راسل ادارة الموقع جديد المشاركات التسجيل الرئيسية

 
 
        

اخر المواضيع

 
 

 
 
العودة   تاريخ الكويت > منتدى تاريخ الكويت > المعلومات العامة
 
 

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-02-2008, 03:34 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي ذاكرة الزمن ... الهند أهم سوق للؤلؤ حتى انهيار مملكته

-

د. محمد فارس الفارس - جريدة الخليج

منذ أن عرف اللؤلؤ، عرفت تجارته، وتناقلته أيادي التجار من يد إلى أخرى على مر العصور، ففي اللحظة التي تستخرج فيها اللؤلؤة من المحارة، تبدأ رحلة الانتقال من شخص لآخر، فنواخذة السفن هم أول من يقومون باستلام تلك اللآلئ من البحارة الذين يبدأون بفلق المحار بعد صلاة الفجر كل يوم في تجمع لكامل طاقم السفينة الذي يقوم أفراده بعمل جماعي لحصيلة اليوم السابق من المحار.

يباع اللؤلؤ إلى ممول السفينة بنسبة تقل 20% عن سعره في السوق حين تصل سفن الغوص الى الموانئ والتي انطلقت منها، أو يباع لصغار التجار (الطواويش) في مغاصات اللؤلؤ أو على اليابسة حين رجوع السفن حسب وضعية كل سفينة وطرق تمويلها ودخولها للبحر، فالسفن التي دخلت موسم الغوص دون تمويل من أحد الممولين أو كبار التجار، تصبح اكثر حرية في بيع محصولها لمن تشاء وحسب السعر المتداول في حينه، ولكن تبدو هذه النوعية من السفن الممولة ذاتياً قليلة، والطواويش ليسوا تجاراً فقط، وإنما في اغلب الاحيان هم خبراء في نوعية اللؤلؤ وقيمته في الاسواق العالمية لذا فإن كل طواش يمتلك ميزاناً يفرز فيه اللؤلؤ حسب حجمه ونوعيته، وكانت هناك اسواق محلية للؤلؤ أشهرها على الاطلاق سوق البحرين، كون البحرين المركز الرئيسي لصيد وتجارة اللؤلؤ في الخليج، وكانت هناك أسواق صغيرة في كل مدينة خليجية، وفي الامارات كانت جزيرة دلما أشهر سوق للؤلؤ، أما في الخارج فقد كانت هناك اسواق مهمة في الساحل الشرقي من الخليج أهمها هرمز ولنجة، ولكن تبقى الهند هي أهم سوق للؤلؤ على مر العصور، ولم تتغير أو تقل مكانتها الى أن لفظت هذه التجارة أنفاسها الأخيرة وتوقف الغوص في بداية الخمسينات من القرن العشرين.
عندما ازدهرت مدينة هرمز الواقعة في مدخل الخليج العربي خلال القرون الماضية، كانت سوقاً لكثير من المنتجات ومنها اللؤلؤ، ويبدو ان هرمز والبحرين تقاسمتا سوق اللؤلؤ في الخليج، ويقول الرحالة البرتغالي ادوارد باربوسا الذي انضم الى البحار الشهير ماجلان وجاب سواحل إفريقيا والخليج والهند والبحر الاحمر، وسجل مذكراته حول تلك الرحلات عام ،1516 ان جزيرة هرمز كانت مفتوحة للتجار الهنود والفرس والاتراك والعرب، ولجميع الجنسيات من البلدان المجاورة، وكانت تردها من بغداد احجار الفيروز النقية، ومن شبه الجزيرة العربية وبلاد فارس اعداد كبيرة من الخيول، وتردها اللآلئ الكبيرة والصغيرة من البحرين وجلفار (رأس الخيمة حاليا). (1) أما المؤرخ والرحالة البرتغالي بيدرو تيكسييرا الذي وصل إلى الخليج قادماً من الهند في فبراير/شباط 1604 وتوقف في مسقط وهرمز فيقول: “تبحر سفن الغوص في قافلة تضم 200 مركب منها 100 من البحرين وخمسون من جلفار، والخمسون الباقية من تخيلوه (على الساحل الفارسي) ومحطة البداية هي قطر، وتمتاز لآلئ الخليج بجمالها ووزنها الثقيل، وتباع في هرمز وتحقق عائداً سنويا يبلغ 500 ألف دوكة. (2) أما جيمس مورير الدبلوماسي والكاتب