عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17-06-2009, 10:11 AM
عنك عنك غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
الدولة: الـكـويــت
المشاركات: 412
افتراضي

صالح الشايع كما عرفته (2) محمد الحمود الشايع : المدرسة والأب 1911 - 2006 بقلم: فرحان عبدالله حمد الفرحان - 30/12/2006


علي حمود أحمد الشايع


محمد حمود أحمد الشايع


صالح علي حمود الشايع

كان المرحوم العم صالح الشايع دائما يردد في مجلسه ان الذي علمني ورباني واستاذي هو عمي محمد رحمه الله الذي كان يتحمل المسؤولية في الكويت كان شقيقي عبد اللطيف.
هذا الرجل الذي يؤثر عمه على أبيه ويؤثر شقيقه على نفسه بلاشك هو رجل كريم.
وهو يقول عمي محمد أنجب ولدا أو ابنا واحدا وهوأبو حمد عبدالعزيز محمد حمود الشايع والدته بنت الدخيل الشايع اما والدي فجاء بنا الاثنين انا وشقيقي عبد اللطيف وكان يثني عليه وبهذا كان يزداد احتراما على احترام أمامي لهذا كنت أحببت ان اسجل هذا للتاريخ فكان يثني على عمه اكثر من والده ويثني على شقيقه عبد اللطيف اكثر من نفسه.. رجل كان بعيد النظر.
إنني في هذه الحلقة أريد ان أنقل القارئ العزيز الى الأجواء التي كانت تعيش بها ديوانية الشايع صباح كل يوم من الساعة الثامنة حتى العاشرة صباحا وكان (صالح الشايع) دائما تجده أول الحضور.
هنا يجب علي أن أصف هذه الديوانية غير الرئيسية ذات المجلس الاسبوعي.
فإنك تجد في صدر المجلس يجلس أبو احمد صالح الشايع وكان دائما يجلس على يساره ابن عمه السيد عبد العزيز محمد الشايع وعن يمينه السيد صالح العيسى ابو فهد ومن ثم ابو عادل سلمان عبد اللطيف الدعيج وبعدها قاسم الياقوت وعلى الجانب الايمن يجلس السيد سليمان العيبان ابو عبد الله وبعض الاحيان احمد الصالح الشايع.
وهناك مكان دائم لحمد العبد العزيز الشايع وعبد الله العبد اللطيف الشايع ثم شايع عبد اللطيف الشايع وبعد منصور العصيمي وعلى مقربة من الباب تجد هذا المكان الذي تراه كأنه مملوك للسيد خالد عبد اللطيف الشايع اكبر ابناء المرحوم عبداللطيف الشايع وعندما نتجه الى يسار ابو أحمد صالح الشايع كما قلنا ابوحمد عبد العزيز الشايع ومن ثم يأتي متأخرا محمد المطلق العصيمي ومن بعده كاتب هذه السطور وكان يجلس على شمالي الفاصل عبد الله بودي ابو عبد العزيز وبعده ابوسفيان عبد الوهاب الصالح الشايع وبعده جاسم محمد الجاسر وبعض الاحيان محمد العبد اللطيف الشايع.
هؤلاء هم رواد الديوانية في سفينتها الاخيرة الذين لازموا المرحوم في مجلسه لكن روادا آخرين غير دائمين، وقد جاء اخيرا الدكتور عبد اللطيف الخطيب الاستاذ في الجامعة وكان مجيئه في جلسة يوم الخميس وكان جل هذه الجلسة المناقشات في اللغة العربية.
كان رحمه الله دائما يشغل الجلسة بسؤال عن كلمة وتفسير أو بيت من الشعر يريد ان يعرف قائله والمناسبة والقصيدة التي قيلت فيه.
كنت أتذكر وهو يروي لنا قصة انتقاله من الكويت ليتوجه الى الهند ليساعد عمه محمد هناك، فكان يروي كيف وهو شاب لم يتجاوز السادسة عشرة عندما ركب الباخرة وذلك في أول القرن العشرين وكيف لما دخل الى الغرفة المخصصة لهم ورأى كيف الضوء يفتح ويغلق من الجدار حيث ان مفتاح السويج في الجدار فأخذ يتعجب ويحتار كيف هذه الاضاءة، هذا لشيء عجاب، وكيف انه عمل في خدمة عمه محمد فكان ينقل الرسائل الى البريد ويأتي بالرسائل القادمة من هناك، وكان في كثير من الاحيان ينقل وجهة نظر عمه او ما يوصيه به للآخرين.
