عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 24-05-2009, 08:16 PM
عنك عنك غير متواجد حالياً
عضو مشارك فعال
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
الدولة: الـكـويــت
المشاركات: 412
افتراضي

عطفه على الفقراء :

اعتنى الإسلام بالفقراء عناية بالغة، وأوصى بهم في مواضع عدة من القرآن الكريم، وجعلهم من مستحقي الزكاة في قوله تعالى: " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)" سورة التوبة.
ولذلك كان – رحمه الله - عطوفاً على الفقراء والمساكين شفوقاً بهم، فكان ديوانه مفتوحاً لهم طول اليوم لتقديم الطعام والشراب، وكان يمتلئ بهؤلاء الفقراء والمساكين، حتى إن الكيس الكبير من الأرز لم يكن يكفي سوى يومين.
أما أهل بيته - الذين تعلموا منه حب الخير - فكانوا يعدون الطعام ويوزعونه على الفقراء في بيوتهم، عملاً بقول الحق جل وعلا "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا(8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا (9) سورة الإنسان.
وكان رحمه الله يحث أهله ويشجعهم على الإكثار من هذا العمل الطيب، فكانوا ينفقون الأموال ويقدمون الطعام ويفعلون الخير، ندية نفوسهم، راضية قلوبهم، مبسوطة أيديهم، بغير منٍّ ولا أذى ولا تفاخر، وقد سجل الشاعر صقر الشبيب ذلك العمل الجليل فقال:
فكـم من ضعـيف نلـته بمـعونة وأسعدته والمسعدون قليلُ
وكـم عاثر مـنا أقلــت عـثاره وقد عز ما بين الأنام مقيلُ
وكـم نال مـنا السائلـون رغائـباً على حين عز السائلين منيلُ
طبعت على حسن اصطناعك كل ما إلى خير نفع للضعيف يؤولُ
فكنت كثـير النفـع فـينا عميـمه إذا اختص بالنفع الخليل خليلُ()
إكرامه لجيرانه:
ليس من المستغرب أن يحسن بشر الرومي معاملة جيرانه، وهو الذي قرأ كتاب الله صغيراً، وتشرب من تعاليمه، فكان يغمرهم بفيض بِره وكرمه، ويشملهم بحسن المعاملة وطيب المعشر وحلاوة اللسان، الذي هو من علامات الإيمان وطريق إلى حب الرحمن، متأسياً بوصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لأبى ذر - رضي الله - عنه بقوله: "يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ"() متفق عليه.
وقد انعكس ذلك على أخلاق المحسن بشر الرومي – رحمه الله - الذي شهد له كل من جاوره وعائلته بما سبق من صفات الجود والكرم، وحسن المعاملة وسمو الأخلاق، وقد عبر الشاعر صقر الشبيب عن هذا الإحساس قائلاً:
فكنتَ وحظُّ الجـارِ ممـا يحبُّـه لديك كما يقضي الجوارُ جزيلُ
وكنت على أمـنٍ لجَـارك دائمـاً من البادرات الموديات حصولُ
إذا ما استمال الجـار كيـد جـاره ففيك عن الكيدِ الذميمِ عـدولُ
وما كنَت - لو شئت المكيدةَ - عاجزاً ولا كان عنها في شباك فلول()
ولـكن أبـيت إلا الوفاءَ وحســنَه عليـك سـجايا كـلهن جميلُ()
الإصلاح وحسن المشورة:
كان المحسن بشر الرومي محباً للإصلاح بين الناس، باذلاً للنصيحة، عاملاً بالحديث الذي رواه أبو رقية تميم بن أوس الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" رواه مسلم.
وقد سجل رحمه الله مواقف مشرفة عديدة تدل على ترسخ هذه الصفة فيه، ولعل أبرزها دوره فى إنهاء أزمة هجرة تجار اللؤلؤ() وذلك عندما نصح الشيخ مبارك الصباح بأن يرسل ابنه (الشيخ سالم) برسالة فيها الأمان والعفو والصفح عما حدث، ليرجعوا إلى بلادهم سالمين مكرمين.
فاستجاب الشيخ مبارك لنصيحته المخلصة، وأرسل ابنه (الشيخ سالم) مع الوجيه فارس الوقيان، فأبلغهم الرسالة وتم الصلح بحمد الله تعالى.
ويدل هذا على ذكاء بشر وفطنته وقدرته على احتواء المشكلات قبل تفاقمها، قال تعالى: "يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (269)" سورة البقرة.
