راسل ادارة الموقع جديد المشاركات التسجيل الرئيسية
  #1  
قديم 06-03-2011, 11:44 AM
الصورة الرمزية bo3azeez
bo3azeez bo3azeez غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: ديرة بو سالم
المشاركات: 461
افتراضي زمن عبدالله السالم

د. غانم النجار

g.alnajjar@aljarida.com

في العاشر من أكتوبر سنة 1957 دار حوار مهم بين المقيم السياسي البريطاني بيرنارد بوروز وعبدالعزيز حسين في مقر المجلس الثقافي البريطاني. كان بوروز هو آخر «رؤساء الخليج» التقليديين، ممن كانوا يحاولون السير على خطى سلفهم الأشهر «بيرسي كوكس» والذي اقتطع من الكويت ثلثي مساحتها وسلمها للجيران. لم يكن اللقاء الأول بين الرجلين، ولكن في المرات السابقة كان الحديث يركز على التعليم، بحكم اختصاص ومنصب عبدالعزيز حسين رحمه الله، الذي كان له دور محوري في تأسيس قواعد التعليم في البلاد، ولا أظن أن الرجل قد أوفي حقه بعدُ.
هذه المرة كان الموضوع مختلفاً جداً، سمع فيها مستر بوروز كلاماً من محدثه أشعره بأن حسين ليس هو نفس الموظف الحكومي الكبير، بل كأنه زعيم لحركة التغيير والإصلاح.
واستناداً إلى بوروز «المتفاجئ» فقد دار الحوار التالي:
عبدالعزيز حسين: أشعر بالقلق بسبب الهوة الآخذة في الاتساع بين الشيوخ وبين الشريحة الأصغر والأكثر تقدماً من الشعب. وأرى ان اكثر موضوعين بحاجة إلى الاصلاح هما قانون يتيح حرية الصحافة، وإنشاء مجلس منتخب للتعامل مع مشاكل المجتمع. ان التعامل مع الحكومة أصبح أسوأ من أي وقت مضى، فحتى مجالس الدوائر السابقة، لم تعد موجودة في وقتنا الحاضر، وقد حاول بعض اعضاء تلك المجالس اقناع الحاكم لإنشاء مجلس موحد يتعامل مع مشاكل البلاد ولكنه لم يوافق، حتى إن بعض تلك المجالس حلت نفسها. مجلس المعارف مازال موجوداً ولكن أعضاءه كذلك قرروا أنهم لن يستمروا الا كمنتخبين. وفي المقابل فإن اللجنة التنفيذية العليا التي تأسست من بعض شباب الشيوخ وعدد من كبار الموظفين تحولت إلى مجلس الشيوخ الأعلى، والذي مع كل تقديرنا فإنه يتضمن فقط كبار الشيوخ. كذلك كانت هناك بعض الصحف التي تصدر عن الأندية، وقد اوقفت جميعها باستثناء الجريدة الرسمية «الكويت اليوم». كل هذا كان مقلقاً للشباب الكويتيين، الذين يحصلون على تعليم أفضل من السابق والذين يتصورون أن من حقهم المشاركة في إدارة الدولة. وفي ذات الوقت فإن تصرفات الشيوخ تزداد سوءاً، وإن هناك نزعة آخذة في النمو والاتساع للتساؤل عن أحقية الصباح في الامتيازات التي يحصلون عليها. فهم على أية حال ليسوا إلا واحدة من الأسر المهمة في الكويت، ولا يوجد سبب مقنع أو مطلق يجعلهم في وضع متميز عن غيرهم. لا أتوقع شيئاً كحركة ثورية عنيفة، فالكويتيون محظوظون بأنهم لا يحبون العنف، ولكني أتوقع أن يصبح الحراك السياسي أكثر كثافة، وإذا لم يتم استحداث مجموعة اصلاحات فإن الأسرة الحاكمة لن تحصل على سنة راحة.