واتذكر انه عندما رأى جدي احمد عبدالله الفرحان في بومبي ويروي ان جدي قدم هدية عبارة عن سجادة لأحد الهنود، وذلك في اثناء زواج ابن هذا الهندي، ولكنه لم يقبل هذه السجادة كهدية لانه لا يعرف جدي احمد الفرحان، لكن بتدخل المرحوم محمد الشايع فقبل هذه الهدية، وكان هذا الهندي له مكانته عند الحكومة الانكليزية الهندية في تلك الحقبة.
أخذ يحدثنا كيف ان عمه محمد كان يأخذه الى المجالس، وكان يروي لنا عن احد العلماء، وهو الشيخ عبدالعزيز الميمني، وذات يوم وجه عمه محمد الشايع دعوة للعشاء لعبدالعزيز الميمني، ولما كان الميمني عالما مطلعا في العالم العربي، اخذ يتحدث عن العالم العربي والجزيرة العربية، فقد شد انتباه ابو احمد صالح الشايع ذلك الشاب الصغير السن نسبيا وهو ينظر الى عمه محمد وهو يجل ويبجل هذا الهندي حيث لفت نظره جيدا.
وهو يسترسل، وانا استمع اليه وهو يقول لقد تتبعت حياة هذا العالم الفاضل فهو الشيخ عبدالعزيز بن عبدالكريم الميمني الراجكوتي يعتبر علامة الهند في تلك الحقبة، كان رحمه الله كما يقول (ولد سنة1888م وتوفي سنة 1978م) انه صديق عزيز على نفسي، وبعد ان ترك عمي الهند، كنت على صلة وثيقة به ابان اقامتي هناك، كان رحمه الله يملك مكتبة كبيرة بها كتب كثير من المخطوطات للاسف على كثرة اولاده، لم يخرج واحد يرث هذه الثروة العظيمة وللاسف الشديد ضاعت هذه المكتبة بين هذا وذك، حيث ان ابناءه التفتوا الى المال ولم يشركوه بالعلم.
كان يحدثنا عن قصة الاغا خان وكيف وزنوه بالذهب، وقد رأى هذا المنظر بعينيه، وكانت قصة نسمعها من شخص مشاهد، وهو يروي الاحداث كأنها اليوم بعد ان مضى على ذلك تقريبا سبعين عاما من الزمن.
ويقول ان الاغاخان وهو جد الاغاخان الحالي كان مقيما في الهند وأوروبا ، وفي اواخر عمره توجه الى مصر حيث توفي ودفن في الاقصر.
يقول ابو احمد رحمه الله كنا في بيومين وقيل لنا ان الاغاخان سيوزن بالذهب في ذلك اليوم، وتوجهنا الى المكان المعد لذلك، وقد توجه آلاف من الاسماعيلية الآغاخانيه.. الى نفس واخذوا يقدمون الخطب والموسيقى، وكان كبار المدعوين يجلسون في الصفوف الأمامية، وكان بينهم انكليز، وبعض زعماء الهند وتوجه كم كبير من اتباعه في هذا المكان المعد لذلك، وبعد ان نهض آغاخان من مجلسه ليتوجه الى الميزان علت الهتافات والتصفيق والترحيب به، لتفضله وتلطفه بأن يظهر امامهم ويوزن امامهم، وما هي الا لحظات حتى توجه المختصون واقيمت المراسم وجلس الآغاخان في كفة في الميزان على كرسي داخل الميزان والتصفيق لم ينقطع وهو يقدم التحيات للجماهير التي تدعو له بطول العمر وتقدم المختصون بنقل قوالب وقطع الذهب في الكفة الاخرى وعندما تساوت الكفتان نزل من الكرسي والميزان، واخذ يسلم على كبار المدعوين، والمختصون في الحفل يقيمون الذهب لسيدهم حتى يتبرعوا بما يعادله له ليتصرف به كيفما يشاء ويقول العم ابو الحمد لقد وزن في الهند اكثر من مرة وفي كينيا وزن مرة اما في الهند مرة ثانية سمعت انه وزن في البلاتين انه بالطبع يؤخذ ما يعادلها من المال من رعيته لينفق منه على نفسه وعلى الرعية.
