عرض مشاركة واحدة
  #35  
قديم 13-02-2010, 07:16 AM
الصورة الرمزية جون الكويت
جون الكويت جون الكويت غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 2,208
افتراضي

الوحدة الوطنية شعار لمرحلة جديدة في الكويت

د. عبدالله الجسمي
الخطاب الذي وجهه سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، على خلفية الأحداث التي جرت مؤخراً، لاقى صدى طيباً عند الكويتيين، لما تضمنه من معان سامية، وتشخيص دقيق للواقع. فقد شدد سموه على أهمية الوحدة الوطنية، وعدم المساس بها، كما حسم مسألة الحديث عن تعديل الدستور، وأكد التمسك الراسخ بالديمقراطية كنهج، وبناء دولة المؤسسات.

والمهمة المطلوبة الآن من الحكومة والقوى الشعبية والمواطنين، هي تجسيد ما جاء في خطاب سموه على أرض الواقع، والاستجابة له، كما هو الحال عندما استجابت جموع كثيرة من الناخبين لخطاب سموه السابق، وأحسن الكثير منهم الاختيار، وجاءت تركيبة للمجلس أفضل من الذي سبقه، على الرغم من وجود البعض من عناصر التأزيم الذين استثمروا الأحداث السابقة للدفع بالتأزيم من جديد. وعليه فعلى جميع المخلصين من أبناء الكويت، سواء أكانوا في الحكومة أم من القوى السياسية أم غيرها، البدء بمعالجة الأوضاع، التي عملت ولاتزال تعمل على التفرقة بين المواطنين، وانعكاس ذلك على المستويين السياسي والاجتماعي.

وفي هذا الصدد، لا بد أن يتحمل كل طرف مسؤوليته في تعزيز الوحدة الوطنية، والحفاظ عليها، بدءاً من الحكومة والقوى السياسية والمواطنين.

سيتركز الحديث في هذا المقال على الدور الذي لا بد أن تلعبه الحكومة في معالجة الأسباب التي أدت للأحداث الأخيرة، حتى لا يتكرر ما جرى مرة أخرى. ولا شك بأن ذلك يقود أولاً إلى تحديد العوامل الأساسية التي تلعب دوراً فاعلاً في التفرقة بين أفراد المجتمع، ألا وهي التعصب الطائفي والقبلي في الدرجة الأولى، ثم تأتي مسألة التمييز بين الشرائح الاجتماعية، وكذلك التمييز بين بعض المجاميع داخل الشرائح الاجتماعية نفسها، وصولاً إلى الولاء والتحيز للعائلة.

ومظاهر التعصب الطائفي والقبلي دونما شك هي أكثر المظاهر تأثيراً على الوحدة الوطنية، والتي ظهرت للأسف خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حيث لم يكن لهذه المظاهر أثر يذكر في المجتمع الكويتي قبل تلك الفترة. ويعود انتشار التعصب إلى عوامل سياسية بحتة جاءت من تسييس القبيلة والطائفة، وزجها في معترك العمل السياسي المحلي، واستخدامهما كأدوات لتحجيم الديمقراطية، وتفريغ الدستور من محتواه الحقيقي.

فقد أسهمت الحكومات السابقة، قبل الألفية الثالثة، في تقسيم الدوائر الانتخابية إلى 25 دائرة، معظمها يقوم على أسس قبلية وطائفية، فكرس التفرقة بين المواطنين، وتحول ذلك من الانتخابات إلى مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع. وعلى الرغم من التعديلات التي جرت على الدوائر، وتحويلها إلى خمس، إلا أن العمل بتقسيم الدوائر الـ 25 لمدة ربع قرن، جذّر للأسف الكثير من المظاهر السلبية في المجتمع، ومنها مظاهر التعصب القبلي والطائفي وحولها إلى أسس لثقافة دارجة، وجزء كبير من ممارسات العديد من السياسيين والمواطنين وسلوكهم اليومي وعلاقاتهم بعضهم ببعض. ويعني ذلك بأن علاج هذه القضية يحتاج إلى الكثير من الوقت، لأن تغيير قيم وقناعات الناس، وسلوكهم يأخذ وقتاً طويلاً، وأي تأخير في المعالجة الجادة لهذه المشكلة، سيعني استمرارها لفترة أطول.