وهنا التفت حسين إلى بوروز متسائلاً عن موقف بريطانيا مما يجري، وإن كانوا مستعدين لتقديم نصائح إصلاحية قبل أن يكون الوقت متأخرا جداً.
بوروز: نحن لا نتدخل عادة في الشأن الداخلي، ولا أظن أن الحاكم سيطلب نصيحة منا بهذا الخصوص، ولا أظن أننا سندفع بهذا الاتجاه خوفاً من أن تقود الإصلاحات إلى أمور جذرية في المستقبل القريب. ويبدو لي أن الاتجاه نحو البرلمان الدستوري غير مفيد، وفي رأيي الشخصي فإن أفضل وسيلة لمشاركة الناس هي عن طريق البلديات أو مجالس متخصصة كالتي كانت موجودة سابقاً في المجالات المختلفة.
حسين: وهل تكون تلك المجالس منتخبة أم معينة؟
بوروز: يفترض أن تبدأ معينة ثم تبدأ الانتخابات تدريجياً تحت شروط انتخابية صارمة ولعدد محدود من الناخبين.
حسين: الحديث عن البرلمان سابق لأوانه، والجميع يتفهم الاختصاصات والصلاحيات المحدودة دون التعرض للخارجية أو المالية، الا أنه لن يتم قبول شيء أقل من مشاركة فاعلة.
بوروز: لقد وجدنا فائدة كبيرة في اللجنة التنفيذية العليا، كما أنها مسؤولية أشخاص في المواقع العليا لإبلاغ الحاكم والشيوخ بتلك الأفكار الإصلاحية، وماذا يدور في أذهان الكويتيين من أفكار وآراء.
وهكذا لم يكن الحراك السياسي يقتصر على شخص واحد، بل كانت الفكرة أوسع وأشمل. فأين كنا؟ وأين أصبحنا؟ وهل استطعنا أن نستوعب حجم التغيير الذي تم في أقل من 60 سنة؟ الله المستعان.

هناك مجموعة من الملاحظات التي تستحق الانتباه خلال الفترة التي حكم فيها الشيخ عبدالله السالم، أولاها أن توقيت وزمن الحكم الذي امتد ما بين عامي 1950 و1965، كان توقيتاً مواتياً، فالحرب العالمية قد انتهت وولّت، والأنظمة الاستعمارية التقليدية آخذة في التراجع لحساب القطبين القائدين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، وأنها حقبة التحرر من الاستعمار وظهور رموز حركة عدم الانحياز في العالم كجمال عبدالناصر في مصر، ونهرو في الهند، وأحمد سوكارنو في إندونيسيا، وجوزيف بروز تيتو في يوغوسلافيا. ومن غير الممكن إغفال التحولات الجذرية في المنطقة القريبة كثورة يوليو في مصر التي أطاحت بالنظام الملكي، ومن ثم الصدام مع المصالح الغربية بشكل مباشر من خلال تأميم قناة السويس ثم العدوان الثلاثي على مصر، وثورة 'تموز' في العراق التي جاءت بعبدالكريم قاسم، ووصول محمد مصدق إلى الحكم في إيران ودخوله في صدام مباشر مع المصالح الغربية من خلال تأميمه للنفط. وهذه ليست إلا أمثلة للحالة السياسية الملتهبة التي كان لها تأثيرها وفعلها في الحالة السياسية في الكويت.
