عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 27-05-2012, 02:22 PM
بن تركي بن تركي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 45
افتراضي تابع: تطبيق النوخذة الكويتي لمباديء ادارة الجودة الشاملة

6 - التعليم والتدريب المستمر:

ان تأھيل وتدريب العاملين في البحر يتم بشكل مستمر وأحيانا بشكل وراثي، حيث كانت كل أسرة تنقل مھنتھا وصنعتھا الى الجيل الذي يليه. فتجد القلاليف توارثوا المھنة وكذلك النواخذة فتجد ھناك أسر توارثت ھذه المھنة كأسرة العثمان والعسعوسي والخرافي والفھد وبن نخي والغانم والعيسى وكثير غيرھم ممن حافظوا على ھذه المھنة وتوارثوھا في ذريتھم مما جعل التدريب والتعليم تلقائي وبشكل مستمر. كما أن التدرج الوظيفي والمھني في السفينة مستمر على مر العصور. فالنوخذة يتدرج من بحار الى سكوني مسئول عن دفة السفينة يديرھا بتوجيھات من النوخذة وكذلك نوخذة شراع أو رئيس البحارة (المجدمي) . وكانت الأسر البحرية في الكويت تختار لأبنائھا أفضل النواخذة والسفن ليلتحقوا بھا حتى يحصلوا على أفضل تدريب عملي في شتى المھن البحرية.

7 - مشاركة الجميع في الجھود المبذولة لتحسين الإنتاجية والجودة:

ان أھم مدخل لادارة الجودة الشاملة ھو تحقيق الأھداف من خلال فرق عمل تنجز المھام المنوطة بھا بروح الفريق الواحد. فالمؤسسة التي تتطلع لتطبيق مباديء الجودة الشاملة، عليھا أن تجاھد بشكل مستمر من أجل توفير ودعم مناخ يسود فيه العمل الجماعي المتسق. وھذا ھو حال المجتمع البحري وما يغرسه النوخذة بشكل مستمر في نفوس بحارته لأنه يدرك وكذلك أفراد طاقمه بأن العمل الفردي يغرق السفينة ويزيد من المخاطر، وان العمل الجماعي وروح الفريق الواحد ھو من اھم متطلبات بيئة العمل وتعد من أھم ضمانات الادارة السليمة لمخاطر الرحلة البحرية الشاقة.

8 - تأسيس نظام معلومات لإدارة الجودة:

يقوم النوخذة الكويتي بتسجيل كل يومياته في الروزنامة وكذلك السجلات المحاسبية لكافة تفاصيل الرحلة والمواقع البحرية التي مر بھا مما ساھم بشكل كبير في مساعدة النواخذة الذين جاءوا من بعده ليبدءوا من حيث انتھوا النواخذة السابقين. فالرزنامة البحرية للنوخذة الكويتي لھا عدة خصائص كما يذكرھا الدكتور / يعقوب يوسف الحجي – باحث متخصص في التراث البحري - في كتابه الروزنامة. حيث يعرفھا بانھا عبارة عن سجل يومي يقوم به نوخذة (أو قبطان) السفينة الشراعية، يؤرخ فيه لسير الرحلة البحرية منذ مغادرة السفينة ميناءھا إلى عودتھا له بعد ثلاثة أو ستة أو تسعة أشھر متصلة. وھذا السجل من الأمور المتعارف عليھا عند نواخذة (قباطنة) السفن الشراعية الكويتية ، وقد أصبحت جزءا مھماً من التراث الملاحي الكويتي. فالروزنامة تحوي جوانب تاريخية وجغرافية وملاحية ذات فوائد كبيرة للباحثين في التراث الملاحي الخليجي. والمطلع على ھذه الروزنامات يعجب من قدرات ھؤلاء النواخذة الذين لم تتح لھم الفرص للالتحاق بالمعاھد الملاحية، ومع ذلك استطاعوا تعلم أساليب الملاحة والقياس فأبحروا إلى معظم مواني بحر العرب وغرب المحيط الھندي وعادوا إلى
بلدھم الكويت بنجاح وسلام. كما يعجب القارئ من البيئة التي أنتجت مثل ھؤلاء الرجال (من نواخذة وبحارة) ،وعلى مدى تقدمھا آنذاك على الرغم من كونھا صحراء شحيحة المياه العذبة تطل على بحر مالح اجاج. وعلى الرغم من أن الروزنامة البحرية لا يقوم بتدوينھا إلا النواخذة المعالمة أي الذين أتقنوا أساليب قياس خطوط الطول والعرض والملاحة داخل المحيط فإن ما سلم من الضياع من ھذه الروزنامات يعطي فكرة واضحة عن المستوى الذي وصل إليه ھؤلاء النواخذة ، وعن البيئة التي أنتجتھم. فھناك عدة خصائص للروزنامة البحرية تظھر كفاءة وجودة أداء النوخذة الكويتي واھتمامه بالتفاصيل يلخصھا لنا د.يعقوب الحجي في عشرة نقاط كالتالي:

أولاً: استخدام نواخذة الكويت للتاريخ الھجري والتاريخ الميلادي (ويسمونه عيسوي) والنيروز الھندي فيسجل يومياتھم بالاضافة الى استخدام البروج المعروفة مثل الجدي والسھيل والجوزة والثور وغيرھا، وكانت لغة الروزنامة فھي اللھجة الكويتية المحلية.

ثانياً: يقوم النواخذة بذكر الظروف التي تواجھھم من رياح وبحار وأحداث ومصاعب وغيرھا. فمثلاً يذكر بعض النواخذة اعتراض أحد قوارب صيادي الأسماك لھم وشراء كمية من الأسماك منھم، كما قد يذكر أي خصام حدث بين بحارته وبحارة الآخرين في أحد المواني، أو أن يذكر أن حادثة سياسية (مظاھرات مثلا ) وقعت في البلد الذي كانوا فيه وكم قتل في ھذه المظاھرة ، وفي أي يوم حدثت. بل حتى صيد سمكة معينة أو أكل كيس من التمر أو رؤية خسوف القمر أو رمي جزء من الحمولة في البحر (في الظروف الصعبة) تجد له ذكراً في بعض الروزنامات.

ثالثاً: بينما نجد ھناك من النواخذة من يذھب في رحلتين إلى ساحل الھند الغربي في الموسم الواحد ، يكتفي بعضھم برحلة واحدة في الموسم ، وھذا يدل على اختلاف في النظرة إلى السفر الشراعي عندھم ، فالنواخذة الشباب عادة ما يتسابقون فيما بينھم سعياً للسمعة الحسنة والإطراء ، بينما لا يجد كبار السن أي داع للعجلة والسباق فيما بينھم في الوصول إلى الھند أو الكويت قبل غيره. لذا تجد مثل ھؤلاء النواخذة "المحافظين" حين يقبل الليل عليھم يكتفون برفع شراع متوسط الحجم على سفينتھم تاركين السفينة تجري بھدوء مما يوفر للبحارة فرصة للراحة والھدوء حتى صباح اليوم التالي. ومع ذلك تجد في جميع الروزنامات مدى توكل ھؤلاء الرجال على لله ومدى إيمانھم وصدق نواياھم وحسن ظنھم في خالقھم ورجائھم في لطفه وتيسيره لھم.

رابعاً: ھناك نواخذة مغرمون باستخدام آلة (الكمال) لقياس خطوط العرض ، فھم يستخدمونھا بكثرة وفي جميع البحار التي يمرون فيھا ، في حين نجد بعضھم لا يستخدمھا إلا في العبرة من الھند إلى عمان عبر بحر العرب. ولقد ذكر النوخذة بدر عبدالوھاب القطامي ، وھو من كبار نواخذة وقباطنة الكويت والخليج، أنه عبر من بندر منقرور الھندي إلى ساحل الصومال الشرقي (حوالي 14 يوماً من الإبحار) ولم يستخدم جھاز الكمال للقياس سوى مرتين ، وھذا يدل على مقدار علمه وثقته في نفسه وخبرته الكبيرة في الملاحة وجودة سجلاته

خامساً: ھناك نواخذة يستخدمون آلة تسمى السكروب لقياس المسافة التي تقطعھا السفينة ولكن ھناك من النواخذة من لا يثق كثيراً بمثل ھذه الآلة ، كما أن بعضھم حين يقبل على أحد البنادر (المواني) يصف بالتفصيل العلامات والإرشادات المتبعة لدخول ھذا البندر بسلام. فالنوخذة المعروف أحمد الخشتي يكثر من وصف العلامات عند مداخل الكثير من المواني ، ولكننا لا نجد ھذا الوصف عند النوخذة سلمان العيسى على الرغم من أن النوخذة سلمان من أكثر النواخذة تسجيلات للتفصيلات في روزنامته ، وھي تعد من أكثر الروزنامات فائدة للباحثين. أما النوخذة سعود فھد السميط فقد ذكر في روزنامته عدد المرات التي يضيء فيھا السراج المرفوع أعلى المنارة عند مدخل أحد المواني في الدقيقة الواحدة وھذا ينم على مدى تحري الدقة في النقل.