البريطاني والذي ألف كتاباً بعنوان “رحلة عبر بلاد فارس وارمينيا وآسيا الصغرى خلال عامي 1808 1809” وكتاباً آخر بعنوان “رحلة إلى بلاد فارس” عام 1818م، وكان مهتماً بصفة خاصة بتجارة اللؤلؤ في الخليج فقد كتب عن فترة بدايات القرن التاسع عشر قائلاً: “ان معظم تجارة اللؤلؤ موجودة الآن في مسقط، ومنها يتم تصدير الجزء الأكبر من اللؤلؤ إلى سورات، ويتواجد عملاء التجار الهنود باستمرار في الموقع، كما أن صيادي اللؤلؤ يفضلون بيع محصولهم بأسعار أعلى وإن كان أقل انتظاماً في الهند بدلاً من بيعها لشخص واحد في شبه الجزيرة العربية. وهناك نوعان من اللآلئ: اللآلئ الصفراء التي ترسل إلى سوق مهاراتا، واللآلئ البيضاء التي ترسل عبر البصرة وبغداد إلى آسيا الصغرى ومن ثم إلى قلب أوروبا، إلا أن جزءاً كبيراً منها يتم حجزه في القسطنطينية لتزيين سلطانات سيراجليو. ولؤلؤ سيلان يتقشر، إلا أن لؤلؤ الخليج صلب كالصخر الذي ينمو فيه، وعلى الرغم من انه يفقد لونه وماءه بنسبة 1% سنوياً ولمدة 50 سنة، إلا ان نسبة الفقدان أقل من لؤلؤ سيلان، ويتوقف اللؤلؤ عن فقدان أي شيء بعد مرور خمسين عاماً. (3) ويقول ديفيد ويلسون الذي كتب تقريراً بعنوان “مذكرة حول صيد اللؤلؤ في الخليج” في مجلة الجمعية الجغرافية الملكية عام 1833م “أن القيمة السنوية لحصيلة اللؤلؤ في البحرين لوحدها تقدر بمليون إلى مليون ومائتي ألف كراون ألماني، ويعتقد ان كبار تجار الهند وشبه الجزيرة العربية وبلاد فارس الذين يتعاملون باللؤلؤ يبرمون مشترياتهم من خلال عملاء في البحرين”. (4) أما لويس بيلي المقيم السياسي البريطاني في منطقة الخليج خلال الفترة من 1862 1871م فقد كتب عدة مذكرات وتقارير عن الخليج أحدها بعنوان “ملاحظات عن مناطق صيد محار اللؤلؤ في الخليج” لجمعية بومباي الجغرافية.
يقول بيلي “ترسل معظم اللآلئ الجيدة الى سوق بومباي، حيث يتم خلال فورة جنون الأسهم، وضع أسعار خيالية على اللآلئ الجيدة، كما ترسل كميات كبيرة من اللآلئ إلى بغداد، وكقاعدة، فإن سوق بومباي يفضل اللؤلؤ الاصفر اللون والكروي، بينما يفضل سوق بغداد اللؤلؤ الابيض كما ترسل اللآلئ الصغيرة أيضا إلى بغداد بصفة رئيسية”. (5) ولكن انهيار هرمز، وتحولها من مركز تجاري مزدهر إلى مجرد مدينة صغيرة ومرسى لسفن الغوص، أدى إلى ازدهار مدن أخرى بدلاً منها، وأهم هذه المدن لنجة التي تقع على مقربة منها، ويقول لوريمر أنه في عام 1902. كانت المنامة ولنجة أهم سوقين للؤلؤ في الخليج، حيث استأثرت الأولى، بتجارة المنطقة الوسطى، في حين استأثرت لنجة بتجارة الجزء الجنوبي من الخليج، وبسبب تشدد سلطات الجمارك الايرانية، بدأت تجارة لنجة بالتحول بشكل كبير وتدريجياً إلى دبي، ويصدر الجزء الأكبر من لآلئ البحرين ولنجة ودبي الى بومبي حيث يتم تصنيفها بإرسالها الى الاسواق الأوروبية وغيرها، ولكن بعضها يرسل الى بغداد. (5) كان أهم سوقين للؤلؤ في بداية القرن العشرين هما سوق اللؤلؤ في الهند وسوق البحرين اضافة إلى السوق الصغيرة في جزيرة دلما التابعة لأبوظبي وقد اكتسبت البحرين تلك المكانة لموقعها الاستراتيجي المتوسط بين امارات الخليج، ولوجود أشهر مغاصات اللؤلؤ حولها، وكانت جزيرة دلما التابعة لأبوظبي سوقاً محلية مهمة لتجار اللؤلؤ سنعود إلى عصر ازدهار اللؤلؤ ونرى كيف كانت تلك الاسواق: موثي بازار بالهند والبحرين ودلما.

