عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 23-03-2011, 02:04 AM
IE IE غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي

من أين أبدا؟
فالموضوع واسع جدا لأن المجال الذي اختارته المرحومة قمرية محمد أمين كان مجالا واسعا، وهو من المجالات التي اهتمت بها دائرة معارف الكويت منذ نشأتها، ذلك هو مجال التربية البدنية والكشافة. ولقد عملت قمرية في مجال المرشدات وهو فرع من المجال العام الذي تعاقب على القيام برعايته والاهتمام به عدد من أبناء الكويت، وكان حديثي عن المرحوم الأستاذ عيسى الحمد ضمن مقال من مقالات «الازمنة والأمكنة» كافيا للحديث عن بدايات النشاط الرياضي والكشفي الذي قادته في الكويت دائرة معارفها، والمتتبع لأعداد مجلة البعثة منذ صدورها سوف يعرف مدى الاهتمام التي نالته التربية البدنية بكافة فروعها مما يقدم الدلالة الواضحة على ما بذلته دائرة معارف الكويت وبذله أبناؤها من مساعِ جادة وكثيرة في سبيل النهوض بالحركة الرياضية والكشفية في البلاد.
كما ان المتتبع لهذه الحركة سوف يجد عددا كبيرا من الأسماء التي شاركت في نهضة الكويت الرياضية هم مدرسو ومدرسات التربية البدنية الذين ابتدأ بهم العمل في هذا المجال منذ تسلم الأستاذ عيسى الحمد مركزه في دائرة المعارف؛ إذ قد بادر هؤلاء إلى المشاركة في الأعمال المتعددة سواء أكانت في المدارس أم في الأندية التي نشأت بجهود الكويتيين الذين كان نشاطهم بارزا. وإنني حين أحاول ذكر الجميع فإن ذلك من الصعوبة بمكان ولكنني أذكر عددا ممن عاصرتهم وعملت معهم أثناء وجودي في وزارة التربية ومنهم: الأستاذ أحمد مهنا والأستاذ عبدالمجيد محمد حسين والأستاذ فيصل المطر والأستاذ علي حسن العلي وغيرهم كثير رحم الله الجميع وغفر لهم.
هؤلاء هم من تيسرت لي معرفتهم – آنذاك – ولو أردت أن أذكر الأفواج الأولى من رجال التربية البدنية والكشافة لاستغرق ذلك وقتا طويلا لكثرة عددهم، ولكني التزمت بحدود من عرفتهم ممن عملت معهم منذ سنة 1965م حتى سنة 1985م. وأشهد لمن عملت معهم بالجد والاجتهاد والحرص على أداء الأعمال على أحسن صورة من الإتقان.
٭٭٭
كان من بين الأنشطة التي اهتمت بها دائرة معارف الكويت ثم وزارة التربية بعد ذلك النشاط الكشفي ونشاط المرشدات، وقد بُذل في متابعة هذا النشاط جهود كثيرة، وكان العاملون في مجال التربية والتعليم يهتمون جميعا به وعلى رأسهم الشيخ عبدالله الجابر الصباح رئيس دائرة المعارف ثم وزير التربية الذي لم يترك فرصة للتعبير عن تقديره لهذه الجهود إلا اغتنمها فهو يحضر الاحتفالات ويقدم الجوائز، وقد ظل دأبه حتى بعد أن ابتعد عن العمل الوزاري، ومن الدلائل على اهتمامه هذا أننا نجده – دائما – في مقدمة الحاضرين لكل حفل رياضي أو كشفي، وكان يحرص حرصا شديدا على حضور حفلات افتتاح المخيم الكشفي السنوي، وعلى حضور بعض أنشطة السمر التي تقام خلاله مما يعطي هذا النوع من النشاط أهمية تدفع العاملين عليه إلى مزيد من الإنتاج والإتقان.
وعلى هذا النمط الذي سار عليه الشيخ عبدالله الجابر الصباح سارت أنشطة التربية البدنية والكشافة والأشبال والمرشدات والزهرات، وشاركت هذه الحركة الواسعة في كافة المناسبات الخارجية التي تدعى الى حضورها وانتقل أبناء الكويت من مشارق الدنيا الى مغاربها يمثلون وطنهم، ويبرزون جهودهم التي نال صداها الاستحسان في كل مكان.
