الموضوع: العرب
عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 08-07-2011, 04:00 PM
ندى الرفاعي ندى الرفاعي غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 693
افتراضي


تحفة لطيفة

جاء رجل إلى نافع القارئ فقال: في كتاب الله {يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} الأعراف57، فهل من وجه صحيح آخر تعتد به لغة العرب؟ فقال: نعم، أنا أقرأها بالباء، وقرأها ابن كثير وأبو عمرو نُشراً، وابن عامر نُشْرا للخفة من الضم على أنها جمع نَشور، نحو زبورٍ وزُبُرٍ وزُبْرٍ، وصُبورٍ وصُبُرٍ وصُبْرٍ، وجاء جمع ناشر، كنازل ونُزُلٍ، وحمزة والكسائي نَشْراً، على أنه مصدر نشر ينشر ونصبه على أنه مفعول مطلق، لأن يرسل الرياح في معنى ينشر نشرا، وحال أي ناشرة كما تقول أتاني ركضاً أي راكضاً، أو ذات نشر، وعاصم قرأها بُشراً بالباء بدلاً عن النون وسكون الشين تخفيفا من الضمة، لأن الأصل بُشُرا وهو جمع بشير، مثل قليب وقُلُب، وشاهده قوله تعالى: {يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}الروم46. قلت وقد يجيء على بُشرى نحو حُبلى، أي ذات بشارة، وبَشْرا، بفتح الباء وسكون الشين، وهو مصدر بَشر، يقال بشرته بشرا، ويُقرأ شاذا على هذين اللفظين لكونهما في كلام العرب، ويقرب منهما يا بشرايَ هذا غلام، والبُشرى من البِشر شيء تهش له طباع البَشَر، من الأخبار المسرة، التي تفعل في كونية المرء بمعناها فعل المادة، وفي الخبر "بشِّروا ولا تنفروا"، والبِشر بكسر الباء وسكون الشين، وفدٌ شرقي كان يأتي للأمراء والعظماء بالبشائر، فأطلق عليه هذا، وقال الشرف المنبجي:

وما أن جئتكم إلا كبشر *** تطيب به السمارة والمقامُ
وأقبح ما يرى العقلاء معنى *** إذا ما ضُمِّن الهجر الكلامُ

*****

فتدبر أيها اللبيب لغة العرب، وافهم انبلاج أنوارها ورقيق أسرارها، وكن عربيا محضاً، أو استعرب باللغة والمحالفة، حبا بالنبي صلى الله عليه وسلم وإياك والازدلاف إلى العصبية، ففي الحقوق الآدميون كلهم واحد، وفي الدين فالمؤمنون إخوة، والجنسية للتعارف وعدم التناكر، فاحفظ هذه القاعدة، ولا تكن فظأ في جنسيتك غليظ القلب، وقد خوطب الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِك} آل عمران159، وقد بعثه الله رحمة للعالمين، وجاء حريصا على المؤمنين، بل هو بهم رؤوفٌ رحيم. كل ذلك أوضحه لنا كتاب الهي الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِه} فصلت42. ورأيت لشيخنا الإمام الرواس قدس سره، في بعض مكتوباته مستدركا على بعض اللغويين ما نصه: "العِرْبَة التأسيس المتين للمجد المفصخ بظاهره عن حاله، بحيث لا يحتاج رب العِرْبة أن يقرر عن مجده بشيءٍ ما، وهذا شأن العرب العاربة، وإن بغي بعضهم على شرائع الله فبادوا، غير أن لوازم المجد كانت عندهم على الغالب محفوظة، فهم من المؤسسين للمجد العربي، وما نفع ذلك لنقصانه بمخالفة كتب الله وأنبيائه، حتى جاء المكمل الأعظم صلى الله عليه وسلم صاحب برهان {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينا} المائدة3، فأيَّد الله به العوالم، وبورّاثه من آله وأصحابه العرب، وتمت كلمة الله، والحمد لله رب العالمين.
رد مع اقتباس