سوق “موثي بازار”
حتى نرسم صورة داخلية حية لسوق موثي بازار بالهند سنتابع ما قاله سعيد بن علي النومان في حديثه لعبدالله عبدالرحمن الذي قام بمقابلته، يقول النومان “ذهبت الى الهند عام 1937م، وكان الغرض من سفري هو تعلم اللغة الانجليزية، والى جانب الانجليزية، تعلمت فنون تجارة اللؤلؤ من خلال الاحتكاك بسوق اللؤلؤ وتجاره، وبذلك عرفت الأنواع والاسعار والاوزان وعمليات البيع والشراء، وبدأت شيئاً فشيئاً أمارس دور الوساطة بين البائعين العرب والمشترين الهنود، وكنت أحمل عينات من انواع متعددة من اللؤلؤ، وأمر بها على بيوت التجار الهنود، واعرضها عليهم، فإذا اختار أحدهم، وقرر الشراء، جمعته بصاحب البضاعة ليتم الاتفاق بين الطرفين على الكمية والأسعار، ولي نسبة معينة من قيمة المبيعات، وفي السنوات اللاحقة أخذت اشتري لنفسي من الطواشين المترددين على بومبي، وأبيع بفوائد، ومنذ الصباح الباكر وحتى غروب الشمس كل يوم، كنا جوالة في “موثي بازار” نبيع ونشتري، وموثي بازار هو سوق اللؤلؤ المركزي المشهور في الهند، واليه كانت تصل أغلب الكميات المنتجة من مغاصات اللؤلؤ في الخليج، وكان هذا السوق يحتوي ايضاً على محال المجوهرات الاخرى كالذهب، أما التجار أصحاب المحال فيه، فقد كانوا من طائفة الهندوس، كما كان يوجد في هذا السوق بنوك للتأمين أو لحفظ الامانات، وكنا نحن الدلالين أكثر زبائن تلك البنوك حيث كنا نجول في النهار بكميات من اللؤلؤ مختلفة الانواع محفوظة في جيوبنا، وفي المساء كنا نودع تلك الكميات في بنوك التأمين، لكن التجار الكبار في الهند، والقادمين من الخليج والذين يمتلكون كميات كبيرة من اللؤلؤ، كانوا يودعونها في خزانات خاصة، وكانت اغلب الكميات المتداولة في السوق، وتلك التي ترد اليها من دول الخليج، تباع في الهند، وللزبائن الهنود في شكل عقود للزينة، واقراط للآذان وغيرها من استخدامات الزينة للنساء، والى جانب محال تجار اللؤلؤ والمجوهرات في موثي بازار، كانت هناك محال لصّناع تلك العقود لم تكن مهامهم تتعدى تخريم حبات اللؤلؤ بأدوات خاصة، ومن ثم صفها في عقود حسب الصنف والنوع، ووضعها في مواد خاصة للتنظيف والتلميع، وكل تلك الاعمال كانت تتم لصالح تجار اللؤلؤ الهندوس اصحاب المحال، وبناء على طلبهم. وهناك ايضا نوعيات من حبات اللؤلؤ الصغيرة “كالناعمة” ومثيلاتها تلك التي يصعب تخريمها تصنيعها في عقود، لذلك فإن كثيراً من الهنود والباكستانيين كانوا يقبلون على شرائها، ومن ثم يقومون بطبخها بواسطة “هاون” أو “منحاس” خاص، ثم يمزج مع الكحل للعيون، كما يقوم البعض الآخر بخلط ذلك اللؤلؤ المطحون مع العنبر الازرق والزعفران والمسك الأسود ويتناولونه مخلوطاً مع نصف كوب من الحليب كمقو ومنشط، ويمكنني تقدير عدد تجار اللؤلؤ الخليجيين “الطواشين” الذين يصلون مع بداية كل شتاء بأكثر من خمسمائة “طواش”. (7)
مقارنة