وقد مدح الشاعر صقر الشبيب موقفه هذا في قوله مخاطباً بشر الرومي:
وكم لضعيف شهب حق أبنتها ولولاك لم يبرح بهن أفول()
نظارة الوقف الخيري:
كان المحسن بشر الرومي محلاً لثقة الناس وحبهم، لتحليه بالأخلاق الأصيلة والصفات الحميدة، وقد تعددت صور هذه الثقة فيه، ومن ذلك أن الواقف السيد علي بن حسين بن علي السليمان اختاره وصياً على أراضيه التي أوقفها على الفقراء والمساكين، المسماة "بالحربية" والواقعة في محلة "بريهة" في منطقة العشار أحد مضافات البصرة، وقد ظل بشر وصياً عليها إلى وفاته.
وقبل أن يلقى وجه ربه الكريم وَكَّلَ أبناءه أوصياء نيابة عنه، فظلوا أوصياء عليها من بعده إلى أن ذهبت هذه الأرض. يقول السيد عدنان بن سالم الرومي: "أن هذا العمل يدل على ثقة الناس به وحبهم له، وقد يكون بشر مساهماً مع الوصي ولكننا لا نملك دليلاً على ذلك".
وفاته:
بعد عمر طويل قارب التسعين سنة قمرية، قضاها المحسن الكريم بشر الرومي – رحمه الله - زاهداً في الدنيا، باذلاً الكثير من ماله في أوجه الخير والإحسان، انتقل إلى رحمة الله تعالى ورضوانه في غرة جمادى الأولى عام 1347هـ، الموافق 14/11/1928م، ودفن في الجهة الشمالية من مقبرة هلال المطيري بمنطقة الشرق.
رحمه الله رحمة واسعة، وجعل أعماله في ميزان حسناته، وأسكنه فسيح جناته.
قالوا عنه:
كان بشر الرومي - رحمه الله - حفياً كريماً بالكثير من أهل بلده وكان منهم الشاعر الضرير صقر الشبيب الذي نشأ بين عائلته، فأسبغ عليه من عطفه وكرمه، وسار على هذا النهج أولاده من بعده، لذلك جاء رثاء صقر الشبيب لبشر الرومي - رحمه الله - كرثاء الابن لأبيه، لا يوازيه في حرارته وفيض مشاعره إلا رثاؤه للشيخ العلامة عبدالله الخلف الدحيان.
يقول شاعر الكويت صقر الشبيب في مرثيته الرائعة للمرحوم بشر الرومي():
عَلَيْكَ لِشَرْقِيِّ الكُوَيْـتِ يَطـُـولُ بُكَـاءٌ وإِنْ لَـمْ يُجْدِهِ وعَوِيـلُ()
وَأَنَّى لشرقي الكويــت تجـلـدٌ وقد جدَّ منك اليومَ عنه رحـيلُ
تجــلُّدنا لمّا فقـدناك سـدَّ مـا له من سـبيل لاعِجٌ وغلــيلُ
فليـس إلى حُسـن التجـلد لِلألى صَرَمتُهُم يا بشـرُ عنكَ سـبيلُ
عليك أذلْنا الدمعَ() من بعـد صوته فأصبح بعد العـزِّ وهو ذلـيلُ
وغـيرُ كـثيرٍ إن غدونا وكُلُّـنا لمَا صانَ من دمع علـيك مُذيلُ
فإنـك ظـل – والحـياة هواجر تَفَـيأهُ ضـاحي العُفاةِ - ظليلُ()
إذا راح عـنه أو إليهِ من الورَى سِـوَاكَ كـما يقضي هواهُ يميلُ
فأنتَ علـيهِ قدْ وجدنـاكَ عاكِـفاً وعَنـهُ لشيءِ لمْ نَجِدكَ تحـولُ()
وفَضلُ حَياةِ المرءِ ما كانَ نافِـعاً ومَحَيا الأُلَى لا ينفعون فُضولُ()
وَكُلُّ على حُكـمِ السَّجـِّيةِ كائـنُ لهُ حسبَ ما منه اقتضَتهُ نزولُ
ولكـن أبتّ إلا الوفاءَ وحُســنَهُ عليـكَ سَـجايـا كُلُّهنَّ جمـيلُ
فَرُحْـتَ وكلُّ بينَ فكـيهِ مِقـولٌ عليكَ كما شـاء الثـناءُ يجـولُ
قَطَعت من المحيا الطويل طريقَـه وأنت لمقطـوعِ الجمـيلِ وَصولُ
وآيـةُ حــُبِّ اللهِ للمـرء تركـهُ له وَعْر طُرق العرفِ وهو سهولُ