ومهما حاول البعض التقليل من الأثر الإقليمي والخارجي، فإننا نجده يفرض نفسه بالضرورة على مجريات الأحداث، وفي بعض الأحيان يصوغها صوغاً. وكانت الأمور تصبح أكثر فعالية من خلال القوى السياسية الناشئة في الكويت، وأغلبها من الشباب الكويتيين الذين تلقوا تعليمهم في الخارج وتحديداً في مصر ولبنان، فقد أفرز التعليم قيادات سياسية جديدة، ربما تكون قد تجاوزت القيادات التقليدية من الفئات التجارية الإصلاحية. من جانب آخر، كانت بريطانيا تسعى بكل ما تستطيع من قوة ونفوذ إلى الإبقاء على مصالحها بالطريقة التقليدية، إلا أن نصيبها كان الفشل في الكثير من المواقع. ويبدو أن شخصية عبدالله السالم المرنة والذكية في ذات الوقت قد ساهمت بصور مختلفة في إضعاف نفوذها، وقد اتضح ذلك الفشل مبكراً حين لم تنجح بريطانيا في إرغامه على تعيين خبراء إنكليز أو إرغامه على تعيين ولي للعهد، كذلك لا يمكن أن نتجاهل المعارك الدبلوماسية التي دارت بينه وبينها بشأن مكتب الاستثمار في لندن، أو تعيين المستشارين، أو إنشاء البنك الوطني، أو عوائد النفط، أو الشركات الخمس وغيرها التي سنعطيها قدرها من التفصيل لاحقاً، وهي لم تكن إلا دلائل قاطعة على انحسار الدور البريطاني وتراجعه، وهو انحسار كان بمنزلة رفع الراية البيضاء للخروج من حلبة قيادة العالم والانضمام إلى منظومة الأقمار الصناعية الدائرة في فلك القطب الأكبر الجديد وهو الولايات المتحدة.
في خضم هذه التحولات التي كانت تعصف بالعالم، كانت بداية زمن عبدالله السالم، وربما كان ذلك من محاسن الصدف، فكما أسلفنا، كان عبدالله السالم مرشحاً للحكم سنة 1921 لكنه بقي في الظل قرابة الـ29 عاماً، ولربما جاء في الوقت المناسب الذي كان في حاجة إلى شخصية بمواصفاته. إلا أن الملاحظة المزعجة هي أنه على الرغم من كل المعطيات المذكورة، فإن التطور الذي مرت به الكويت منذ بدء حكمه عام 1950 حتى 1961 كان تطوراً أعرج، إذ عانت تلك الفترة حتى صدور الدستور ضعفاً شديداً في الجانب السياسي، وفي المقابل شهد الجانب التنموي تطوراً ملحوظاً، وسنسعى بإذن الله إلى تفسير ذلك وتبيان جوانب القوة والضعف فيه، فالكثير مما نعانيه هذه الأيام مرتبط بشكل كبير بالأسس التي تم زرعها آنذاك، فهي محاولة للفهم.
لو حاولنا تقييم الفترة التي حكم فيها الشيخ عبدالله السالم، فإنه من الخطأ التركيز فقط على شخصه ومواصفاته وقدراته، فالتطور لا يمكن أن يحدث فقط بقرار من عبدالله السالم، وبالذات بمواصفاته الشخصية، فهو أولاً كان كثير السفر، وهي نقطة مهمة في التأثير على الأحداث، ثانياً لم يكن شخصية مركزية على الإطلاق، بل وجدنا، ولأول مرة في تاريخ الحكم بروز قيادات شابة من الأسرة، تبوأت مراكز ومناصب تنفيذية، والتي لم يكن لها أي دور في السابق. ونذكر، على سبيل المثال لا الحصر، الشيوخ جابر الأحمد وجابر العلي وخالد العبدالله وسعد العبدالله ومبارك العبدالله الجابر رحمهم الله جميعاً، وكذلك سمو أميرنا الحالي الشيخ صباح الأحمد والشيخ مبارك عبدالله الأحمد والشيخ سالم العلي أطال الله أعمارهم جميعاً. ولعل دور الشباب وإفساح المجال أمامهم للممارسة والتدريب السياسي كان نمطاً جديداً على الساحة السياسية، خاصة أنهم كانوا يؤدون وبدعم غير محدود من عبدالله السالم مهمات تنفيذية مباشرة، وإذا أخذنا الشيخ جابر الأحمد مثلاً فقد كان يتولى التعامل مع شركات النفط، وكان يدير منطقة الأحمدي النفطية، وتشير الوثائق البريطانية إلى الدرجة العالية من حرية التصرف التي كان يمنحها عبدالله السالم لجابر الأحمد، وهي مسألة لم تكن معتادة قبل قدوم عبدالله السالم. بالطبع قد يقول قائل إن الدولة لم يكن لديها الكثير من المهمات، ولكن المسألة تتعلق بأسلوب ونمط حكم. فقد أتاح هذا الأسلوب المرن واللامركزي إمكانية تعلم شباب الأسرة الكثير من مهارات العملية السياسية، وكان الأهم من ذلك هو أنهم -أو أغلبهم- قد عاشوا وتعلموا خلال الفترة الانتقالية من حقبة الحكم المطلق العشائري إلى الحكم الدستوري.