سادساً: يمكن أيضا من خلال الروزنامة معرفة الظروف السياسية السائدة في الخليج وبحر العرب وغرب المحيط الھندي خلال الحرب العالمية الثانية. فإذا حدث أن ظھرت غواصة ألمانية أو يابانية على سطح البحر فإن النوخذة يقوم بتسجيل مثل ھذه الحادثة في روزنامته. كما أنه يدون كذلك ما يراه حوله من بوارج بريطانية أو غيرھا من القطع البحرية. وحين تقوم إحدى الغواصات بضرب إحدى السفن بالمدافع (كما حدث لنوخذة من دولة قطر ) فإن ذلك يدون في روزنامة النوخذة الذي كان يبحر بالقرب منه أو قد سمع عنه في أحد المواني. كما أن القارئ يعجب كيف كان النواخذة يخاطرون بحياتھم وحياة بحارتھم خلال سنوات الحرب التي لم تمنعھم من مزاولة أسفارھم وكسب معاشھم وخدمة بلدھم. ويجدر بالذكر ھنا أن بعض النواخذة كان يذھب في بداية الموسم إلى ساحل الھند خالياً من البضاعة (التمر) لكي يصل بسرعة إلى ساحل الھند الغربي (خلال سنوات الحرب العالمية الثانية للمشاركة في نقل الأغذية والبضائع من شمال الھند إلى جنوبھا قبل أن يعود بالبضائع والأغذية من الھند إلى الخليج في تلك السنوات الصعبة.

سابعاً: تدل الروزنامة على مقدار المحبة وروح الأخوة السائدة بين النواخذة ، فبعضھم لا يبحر من ميناء إلا برفقة نوخذا آخر (سنجار أو سنيار) ، وحين يبحرون معاً يقوم الواحد بزيارة الآخر وتناول الغداء معه ، ثم يقوم الثاني برد الزيارة في اليوم التالي ويتغدى مع رفيقه ، وإذا كان الرفيق (السنجار) لا يحسن استخدامه آلة الكمال فإن الآخر لا يتركه حتى يصل إلى الساحل بسلام ، فإذا حدث أن سبقه في المسير فإنه يتوقف أو يخفف من سرعته حتى يستطيع رفيقه اللحاق به. وإذا حدث أن قل الماء العذب في سفينة أحدھما قام الآخر بتزويدھا بالماء العذب على الرغم من الحاجة الكبيرة إلى الماء العذب لمواجھة الظروف الصعبة خلال الرحلة. وإذا حدث أن اصطدمت إحدى السفن بإحدى الصخور وتلف جزء منھا ، فإذا النواخذة الموجودين حولھا يقومون بجھد جماعي (فزعة) لمساعدتھا وإصلاحھا حتى لو تطلب ذلك التوقف والتأخير شھراً كاملاً ، وفي الروزنامة العديد من الأمثلة لھذا التعاون والتآزر بين النواخذة الكويتيين. وإذا تصادف أن تجمع العديد من نواخذة الكويت في بندر من البنادر فإن كل واحد منھم يقوم بعزيمة الآخر ودعوتھم للغداء معه في سفينته بل ويذكر نوع الغداء الذي قدم لھم .

ثامناً: ھناك نواخذة يملكون السفن التي يقومون بقيادتھا ، ولذا فلھم مطلق الحرية في التصرف في البضاعة وفي بيعھا في المكان المعين وبالسعر المعين (إذا كانت البضاعة ملكاً لھم). أما إذا كان النوخذة لا يملك البضاعة ولا السفينة (أي نوخذة جعدي) فلابد له أن يتبع التعليمات التي توجه إليه بخصوص المكان أو السعر الذي يسعى إليه. ولكن قد يعطيه مالك السفينة والبضاعة حرية التصرف إذا كان موضع ثقة عنده. وھنا لابد من التنويه إلى أن النوخذة يقوم بضبط حساب السفينة كاملاً بوساطة دفتر خاص بحساب السفينة يسجل فيه المصروفات اليومية ومكسب الرحلة، وھذه الدفاتر تدل على نزاھة وضبط للحساب من قبل ھؤلاء النواخذة ضبطاً يدعو إلى الإعجاب والافتخار بھم وبأمانتھم. وھم يذكرون في دفاترھم ھذه مقدار السلف الذي قدم لكل بحار ، وعن سھم البحار آخر الرحلة ، وأجرة الشحن (النول) ومصاريف صيانة السفينة ونوع البضاعة وغيرھا من الأمور المحاسبية. كما يذكرون في الروزنامة عدد الأيام التي أمضوھا في كل بندر وما تم خلال وجود السفينة في ھذا البندر من أعمال ، وھذا ما يجعل حساب معدل سرعة السفينة (خلال قطعھا بحر العرب مثلا ) أمراً ممكناً.