ومِثلك في الدنـيا الثناءُ نصــيبهُ يـردده فَــرْدٌ بـها وقــبيلُ
وفي داره الأخرى لـدى الله حَظُّهُ ثوابٌ إلـيه يطمــئنُ جلــيلُ
وإنَّ اجتماعَ الحمدِ والأجر لامـرئ لَحظُّ لأعــناقِ الحـظوظِ مميلُ
وهل راقَ إلا ذَـيْن شيءُ ينالُــهُ فتى رأيُهُ فيــما يراه أصــيلُ
فَقَرَّ وطِبْ عيـناً ونفـساً فكلُّ مـا حصلتَ علـيه اليومَ لـيس يزولُ
أسالَ غزير الدمع فَقْدُ ابن يوسـفٍ وللدمـعِ فقـدانُ الـكرِيم يسـيلُ
وحـقَّ له أنـَّا نُسـيل نفـوسـَنا مع الدمع لو لم يبـق مـنه بديـلُ
ولكـن مضى بِشـرٌ وظلَّ "محمد" وهـذا لـهذا مُشْـبِهٌ وعـديــلُ
فكان لنا عن شَيْخِهِ خـيرَ سـلوة ولا غَـرْوَ أن أَسْلى أَبَاهُ سلــيلُ
فيا بشر إن ترحـل فـيوم "محمد" سلـيلك لم يدرك ضـحاه أصـيلُ
يحـفّ به من آلك الغـر معـشر لهم حيث حل الأكرمـون حلـولُ
فسر غير مرغوب عليهم فكلـهـم "قؤول لـما قـال الكـلام فعـولُ"
عـَزاءَكُـمُ يا آلَ بِشـْرٍ فَمِثْلكـم لما نـابَ بالصـبر الجميلِ حُمولُ
وكُلُّ امـرئٍ مهـما تعاظـم قَدْرُهُ سيخضـع مـنه للمـنون تلـيلُ()
رحم الله المحسن الكريم بشر الرومي، وجزاه عما فعل خير الجزاء، وأسكنه فسيح جناته
المصادر والمراجع:
* مقابلة مع السيد عدنان سالم الرومي من أحفاد المحسن بشر بن يوسف الرومي.
- أحمد البشر الرومي - ديوان صقر الشبيب: شاعر الكويت – مكتبة الأمل - الكويت.
- د. أحمد مصطفى أبو حاكمة –تاريخ الكويت الحديث – الطبعة الأولى – دولة الكويت 1984م.
- الأمانة العامة للأوقاف – تاريخ دائرة الأوقاف العامة (1368هـ - 1377هـ) - الكويت 1995م.
- القبس - العدد 3593 - 14/5/1982.
- بيت الزكاة – سلسلة محسنون من بلدي – الجزء الأول والثاني - الكويت 1998م /2000م.
- سيف مرزوق الشملان – تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج العربي – الجزءان الأول والثاني – مطبعة الحكومة – الكويت 1978م.
- سيف مرزوق الشملان – من تاريخ الكويت – الطبعة الثانية - ذات السلاسل – الكويت 1986م.
- شجرة نسب قبيلة عنزة - التي تم التصديق عليها من الشيخ عروة بن هذال عام 1893م.
- عبدالله محمد عبدالعزيز الجزاليني - تاريخ الأفلاج وحضارتها – الطبعة الأولى – الرياض 1413هـ (1992م).
- الشيخ عبدالعزيز الرشيد - تاريخ الكويت – الطبعة الثانية – دار مكتبة الحياة – بيروت 1971م.
- عدنان سالم الرومي – تاريخ مساجد الديرة القديمة – الطبعة الأولى – الكويت 1988م.
- عدنان سالم الرومي – تاريخ مساجد الكويت القديمة - الكويت 2003م.
- عدنان سالم الرومي - علماء الكويت وأعلامها– الطبعة الأولى - مكتبة المنار - الكويت 1999م.
- من رسالة الشيخ مبارك الصباح إلى المعتمد البريطاني – مذكرة حول النظام السياسي لدولة الكويت – من إعداد مركز البحوث والدراسات الكويتية.
الشيخ يوسف بن عيسى القناعي - صفحات من تاريخ الكويت – الطبعة الخامسة – شركة ذات السلاسل - الكويت 1987م.
* وثق هذه المادة حفيده السيد عدنان سالم الرومي
منقول محسنون من بلدي .
رد مع اقتباس