<<<
من تلك الأمور التي أشرنا إليها آنفاً نشاط المرشدات وهو نوع من العمل التربوي الذي يقام في خارج غرفة الدرس وفق برامج محددة. خاص بالفتيات، ونشاطه يبدأ بالتحاق الصغيرات منهن في صفوف ما يطلق عليه الزهرات، وهو بداية عمل المرشدات لأن هولاء الصغيرات ينتقلن على الأغلب الى المجموعة الأعلى حين يتقدم بهن السن فيصبحن مرشدات.
تحدثت عن كل ما سبق حتى أصل الى الموضوع الذي يدل عليه عنوان هذا المقال. والحق أنه لابد من هذه البداية الطويلة لأن موضوع التربية البدنية والكشافة وموضوع حركة المرشدات في الكويت كلها تقتضي المزيد من الحديث، لأن السيدة التي أريد أن أتحدث عنها هنا لا يستطيع المرء أن يتخيل مكانتها في العمل الذي قامت به حتى يعرف المزيد عن الأنشطة التي تحدثت عنها، وهي سيدة ذات باع طويل في حركة المرشدات لا يمكن أن يتجاوزها أحد ويكفي أن تقول إنها كانت في سنة 1965 أول رئيسة لجمعية المرشدات الكويتية التي تجاوز عمل عضواتها الحدود من الناحية المكانية ومن الناحية العملية، فقد كانت ذات ممارسات واضحة في الكويت وفي خارجها، كما كانت ذات مشاركات في الأعمال الاجتماعية التي تدعوها ظروف الحياة في البلاد الى الإسهام فيها. ولعل رئاسة السيدة قمرية أمين لهذه الجمعية لمدة طويلة كانت من أهم الأسباب التي كفلت استقرار المؤسسة الخاصة بالمرشدات وضمنت تنوع أعمالها، وازدياد مشاركاتها.
ونظراً لقيام قمرية أمين بتحمل الأعباء الكثيرة التي فرضتها على نفسهاعندما ارتضت العمل في مجال المرشدات ثم في مجال جمعيتهن، ونظراً الى أنها كانت من المبادرات الى هذا العمل النبيل الرائدات في مجاله، فقد كرمتها الجمعية في حفل أقيم بمناسبة اليوبيل الذهبي للحركة وذلك برعاية السيد جاسم محمد الخرافي رئيس مجلس الأمة، وأطلقت عليها يومذاك لقب: أم المرشدات، وهي تستحق هذا لكل ما قامت به من أعمال خدمت بها حركة المرشدات في الكويت وفي خارجها حتى اكتسبت سمعة دولية واسعة من أجلها رشحها اجتماع اللجنة العالمية الخامس والثلاثون عضواً في لجنة تقييم الأعمال لجائزة Olave Award. ودعيت لحضور المؤتمر العالمي الكشفي الذي عقد في لندن سنة 2011، ولم تتمكن من الحضور.
ولقد كانت حركة مستمرة، ولا أقول إنها كانت متحركة باستمرار، لأنها هي الحركة المندفعة التي لا تعرف التردد وكانت تتقن عملها وتعرف أهدافها، ولذلك فلم يكن هناك ما يعيقها عن إدراك ما تريد. وهي الى جانب ذلك واسعة الاتصال بالحركات المماثلة، لها معارف وصداقات في كل مكان. يراها الناشطون في الميدان الكشفي في بريطانيا مرة وفي اليابان أخرى، كما يرونها في جنوب أفريقيا وفي الفلبين وفي فرنسا وأمريكا، وغيرها من بلدان العالم إضافة إلى دول الخليج العربية، وباقي دول الوطن العربي.
تحدثت عن عملها منذ بدايته فقالت:
- أول وظيفة عملت بها: مدرسة مواد عامة بمدرسة الشرقية المشتركة.
- تمت ترقيتي إلى وظيفة رئيسة قسم الزهرات والمرشدات بإدارة التربية البدنية والكشافة في 1965/9/1.