لا يمكن مقارنة موثي بازار بأسواق اللؤلؤ في الخليج، فالهند بلد غني وعدد سكانه كان وما زال كبيراً، اضافة إلى ان طبيعة سوق اللؤلؤ في الهند كونه السوق الأولى في العالم تختلف، فشهرته أدت الى تمركز كبار تجار اللؤلؤ من جميع أنحاء العالم فيه سواء بالإقامة الدائمة في الهند أو بالتردد المستمر، وهناك عائلات خليجية كثيرة استقرت بالهند بسبب ارتباط اعمالها بسوق اللؤلؤ، لذا، كانت هناك سوق حقيقية لبيع وشراء اللؤلؤ في الهند، وبشكل خاص في مدينة بومبي، أما اسواق الخليج، فلم تكن أسواقاً تحوي محلات لبيع وشراء اللؤلؤ، وانما هي أسواقاً عمادها التاجر والبائع والوسيط، وتتم بالاتفاقات الشخصية في معظم الأحيان، لذا فإن معظم الدراسات التي كتبت عن صناعة الغوص على اللؤلؤ وتجارته، لم تذكر وجود محلات تجارية لبيع وشراء اللؤلؤ في أي مدينة من مدن الخليج، وانما تحدثت عن تجار اللؤلؤ وطرق بيعهم وشرائهم للؤلؤ، وطبيعة الصفقات ومثلما اطلعنا على طبيعة العمل في موثي بازار من أحد المتعاملين فيه ايام ازدهاره، سنطلع على ما يقوله أحد الطواشين البحرينيين الذي عمل بتجارة اللؤلؤ، وهو راشد الزياني الذي رسم لنا صورة لطريقة عمل الطواش وتاجر اللؤلؤ في البحرين.
يقول الزياني “يتنقل الطواش بين مغاصات اللؤلؤ في سفينة تختلف شكلاً ومضموناً عن سفن الغوص، فسفينته لا تحمل على ظهرها أكثر من 16 شخصاً بين بحار وربان وطباخ وصاحب أو أصحاب السفينة، وهي سفينة نظيفة ومرتبة، ومؤخرتها مفروشة بسجاد يحيط بها بعض الوسائد، ويستعمل هذا المسطح الذي تبلغ مساحته حوالي ثلث سطح السفينة كمجلس ومنام لاصحاب السفينة، والطواش لا يمكث في البحر أكثر من شهر واحد على الأكثر، ويعود إلى مدينته حالما يكمل مشترياته من اللؤلؤ، حيث يقدم بعض اللؤلؤ الذي اشتراه على تجار اللؤلؤ المتواجدين على البر، ومدة عمله اليومية محدودة، فهي عادة ساعات الصباح الأولى عندما يزور سفن الغوص، وكان الطواويش يتبادلون الزيارات مع بعضهم البعض في فترات المساء، ويبدأ الطواويش عملهم كل يوم حالما ينتهي الغواصون من فلق المحار وجمعه في الصباح الباكر، ويستخدم الطواويش عادة سفناً صغيرة ملحقة بسفنهم تسمى “قلص” تتحرك بالمجاديف، وكان الطواويش يتسابقون للوصول إلى سفن الغوص، ويسعى كل منهم ليسبق غريمه في زيارة أكبر عدد من تلك السفن، والعرف المتبع انذاك هو أنه إذا وصل طواش الى سفينة غوص، أصبح صاحب الحق المطلق بالتعامل مع تلك السفينة، ولا يجوز لطواش آخر أن يصعد لتلك السفينة، ولكن بإمكانه المكوث بعيداً لحين انتهاء الطواش الموجود على ظهر السفينة من عمله، ليسبق غيره لعل ذلك الطواش لم ينه معاملاته مع تلك السفينة ولم تعجبه الاسعار أو أن يكون قد تبقى شيئاً من اللؤلؤ لم يبع ولكن أين يتجمع الطواويش؟ وكيف يعقدون الصفقات؟ ويطلعون على مقتنيات بعضهم البعض؟ يقول الزياني “كان الطواويش يتجمعون” في مقهى يسمى “قهوة الطواويش” يقع وسط سوق المحرق الرئيسي، وكان يعتبر أهم وأشهر مقهى في البحرين، حيث يتجمع تجار اللؤلؤ ونواخذة سفن الغوص وكبار الممولين، ويتبادلون المعلومات والأخبار المتعلقة بعمل الغوص والطواشة، كما كانت تعقد فيها بين حين وآخر صفقات تجارية مهمة. (8)