ويقول ابو احمد كان اغاخان ممتلئ الجسم في صحة جيدة يلبس ملابس الهنود لكنه يضع ''كوت او بالطو جاكيت'' طويل الى ما بعد الركبة هذا المنظر لا انساه في عمري هذه من القصص التي كنا سمعناها من هذا الرجل الذي عاش في الهند ردحا من الزمن وسجل ملاحظات كثيرة لتاريخ الكويت مع علاقاتها بالهند وتاريخ الكويتيين هناك كان ابن عمه عبدالعزيز المحمد توجه الى الهند وبقي فترة اقل من ابو احمد لكن ابو احمد بعدها توجه الى لبنان حيث شارك في نشاط شركة آل الشايع هناك وللحديث صلة.
ذاكرة المرحوم العم صالح الشايع عندما تم اللقاء معه قبل سبع عشرة سنة من وفاته كان ادق واكثر حفظا ومعرفة من الفترة التي قابلته فيها وهي قبل ثلاث سنوات من وفاته وكان يقول ''عمي واخي هما اللذان شالونا'' وهنا يقصد ان عمه محمد الحمود الشايع وشقيقه عبداللطيف العلي الشايع ويجب هنا ألا نقلل من نفسه حيث تحمل المسؤولية مع عمه في الهند فترة طويلة ووالده كان تحمل المسؤولية في الكويت ايضا وظل اماما لمجسد بن حمود مسجد الشايع قرابة اربعين سنة، هذا شيء ليس بالهين لكن التواضع بعينه وهذا كما عهدته في مجلسه في ديوان ال الشايع.
المهم اني هنا اجد من المناسب ان اقتطف ما اوردته السيدة حمدية خلف وذلك كما قلت قبل سبع عشرة سنة في مقابلتها مع العم صالح وهو كالتالي: عالمك وامبراطوريتك في هذا المجال؟ - انا لم اصنع امبراطورية، الوالد رحمه الله وضع اوتادا راسخة وقام بالبناء الصعب في البداية ورسم لي المعالم وانا سرت على دربه، الوالد كان يعدني اثناء حياته لهذه المهمة، ظل طوال ست سنوات متوالية يدربني على كل عمل في تجارته وبدأ بالاعمال الصغيرة، كنت امكث تسعة اشهر في الهند وشهرا للسفر وشهرين في الكويت، الوالد لم يهملني ابدا، لكن حين قلت لك في بداية الحوار انني ارتبطت اكثر بعمي، كنت امينا على الحقيقة لان عمي اشرف علي اكثر في سنواتي الأولى، وكان صارما وكان مال ابي وعمي مختلطا، لا حساب ولا عتاب كل واحد يأخذ ما يكفيه وعمي بنى مسجدا دون ان يسأل ابي لانه يعرف ان ذلك سيروقه.
هل تذكر حادثة طريفة اثناء توليك بعض المهام في تجارة والدك خاصة في البداية؟ - والدي كما قلت اعدني بطريقة تدريجية مراسلا ثم كاتبا اكتب الرسائل للعملاء، ومساكين هؤلاء العملاء الذين كانوا يقرأون رسائلي، اولا لصعوبة قراءة خطي، وينطبق عليهم المثل الذي قاله جحا.
ماذا قال؟ - جاءه رجل ليكتب له رسالة لصديق له بعيد فقال له جحا: اسف لا استطيع لانني لن اسافر الى هذا البلد الذي سترسل اليه الرسالة؟ قال الرجل: انا اطلب منك ان تكتب رسالة لا ان تسافر وتحملها اليه، فرد جحا: لابد ان اقرأ له الرسالة هناك لانه لن يجد احدا يعرف كيف يقرأ خطي.