- تمت ترقيتي بالاختيار من الدرجة الرابعة إلى الدرجة الثالثة طبقا للقرار رقم (35995) الصادر في 1972/12/18.
- تم تعديل لقبي الوظيفي من رئيسة قسم المرشدات إلى مفتشة للمرشدات في 1973/11/4 طبقا للقرار رقم (و ت/ ت ب/ 3940/121/3).
- رقيت إلى موجهة فنية أولى للتوجيه الفني للمرشدات بإدارة التربية البدنية والكشافة طبقا للقرار رقم (و ت/ ت ب/ 6684/121) الصادر في 1974/9/19.
- عينت أول رئيسة لجمعية المرشدات الكويتية سنة 1965 وطبقا للقرار الوزاري رقم (95/94) الصادر في 1975/1/23 وبناء على قرار مجلس الوزراء الموقر المتخذ في جلسته رقم (74/48) بتاريخ 1974/11/10 والخاص بإحالة الإشراف الكامل على الحركة الكشفية إلى وزارة التربية ثم بتاريخ 1974/11/10 تشكيل مجلس إدارة جمعية المرشدات الكويتية وعينت رئيسة للجمعية.
- رشحت ضمن الوفد الذي مثل وزارة التربية في العيد السادس للرياضيين والجمباز الذي أقيم في مدينة لايبزج في ألمانيا الديموقراطية في الفترة من 1977/7/31-25 وطبقا للقرار رقم (79911).
- حضرت المؤتمر الكشفي العالمي الذي عقد في طوكيو عام 1970.
- حضرت الدورة التي أقامها المكتب العربي للمرشدات بالخرطوم في الفترة من 77/12/2-5 طبقا للقرار الوزاري رقم (77/653) الصادر في 77/11/14».
ثم استأنفت حديثها فقالت:
- توفي زوجي في 1980/2/19.
- رقيت بالاختيار إلى الدرجة الأولى في 1980/9/15 طبقا للقرار رقم (و ت/ش/أ/ 5 /م/ 7822/3) المؤرخ في 1980/9/25.
- رقيت إلى موجهة فنية عامة للمرشدات في 1980/10/30 طبقا لقرار النقل رقم (و ت/ ش/ أ/ 5 / م 14357-2).
وتماشيا مع سياسة مجلس التعاون الخليجي قمت بدعوة أعضاء مجالس إدارات جمعيات المرشدات في دول مجلس التعاون الخليجي وتم عقد أول اجتماع في دولة الكويت في عام 1983 وتم اختياري رئيسة لأعضاء مجالس إدارات جمعيات المرشدات بدول مجلس التعاون الخليجي.
- تم انتخابي أمينة عامة للمكتب العربي للمرشدات وطبقا لقرار مجلس الوزراء الموقر المتخذ في جلسته رقم (48/18) بتاريخ 7/15م والخاص بالموافقة على استضافة ونقل مقر المكتب العربي من السودان إلى الكويت طبقا للقرار المتخذ في المؤتمر العربي التاسع للمرشدات الذي عقد في المملكة الاردنية الهاشمية في 1984/3/25 تم انتخابي بالاجماع أمينة عامة للمكتب العربي للمرشدان.
- نظمت اول دورة عقدت لاعضاء مجالس ادارات جمعيات المرشدات في الدول العربية بالكويت خلال الفترة من 1985/1/28 الى 1985/2/8.
- قمت بالتخطيط والتنظيم والاعداد والتنفيذ لاجتماعات اللجنة العربية للمرشدات اعتبارا من الاجتماع الثامن عشر الذي عقد بالكويت أيضاً.
والاجتماع التاسع عشر الذي عقد بالكويت.
والاجتماع العشرين الذي عقد بالبحرين.
والاجتماع الحادي والعشرين الذي عقد في جمهورية مصر العربية طيلة فترة استضافة دولة الكويت للمكتب العربي للمرشدات.
- سعيت لتشكيل اول لجنة عربية للتدريب وتم تشكيلها ووضع اللائحة التنظيمية لأعمالها التي وافقت عليها عضوات المؤتمر العربي العاشر للمرشدات الذي عقد في صنعاء صيف عام 1986.