تاسعاً: يقوم بعض النواخذة برسم العلامات (كالجبال مثلا ) التي يرونھا في الروزنامة ويصفونھا بدقة ، كما يذكرون البنادر التي يمكن أن تتم فيھا صيانة السفينة ، والبنادر التي يلزم الاستعانة فيھا بربان محلي لإدخال السفينة وإخراجھا منھا. كما يذكرون شيئاً عن ظروف السوق وعن البرقيات التي يرسلونھا من بندر إلى آخر للاستفسار عن أسواق التمور في ھذه البنادر قبل التوجه إليھا.

عاشراً: من خلال الروزنامة يمكن التعرف على نواخذة آخرين لا تتوافر عنھم المعلومات الكافية ولا عن رحلاتھم الشراعية ومساھماتھم في النقل الشراعي ، كما تقوم بعض الروزنامات بتأكيد المعلومات التي تتوافر في بعضھا الآخر ، فمثلاً يقوم أحد النواخذة بذكر من شاھدھم من زملائه في أحد البنادر في البنادر في عام معين، وإذا رجعنا إلى روزنامة أحد ھؤلاء نجد أنه كان بالفعل في ھذا البندر في ذلك العام، وھذا ما يزيد ثقتنا في ھذا السجل التاريخي والجغرافي والعلمي المفيد. بل إنه حتى ميلاد أولادھم أو بناتھم نجد له ذكراً أحياناً في بعض الروزنامات ، وإذا حدث أن توفي أحد البحارة في أثناء الرحلة فإن النوخذة يذكر ذلك في الروزنامة ، ويذكر ھل تم دفن الميت في الساحل أم ألقي اضطراراً في البحر بعد الصلاة عليه، كما يتم ذكر من توفي من الركاب كذلك ، وھذا ما يدلنا على الأمانة التي تحلى بھا ھؤلاء النواخذة. ولا يخفي النواخذة الصعوبات التي واجھتھم مثل الرياح والأمواج التي تضطرھم إلى إنزال الأشرعة وترك السفينة إلى حيث تأخذھا الرياح والأمواج، ولا يتردد النواخذة في ذكر جھلھم بموقع السفينة أنذاك. غير أنھم لا يذكرون في الروزنامة دائماً اسم السفينة التي يقودونھا. وأما أسماء البحارة ورئيسھم والطباخ والنھام وغيره فلھم دفتر خاص بھم تضبط فيه أسماؤھم وحساباتھم وھو دليل على فصل الاختصاصات وعدم تضارب المعلومات بين سجل وآخر. إن الروزنامة تدل على مبلغ علم النوخذة وخبرته وحكمته في قيادته لسفينته ، فإذ كان الوقت ليلاً والساحل قريباً فإن النوخذة يخفف من سرعة السفينة حتى الصباح لكي يترقب رؤية العلامات الدالة على الساحل.

ويجدر بالذكر أن بعض النواخذة لديه دليل أو مرشد ملاحي (رھماني) يدون فيه العديد من القواعد الملاحية وأسماء البنادر ومواقعھا فيه. ويحرص على مراجعته وتنقيحه وزيادته. وأما عن طرقھم في حساب خطوط الطول فتدل على مھارتھم وإلمامھم بحساب المثلثات نظراً لعدم توافر جھاز الكرونومتر لديھم ، وھو الجھاز الذي اخترعه الإنجليز لقياس خطوط الطول. ومع ذلك فقد برز في الكويت النوخذة أحمد سالم الخشتي ، وھو الوحيد الذي استخدم جھاز الكرونومتر في قياس خطوط الطول. والخلاصة أن الروزنامة البحرية سجل صادق غني بالمعلومات التاريخية والجغرافية والملاحية وھي تعد نواة لادارة المعرفة في ھذا المجال. فكل روزنامة تساھم في إبراز الصورة الصادقة لرحلات السفر الشراعي التي قام بھا نواخذة الكويت والخليج الشجعان قبل ظھور النفط في دول الخليج مما يدل على جودة أداء النوخذة الكويتي حتى في نقل الحدث وتوثيق الخبرة وھو ما يدل على مدى اھتمامه في نقل المعلومة باخلاص وامانة لمن يليه في ھذا الموقع الذي يعلم بانه ليس منصب يدوم له. فلذا يحرص على تسليمه بشكل صحيح ومتكامل لمن يأتي بعده من النواخذة وھو أحد أھداف المؤسسات التي تتطلع لتطبيق مباديء ادارة الجودة الشاملة.
رد مع اقتباس