المهم ان الوالد بعد هذه المرحلة كان يدربني بشكل اعمق، اصبح يسافر الى الكويت ويتركني وحدي في الهند، حدث هذا حتى بلغت 25 سنة من العمر، ولكن الوالد لم يكن ليترك شابا لا يفهم كثيرا في التجارة فيخربها له، كان يتركني في فترة الرياح الموسمية حيث يكون العمل كاسدا، حتى لا يخسر وكان ينجز كل الاشياء الجوهرية قبل سفره وانا استكمل الاجراءات الصغيرة ولما استكملت ثلاثين عاما ووثق بمقدرتي اعطاني حق التوقيع على الشيكات ثم اعطاني وكالة عامة تابعة له لاديرها.
فيم كان يشتغل الوالد؟ - كان يعمل في تصدير الارز والشاي والتوابل من الهند الى الكويت والعراق وجهات اخرى، وبجانب ذلك كان تجار الكويت يرسلون إليه اللؤلو من الكويت لكي يبيعه لحسابهم في بومباي، ويأخذ نسبة عمولة، وكانت السفن تشحن من بومباي بهذه الصادرات وتعود بالتمور العراقية والشعير والقمح العراقي والماش لنبيعها لهم في الهند، كنا ايضا نصدر الغزل والاقمشة الهندية القطنية، وقتها لم يكن هناك علاقة مع اوروبا واميركا، لذلك كان التجار الهنود يأتون بالبضائع الاوروبية الى الهند ويضعونها في 'البوند' مقابل اجور بسيطة ونحن نعيد تصديرها مرة اخرى، وقد اقمت بصفة مستمرة في الهند حتى الخمسينات ومحلنا موجود الى اليوم يحمل اسم الوالد.
ويقول وهو يتحدث عن الكويتيين وثقته بالتعامل وكيف ان السمعة اغلى من كل شيء يقول: ولدت فجر الخميس 2 فبراير سنة ،1911م , ترتيبي كان الابن الاول من ابناء ابي الاحياء وقبلي مات اخوة لي رحمهم الله، وانا احتقر الرجل المتصابي الذي لا يذكر عمره الحقيقي، ولي من الابناء نصف 'درزن' ومن البنات ثلاثة ارباع 'درزن' وأحفاد ويتولاها كثيرون، ابني احمد، حفظه الله، جد لخمسة احفاد والحبل على الجرار.
وهل تغفر للمرأة عدم ذكر سنها الحقيقي؟
- المرأة في كل الدنيا اذا اغفلت سنوات من عمرها وتصابت فلا ضير، لأن هذه طبيعة الأنثى.
هل تحملنا على أجنحة الزمن لنتوقف أمام طفولتك؟ أو تذكرها؟
- نعم هناك حقبة منها محفورة في ذاكرتي، خاصة علاقتي بعمي.. تلك العلاقة الحميمة الناجمة عن تعلقي بعمي تعلقا شديدا اكثر من والدي رحمه الله، منذ طفولتي وحتى سن المراهقة.
ويتردد السؤال على احرفي فيدرك بفطنته ما يجول بخاطري ويرد من دون ان اسأل؟
- الوالد رحمه الله كان في الهند وأنا طفل صغير، وكان يروح لتجارته شهورا طويلة يقيمها هناك ويجيء لفترة قليلة، فمن الطبيعي ان أتعلق بعمي الذي كان يحمل كل مسؤولياتنا وكانت دنيانا تدور حوله، حتى الوالد حين يحضر كان بالنسبة إلي كضيف، لا يصرف شيئا من جيبه، وإنما عمي هو الذي يعطي ويدير كل شؤوننا ويتولاها، وبالطبع يحنو علينا نحن الصغار، وكان هذا ملمحا بارزا في طفولتي. وظل تعلقي بعمي حتى كبرت فقد حفرت رعايته لنا في جوانحي، وبالطبع كنت احب ابي، ولكن عمي كان تأثيره أكثر.
ماذا كانت أحلام الشباب في جيلك؟ أحلامك انت باعتبارك واحدا منهم؟
- في ذلك الوقت كانت الهند بالنسبة لعالمنا هي العالم السحري الجذاب، وكانت قبلة الانظار، لذلك كنت أحلم بالسفر الى ذلك العالم الساحر، كانت الهند منية الناس في ذلك الوقت.. ولا أحد كان يعرف مصر ولبنان وسوريا كما يعرف الهند، وهذا يرجع لطبيعة الحياة في المجتمع الكويتي في ذلك الوقت، البحارة والتجار الكويتيون العائدون من الهند كان المجتمع يحيطهم بهالة وعظمة.. تماما كما يعود الناس الآن من رحلات الفضاء.. شيء من هذا القبيل.