صورة
كان غواصو اللؤلؤ يخرجون من كل الامارات ويتجمعون في سفن الغوص التي تحملهم إلى مغاصات اللؤلؤ ورغم وجود مجموعة كبيرة من الطواويش في دبي والشارقة وأبوظبي، ويتعاملون ببيع وشراء اللؤلؤ بصفتهم الفردية، إلا أن سوق اللؤلؤ المعروف والمشهور في ذلك الوقت كان في جزيرة دلما التابعة والقريبة من أبوظبي، ويمكننا نقل صورة حية لطبيعة الحياة في أواخر أيام الغوص من فم من عاصروا تلك الفترة، وهي فترة أوائل الخمسينات، ويبدو واضحاً أن انهيار اللؤلؤ الذي بدأ منذ أواخر العشرينات، لم ينه عمليات الغوص والاتجار باللؤلؤ الطبيعي بشكل سريع، فقد استمرت سفن الغوص تخرج لأداء عملها، ولكن بتناقص واضح في أعداد السفن سنة بعد أخرى، ولا شك أن اكتشاف النفط وبدء تصديره من البحرين والكويت والسعودية وقطر ساهم بشكل واضح في سرعة انتهاء زمن الغوص، حيث اتجه آلاف البحارة للعمل بمهنة مختلفة في حقول النفط، وساهم تأخر ظهور النفط وبدء تصديره من الامارات إلى أوائل الستينات في استمرار مهنة الغوص إلى أوائل الخمسينات، حيث بدأت منذ تلك الفترة هجرة الآلاف من أبناء الامارات الى الكويت وقطر والسعودية والبحرين للعمل في حقول النفط والدوائر الحكومية، سنتابع ما قاله بعض من عاصروا الأيام الأخيرة من فترة الغوص، ونطلع على تجارة اللؤلؤ وحركة الحياة المرتبطة بها في مدن الامارات، وسوق اللؤلؤ في جزيرة دلما، ونبدأ بحمد القمزي الذي يقول “باستثناء العجزة ورؤساء القبائل وكبار البحارة، فإن بقية أهالي الامارات كانوا يمتهنون الغوص وتجارة اللؤلؤ، وكثير من المهن وأنواع التجارة الأخرى التي كانت قائمة حينها مثل “المزارين” وهم أصحاب وملاحي سفن كثيرة شبه تجارية تحمل على ظهرها عدداً من البراميل الخشبية الواسعة، والمعروف أن الماء في أبوظبي كان مالحاً، لذا فإن المزار كان يسافر الى رؤوس الجبال في رأس الخيمة، ويملأ البراميل بالماء العذب، ثم يعرج على دبي ويشتري القهوة والحطب والأرز وغيرها، ويأتي بها إلى مجموعة أساطيل الغوص ويتاجر ببضاعته، وخاصة في فترة الغوص الرئيسية، وكان النوخذة يجمع اللؤلؤ ثم يباع الى الطواويش الذي يبيعونه بدورهم إلى كبار التجار في أبوظبي ودبي والبحرين وقطر، وكل تاجر يشتري ممن هو أصغر منه، ثم يصرف بضاعته على طريقته الخاصة، واسعار وظروف البيع ليست ثابتة، فهي أحياناً رائجة ومرتفعة الثمن، والعكس في حالات الكساد، فعلى سبيل المثال، حبة الدانة يصل سعرها أيام العز إلى 50 ألف روبية، وينزل أيام الكساد الى 8 آلاف روبية، (9) ويقول مهند راشد الدوسري في أوائل الأربعينات كانت الآلاف من سفن الغوص القادمة من مختلف الامارات تتجه الى مغاصات (بولحنين) وبومرطبان وأم الشيف ومحزم والغلان وأم العنبر والمعترض وأريلة وبودياية وأم الصلصل وبوحصير وبو الخلاخيل وامدورة وبو الحصا وبو الضلوع، واكثر الجزر المحاطة بالمغاصات المعطاءة والوفيرة بخيراتها من اللؤلؤ الطبيعي الثمين هي جزيرة دلما، لذلك كان انتشار اساطيل سفن الغوص الكبيرة والصغيرة حولها يشكل ظاهرة طبيعية جلية للقريب والبعيد في كل موسم صيد، حيث تشاهد مئات سفن الغوص ومجموعات كبيرة من الغواصين منهمكين في عمليات الغطس بالسلال المعلقة في رقابهم، وكانت سفن الطواويش تتجول بين سفن الغوص لشراء حصيلتها اليومية من اللؤلؤ، ومن ثم الاتجار بين الطواويش الصغار والتجار الكبار، ويكمل الدوسري شأني شأن غيري من طواشي دلما، فإننا الى جانب الاهتمام ببيع وشراء اللؤلؤ، لنا أيضاً عدد من السفن نؤجرها أو نعهد بأمرها لنؤخذه، كما أننا نمول سنوياً قرابة 20 سفينة أخرى تتبع أهالي دلما، وكانت 30% من السفن المتناثرة في المغاصات هي سفن طواويش صغار وكبار، ومن أشهرهم خلف العتيبة من أبوظبي وأحمد بن دلموك من دبي وغيرهما، ومن قطر كان يأتي إلينا الشيخ جاسم بن أحمد آل ثاني، ثم ابناؤه كما كان يأتينا من الكويت تاجر اللؤلؤ المعروف هلال المطيري، ولم تقتصر رحلات الطواشة إلى دلما في مواسم الغوص السنوية على تجار الامارات والخليج، بل شملت أيضا تجار لنجة وغيرهم من أهلي الساحل الفارسي، ومن بومبي كان يصلنا سنوياً أعداد كبيرة من الهندوس المعروفين في سوق اللؤلؤ العالمي المعروف بموثي بازار.
لذلك، كنا نحن طواشي دلما لا نفارق الجزيرة ومحيطها وذلك حتى نستطيع بيع ما لدينا من لؤلؤ، ولاستقبال التجار المشترين القادمين إلينا، والذين ينزل بعضهم في ضيافتنا، وكان الهندوس أو البانيان الهنود ينصبون لأنفسهم عششاً من سعف النخيل على أطراف الجزيرة للاقامة فيها، واتمام عمليات البيع والشراء والحساب في تلك العشش، وقامت في دلما بناء على ذلك الموقع الاقتصادي الاستراتيجي عدة أنواع من الانشطة التجارية لتلبي احتياجات الحركة المكثفة من حولها، وكانت ابرز الانشطة التجارية في دلما، تجارة المياه المستوردة كما كانت تصل إلى دلما في بداية موسم الغوص من كل عام مجموعات من السفن قادمة من “الباطنة” في عمان، ومن الاحساء، وكذلك السواحل الايرانية بدءاً من نابذ حتى لجنة وهي تحمل بحارة وتجول بهم بين سفن الغوص أو ترسو قرب دلما لتزود المحتاجين الى غواصين أو سيوب أو طباخين، واقتصر اعتماد أهالي دلما على الغوص وتجارة اللؤلؤ كمصدر للدخل ولم يعرفوا أي مهنة أو مصدر آخر بما في ذلك بيع السمك التي اقتصر صيده على الاستهلاك اليومي فحسب.



