قليلة لان الطريق الى اوروبا لم يكن سالكا بعد ولم تفتتح قناة السويس الا عام 1879.
تم طبع الكتاب وعنوانه 'نيل المآرب في شرح دليل الطالب'، قام ماجد بهذه المهمة خير قيام وانتهى منها في شهر رمضان عام 1288 ه المصادف عام 1871م ابان حكم الخديو اسماعيل وهو اول كتاب طبع على نفقة كويتي بل يمكن القول انه اول كتاب طبع في الجزيرة العربية والخليج عموما، مما يعطي الريادة للكويت في هذا المجال، فكان مفصلا في اذكاء مسيرة التنوير وتعزيز شأن طلائعها الاوائل، وهي مآثر تميزت بها الكويت حين ارست اولى لبنات مدماكها في البناء الثقافي والفكري فوضعها على رأس من اهتم بمجال نشر المعرفة، وعلى الرغم من ذلك فانه من المحزن ان هذا العمل الرائد لم يحظ باهتمام القائمين على تسجيل حركة الثقافة عندنا 'ومن باع درا على الفحام ضيعه'.
******
مدافع نابليون والطباعة
لابد هنا ان نتوقف قليلا ثم نعرج على تاريخ هذا المرفق الحضاري: 'الطباعة وصناعة الكتب'.
'إن المقولة بفضل الحملة الفرنسية على مصر 1801-1798 واستيقاظ العرب على جلبة عربات مدافع نابليون التي تجر خلفها مطبعة حديثة فيها الكثير من المبالغة. فالحقيقة الغائبة تزخر بمفارقات حول أول مطبعة عرفها الشرق العربي وهي التي أنشأها الشماس عبدالله زاخر الحلبي في دير يوحنا الصايغ في قرية الخنشارة في جبل لبنان عام 1732 وقبل ذلك انشأ البطريرك اثنا سيوس دباس الرابع حوالي عام 1705 في حلب وطبع فيها كتاب 'المزامير' ولكن انتاجها اقتصر على طباعة الكتب الدينية المسيحية.
أما السبب الأصلي لدخول المطابع في الشرق الادنى عامة فكان في الاستانة حيث سبقت الدولة العثمانية دول المشرق كلها الى معرفة الطباعة في نهاية القرن الخامس عشر على يد احد رجال الدين اليهود واسمه اسحق جرسون الذي احضر معه مطبعة وحروفا عبرية عام 1485 فأجازها السلطان بايزيد الثاني لكنه أصدر امرا بمنع استعمالها لغير اليهود ويومها كان نفوذهم عنده كبيرا.
بعد ذلك انتشرت مطابع الرهبان اليسوعيين في جبل لبنان التي جهزت بالحروف العربية والسريانية ثم اتى المبشرون المسيحيون الاميركيون فنقلوا مطبعتهم من مالطا الى بيروت.
اما الطباعة في مصر فقد ظهرت مع دخول الحملة الفرنسية كما اسلفنا حيث كان نابليون يؤمن بقوة المطبعة والمطبوعة وتأثيرهما في الملأ. وقد ابتدأ عمل تلك المطبعة وهي على ظهر السفن في البحر تشق عبابه بطريقها الى مصر لتطبع النداء الموجه الى اهلها بالعربية وتطمئنهم الى مقاصد واغراض الحملة في رفع الحيف والظلم واقامة مجتمع مبني على مبادئ الثورة الفرنسية بالاخاء والمساواة والحرية. فكان عمل المطبعة الحقيقي هو ملازمة النشاط العسكري. وما ان تولى الامور في مصر محمد علي باشا، كما اشرنا، فكر في ادخال الطباعة عام 1815 واسس فعلا المطبعة المصرية في بولاق عام 1820 لطباعة ما يلزم من احتياجات الجيش المصري الحديث والذي ابتدأ تكوينه بالاستعانة بالضباط الفرنسيين الذين شاركوا في حملة نابليون وابتدأ في تنظيم البلاد بشق الترع وزراعة القطن والذي اصبح، بعد مقاطعة بريطانيا للقطن الاميركي نتيجة حرب التحرير، أكبر صادرات مصر وساعد كثيرا في مشاريع تحديثها وتأسيس جيش للدفاع عن مكتسبات دولة حديثة بل تعداها الى خارج حدود مصر فقضى على الحركة الوهابية بنجد وحركة الانفصال في اليونان والتوسع في السودان حتى منابع النيل وبحيرة فكتوريا في اواسط افريقيا ثم الامتداد في سوريا وفلسطين وجزء من الاناضول لفترة قصيرة حتى وصل بقيادة ابراهيم باشا على بعد 200 ميل من اسطنبول عندها تدخلت بريطانيا وفرنسا في ايقافه فقبلها شرط ان يتولى وذريته حكم مصر.