ويستعيد شريط العمل فيقول:
هناك وقفة اخرى لاأزال اذكرها وتمثل أول فرحة حقيقية وحلم تحقق، كان ذلك وعمري 14 سنة سافرت مع والدي بالمركب، كان عائدا الى عمله في بومباي واصطحبني معه، ولاأزال اذكر كمية الفرح التي كانت اكبر بكثير من سني، واسم المركب 'باروده' وكان مركبا هنديا بريطانيا وهذا اسم مدينة هندية، مكثنا 14 يوما بالمركب كأني في حلم نمخر عباب البحر ونمر من ميناء الى ميناء، عالم غريب ذلك الذي فتحت عليه عيني في هذه السن المبكرة، مررت بخمسة عشر ميناء منذ خرجنا من الكويت وحتى وصلنا بومباي كانت هذه أول وأجمل رحلة في عمري، ومكثت تسعة اشهر في بومباي.
كلمة الكويت أغلى!
صفة تعجبك في الرجل الكويتي؟
- كلمته قانون هذا في جيلي، في الهند عرفونا بالامانة، جاء تاجر لؤلؤ غني لآخر يطلب ان يبيعه بضاعة دون ان يدفع، فرفض الهندي وقال له اذا تعهد الشايع اعطيك، والدي قال للتاجر الهندي كيف لا تعطيه وتطلب ضمانتي وهو اغنى مني، فرد الهندي انت كلمتك اغلى.. انت كويتي، هذه حقيقة ولا اقولها تحيزا، كان منظرا طبيعيا في الماضي حين كانت العملة قطعا معدنية تحمل على ظهور الحمير ولا يخشى عليها احد من السرقة، بعد طلوع البنكنوت اولاد في سن مها (يشير الى صغيرة جميلة من اقاربه) كانوا يحملون كمية من رزم البنكنوت مربوطة بخيط، كأنها ربطة فجل، لم يحدث ان احدا مد يده وسرق.. هكذا كان الكويتيون في بلدهم، وما يحدث الآن بطبيعة الحال ناتج عن تدفق الهجرة، صحيح فيه ناس احسن منا، ولكن ايضا هناك السيئون، وللإنصاف فإن الجيل الحالي منا مختلف قليلا، والبعض يرى الشطارة في جمع الفلوس ويهمل المعاني النبيلة التي يجب ان نتحلى بها وننشئ عليها أولادنا.
وأقول هنا ان من حسن الحظ ان تقع عيني على هذا العدد من صحيفة 'القبس' الغراء وغيره عندما عملت لقاء مع العم المرحوم صالح الشايع وسجلت لنا وللتاريخ هذه المعلومات التي نحن في حاجة ماسة لها، وهنا اسجل ما أوردته وأسعفته الذاكرة فيقول: وأقول هنا وقبل ان أنهي هذه الحلقة ان صالح الشايع في المقابلات الصحفية والتلفزيونية اسدى لتاريخ الكويت الذي كان مرتبطا مع الهند ابان الامبراطورية البريطانية عندما كانت تستعمر الخليج والهند وباكستان والبنغال وكانت الهند هي النافذة للكويتيين التي يطلون منها على العالم الخارجي اظن لا يوجد اسرة كويتية امثال آل الشايع، حيث الاسر التي تعمل في التجارة لا تضع احد ابنائها في الهند وهم كثيرون ومن دون عد لكن لم يسجل احد منهم مذكراته او ما علق في ذاكرته على مدار الايام اننا اذا استعرضنا التجارة على السفن وتجارة اللؤلؤ وصناعة السفن والذين يتعاطون في تجارة الارزاق (الاكل) منذ اكثر من قرنين وزيادة ليس لهم صلة بالهند كانت الاواني والملابس وغالبية ادوات الزينة وأدوات النقل للحمير والخيول، يمكن ان اقول غالبية الحاجيات جاءت من الهند، ولنتذكر عبد الله الفرج الشاعر لقد نقل الغناء العربي من الحضارمة الذين كانوا يسكنون الهند.