هوامش:

1- كزافييه مبيغان بيكلوك، الامارات التاريخ الاسطوري لساحل اللؤلؤ، ص 60
2- كزافييه، م.س، ص 101 3- كزافييه، م.س،ص 212 - 213 4- كزافييه، م.س،ص 226 5- كزافييه، م.س،ص 247
lorimer, Gagetteer of the persian guly, oman, central Arabia, Vol. 1, Historical, part 2, pp. 2235 - 2236 -6
7- في مجلس سعيد بن علي النومان، الامارات في ذاكرة أبنائها (الحياة الاقتصادية) لعبدالله عبدالرحمن، ص 77 - 84
8- راشد الزياني، الغوص والطواشة، ص 103-127
9- في مجلس حمد القمزي، الامارات في ذاكرة ابناءها، م.س.ص 21 - 29
10- في مجلس فهد راشد الدوسري، الامارات في ذاكرة ابنائها، م.س.ص 31 - 37

__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ذاكرة سيارات الكويت بلوحاتها الأصيلة المعلومات العامة 3 16-09-2010 11:37 PM
انهيار القلوب ... بنت الزواوي القسم العام 1 01-07-2010 04:12 PM
من ذاكرة الكويت السياحيه الجامع المعلومات العامة 19 16-06-2010 10:19 PM
ذاكرة الزمن ... الذهاب إلى المجهول أهم محطة في مسيرة الغوص AHMAD تاريــــــخ الكـويت 0 23-02-2008 03:46 AM
ذاكرة الزمن . مغاصات اللؤلؤ تمتد على الساحل العربي AHMAD تاريــــــخ الكـويت 0 23-02-2008 03:41 AM


الساعة الآن 02:16 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لموقع تاريخ الكويت