وقد بلغ ابراهيم باشا من الشهرة، ان دعاء الفلاحين في صلاة العشاء في جنوب تركيا كان يتضمن ذكره:
اقسما مورمت
حكومتي نصرت
صباح بنيت
كيسمزي بركت
اغاميزا برت
كالموزة قوت
ابراهيم باشا رحمت
اغاميزا برت
باي قامنبيزي صلوات
******
ان الحديث عن المطابع وتأثيرها في وعي المجتمع في الكويت الذي وان كان بعيدا بالمسافة، فإنه قريب بالطموح والرغبة ولم يكن الاهتمام بالكتب وجلبها غريبا عن اهلها فكان اكثرها مطبوعا في مصر، لان انتاج البلاد العربية الاخرى خاصة بلاد الشام كان مقتصرا على المطبوعات الدينية المسيحية كما اسلفنا فأصبح الاتجاه الى مصر جبريا والتطلع نحوها احاديا.
******
سبق ان اشرنا الى بدايات التعليم في الكويت واهتمام الموسرين من اعيانها بتعليم ابنائهم وابناء اقاربهم واصدقائهم ومعارفهم في مدارس خاصة تلحق بمجالسهم ودواوينهم، والمدرسة ليست مجموعة من ابنية او سلسلة دروس بل هي تجربة في التدريب مادتها النشء الذي لم يكتمل والهدف هو تربيته وتعليمه وغرس روح الانضباطية والمثابرة، لكي يتمكن من ان يبلغ مرحلة الشباب مسلحا ناضجا لخوض معركة الحياة، فالمحاولة هنا -فوق كل شيء- هي تجربة انسانية متعددة المراحل وهي في الحال نفسها تأثير عقل في عقل، فلا يمكن ان تتحقق الا ان تكون في محيط من الانفتاح والانضباط المعقولين ويبقى الفرق واضحا بين تعليم الترف وتعليم المسؤولية، عندما يعطي الغرس ثماره وترى حصاده كوكبة من الشباب الذي يؤدي دوره في مستقبل الايام وما يعطيه هذا الدور من خدمة للبلد والمجتمع.
مدرسة آل ابراهيم
مثل ما تقدم كان في مجلس آل ابراهيم مدرسة خاصة ابتدأت عام 1255 - 1845 ولم يكن التعليم فيها محصورا بالفتيان داخل الكويت من الخاصة والمعارف، بل امتد الى خارج الكويت، ولنر ما كتبه المؤرخ مقبل عبدالعزيز الذكير الذي درس في مدرسة آل ابراهيم الخاصة قادما من عنيزة في اقليم القصيم بنجد مع بعض من اقرانه، ففيه امر وتميز جعل ابناء تجار موسرين هناك اختيار القدوم الى الكويت وبالذات المدرسة الآنفة الذكر، وكان بامكانهم ارسال ابنائهم الى مدن اخرى في بلدان لهم فيها علاقات تجارية كالبصرة وبغداد والبحرين والاحساء.
يقول الذكير -الذي كان في الكويت حوالي عام 1313 ه - 1896 م وكان شاهد عيان لحوادث محورية حصلت آنذاك ذكرها- في مخطوطة 'مطالع السعود':
'وصلت الكويت مع خالي مقبل العبدالرحمن الذكير من عنيزة في 25 ربيع الثاني 1313ه وعمري وقتذاك اربعة عشر فأبقاني خالي في بيت الشيخ يوسف بن ابراهيم للتعلم والكتابة، فافردوا لي حجرة خاصة في المجلس وجرت الحوادث كلها وانا في البيت المذكور، وكنت بمعية عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن علي بن ابراهيم، وكان يومئذ في الكويت ومصطفى ابن الشيخ يوسف وكنا في سن واحدة فصحبناهم في الدراسة والقنص ومعنا من ابنائهم واقاربهم واصدقائهم آخرون، وكذلك معنا حمد بن عبدالله الخنيني من عنيزة ايضا'.
ومن معلمي المدرسة كان ماجد بن سلطان الذي اكمل تحصيله في القاهرة كما مر، والذي يعتبر من المصلحين الاجتماعيين مثله مثل من قاد حركات التغيير في ذلك العصر. وكانت حياته نشيطة وفعالة وحركة لا تهدأ تمتعت بما ذكره عنه من عرفوه، صادق في عمله لا يكل الا بعد تحقيق اهدافه كثير التأمل والتساؤل حتى اصبح قريبا من احداث بلده التاريخية والمفصلية في منتصف اواخر القرن التاسع عشر. وفي الوقت نفسه كان محببا لمن عرفه او تعرف عليه اينما حل، فيلقى الاستحسان بسرعة لمواقفه وانسانيته ومشاعره المخلصة. وكان عطشه الذي لا يرتوي لإحقاق الحرية والعدالة فوطنيته هي السبب الذي جعله ساخطا على العمل المشين فأخذ جانب الشرعية في ارجاع الحقوق، فكان جنديا شجاعا وهو يخوض هذه المعارك ولم يترك حكمة اخلاقية او سياسية او ميثاقا من دون ان يتوسده، فحياته كوطني ومثقف ومعلم ومصلح تظل معلما شاهدا ومثلا مضيئا.