اذن هناك علاقة وشيجة ويمكن ان نستخلص منها دروسا بل نعد منها ابحاثا ودراسات في ذلك.
هنا يكون المرحوم الشايع ساهم بأن اختار الطريق في هذه اللقاءات الثلاثة ووضع خطوط عريضة.
إنني من خلال لقاءاتي اليومية له سجلت الكثير وسآتي عليه فيما بعد، إنني اقول انه مدرسة وأب، كما قلت في أول الحديث والى ان نلتقي في بحث آخر.
في هذه الحلقة الثالثة وانا اتناول لمحات من تاريخ هذا الرجل العزيز الذي فقدناه، يقول الكثيرون ان صالح الشايع وشقيقه عبداللطيف صنوان وان ابن عمهما عبدالعزيز الشايع هو الصنو الثالث، كما كان أبواهما محمد وعلي من قبل في هذا المجال، وهنا احب توضيح لماذا اخترت هاتين الكلمتين 'المدرسة والاب' في العنوان.
لا يختلف اثنان على ان صالح عاش وتربى في مدرسة آل الشايع التي تضم الاساتذة محمد وعلي الحمود الشايع، وان التلاميذ بالترتيب صالح عبداللطيف وعبدالعزيز، لقد تحمل عبء هذه الاسرة في اول الامر حمود الشايع عندما انحدر من الزلفى في نجد متوجها الى الكويت، وفي هذه البلاد (الكويت) تربى ابناه محمد وعلي وحملهما المسؤولية منذ شبابهما الاول، وهذه انتقلت الى احفاد صالح عبداللطيف وعبدالعزيز الذين كما قلت تربوا في هذه المدرسة. من هنا يتضح للقارئ الكريم لماذا اخذت كلمة المدرسة لاضعها عنوانا للحلقات (والاب). لقد سعدت قرابة ثلاث سنوات بمجالسة صالح الشايع في ديوانهم صباح كل يوم من الساعة الثامنة حتى العاشرة، ولقد علقت في ذهني امور كثيرة غير ما سجلته في مفكرتي.
كان صالح الشايع على ما اذكر يتعامل مع ابناء اخيه وشقيقه عبداللطيف وكأنهم ابناؤه المفضلون، وكان يتابع ابناء عبدالعزيز الشايع ويناقشهم، وفعلا عندما دلفت الى هذه الديوانية في اول الامر اخذ يشكل علي من منهم ابناؤه الذين ومن منهم ابناء اخيه ومن منهم ابناء عبدالعزيز اولاد عمه، نظرا لان ثقافتي الشايعية في اول الامر كانت صفرا وفعلا عندما ذهبت الى البيت كنت افكر بكثرة اولاده هل هو خالد ام احمد، هل هو عبدالوهاب ام حمد؟ ضاعت علي الحسبة لكن احد الاخوان، جزاه الله خيرا، انقذني وابتدأ يصحح لي المعلومات.
كل الذي اعرفه ان احمد ابنه لانه هو الذي دعاني اول مرة الى هذا الديوان، وكان صالح، رحمه الله يدعى أبا احمد ومما زاد في عدم المعرفة ان الشباب ابناء الشايع الكل يحترمهم ويقدرهم وهم سواء.
وهنا احب ان اسجل لابي احمد في اول لقاء عندما كنا في مسجد في لندن وذلك في سنة 1981 ذلك الرجل الطويل القامة، وبعد ان تركنا مسجد لندن واتجهنا الى شارع بيكرستريت كان يسبقني في المشي وكان ممتلئ الجسم وجاوز السبعين من عمره، كما كان في صحة جيدة، وبعد لقائي اياه في سنة 2004 وجدته جالسا على الكرسي يمد رجليه نظرا لتقدم السن، وكان اذا اراد ان يخرج من الديوان يتكئ على عصاه وفي السنة التي تلتها ابتدأ شخص آخر يساعده على الوقوف والجلوس، لكن في السنة الأخيرة أي في 2006 كان بعد رجوعه من انكلترا لا يغادر المجلس إلا على 'ويل جير' الكرسي المتحرك ليصل الى السيارة وكانت العصا التي يتكئ عليها ملازمة له.
