عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 09-02-2008, 03:01 AM
فاعل خير فاعل خير غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
الدولة: كويت - بلاد العرب
المشاركات: 290
افتراضي

يعود اهتمام الدبلوماسيين والساسة الروس بالكويت ومنطقة الخليج العربي والكويت إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ويشتمل أرشيف الدولة المركزي للأسطول البحري الحربي السوفيتي في بطرسبرغ (ليننغراد) على مجموعة من التقارير والوثائق تتضمن زيارات السفن الروسية الحربية لهذه المنطقة في الفترة الممتدة بين عامي 1899 و1903. وكانت السفينة 'غيلياك' من أوائل السفن الروسية التي زارت ميناء الكويت، وكانت سفينة حديثة البناء (1896) في حين أن السفن البريطانية تبدو بالنسبة لها عتيقة باهتة اللون.
في عام 1899، وقبل وصول غيلياك، وصل إلى الكويت التاجران الروسيان أرتين أوفانيسوف وعباس علييف، وكانت لزيارتهما بالإضافة إلى الأهداف التجارية (بصفتهما من تجار جلود الخراف) أهداف سياسية أيضا، فقد طلب منهما كروغلوف، القنصل الروسي في بغداد، استطلاع موقف الشيخ مبارك من الزيارة المرتقبة، والبحث عن الشخصيات المتنفذة في الكويت من أجل تأمين استقبال لائق للسفينة وملاحيها. وقد تمت زيارة أوفانيسوف وعباس علييف في مارس عام 1899، وحظيا بمقابلة الشيخ مبارك الذي استقبلهما استقبالا حسنا وأبدى خلال حديثه مع التاجرين الروسيين اهتماما بالغا بأخبار الوضع الدولي وما يثار عن خطط بناء سكة حديد (برلين - بغداد)، وأسفرت الزيارة عن إقامة علاقة طيبة بين الكويت والقنصلية الروسية في بغداد، تؤكدها مجموعة من الوثائق المتبادلة بين الطرفين.
إخفاء المعلومات
وبناء على ما تقدم وصلت السفينة غيلياك إلى جون الكويت في 16 مارس 1900، وقد أحسن الشيخ ومعاونوه استقبال البحارة الروس خلال اليوم الوحيد الذي وقفته 'غيلياك' في ميناء الكويت، حيث رجع الشيخ مبارك من الجهراء خصيصا لاستقبالهم، وشاهد البحارة المدينة في جولة حرة ثم تناول الجميع وجبة الغداء عند الشيخ مبارك. وقد لقي ضباط السفينة والقنصل الروسي حفاوة بالغة وأعد قافلة حراسة للقنصل الروسي عند عودته من الكويت إلى البصرة.
واللافت للانتباه أن علي بن غلوم حينما كتب عن زيارة القنصل الروسي مع السفينة غيلياك لم يتعرض لذكر السفينة وأهمية هذه الزيارة ولا لما دار بين الشيخ مبارك والقنصل الروسي، مما يشير إلى أن الشيخ مبارك قد أخفى عنه المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع، ويبدو أن السبب في هذا هو ما أشار إليه بونداريفسكي عند حديثه عن تلك الزيارة، فقد ذكر أن الشيخ مبارك قد انتقد بشدة إنكلترا ودبلوماسيتها والضغوط التي يمارسها الإنكليز عليه بل وصل الأمر - بحسب ما ذكره بونداريفسكي - إلى أن يصرح الشيخ مبارك برغبته في الحصول على الحماية الروسية. وكل هذه الأمور لم يكن الشيخ مبارك يرغب في نقلها إلى البريطانيين. ولذلك كان تقرير علي بن غلوم المؤرخ في 12 أبريل 1900 مقتصرا على الأمور الظاهرة، وهي الإفادة عن التاجر الروسي عباس علييف الذي كان يتردد على الكويت منذ ثلاث سنوات لشراء فرو صغار الخراف، وأنه جاء في هذه السنة مع المركب الروسي (المسقوفي)، ونزل مع القنصل الروسي حيث قام بعملية الترجمة بينه وبين الشيخ مبارك. ثم بين أنه بعد سفر المركب غادر القنصل الروسي عن طريق البر وبقي عباس في الكويت يشتري الجلود على عادته، وأنه في 16 من ديسمبر 1900 نزل لصوص على بيته وسرقوا جميع أغراضه، ولم تتم معرفة اللصوص. وكان الشيخ مبارك وقتها في القنص خارج الكويت.