اهميته التاريخية ظهرت لانه كان شاهدا ومشاركا لامور مفصلية نقلها، كما يفعل بتعبير هذا الزمن 'المراسلون' في الصحف في مكان وزمان الازمات. وكان قادرا على التقاط الاحداث وتفسير الكيف العام ومزاجه في تعليقاته واحاديثه لمن يلتقي معهم. فالكويت كانت حبه ومصدر تعلقه ومن خلال شؤونها وشجونها، اضحى موقفه حازما فيما يخصها ولا مجال للتنازل في هذه التفاعلات الانسانية التي اصبحت واضحة للعيان بقدر ما يتعلق الولاء غير المحدود لها طوال سني حياته.
كان معلما من الطراز الخاص فلم تكن القسوة من طبعه وهو الانسان المنصف لا يغضب بسرعة، لكنه انضباطي في تصرفه. على قدر هائل من التواضع مثل كويتيي ذلك الزمن، ولكنه تواضع ممزوج بالرفعة، يتماهى مع اللحظة التاريخية فهو رجل بامتياز، لم يكن رجل مشروع بل كان مشروعا في رجل لقد اراد المستحيل فضاع منه الممكن.
كذلك شارك في التدريس معه مثقفو الكويت آنذاك مثل الاستاذ عبدالوهاب بن عبدالله بن احمد الطبطبائي 1873 - ،1957 وهو كاتب صحافي واديب راسل الجرائد المصرية التي نشرت في نهاية القرن التاسع عشر مقالات عن احداث الكويت ومنها جريدة اللواء التي كان صاحبها الزعيم المصري المعروف مصطفى كامل، وجريدة المؤيد التي كان يصدرها يوسف الازهري.
كما كان من جملة من درس فيها رجال دين قصدوا الكويت لاداء رسالة العلم والثقافة، فأقاموا بها فترة مثل الشيخ محمد بن رابح، المغربي الاصل المكي المولد، درس على كبار علمائها ثم سافر الى عمان لتدريس ابناء حكامها ومنها الى الكويت حيث قام بالمهمة نفسها، ويذكر عبدالعزيز الرشيد في تاريخ الكويت 'ان الفاضلين عبدالوهاب الطبطبائي ومحمد بن رابح غادرا الكويت بعد مقتل الشيخ محمد وشقيقه جراح الى الزبير'. استمر بن رابح بالتدريس في مسجد مزعل باشا في الزبير ودرس عنده الشيخ عذبي المحمد الصباح وعبدالمحسن البابطين (قاضي الكويت لاحقا) وعبدالحميد الصانع (صاحب ومدير تحرير مجلة كاظمة)، كما كان من جملة المعلمين عبدالوهاب الغرير الذي درس عند السيد احمد سيد عبدالجليل الطبطبائي وحمد العزيز كاتب الشيخ محمد الصباح وعلي بن عمار أول معلم للحساب.
لقد كان تأثير المعلم ماجد بن سلطان بن فهد كبيرا في تربية ابناء الاسرة، فبناء على توصية منه فكر بابتعاث شباب اسرة آل ابراهيم لمتابعة الدراسة العالمية في الازهر بمصر وتبنى الأمر الشيخ يوسف آل ابراهيم ورشح حفيده داود واحمد بن مشاري آل ابراهيم. ولولا الاحداث وتولي الشيخ مبارك الحكم لتحقق الامر.
تبرع الشيخ جاسم

وربما كان هذا التأثير في مجمله ما تم بعد حوالي عقدين من الزمن، حيث تبرع الشيخ جاسم آل ابراهيم ببناء كلية دار الارشاد والدعوة في القاهرة باشراف المصلح الديني وتلميذ محمد عبده السيد محمد رشيد رضا في 1911. وكان الرئيس الفخري لمجلسها (راجع جريدة المنار 30 مارس 1911ج الثالث مجلد 14 ص196-191)، تلك الكلية التي حاول الدراسة فيها مؤرخ الكويت عبدالعزيز الرشيد.
يذكر الدكتور يعقوب يوسف الحجي في كتابه 'عبدالعزيز الرشيد ودوره في الحركة الأدبية والثقافية' ص :8 'ولم يكتف الشاب عبدالعزيز بما حصل عليه من العلم في بغداد فقرر السفر الى مصر لكي يلتحق بدار الدعوة والارشاد التي اسسها صاحب المنار السيد محمد رشيد رضا في القاهرة. ولكنه ما ان وصل الى القاهرة وطلب الالتحاق بهذه الدار حتى رفض طلبه'.
