مكتبة الراحل عبدالعزيز حسين عملاقة بكل المقاييس فمقتنياتها تصل إلى العشرين ألف كتاب منها المتداول والنادر والمخطوط ونظرا لدراسته في الأدب والتربية وبعدئذ دخوله السلك الدبلوماسي وإجادته رحمه الله للغة الإنجليزية فإن هذه الكتب متنوعة تنوع اهتماماته ومجالات عمله، وتنفيذا لوصية الراحل فإنه قد صدر قرار من وزير الإعلام الأسبق الشيخ سعود الناصرالصباح، وبتوجيه من حضرة صاحب السمو أمير البلاد بأن يخصص الجزء الخاص بالمكتبة بمركزعبدالعزيز حسين بمشرف لحفظ مجموعته وأن تفتح للجمهور كمكتبة عامة، وستقوم مؤسسة الكويت للتقدم العلمي وبعض الشخصيات الكويتية بتحمل نفقات تجهيز المقر.
_______
نموذج للأناقة والترتيب
آخر جولاتنا الاستطلاعية في المكتبات الخاصة كانت في مكتبةالقاصة والروائية ليلى العثمان، وتتميز هذه المكتبة باهتمام فائق في نظافة وترتيب المقتنيات من الكتب في خزائن بيضاء جميعها مغلقة إما بأبواب زجاجية أو بأبواب خشبية، وفي واقع الحال فقد أضفت عليها صاحبتها اللمسة الأنثوية الرقيقة والأنيقة، ومن وراء الزجاج تطل على الناظر رزم الكتب متآلفة مع بعضها البعض، وكل حزمة لمؤلف، هو تنظيم مزاجي للكاتبة.
وعن هذا الاهتمام والترتيب تقول ليلى العثمان: إن علاقتي بالكتاب بدأت في مرحلة الدراسة الابتدائية وفي ذلك الوقت كنت أقرأ مجلتي المصور وآخر ساعة اللتين يجلبهما أخي الكبير باستمرار، وكنت أهتم بحصة المكتبة التي ألغيت من مناهج الدراسة اليوم، وفي كل زيارة أستعير كتبا أقرأها ثم ألخصها وهذا متن العلاقة بيني وبين الكتاب، بعد ذلك تحولت لاقتناء الكتب وأولعت بقراءة الشعر وحفظه فصرت أهتم أيضا بمجلة الآداب ومازلت مستمرة بالقراءة إلى اليوم، وبعدما نقلت مكتبة والدي بعيد وفاته إلى وزارة التربية بدأت تأسيس مكتبتي في 1965، ولدي الآن مكتبة أخرى ضخمة أيضاً بمنزلي في لبنان، ولا أجلب من كتبي التي أشتريها هناك إلا ما أحتاج إليه وأراه ضروريا في الكويت، ولا أعرف عدد الكتب التي في مكتبتي سواء هنا أو في لبنان.
ومكتبة السيدة ليلى العثمان لا تنحصر في حجرة محددة وإنما هي موزعة في ثلاثة أماكن أحدها في الطابق السفلي والثانية في الطابق الأول والثالثة في الطابق العلوي حيث تجلس أثناء خلودها للكتابة.
وعن مشاعرها نحو الكتاب تقول السيدة ليلى: إن علاقتي بالكتاب كعلاقة الأم بولدها وليست علاقة إنسان مع شيء جامد، أشعر أن الكتاب روح فهو يحتوي على حياة أناس ربما يكونون قد رحلوا من بيننا ولكنهم يعيشون على الورق، ولذلك فإنني لا أترك المكتبة عرضة للغبار أو للبعثرة، فالعلاقة بيني وبين الكتاب علاقة حميمة، أطمئن دائما على الكتب لأعدل المائل منها وأمسح عنها الغبار وأنظمها إلى جانب بعضها بشكل متناسق للمحافظة على شكلها العام، ومكتبتي تخلو من الكتب القديمة ومن المخطوطات وجميعها كتب متداولة ولكن في مختلف جوانب الثقافة.
وعن مقتنيات المكتبة تقول: للإهداء دور كبير في مكتبتي وأعتز بما يصلني من الزملاء، أمسكت برواية (سماء نائية) أمامها وقرأت لي كلمات لطيفة من إهداء إسماعيل فهد إسماعيل، وتبين ليلى العثمان أن مشكلتين تعاني منهما في مكتبتها وهما: الدوريات التي تتكدس كل شهر بكميات كبيرة وهي مشتركة بأعداد هائلة من الدوريات العربية وعليها مطالعة هذه الدوريات لتأخذ ما يعنيها منها، والثانية هي قضية الأرشيف الشخصي لها ككاتبة، فهي تجمع كل ما نشرته أو ينشر عنها وتؤرشفه في ألبومات وفق الجانب أو المجال الذي جاء فيه المقال، وتهتم أيضاً بكل ما يكتب عن الأدباء والكتاب العرب والكويتيين للكتابة عنهم في المناسبات التي تخصهم.
وليلى العثمان مصرة على الاستمرار في فهرسة مكتبتها وفق نمط خاص تعرف هي من خلاله مكان كل كتاب فتحصل عليه حالما تريده ودون أي جهد ولا تريد إدخال نظام آخر في ترتيب كتبها.
بعد انتهاء جولتنا بين كنوز المكتبات الخاصة في الكويت وقفت أتأمل المناخ الثقافي في هذا البلد الصغير الذي تنامت على رماله شجرة الثقافة وأورقت بنضارة هفت إليها قلوب المثقفين في كل مكان من وطننا العربي، وبدت رمال صحراء الكويت ليست منابع للنفط فحسب وإنما هي موطن للثقافة التي ترفدها جهود المثقفين والمهتمين من أبناء الكويت، وإذا كانت النكبات التي تعرض لها هذا البلد العربي قد أثرت في سير عجلة الإنماء الحضاري إلا أن ذلك لم يستمر طويلا وعادت البلاد إلى حياة طبيعية تمثل الثقافة فيها شجرة تؤتي ثمارها كل حين وتسر بخضرتها الناظرين، والمكتبات التي زرناها في هذه الجولة غيض من فيض وقليل من كثير، فبيوت المثقفين لا تخلو بحال من الأحوال من الكتاب وهذا مما يثري المناخ الثقافي الذي يستعد للتتويج في العام 2001 باختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية.
ليلى العثمان.. مكتبة شاملة لنتاج العصر ومثال للأناقة
إعداد : جمال مشاعل - مجلة العربي
تصوير : فهد الكوح