ويبدو أن محاولة إشراك الشيوخ الشباب في العملية السياسية كان لها غرض آخر، وهو مسألة تحييد مراكز القوى «الشيوخية» التقليدية، إن جاز التعبير، والتي كانت متمثلة بشكل أساسي في الشيخ عبدالله المبارك والشيخ فهد السالم رحمهما الله وخلافاتهما المشهورة، التي أرهقت عبدالله السالم وأتعبته ودفعته إلى التفكير جدياً في الاستقالة، ولنا لاستقالته عودة فقد كانت حدثاً غير عادي، ولابد من تسليط الضوء عليها لكي نفهم طبيعة المرحلة ومحدداتها. ولم يكن أدلَّ على ذلك من تشكيل اللجنة التنفيذية العليا سنة 1954، وإدخاله في عضويتها ثلاثة من الشيوخ الشباب، وطلب عبدالله السالم من اللجنة القيام بالتفتيش على الدوائر الحكومية، إلا أن الهدف كان بشكل أساسي التفتيش على دائرة الأمن العام، التي كان يرأسها حينئذ عبدالله المبارك. وقد تعرضوا لإساءة بالغة من عبدالله المبارك لمجرد محاولتهم تلك، ولم يُسمح لهم بالقيام بمهمتهم. إلا أنه اتضح في ما بعد أن الطموح السياسي لكتلة الشباب قد فعلت فعلها التراكمي بأشكال مختلفة، ويكفي أن نعرف أن الاستقلال قد تم في ساعةٍ لم يكن فيها حول عبدالله السالم إلا الشباب من الشيوخ، أما الكبار فقد توفى اللهُ مَن توفاه، ورحل مَن رحل وانزوى مَن انزوى.
عندما اتخذ عبدالله السالم قراره التاريخي بدعم وتأييد التوجه نحو الحكم الدستوري كان وحيداً من حيث العمر والفعل السياسي، فكبار الفاعلين السياسيين قد اختفوا من الساحة السياسية، مع اختلاف أسباب ذلك الاختفاء، أما الشباب فلم يكن بمقدورهم إلا السمع والطاعة حتى وإن كان ذلك السمع وتلك الطاعة على مضض، وكان ذلك ما أثبتته الأيام.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الشيخ عبدالله السالم الصباح سعدون باشا الصور والأفلام الوثائقية التاريخية 59 14-07-2014 04:31 AM
الشيخ عبدالله السالم الصباح IE الشخصيات الكويتية 15 16-04-2013 06:26 PM
عبدالله السالم يستقبل عبدالله الجابر في لبنان - 1953م AHMAD الصور والأفلام الوثائقية التاريخية 0 13-11-2010 02:26 AM
تقبل العزاء بوفاة الشيخ عبدالله السالم و مبايعة الشيخ صباح السالم 1965 bo3azeez الصور والأفلام الوثائقية التاريخية 0 03-11-2010 12:12 PM
أفلام للشيخ عبدالله السالم أبوفارس111 القسم العام 5 13-10-2009 09:23 AM


الساعة الآن 04:16 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لموقع تاريخ الكويت