ويعلل ذلك: 'ربما كان مستواه التعليمي عاليا ولا حاجة له للالتحاق بالمدرسة التي اسسها محمد رشيد رضا لمساعدة طلاب العلم في مختلف الدول الاسلامية. فترك مصر في طريقه الى الحجاز، حيث زار الاراضي المقدسة والتقى العديد من علماء العالم الاسلامي الكبار، ولما أتم مناسك الحج قرر ان يجاور في الحرم المدني وامضى قرابة عام في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم ويتعلم حتى عاوده الحنين للأهل والاصدقاء فترك المدينة وعاد الى الكويت، وكان قد بلغ 26 عاما في 1913. فيكون الرشيد بذلك من جملة الكوكبة الثانية في طلائع المتنورين الذين قصدوا مصر وان كانت فترة اقامته قصيرة جدا، وقبله كان احمد بن الشيخ خالد العدساني (قاضي الكويت) الذي ارتحل بصحبة يوسف بن عيسى القناعي الى الاحساء فقرأ هناك ثم رحل الى الهند فأقام في بومبي واتقن تصليح الساعات فأثار ذكاؤه اعجاب الموسرين من اهل الكويت ونفذوا رغبته في اكمال الدراسة في مصر، فتوجه اليها من الهند عام 1324ه ومكث فيها فترة قصيرة لم تمكنه من الاستمرار في الدراسة، فرجع الى الحجاز ودرس عند رجال الدين في مكة المكرمة والمدينة المنورة. وما لبث أن اعتلت صحته حيث كان يعاني من مرض عضال في بطنه فرجع قاصدا اهله ووطنه فوافته المنية بعد وصوله الى الكويت بيوم واحد عام 1426ه1908-م.
******
ثقافة ماجد
دعنا نرجع - عزيزي القارئ - ثانية بعد تغريبة لا بد منها الى قلب الموضوع، وقطب الرحى فيه: 'المعلم ماجد بن سلطان'، ونقلب اوراق اجندته الشخصية لنرى ان تكوين ثقافته كان بجهد فردي وقراءته الشخصية بالاضافة الى اختلاطه بالعلماء والوجهاء وتحاوره الفكري والاجتماعي معهم، وتحاور العقول هو تلقيحها لرجل واثق من نفسه في مجتمع بادله الثقة، يكرس وقته للعلم والبحث وكانت أبواب ذوي الأمور مفتوحة له في أي مكان يحل.
فهو المعلم والأديب الباحث الراغب في اختراق آفاق جديدة، مستعيدا ما يشبه الفردوس المفقود الذي يحن اليه الناس ويحلمون بولوج ابوابه للتمتع بحالة تتلخص بقيم الخير ومسالك الحق.
في خضم هذا التوجه ارتأى الانصراف الى قضايا يعتبرها الأهم من حيث التداول حتى وان كانت من باب الذكرى التي 'تنفع المؤمنين'، ديدنه الابتعاد عن التطرف بكل أشكاله.
وقد انكب على تسجيل الكثير من الوقائع والتفاصيل والتطورات التي اجتاحت المشهد المحلي بعنف غير معهود على الرغم من وجود خلاف طغى على السطح، وكاد يكون شبه معلن بين اطراف قمة الحكم، فعاش المعلم ومعه كوكبة من المثقفين المتفتحين في ليل حالك كثر فيه حرقه وزاد أرقه، وطال سهاده فطار رقاده. كما وصفه أمير الشعراء:
لا السهر يطويه ولا إغفاء
ليل عداد نجومه رقباء
فقرر الهجرة والالتحاق بالركب الذي غادر مضطرا متجرعا عذاب البعد عن مسقط الرأس، والحكم في هذه الامور على مثل هذا القرار هو في تصور بعض الفقهاء: 'لصاحبه اجر مجاهد في حرابه'. اما الرومانسيون فلهم في تفسيره قول الشاعر:
ففراق يكون فيه دواء
او فراق يكون منه دواء
ومن أمثال ماجد بن سلطان كان الركب يضم من المتنورين، كما اسلفنا، السيد عبدالوهاب الطبطبائي والشيخ محمد بن رابح ومحمد بن حسن الاحسائي وعلي بن عمار (استاذ مادة الحساب التجاري)، وبعدهم محمد أمين الشنقيطي وحافظ وهبة وسيد هاشم الرفاعي، ولحقهم بعقود عبدالله علي الصانع غادروا الكويت طوعا او قسرا، فهم كما قال الخليفة الراشد علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه): 'منهم بين خائف مقموع وساكت مكعوم' و'الكعم' في لسان العرب هو ما يوضع على فم البعير ليمنعه من الاكل والعض.
استمر هذا الجو المكفهر، الذي لا يستسيغ الرأي الآخر والسماع الى مظلوميته، بقرارات احسنها تعسف ومناكفة وفي أسوئها ظلم وحروب، ولم يفلت من ذلك التوتر حتى لحق مصادر الرزق فطال طبقة التجار بتلك الشواظ على الرغم من استكانتهم والرضوخ لسياسة الأمر الواقع مما دعا رموزهم إلى اللجوء إلى مسلك المثقفين أنفسهم، فأصيبت البلاد بمقتل حتم الا يكون مناص للحاكم إلا التراجع، فتم ذلك بعد تنازلات، لم تمنح للمثقفين والمتنورين لعدم الإيمان بهم أصلا، وان لم يكن ذلك التطمين مريحا، وبقي كحالة راكب السبع: إذا تمسك بالبقاء أنهكه العدو، وإذا سقط أرضا كان لقمة سائغة.