بدأ بالانفلونزا
كان رحمه الله قبل وفاته بشهر واحد، على ما اذكر، تغيب عن مجلسه اسبوعا كاملا، وكنا نحن الجلوس نلتفت الى بعضنا لنعرف الخبر، وكان أبو فهد صالح العيسى، حفظه الله، انقذنا عندما قال ان ابا أحمد مصاب بأنفلونزا حادة وهو يلازم المنزل والطبيب يزوره بين الحين والحين، كان الناطق الرسمي او شبه الرسمي هو ابو وليد الذي يزودنا بالمعلومات بالقطارة لا أدري ان كان يريد الا يزعجنا، ام كان هذا التغيب هو المرض الأول الذي لاحق ابا أحمد بعد شهر واحد ورافقه حيث توجه الى الرفيق الأعلى رحمه الله.
هذا هو معنى الأب الذي كنت قد اثرته في أول البحث، حيث كان رحمه الله يسأل عن مجالسيه فردا فردا، في سنة 2005 دخلت الى مستشفى مبارك لإجراء بعض الفحوصات وعندما افتقدني رحمه الله في مكاني المخصص، طلب من خالد (ابو الوليد) ان يسأل عني وفعلا فوجئت بأبي الوليد يزورني في المستشفى بصورة مفاجئة علما بانني لم اخبر احدا حتى لا ازعج الآخرين، واخذ السيد خالد يشرح لي زعل عمه ابو احمد بانه يجب علي ان اخبر الديوان عن غيابي ويقول : بعدما عرفت انك في المستشفى توجهت اليك لاطمئن عنك ومن ثم اطمئن عمي في الصباح الباكر.
هكذا كانت ديوانية الشايع وهكذا كان المدرسة والأب لابنائه وابناء اخيه واقربائه وجلسائه انه حقا مدرسة وأب.
كان الأخ منصور العصيمي، وهو من اقربائهم ومن رواد الديوانية منذ امد بعيد، سألته ماذا اضع عنوانا لمقال العم المرحوم صالح الشايع فقال 'المدرسة'، وفعلا اصاب ابو طلال بذلك وانا قرنتها بالأبوة، والابوة قد تكون بالولادة وقد تكون بالعلم والحنان والالفة وهذا ما حصل لصالح الشايع رحمه الله.
ان صالح الشايع لم يكن مدعيا بذلك بل كان شقيقه عبداللطيف كما يقول ابو احمد (احسن مني) وعندما يكون صالح في الهند ام في لبنان كان ابو خالد عبداللطيف الشايع يتصدى للمسؤولية والابوة وفعلا كان نعم الرجل في هذه المدرسة يكفي انه اعتنى بتربية ابناء شقيقه صالح ابان اقامته في الهند مثل تربية ابنائه بل احسن حتى غدت هذه الاسرة بهذه 'اللحمة والسدى' كأنها شخص واحد.
الأب والأستاذ عبدالعزيز
اليوم يقود هذه الاسرة الكريمة السيد ابو حمد عبدالعزيز الشايع الذي اصبح الاب والاستاذ لهؤلاء الابناء والاحفاد وكأن الله جعل لكل زمن منهم من يتحمل المسؤولية في هذه الفترة الزمنية امتدادا من حمود الشايع حتى صالح وعبداللطيف واليوم عبدالعزيز (ابو حمد)
عندما كنت اتذكر هذا الديوان واتذكر المعلومات التي تثار فيه مناقشات كان ابو احمد يصمت ليستمع للآخرين.
اتذكر في احدى الجلسات كنا قد استعرضنا هذين البيتين وهما:
يمرون بالدهناء خفافا عيابهم
ويرجعن من دارين بجر الحقائب
على حين ألهى الناس جل أمورهم
فندلا زريق المال ندل الثعالب
وكان فارس الميدان بلا منازع صالح العيسى الذي قال ان النحويين يستشهدون بهذين البيتين للاستدلال على المفعول المطلق.