وقضية الوحدة الوطنية، لا بد أن تكون واحدة من أولويات برنامج العمل الحكومي، بحيث يتم تخصيص جانب من عمل الحكومة لها وتوفير الإمكانيات اللازمة لمعالجتها.
هناك ثلاثة أمور أساسية في هذا الصدد. أولها، القضاء على الأسباب التي تدفع الكثير من المواطنين للجوء إلى الطائفة، أو القبيلة، كوسيلة لتحقيق مطالبه، وجانب من حاجاته الأساسية، أو في بعض الأحيان رفعاً للظلم الذي قد يقع عليه في العمل أو غيره.

ويتأتى ذلك من عدم استجابة أعضاء الحكومة للمعاملات التي تأتي من النواب، خصوصاً الذين يصلون للبرلمان على أسس قبلية، أو طائفية، وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، وإلغاء مظاهر التمييز في التعامل، وتحقيق مبدأ المواطنة غير المنقوصة لسائر أبناء الشعب الكويتي، علاوة على تطبيق القانون بحذافيره وعدم التمييز بين فرد وآخر، وفئة وأخرى. فشعور المواطن بالغبن من خلال التمييز، بين المواطنين، يدفعه للالتجاء إلى فئات اجتماعية كي يحصل على حقوقه، أو المعاملة بالمثل.

ويتعلق الأمر الثاني بتعزيز مفاهيم الوحدة الوطنية وغرسها في الأجيال الناشئة عبر مؤسسات التعليم المختلفة والمؤسسات الثقافية الرسمية.
فإذا كان الكثير من الآباء عاشوا خلال العقود الثلاثة الماضية واقعاً ثقافياً سلبياً، ويحمل مضامين كثيرة للتفرقة، فيجب إبعاد الأجيال الناشئة عن ذلك وتبيان مساوئ التفرقة، وأنه لا بديل عن التماسك والترابط بين أبناء المجتمع الواحد، وضرب أمثلة على ذلك أبرزها المجتمع الكويتي القديم، الذي سطر أبناؤه على مختلف مشاربهم، أروع مظاهر الوحدة الوطنية في أثناء الأزمات، أو في واقع حياتهم اليومية.

ويتعلق الأمر الأخير في تعامل الحكومة مع القوى السياسية، والذي تحابي فيه قوى الإسلام السياسي، وفي المقابل تضيق الخناق على القوى الوطنية.
فقوى الإسلام السياسي تتحمل بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، المشكلات الناتجة عن إثارة القضايا الطائفية، وما يترتب عليها من نتائج، ووجودها في المعترك السياسي المحلي يكرس الطرح الديني الفئوي، ويؤثر على نتائج الانتخابات البرلمانية. فهي تكرس جوانب من التفرقة الموجودة في المجتمع، ما يؤثر ذلك سلباً على الوحدة الوطنية.

أما القوى الوطنية، صاحبة الأطروحات النقيضة لقوى الإسلام السياسي، فهي الطرف الشعبي الذي يدعو بشكل فعلي لوحدة جميع فئات المجتمع، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، أو المذهبية أو العرقية، أو الاجتماعية.
بمعنى هي التي تجسد الوحدة الوطنية بشكل حقيقي لرفضها جميع مظاهر التعصب والتمييز والتفرقة بين المواطنين، وتتبنى مفهوم المواطنة القائم على المساواة، ومبدأ تكافؤ الفرص.

لكن للأسف لا تتعامل الحكومة معها على قدم المساواة مع الأطراف السياسية الأخرى، وبالتالي يسود خطاب التفرقة، وتتراجع أطروحات الوحدة، ما يسهم في استمرار الأوضاع كما هي عليه.

إن الخطاب الذي ألقاه حضرة صاحب السمو يؤسس لمرحلة سياسية واجتماعية جديدة، فالتأكيد على التمسك بالديمقراطية، واحترام الدستور، والوحدة الوطنية، يطوي صفحة من تاريخ الكويت السياسي، امتدت لأكثر من ثلاثة عقود تقريباً، لم نر فيها سوى انتشار الكثير من المظاهر السلبية في المجتمع، وتراجع الكويت عن أقرانها في المنطقة، وتوقف مشاريع التنمية وعملية الإصلاح.

جريدة أوان - 6/1/2010
رد مع اقتباس