هادفة لتنمية القوى البشرية ومسايرة للتطور العصري في التدريب ووضع نظام موحد لمستويات القيادة وتأهيلهن ليصبحن اكثر كفاءة وتأثيراً وعطاء لحركة المرشدات داخل اوطانهن.
- تنظيم المؤتمرات العربية للمرشدات اعتباراً من المؤتمر العربي العاشر للمرشدات الذي عقد في صنعاء بالجمهورية العربية اليمنية في يوليو 1986.
والمؤتمر العربي الحادي عشر الذي عقد في دولة الامارات العربية في ديسمبر 1988.
- وتنظيم وعقد الدورات التدريبية العربية للمرشدات التي عقدت في كل من:
-1 بئر الباي بتونس في الفترة من 1985/2/5-2.
-2 اليمن في الفترة من 1985/2/18-12.
-3 سلطنة عمان في الفترة من 1986/2/16-10.
-4 الاردن في الفترة من 1987/2/24-17
- قمت بوضع اللائحة الأولى للمخيمات العربية للزهرات وقد تم تنفيذ المخيم العربي الاول للزهرات في مدينة الاسماعيلية بجمهورية مصر العربية صيف 1986.
- اقامة المخيم العربي الثاني للزهرات في الكويت خلال الفترة من 1988/1/17-11.
- تنظيم المخيمات العربية للمرشدات التاسع الذي عقد في المعسكر الدائم لجوالة جامعة الازهر صيف عام 1985.
- والمخيم العربي العاشر الذي عقد في الرباط بالمملكة العربية صيف 1988.
- تمثيل المجموعة العربية في اجتماعات اللجنة التحضيرية لوزراء الشباب العرب بتونس بجامعة الدول العربية.
- حضوري اجتماعات اللجنة العالمية للمرشدات لتمثيل المجموعة العربية وتقديم تقرير لنشاطات المجموعة العربية في كل من الاجتماعات:
- الاجتماع الثاني والسبعين للجنة العالمية في مارس 1985.
- الاجتماع الرابع والسبعين للجنة العالمية للمرشدات في مارس 1987.
- الاجتماع الخامس والسبعين للجنة العالمية للمرشدات في مارس 1988.
- حضوري المؤتمر العالمي للمرشدات الخامس والعشرين الذي عقد في نيويورك في يوليو 1984 والذي قمت فيه بإلقاء كلمة عن أثر حركة المرشدات على المرأة العربية.
- والمؤتمر العالمي السادس والعشرين الذي عقد في كينيا صيف عام 1987.
- سعيت لتسجيل كل من جمعيات المرشدات في دولة الإمارات وسلطنة عمان والجمهورية العربية اليمنية في اللجنة العالمية للمرشدات من أجل حصولهن على العضوية المنتسبة والكاملة والتقدم بطلب قبول فلسطين عضوا مراقبا حتى يمكن حضورها المؤتمرات العالمية للمرشدات.
- قمت بالعمل على إصدار المطبوعات التي تهم حركة المرشدات.
- منحت العضوية الفخرية للجنة العالمية للمرشدات في مارس 1991. وذلك تقديرا للجهود التي بذلتها خلال فترة عملي أمينة عامة للمكتب العربي للمرشدات وممثلة للإقليم العربي في اللجنة العالمية خلال الفترة من عام 1984 – 1988 وتقديرا للدور البارز الذي قمت به في نشر حركة المرشدات على النطاق المحلي والعربي والدولي.
- حضرت المؤتمر العالمي الثامن والعشرين الذي عقد بالدنمارك في الفترة من 1993/6/30 إلى 1993/7/10 تحت شعار «تحدي اليوم من أجل المستقبل».
- حضور المؤتمر العالمي التاسع والعشرين المنعقد بكندا في الفترة من 7/16 إلى 1996/7/24 تحت شعار «اتجاهات جديدة».
- حضرت المؤتمر العربي الثالث عشر المنعقد بالقاهرة خلال الفترة من 4 إلى 8 ديسمبر 1993.