يقول حافظ وهبة في كتابه 'جزيرة العرب'، 'قلما يعتني الشيوخ بتعليم أبنائهم وتثقيفهم ولا يعتنون إلا بالرماية والفروسية والصيد والقنص وبعضهم يرى طلب العلم عيبا لأنه قرين الجمود'. ومثله يقول القناعي عن عدم الرغبة في العلم، ويذكر الرشيد انه لم يعرف عن تقريب للعلم والعلماء إطلاقا .
غادر المعلم ماجد بن سلطان الكويت في ربيع عام 1896م ملتحقا بالشيخ يوسف الإبراهيم وأبناء المقتولين ومن تبعهم من أهل الكويت، ثم سافر في مهمات كلف بها إلى بغداد مصطحبا الشيخ سعود بن محمد الصباح لمقابلة مشير بغداد رجب باشا، ثم اتجه إلى الاستانة وبعدها الى القاهرة، مشجعا الصحافي المصري بيومي ابراهيم لتقصي الامور في الكويت، فتم ذلك ونشر عدة مقالات في جريدة الاهرام امتدت بين سبتمبر ونوفمبر عام 1902 بعد معركة الصريف، ورجع إلى البحرين وقطر وحائل، وبعد وفاة الشيخ يوسف عام 6190 رجع إلى البحرين وأقام فيها فترة أخرجته السلطات الإنكليزية بعدها، فغادر إلى عمان وتنقل بينها وبين زنجبار متمتعا بضيافة البلدين ورعاية حكامهما، وبعد وفاة الشيخ جابر المبارك عام 1917 قرر الرجوع إلى البصرة مدعيا العلاج وكان همه نشر كتابه عن أحداث الكويت وحياته في الخليج بعد هجرته، وفي البصرة وعند دخوله ألقت القبض عليه سلطات الاحتلال البريطاني فيها حينما وجدت بحوزته وثائق ورسائل ومخطوطته التي لم تنل استحسانهم، فتم استجوابه ثم ألقي به في السجن، ولم يكن بسن تسمح له تحمل ذلك المصير فمرض وساءت حالته فانتقل إلى جوار ربه مأسوفا عليه وعلى أمثاله من محبي الكويت المخلصين، فمات الكتاب مع صاحبه في السجن أيضا ودفن في مقبرة الحسن البصري في الزبير، كما دفن فيها قبله من النوابغ عبدالله الفرج وبعده السيد هاشم الرفاعي. بموته ضاعت فرصة ذهبية في كتاب كان مؤلفه شاهد عيان وقريبا من الحدث وأصحاب القرار، وبعدها بفترة من الزمن أتلف الشيخ محمد بن رابح ما كتبه عن الفترة نفسها (راجع كتاب تاريخ الكويت - عبدالعزيز الرشيد)، وكان أيضا شاهد عيان ملما بدقائق الأمور وتفاصيلها.
هذه مشيئة الأقدار، فذهب جزء من تاريخ الكويت لايزال اللغط مصاحبا له إلى يومنا هذا. راح واختفى كما تختفي المياه برمل الصحارى، ولكن قلوب الرعية تضل الخازن لتاريخها لتظهر الحقيقة كقطرات الندى على أوراق عشب الربيع لتروي الذاكرة 'وان لم يسقها وابل فطل'.
لقد حان الوقت لكشف وإزالة الضبابية عن مسلكه، وهي فرصة ثمينة لا تعوض. فللرجل تأثير كبير شئنا ام ابينا، لما تركه بوضوح لدى الناس، والاماكن التي تنقل فيها فأحبه اهلها لصراحته المعهودة التي هي علامته المميزة، طبيعية في كينونتها وبلا تكلف لتصبح شهرة تسبقه اينما حل.
جاء الى الازهر ليدرس فقه الشريعة وينشد العدل ولا شيء سواه، كبير القلب متسلح بأفكار نبيلة، حالم بتغير العالم الى الأفضل وان لم يفلح فهو ليس نادما على شيء لانه لا يهدف من وراء ذلك الا خدمة الناس، فهو بطبيعته متفائل متصالح مع نفسه بعيد عن الانانية، ولم يكن بائع احلام او اوهام غير مؤمن بثنائية السيد والعبد، فكل همه كان انسانيا من الدرجة الاولى وتظل العدالة نصب عينيه، وان كانت احيانا حلما ينشده، كان مصلحا، دوره مكمل لما قام به من هم قبله، في تواضع العلماء الذين يجدون في المعرفة جسورا لايصال رسائلهم، وبقي داعية حرية لآخر يوم في حياته.