وقد كان من نتائج زيارة 'غيلياك' للخليج العربي والكويت أن رأت الحكومة الروسية ضرورة تطوير العلاقات التجارية والسياسية مع هذه المنطقة. وكان أن أوفدت إلى الخليج كلا من الدكتور صيراميا تنيكوف من كلية الحقوق بجامعة بطرسبرغ والضابط بافلوفسكي، وكان الذي رشح صيراميا تنيكوف الأمير ألكسندر ميخايلوفتش صهر القيصر.
ويشير بونداريفسكي إلى أن صيراميا تنيكوف قد وصل إلى بغداد في يوليو 1900، ومنها توجه إلى الكويت ليصلها في 12 من أغسطس، وكان يحمل هو ومرافقوه جوازات سفر تثبت أنهم تجار، لأن مهمتهم سرية، وقد انتقد كروغلوف القنصل الروسي في بغداد سلوك صيراميا تنيكوف لأنه زار الكويت دون إخطار وزارة الخارجية الروسية وأن سلوكه هذا كان تحديا لكروغلوف فضلا عن زعمه بأن هذه الزيارة قد أثارت استياء الشيخ مبارك.
مصادر المياه
ويعطي علي بن غلوم في تقريره المؤرخ في 17 أغسطس 1900 تفصيلات مغايرة لما ذكره بونداريفسكي، ولم يشر إلى استياء الشيخ مبارك من الزيارة المذكورة. ففي التاريخ نفسه الذي وصل فيه صيراميا تنيكوف (1900/8/12) يقول علي بن غلوم: 'جاء إلى الكويت القنصل الروسي ومعه ثلاثة رجال عن طريق البحر في سفينة الشيوخ من الفاو. وفي اليوم الذي وصل فيه كان الشيخ مبارك في جزيرة فيلكا للتنزه فيها، وفي اليوم الثاني رجع الشيخ مبارك والتقى القنصل، وفي اليوم الثالث أخذ القنصل إذنا من الشيخ ليتفرج على موارد المياه في البلد فأذن له. وقد ذهب معه أحد رجال الشيخ للاطلاع على آبار المياه، حيث مكث ساعتين من النهار ثم عاد.
وذكر علي بن غلوم أن أول خروج للقنصل الروسي كان من أبو شهر في 29 يونيو 1900، وبصحبته شخص يدعى حاجي أحمد دباغي، ركب معه من أبو شهر إلى البصرة، ثم سافر معه إلى بغداد، ومن هناك أخذ له مترجما اسمه عيسى من أهل بغداد، وعاد إلى البصرة، حيث اصطحب معه عبدا من عبيد آل الزهير، فصار رجاله ثلاثة. وقد عبر من البصرة إلى الفاو حيث استقل مركب الشيخ مبارك إلى الكويت. ويقول علي بن غلوم إن زيارة القنصل كان هدفها الظاهر هو السياحة، ويفيد تقرير آخر لعلي بن غلوم مؤرخ في1900/8/18 'ان القنصل الروسي سافر من الكويت في سفينة الشيخ مبارك إلى الفاو، ومنها يتجه إلى البصرة وبعد ذلك إلى المحمرة ثم أبو شهر، وأن هذا هو الاتجاه الظاهري. وأنه في اليوم الذي أراد فيه السفر قام بتصوير الشيخ مبارك ومعه ولده الصغير حمد وعمره سبع سنوات، وصور أيضا اثنين من رجال الشيخ مبارك الجالسين عنده ثم سافر'.
ويتضح من تقرير علي بن غلوم أن شخصية كل من صيراميا تنيكوف وصاحبه الضابط لم تكتشف، وأنهما قد حققا غاياتهما في التعرف إلى البلد وموارده المائية وإمكاناته المختلفة. ولعل رغبتهما في الاطلاع على موارد المياه تدل على أهدافهما العلمية والسياسية.
ولم تنقطع الاتصالات الروسية الكويتية، وفي الوقت نفسه لم تكن تفصيلاتها الحقيقية معروفة لدى الوكيل الإخباري البريطاني علي بن غلوم، فتقريره المؤرخ في 16 مارس 1901، يفيد بوصول شخصين من رعايا المسقوف (الروس) لشراء فرو الخرفان الصغيرة. وأنهما كانا مشغولين بشراء الجلود، وذكر أن أولهما (ويقصد عباس علييف) كانت له عادة في موسم الربيع من كل سنة أن يأتي إلى الكويت، أما الثاني فهو يأتي لأول مرة لشراء الجلود أيضا.