- تم ترشيحي في اجتماع اللجنة العالمية الخامس والثلاثون عضواً بلجنة تقييم الأعمال لجائزة Olave Award.
- حضرت المعسكر الدولي للمرشدات بجمهورية مصر العربية في الفترة من 17 – 25 أغسطس 1994 ببورسعيد بناء على الدعوة الموجهة من جمعية المرشدات المصرية المركزية.
- حضرت المخيم العربي الرابع عشر للمرشدات بجمهورية مصر العربية بمحافظة بورسعيد خلال الفترة من 5 – 1997/8/13».
٭٭٭
وبعد هذه الجهود المتعددة الجوانب في وزارة التربية وفي جمعية المرشدات الكويتية، تقاعدت قمرية أمين عن العمل في سنة 1990م. ولكنها لم تركن إلى الراحة بل استأنفت عملا جديدا فقد التحقت بشركة المشروعات السياحية منذ اليوم السابع والعشرين من شهر مايو لسنة 1990م. وكتبت عن ممارستها للعمل في هذه الشركة ما يلي: «عينت بشركة المشروعات السياحية بتاريخ 1990/5/27 بالوظائف التالية:
- مشرفة لنادي رأس الأرض البحري للسيدات.
- رئيسة قسم العلاقات العامة بالشركة.
- رئيسة للقسم الإداري بمجموعة الأنشطة الترويحية.
- رئيسة لقسم التسويق بالمجموعة الترويحية.
- كلفت مشرفة لنادي الشعب البحرين بتاريخ 1992/11/7.
- كلفت بالإشراف على نشاط السيدات بشاطئ المسيلة لصيف 1994 بالإضافة إلى عملي.
- كلفت بالإشراف على نشاط السيدات بمجمع أحواض السباحة خلال السنوات 98-97-96 بالإضافة إلى عملي رئيسة لقسم التسويق بمجموعة الأنشطة الترويحية ولاأزال أعمل بالشركة حتى تاريخه».
هذا ومع كل هذه المجموعة الكبيرة من الأعمال، فإننا لم نستكمل كل ما قامت به خلال مسيرتها الحياتية إذ إن المجال كان واسعا أمامها من أجل العمل وفي الوقت نفسه فقد كان لديها الاستعداد الكبير لاقتحام هذا المجال بجهد يعجز عنه الكثيرون.
٭٭٭
كنت أحاول الابتعاد عن هذه المرحلة، لأنها هي المرحلة القاسية علينا فهي التي تضمنت وفاتها، لقد فجعت وفجع كل من يعرف جهود هذه المرأة العاملة لوطنها المحبة له حين أطلق علينا نبأ وفاتها في اليوم الحادي عشر من شهر يناير لسنة 2011م. ولقد كان خبرا حزينا مؤلما نزل عليّ كنزول الصاعقة، حتى أنني لم استطع أن أخط كلمة واحدة أنعيها بها لشدة ذلك علي، ولقد فكرت كثيرا في كتابة مقال عنها ضمن «الأزمنة والأمكنة» في جريدة «الوطن» ولكني تأخرت قليلا. أما ما أعادني إلى الكتابة فهو اتصال هاتفي من الإبنة العزيزة أسيل أمين وهي ابنة أخ المرحومة قمرية، كانت تخبرني بأنها سوف تكتب مقالا واسعا عن عمتها لكي تنشره في إحدى صحف البلاد، وقد رحبت بها واستمعت إلى حديثها عن رغبتها التي أشرت إليها هنا، كما وعدت بتلبية طلبها بالمشاركة في هذا المجهود. وقد حضرت إلى مركز البحوث والدراسات الكويتية حيث قدمت لي بعض الصور والأوراق الخاصة بالمرحومة قمرية أمين، ثم تحدثت عن مقالها المنتظر. ولقد نفذت وعدي بأن كتبت لها ما أرادت وأرسلته إليها. ولما كانت قد أبلغتني فيما بعد بأنها سوف تقتطف منه مقتطفات تضمها إلى عملها، ولن تتمكن من نشر ما كتبته لها كاملا فقد وجدت أن من الأفضل أن أورد هنا في نهاية مقالي ذلك النص المعبِّر عن مشاعري تجاه الفقيدة لأنه من غير الملائم ألا يُقدّم كاملا حرصا على أداء واجبي للقراء، وحرصا على تجديد ذكرى الراحلة الكريمة، وهذا هو ما كتبته دون إضافة أو نُقصان:
«تمر على الإنسان مفاجأة من مفاجآت الحياة تجعله يسترجع كل ما يتعلق بهذه المفاجأة من ماضي أيامه، بل وتثير أحزانه وتملأ نفسه بالأسى لفقدان من زامله في عمل أو رافقه في طريق الحياة. ولقد صحوت ذات يوم من الأيام القليلة الماضية على خبر في الصحف عن حدث أليم هو وفاة الأخت العزيزة المربية قمرية محمد أمي، فكانت وفاتها مفاجأة مؤلمة لي، ولكل من سار معها في درب العمل بوزارة التربية هنا. ولقد أعدت على نفسي ذكريات من أيام العمل حين كنت أراها تقود مجموعات من المرشدات الكويتيات يحصلن منها على الخبرة وعلى ما تتمتع به من قدرة على العمل المستمر دون كلل أو ملل. وفوق هذا فإنهن يقتدين بها بما يرونه من حسن معاملتها لهن ولزميلاتها العاملات معها في الحقل نفسه، وبما يشاهدن من تمتعها بأخلاق عالية فهي نعم القدوة للفتيات المرشدات وهن في بداية طريق حياتهن.
احبت قمرية امين عملها في وزارة التربية، وانكبت على تطويره، وذلك بالتدريبات المستمرة التي تقوم بها وبالمشاركة في مختلف الانشطة التي تقام في الكويت وفي خارجها، وكل هذا اكسبها خبرة عميقة في مجال المرشدات جعلها تعنى بتأسيس جميعة المرشدات الكويتية وترأس مجلس ادارتها لفترة طويلة من الزمن، ويكفي للدلالة على حسن ادائها في هذا المجال الرحب الذكرى الطيبة التي تركتها بين منتسبات هذه الجمعية فهنّ يذكرن لها القيادة الحكيمة والصبر والجلد على العمل، والتعامل مع الجميع بروح المحبة والاخلاص.
لقد كنت مع قمرية امين على ميعاد واحد في مجال عملها الذي اشرت اليه، فقد كانت بداية عملها في سلك التدريس بالمدرسة الشرقية المشتركة.
ولكنها انتقلت في اول يوم من ايام شهر سبتمبر لسنة 1965م الى ديوان الوزارة فصارت رئيسة لقسم الزهرات والمرشدات بادارة التربية البدنية والكشافة وقد كان من الصدف الجميلة انني انتقلت الى هذه الوزارة للعمل بها في السنة نفسها، فكانت لي فرصة للاطلاع على كثير من الانشطة التي كانت الاخت قمرية تمارسها، وكنت احضر عدداً من المخيمات التي تقيمها لبناتها الزهرات او المرشدات، ولقد وجدت ان عملها كان في منتهى الاتقان، وانها تؤديه باخلاص تام، وكأنها لم تخلق الا لهذا العمل، وفوق هذا فقد كانت ذات عقل مفكر، وارادة وعزيمة قويتين، ولذا فاننا كنا نراها في الاجتماعات التي تناقش فيها بعض نواحي العمل في الوزارة تدلي برأيها بصراحة وحزم، فتقنع الحاضرين بصواب رأيها وصحة توجهها.
أما عملها الخارجي الخاص بنشاطها في مجال المرشدات فقد كان نشاطاً واسعاً لا يحصره ورق، وكانت في سبيل اثبات وجود حركة المرشدات والزهرات في الكويت لا تتردد في الانتقال من بلد الى آخر، وحضور مؤتمر هنا وآخر هناك حتى صنعت لها اسما عالمياً معروفا بين كل الناشطات من أمثالها، ولعل بروز نجمها في المؤتمرات والمخيمات العالمية من أهم الاسباب التي حملت منظمات المرشدات العربية على اختيار الكويت مقراً للمكتب العربي للمرشدات واختيارها – بالاجماع – أمينة عامة لهذا المكتب.
