عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 17-02-2008, 07:08 PM
IE IE غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,658
افتراضي

في هذا البحث سأتحدث عن شخصية هذه المرأة العتيدة ووفائها لمن يقف الى جانبها وقت الشدة.
كانت موضي العبيدي ـ وذلك بعد وفاة زوجها الاول بن براك ـ مجاورة لعلي محمد راشد الفرحان ومصادقة لمريم احمد العامر جارتها المقابلة لبيتها في فريج الفرج، ومريم زوجة صالح محمد الفرحان، وعلى هذا كان هناك نوع من الالفة بين ال العبيدي ومريم وخصوصا صالح، وذلك بسبب مجاورتها لشقيقه علي الفرحان ومصادقتها لزوجته مريم العامر، لذا كان صالح الفرحان يعطف عليها وقت الشدة، ففي وقت فراغه كان يذهب الى صيد السمك فيأتي بـ «ايدام» لبيته ولبعض الاقارب ومنهم موضي العبيدي «الايدام، هو السمك واللحم عندما يطبخ مع الارز».
وفي ذات مرة كان صيده وفيرا من سمك «الشيم» فكان نصيب الشاعرة العبيدي وافرا انذاك من السمك.
وعلى هذا فقد ردت على هذا الاحسان بهذه القصيدة التي كنته بها باسم ابنه «سعد» فنادته (ابو سعد)، ودعت لجارها ابو يوسف «علي الفرحان» بالزواج بعدان توفيت زوجته ام يوسف «حصة»، فتقول:
بياض يلي وصلني بالغنيمة
ابو سعد يعله بالجود يلقاه
اللي عز حقي من الصيد شيمه
ويدري اني من الشين ملفاه
يا الله عسى الدهر ما يضميه
واخوه علي يعله بالجود يا فاه
ويرزقه الله بزوجه حليمه
بعد ام يوسف راحت بجافاه
تقول بيض الله وجهك يا ابو سعد على هذه الغنيمة من هذا الصيد الثمين ـ الشيم ـ وهو من احسن انواع السمك، وكما يقولون «الشيم ماكول الحشيم» وان أبا صالح يعرف باني لا اكل من السمك الا الجيد.
وتدعو عسى الدهر لا يجعله في ضيم وان يجعل الله بوجه اخيه «علي» الجود والكرم وان يهيىء له زوجة حليمة صالحة بعد فقده لزوجته ام يوسف.
انظر كم هي ذات شخصية كبيرة وفية، فمن قصائدها تستطيع فهم نفسيتها ونوعية معدنها وكيف انها من النوع الذي يفرض احترامها على الجميع.
في احد الايام كان ابنها محمد قد اختلف مع احد ابناء الحي فأخذ يتكلم على ابنها بكلام غير لائق، وحينما رجع الابن الى منزله غاضبا وروى لها ما حدث وما دار من كلام، نظمت الابيات التالية في ذلك الشاب الذي كان اسمه «زامل»:
زملان وش لك في صغير الركايب
وش انت شايف من الخلل برفاقتك
يا ابو ضروس كنهن الحنايا
مثل النصايا عثعثن واصلح يدك
حرم عليك مردوفات الشنايا
الا عجوز تجتلب وسط حلتك
تجورك منها..
والا يجتلب فوق لحيتك
عندما سمع والد زامل هذه القصيدة لم يطق المقام في هذا الحي امام هذا الهجوم الكاسح من موضي العبيدي عليهم وانتقل الى منطقة اخرى مبتعدا عن هذا الخلل الذي اصابهم.
كانت قصة زامل الذي اطلقت عليه الشاعرة «زملان» هي بالمعنى المعروف «المنهزم»، فكيف حرفت هذه المرأة هذه اللفظة وهي زامل الى زملان بتعديلات بسيطة وخرجت منها بأن هاجمته بنفس لفظته وبأسلوب مهذب جعله لا يعود مرة اخرى الى مهاجمة ابناء الناس بالكلام.
وكانت موضي العبيدي في احد الايام سارحة تعيش في عالم الاحلام بعد ان فقدت ولدها الثاني «عبدالعزيز» الذي غرق في البحر، وقد جاءت زوجة ابن رشود مع زوجها لعزائها بهذا المصاب الجلل الذي جعلها تزرأ في فقدان ولدها، واخذ ابن الرشود يسمعها كلمات التصبر والتضرع الى الله والدعاء على هذه المصيبة التي حلت بها، فما كان منها الا ان ردت عليه بنفس المقام بابيات تظهر بها حرقة قلبها فتقول:
يا رشود قوم دن القلم والدواتي
واكتب ابيات من ضميري امنيات
واعرف تراني عايفه من حياتي
من فرقته يا رشود جريت ونات
وجدي عليه من ظل غادي
..................................
او خلفتن تذكر مع ذود بادي
قامت تفشي البر واحوار هامات
يذكرني هذا البيت الاخير بالقصيدة المشهورة لمحمد العوني الخلوج، وهي التي قالها تحريضا لاهل نجد لاسترجاع وطنهم من حكم الرشيد، وقد استوحى العوني هذه القصيدة الطويلة من منظر شاهده في قصر الشيخ مبارك الصباح بالسرة اذ كان ضيفا عليه بتلك الفترة، فنذكر مطلع هذه القصيدة برواية خالد محمد الفرج الشاعر والاديب المعروف في تلك الفترة، ويجب ان تعلم ان الخلعة والخلوج هما اسمان للناقة:
خلوج تجز القلب بتلا عوالها
تكسر بعرات تحطمن سلالها
تهيض مفجوع الضمير يحسها
الى طوحت حسه تزايد هجالها
له انا يا ناق كفي عن البكا
لا تجثين النفس عما جرى لها
لا تفجعين البال بالله هودي
ولي خلوج خيث البين بالها
وفي رواية عبدالله الحاتم في كتابه «خيار ما يلتفظ من الشعر النبط» يقول:
خلوج تجر الصوت باتلي عوالها
وان طوحت صوت تزايد اهجالها
تهيض مفجوع الضمير بحسها
تكسر بعبرات يحطم اسلالها
كد قلت لك جوزي من البكا
ولي خلوج خبث البين قالها
ان الذي ينظر الى الروايتين لهذه الخلوج في شعر العوني ويرى الخلوج في شعر موضي العبيدي يجد السبك الموسيقي عند موضي اظهر وارق واخف على السمع.
بهذه المقارنة بين موضي العبيدي والعوني انهى هذا البحث، واقف في الحديث عن هذه الشاعرة العتيدة حتى نتحدث في حديث اخر وقصة اخرى في حياتها التاريخية العجيبة.
__________________
"وَتِـــلـْــكَ الأيّـَــامُ نُـــدَاوِلـــُهَـــا بـَـيـْـنَ الـــنَّـــاسِ"