بحثنا هذا تكريما إلى رجل لم ينل حقه حتى يومنا هذا، عمل الكثير من دون مقابل حيث لم يكن هناك مقابل أصلا غير حبه للخير وارضه، دفع من كيسه وعرقه ودمه لبلد يكرم فيها الآن من تقاضى المراتب والرواتب، ومن عاش ربيع النفط وربوعه وريعه. حقا انها نهاية جهود عالم ضاعت بين جهال.
مثقف اختفى ذكره بمرور الزمن. ومع كل هذا تبقى أهميته كاسطورة، لأن حياته واعماله وابداعاته وسيرته منسوجة في احداث القرن التاسع عشر.


(انتهى)
__________________
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26-10-2008, 10:21 PM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي

بين الشملان وماجد بن سلطان

في العام 1324هـ (1906م) وصل السيد ماجد بن سلطان بن فهد الكويتي إلى البحرين، وهو كما اشتهر عنه وذاع أنه من أهل الغيرة على قومه، وممن يجهرون بحرية الرأي وينشدون الإصلاح في كل بقعة يحل فيها، كما كان السيد ماجد صريحاً في أقواله وطالما ندد بالمستعمر وسياساته تجاه الشعوب، المهم أن هذا الرجل السياسي المحنك قد التقى بالشيخ سعد الشملان في البحرين، وتأثر به الشملان كثيراً وكان يعده من أساتذته، لكن لم يهنأ الشملان ليستفيد من أستاذه ومن فكره وآراءه لفترة طويلة فقد قام الإنجليز بعد أن بلغتهم الأخبار بتحركاته بين الأهالي بنفيه على الفور إلى خارج البحرين، وقد كانت هذه الحادثة مُنعطفاً مهماً في حياة الشيخ سعد الذي بدأ ينظر إلى الأمور بمنظارها الصحيح، ويعرف حقيقة المستعمر الذي بدأ بالتكشير عن أنيابه، ولاشك أن هذا الأمر قد جعل الشملان يتخذ موقفاً تجاه المستعمر وتجاه سياساته وهذا ما حصل بالفعل، وسيأتي معنا بعد قليل كيف أن الشملان قد ظل طوال سنين حياته التالية راية مرفوعة في وجه الإنجليز، وكيف لقي منهم الكثير من الاضطهاد والإيذاء والنفي والتشريد، وهذه قصة الشملان والسيد ماجد يحكيها لنا الشملان بنفسه في مقال نشره الأستاذ الصانع تحت عنوان ‘’كم في الزوايا من نفائس الخبايا’’ وهو مقال طويل ماتع ننقل مما جاء فيه ما يلي:
‘’ولكن من حسن الصدف، وللصدف أحياناً حسنات أن زارني يوماً الشيخ سعد بن شملان وفي أثناء المحادثة جرى ذكر رجال ذهبوا وكانوا يستحقون الخلود على مر الزمان فقلت له: إنني سمعت في عُمان عن ذكر رجل من أهل الكويت هو محل الثناء العاطر لديهم يقال له مجيد بن سلطان، وسألت عنه في الكويت فلم يسعفني أحد عنه بخبر.
فقال - وقد اعتدل في جلسته: على الخبير سقطت وهذا الرجل حقيقة من أهل الكويت وهو أكثر بكثير مما أخبرك عنه العُمانيون من الغيرة على قومه ومن الجهر بحرية الرأي وإنشاد الإصلاح في كل بقعة يحلها.
وقد كان من المقربين عند الشيخ يوسف بن إبراهيم وغادر الكويت على إثر هجرة الشيخ المذكور إلى العراق فذهب إلى الأستانة واستقام بها بُرهة ثم قدم البحرين ومكث مدة وكان كثير الاختلاط بالحكام والوجهاء كما أنه كان محببا عند كل من عرفه وامتزج به. وكنت له أشبه بالتلميذ وكان صريحاً في أقواله ينشد الخير لمجتمعه وطالما ندد بالذين لهم قدرة على الإصلاح ولم يصلحوا شيئاً وما كانت تأخذه في إنشاده سعادة مجتمعه العربي لومة لائم وقد اضطر إلى مغادرة البحرين بأمر من السلطة لهذه الأسباب. فشخص إلى عُمان وتردد على إفريقيا حيث لقي الأهل والترحاب من سلاطين آل بوسعيد ثم توجه إلى البصرة أيام الاحتلال الانكليزي سنة 1337هـ (1918م). وكان على وشك أن يطبع كتاباً ألفه عن الخليج فقبضت عليه السلطة المحتلة آنذاك وسجنته بعد أن عثرت على الكتاب وبلغنا أنه مات في السجن رحمه الله وجزاه عن مسعاه الجزاء الأوفى من مغفرته ورضوانه.
والآن لا أراك إلا مشوقا إلى معرفة هذا الرجل فهو لم يكن اسمه مجيدا. ولكنه انتحل الاسم في عمان واسمه الحقيقي ماجد بن سلطان بن فهد الكويتي.