وابتدأنا نشرح البيتين كأننا ندرس في الجامعة، واتذكر بقينا قرابة الساعتين حتى ان بعض الجلوس 'ملوا' من هذه المناقشة الحادة في هذه المادة الجافة في اللغة العربية.. المهم استعرضنا كلمة الدهناء
واتذكر ان ابا أحمد رحمه الله يقول: الدهناء رمال مرتفعة تفصل بين الكويت مع الصمان وقال شعرا:
هل الباب مفروج فانظر نظرة
بعين قلت حجرا فطال اهتمامها
الا حبذا الدهناء وطيب ترابها
وأرض خلاء يصدح الليل هامها
ونعى المهاري بالعشيات والضحى
الى بقر وحي العيون كلامها
وقال:
خليلي قوما فارفعا الطرف وانظرا
لصاحب شوق منظرا متراخيا
عسى ان نرى والله ما شاء فاعل
بأكثبة الدهنا من الحي باديا
وان حال عرض الرمل والبعد دونهم
فقد يطلب الانسان ما ليس رائيا
يرى الله أن القلب أصحى ضميره
لما قابل الروحاء والعرج قاليا.
واتذكر رجعنا نشرح البيتين: يمرون بالدهناء..
فكلمة 'عيابهم' كما يقول مفردها عيبة والعيبة تصنع من الجلد مثل الكيس الكبير يوضع فيها التمر.
وكلمة دارين المدينة المشهورة في الاحساء لانهم يشترون منها التمر، وبجر الحقائب كما يقول اتذكر ما تتذكرون الحمير التي تحمل الوجر وهو كيس من الخيش يوضع على الحمار في الوسط ويوضع فيه الجص او الرمل والطين للبناء.
والبيت الثاني يقول: ان هناك لصا يسمى زريق يسرق حاجات الناس المسافرين.
ويقول حول الدهناء وانا اتذكرها ان في اوروبا هناك وثيقة كتبت على الجلد قبل ثمانمائة سنة لسلالات من الكلاب السلوكية اخذ من الدهناء وتناسلت عندهم والكلب الثمين للزينة او للصيد الذي يأتي اصله من الدهناء يعتبر الكلب الثمين، ويقول ان هذه موجودة ومثبتة بقطعة من الجلد موجودة في المتحف البريطاني.
ونحن في اثناء الحديث في اليوم التالي وبعد ان انتهينا من الدهناء كنا في هذا اليوم نناقش وانا اسأل عن 'ابو دواره' الماء المشهور قرب قصر دسمان والذي لولاه ما بني قصر دسمان، حيث اعتمد على ماء ابو دوارة التاريخي والذي ذكره الفرزدق في شعره، ونحن في اثناء المناقشة وفجأة ابو احمد رحمه الله يقول تذكرت كان عندنا مثل يقول فيه 'مربوط على اثمام وماي ابو دوارة'.
هذا المثل يقوله الكويتيون القذامى كما يقول ابو احمد، حيث الوجاهة مثل قاعد على 'مركه ذهب' والمركة المقعد وهنا الثمام نوع من النبات مثل النص تأكله الحمير والحصن حيث الطعام والماء متواجدان عنده ففي هذه الحالة قمة العز.
انا اتحدث عن ابو احمد اقفز من فقرة الى فقرة اتذكر من الحكم التي كان قد قالها لنا:
'المرء مخبوء بطي لسانه لابطيلسانه'.
انظر الى هذه الحكمة حيث جمع بين الكلمة الاولى والمشابه للكلمة الثانية حيث المعنى يختلف، والاولى كلمتان والثانية كلمة واحدة، والاولى كيف ان الانسان عندما يحكم لسانه ويتحكم به محترم، اما الذي يكون بوجاهة ملابس طيلسانه فهو ليس له مكانة ما دام لسانه مغلوقا وهذا يذكرني بقول الشاعر العربي:
وان كانت اثوابي ملفقة ليست بخز ولا من نسج كتان
فان في المجد هماتي وفي لغتي ولساني غير لحان
اخيرا، فهذا هو المرحوم صالح الشايع الذي فقدناه في يوم 8/12/2006م المدرسة والاب والذي اثرانا بعلمه وادبه واخلاقه حيث تركنا نتحدث ونتذكر بعد ان رحل عنا رحمه الله رحمة واسعة.

التعديل الأخير تم بواسطة عنك ; 18-06-2009 الساعة 12:34 PM.
رد مع اقتباس