عودة للتشاور
أما بونداريفسكي الذي اعتمد في كتابه على الوثائق الروسية فيذكر أنه في أوج الصراع بين مبارك وابن رشيد انتهز سكرتير السفارة الروسية في بغداد 'أوسينكو' الذي كان في تلك الفترة في البصرة فرصة توجه التاجر الروسي عباس علييف إلى الكويت، وهو الذي سبق أن رافق كروغلوف سنة 1900 إلى الكويت، وكلفه باستيضاح كل الظروف المرتبطة بالعمليات العسكرية في الجزيرة العربية. لكن علييف لم يجد مباركا في الكويت، فقد كان وقتها يخوض الحرب مع ابن رشيد في الصحراء، وقد ترك له رسالة أبلغه فيها تحياته مع إخباره أنه توجه إلى البصرة عقب مغادرته للكويت. وفور عودة الشيخ مبارك مباشرة بعد موقعة الصريف أرسل مبعوثا إلى البصرة لتسليم عباس علييف خطابا، يطلب فيه عودته إلى الكويت لمدة يوم واحد 'للتشاور في بعض الأمور'، لعلمه بأن هذا التاجر كان مقربا من كروغلوف. وأكد مبارك في رسالته أن 'هذا الأمر ضروري جدا'. ولم يلبث أن عاد عباس علييف إلى الكويت وسلم رسالة إلى الشيخ مبارك من أوسينكو تتضمن تحياته وسروره لعودة الشيخ سالما إلى الكويت.
وقد عاد عباس إلى البصرة في 12 أبريل 1901، حاملا معه خطابين من مبارك إلى كل من أوسينكو وكروغلوف، وذكر مبارك في رسالتيه أنه كلف عباس بأن ينقل شفهيا إلى كروغلوف كل رغباته التي يمكن إيجازها بأنه يرحب بالحماية الروسية على بلاده. واستعداده لتمكين الروس من اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان أمن الكويت. وقد بالغ عباس علييف وربما بونداريفسكي في عروض الشيخ مبارك على الروس، مما جعل كروغلوف يطلب من عباس أن يعود إلى الكويت للمرة الثالثة ويطلب من الشيخ مبارك أن يكتب طلباته بصيغة مكتوبة وليست شفهية، وقد ذهب بالفعل إلى الكويت ورجع إلى البصرة في يوم 23 أبريل 1901 ليقص على أوسينكو بأن مبارك قرر أن يلخص رغباته كتابيا غير أنه لم يجرؤ على أن يخط على الورق كل أفكاره لأنه كان يخشى أن تستغل هذه الأوراق في حالة وقوعها بيد الآخرين.
وقد أورد بونداريفسكي صورة الرسالة التي بعث بها الشيخ مبارك إلى كروغلوف (ص 467) ولا يوجد في هذه الرسالة المحررة ما يفيد طلب الحماية من قريب أو بعيد، فهي شرح عام لوضع الكويت وما تتعرض له من اعتداءات ودسائس من قبل الأتراك وابن رشيد. ومن ثم فإن مسألة طلب مبارك الحماية الروسية مسألة يكتنفها الشك، بخاصة أن الكويت كانت في ذلك الوقت في معاهدة حماية فعلية مع بريطانيا.
وما يهمنا هنا أيضا أن الوكيل الإخباري علي بن غلوم لم يشر إلى الزيارتين الأخيرتين لعباس علييف، ولم تتحرك عنده الشكوك من تردده على الشيخ مبارك. كما أن علي بن غلوم لم يكتب عن زيارة الطراد الروسي 'فارياغ' الذي وصل جون الكويت في 21 ديسمبر 1901، وكان سفينة من الطراز الأول صنع في العام نفسه وتبلغ حمولته 6500طن، ويحمل 34 مدفعا سريع الطلقات، وعدد طاقمه 570 شخصا. وقد حظيت هذه الزيارة باهتمام كبير من الدوائر السياسية البريطانية والصحافة الإنكليزية والهندية. وقد لقي أوسينكو والبحارة الروس استقبالا حارا من الشيخ جابر المبارك نيابة عن والده الذي كان في الجهراء، وقد قرر أوسينكو الذهاب مع وفد من السفينة على ظهور الخيل إلى هناك حيث استقبلهم الشيخ مبارك وأقام عرضا عسكريا خاصا تكريما للضيوف الروس. وأعرب الشيخ مبارك عن تقديره لهذه الزيارة وعن رغبته في أن يرى السفن التجارية الروسية محملة بالبضائع والسلع الروسية في الكويت.
وبعد سفر 'فارياغ' أرسل أوسنيكو رسالة إلى الشيخ مبارك الصباح بتاريخ 5 من ذي الحجة 1319ه (15 مارس 1902) يشكره فيها على الاستقبال الطيب الذي استقبل به مع ضباط السفينة، ويطلب الحصول على ثلاثة غزلان أو أربعة بحيث تكون مستأنس وغير متوحشة مع ذكر أو اثنين، وأن ترسل إلى بوشهر مع بيان قيمتها. وطلب إبلاغ تحياته إلى الشيخ جابر وجناب الشيخ عبدالرحمن الفيصل.
رد مع اقتباس