فقلت له: جزاك الله خيرا لقد شفيت النفس وانقعت الغلة وكم في الزوايا من نفائس الخبايا.

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=89827
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 07-11-2009, 08:50 AM
الفهد الفهد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 17
Post ماجد سلطان الفهد - فرحان الفرحان

القبائل والانساب التي سكنت شرقي الجزيرة العربية في العصر الحديث

ماجد بن سلطان الفهد

كتب: فرحان عبد الله احمد الفرحان
كان المرحوم عبد الله العلي الصانع من الادباء في الكويت في منتصف القرن العشرين وكان من الذين ساهموا مساهمة رئيسية في مجلة كاظمة الكويتية كان عضوا في مجلس المعارف ولد سنة 1902، وتوفي في سنة 1954 كان قد غادر الكويت الى دولة الامارات ثم الى عمان وهناك احتك بطائفة من علمائها الافاضل الاجلاء وقد كانت هناك جلسة ضمته مع الشيخ الشاعر محمد السعدي في بيته لقد نقل قصة هذا اللقاء في مجلة كاظمة الكويتية ذلك في العدد الخامس سنة 1948 حيث وضع العنوان «كم في الزوايا من نفائس الخبايا» وانا اقول كم في هذه المعلومات التي سبقتنا في المجلات والصحف القديمة من كنوز ومعلومات من يريد فالمعلومات التي تنشرها صحيفة الوطن للقراء اليوم قد تكون كنوزا بعد سنوات من الزمن وهذه شخصية كويتية هو السيد (ماجد سلطان الفهد) الذي شارك ولعب دورا بارزا في تاريخ الكويت في اواخر القرن التاسع وشارك وترك بصمات واضحة ثم ترك وطنه الى بلاد الغربة وقام السيد عبد الله الصانع باحياء ذكره ذلك قبل ستين سنة ونحن اليوم نعيد هذه الذكرى عبر صحيفة الوطن عل بعض من يعرف عنه او اقربائه او بعض سلالته من يتوصل الى معلومات قد تفيد للمستقبل وهنا اورد ما ذكره المرحوم عبد الله الصانع حيث قال:

لقد لفت نظري غلام لا يتجاوز العاشرة من عمره بينما كنا سائرين مع الشيخ الشاعر محمد السعدي الى بيته اذ تلقانا هذا الغلام فأدى التحية للامير ومن معه بكل طلاقة وقال ارجو ان يقرب الشيخ وجماعته (حيثنا) اي عندنا، فقال له الامير معذرة يا ولدي اننا في طريقنا الى بيت الشيخ السعدي والطريق بعيد كما تعلم وليس في الوقت متسع فاسمح لنا ودعنا نجوز معه، فقال الغلام ان السعدي ليس باحق مني بكم ولست بتارككم دون ان تشرفوا محلي ويجوز ان لا تعود لي فرصة هذا الضيف معكم مرة ثانية، واخيرا بعد الحاح شديد حكمني الغلام بالقضية فرأيت النزول عند رغبته اجابة له ان ندخل منزله على ان لا يتكلف بشيء سوى القهوة فقبل بعد تردد منه ثم دخلنا معه داره فقدم لنا الفواكه وتلك عادة عند جميع العمانيين ان يقدموا قبل القهوة شيئا من الحلويات او الفاكهة وتسمى كما قلنا (الفواكه) ثم القهوة فالعود وبعد ذلك خرجنا شاكرين له كرمه الواسع غير انه لم يكن راضيا بهذا اليسير كما يقول وبعد ذلك ذهبنا والشيخ الشاعر الى منزله فقدم لنا ما لذ وطاب من الفاكهة، وبعد العشاء اخذ الشيخ عيسى بن صالح في التحدث (وكلامه السحر الحلال) في البحث عن الادباء العمانيين وتفقه في اخبار الشعراء الثلاثة سالم بن عديم الرواحي والستالي وابن شيخان ثم ترامي به الحديث الى ذكر الادب في البحرين والكويت ومنه الى ذكر المرحوم الشيخ عبد العزيز الرشيد ومؤلفه تاريخ الكويت فقال ان صاحب هذا التاريخ ذكر تراجم كثيرة عن مواطنيه ولكنه لم يذكر شيئا عن مجيد بن سلطان فقلت له ومن مجيد بن سلطان هذا؟ فقال منكرا علي عدم معرفتي لهذا الشخص، لا جرم انه لمن الغريب جدا ان يجهل ملم باخبار الكثير من رجالات العرب النازحين عنه والذين هم في عصره او قبله ثم لا يعرف مواطنا له قد ضرب بالسهم الصائب من حرية الرأي وانشاد الخير لقومه العرب مع نزاهة والعفة اللتين تستدعيهما الغيرة الملحة من اصلاح الوضع العربي في ذلك الوقت الذي لم نر ولم نسمع من احد غيره يذكر انشاء مدرسة او اقامة ملجأ للمعوزين او بناء مستشفى للمرضى، وقد قدم الينا منذ اربعين سنة تقريبا ومكث بيننا مرشدا ناصحا ينثر درر حكمه في كل ناد يلجه ويطلب في كل من يتوسمه فيه وعندما اشتدت المحنة وجل الأسى وطغت الفتنة في عمان واستعرت نيران الحروب بين السلطان السيد فيصل بن تركي والخارجين عليه بزعامة الامام محمد بن عبد الله الخروصي واستمر القتل في الفريقين ذهب بنفسه الى مقر الامام وناشده الله ان يكف عن القتال وطلب منه ان يتوسط بالصلح لدى الطائفتين المتحاربتين فاظهر الامام استعداده لقبول الصلح على يده فرجع الى مسقط ساعيا لهذه الغاية ولكنه لم يوفق وما عليه بعد الاجتهاد ان لا يكون موفقا وكان كثير السفر الى مدينة زنجبار ومن المقربين لدى السادة السعيديين سواء بافريقية او بعمان وفي سنة سبع وثلاثين هجرية توجه الى العراق للعلاج ومن ثم بلغنا انه توفي رحمه الله.