ونتيجة لكل هذه الخبرات فقد قامت بكتابة عدد من المطبوعات المهمة التي استفادت منها المرشدات كافة مثل: اللائحة التنظيمية لجمعية المرشدات الكويتية، وكتاب المرشدات والزهرات، وتقرير عن الوقائع والاحداث التي تمت خلال المؤتمر الثاني والعشرين الذي عقد في انجلترا في شهر يوليو لسنة 1975م. ولها – ايضا – كتاب يضم صورا ونصوصا لأنشطة الزهرات والمرشدات وغير ذلك.
هذا وقد قامت بعمل غير مسبوق في الكويت حين تولت اعداد وتنفيذ اللوحات الخلفية التي تقوم بها المرشدات في المهرجانات الرياضية، وقد طبعت هذه اللوحات في كتابين، وكانت قمرية اول من قدم هذا العمل في الكويت.
اسعد العاملين في الوزارة نبأ خطبتها ثم زواجها من المرحوم فيصل عيسى المطر، وقد كان من العاملين في وزارة التربية بوظيفة مدير ادارة التربية البدنية والكشافة، ولقد كان الزوج والزوجة من احب الناس الى العاملين معهما سواء أكان عملهم في جهاز التربية البدنية أم في باقي اجهزة الوزارة.
وفي مقابل سعادة الجميع سرعان ما خيَّم الحزن عليهم عندما علموا بمرض الأخ فيصل، وكان مرضه شديداً في تلك الأيام لأنه مرتبط بالكلى، ولم تكن الاستعدادات كافية هنا لعلاجه فانتقل بين بريطانيا وفرنسا من اجل زراعة كلية له بدل كليته التالفة، وكنا – جميعاً - نتتبع أخباره وندعو له بالشفاء ولقد زرته في هذين البلدين وكانت زوجته قمرية حوله لا تنقطع عنه لحظة، وكانت تحوطه بالرعاية والعناية مما زادنا اكباراً وتقديراً لها.
رحمها الله رحمة واسعة ورحم زوجها فيصل المطر، ويكفي أن نقول انهما على البال دائما. وان وفاتها المفاجئة كانت السبب في إثارة كل هذه الاشجان.
٭٭٭
بقيت كلمة اخيرة اسوقها في نهاية مقالي الذي خصصته لذكرى المربية التي فقدناها: قمرية محمد أمين، وهي ان المتتبع لحديثي يلاحظ انني ذكرت عدداً من المبدعين في مجال التربية الدينية والكشافة، الذين سعدت بالعمل معهم وهناك عدد كبير قد سبق الى هذا الميدان وعدد آخر لا يزالون احياء يعيشون بيننا اطال الله في اعمارهم جميعا، وقد نظرنا الى هذا العدد الكبير من القياديين ومستواهم في عملهم ونكرانهم لذواتهم لا يرغبون في مال ولا جاه ولا سيادة على احد، ولكنهم عملوا واخلصوا للعمل ذاته وللوطن وابنائه، وقد ذهب الزمن الذي جاء لنا بأمثال اولئك الرجال والنساءواصبحت الاجواء مختلفة تماماً تسيطر عليها المادة وحب الذات والاطماع في المناصب، لم تعد لنا نماذج من ذلك الجيل الراحل وان كانت الكويت لا تخلو من أمثالهم، ولكن القائمين على هذه الاعمال لا يريدون احدا معهم ولا يحبون ان يروا من يمتدحه الناس على عمله الذي يبدع فيه فالأنانية عندهم هي المسيطرة، وليس لنا إلا ان ندعو هؤلاء الى افساح الطريق لجيل جديد يعمل على خطى السابقين وباخلاصهم نفسه.


د. يعقوب الغنيم - جريدة الوطن 23/3/2011
__________________
"وَتِـــلـْــكَ الأيّـَــامُ نُـــدَاوِلـــُهَـــا بـَـيـْـنَ الـــنَّـــاسِ"
رد مع اقتباس