وبعد سنتين من هذا الحديث كنت في الكويت وكان السؤال عن مجيد لم يبارح فكري فالتقيت بالاستاذ عبد الحميد الصانع وقلت هذا جهينة وعنده الخبر، غير انه لم يفدني عنه شيئا وقال لم اسمع عن هذا الرجل اي خبر، ثم سألت الشيخ يوسف بن عيسى وقلت انه المصدر لهذا الخبر فكان جوابه كلا لا نعرف عن هذا الشخص شيئا.
ولكن من حسن الصدق وللصدف احيانا حسنات ان زارني يوما الشيخ سعد بن شملان وفي اثناء المحادثة جرى ذكر رجال ذهبوا وكانوا يستحقون الخلود على ذكر الملوان فقلت له انني قد سمعت في عمان عن ذكر رجل من اهل الكويت هو محل الثناء العاطر لديهم يقال له مجيد بن سلطان وسألت عنه في الكويت فلم يسعفني احد عنه يخبر فقال وقد اعتدل في جلسته على الخبير سقطت، وهذا الرجل حقيقة من اهل الكويت وهو اكثر بكثير مما اخبرك عنه العمانيون من الغيرة على قومه ومن الجهر بحرية الرأي وانشاد الاصلاح في كل بقعة يحلها.
وقد كان من المقربين عند الشيخ يوسف بن ابراهيم وغادر الكويت على اثر هجرة الشيخ المذكور الى العراق فذهب الى الاستانة واستقام بها برهة ثم قدم الى البحرين ومكث بها مدة وكان كثير الاختلاط بالحكام والوجهاء كما كان محببا عند كل من عرفه وامتزج به، وكنت له اشبه بالتلميذ وكان صريحا في اقواله ينشد الخير لمجتمعه وطالما ندد بالذين لهم قدرة على الاصلاح فلم يصلحوا شيئا وما كانت تأخذه في انشاده سعادة مجتمعه العربي لومة لائم وقد اضطر إلى مغادرة البحرين بامر من السلطة لهذه الاسباب فشخص الى عمان وتردد على افريقيا حيث لقي الاهل والترحاب من سلاطين آل بو سعيد ثم توجه الى البصرة ايام الاحتلال الانجليزي سنة 1337هـ وكان في نيته ان يطبع كتابا الفه عن الخليج فقبضت عليه السلطة المحتلة آنذاك وسجنته بعد ان عثرت على الكتاب وبلغنا انه مات في السجن رحمه الله وجزاه عن مسعاه لقدمه الجزاء الاوفى من مغفرته ورضوانه، والآن لا اراك الا مشوقا الى معرفة هذا الرجل فهو لم يكن اسمه مجيدا ولكنه انتحل هذا الاسم في عمان واسمه الحقيقي ماجد بن سلطان بن فهد الكويتي.
فقلت له جزاك الله خيرا لقد شفيت النفس وانقشعت الغلة، وكم في الزوايا من نفائس الخبايا.

الكويت تاريخ النشر: الجمعة 8/10/2004 - جريدة الوطن
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26-05-2010, 07:40 PM
الصورة الرمزية جون الكويت
جون الكويت جون الكويت غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 2,208
افتراضي

اقتباس:
وكان على وشك ان يطبع كتابا الفه عن الخليج فقبضت عليه السلطة المحتلة انذاك وسجنته بعد ان عثرت على الكتاب وبلغنا انه مات في السجن

هل من مخبر عن هذا الكتاب المهم ؟
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أمان (سلطان) IE جبلة 0 15-02-2010 05:01 AM
صوره لاحد شوارع الكويت1951 ولدالشامي الصور والأفلام الوثائقية التاريخية 8 08-11-2009 10:23 AM
سلطان ابراهيم الكليب عنك الشخصيات الكويتية 0 14-05-2009 11:11 AM


الساعة الآن 08:13 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لموقع تاريخ الكويت