عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 13-01-2012, 11:35 PM
الصورة الرمزية جون الكويت
جون الكويت جون الكويت غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 2,208
افتراضي

(3) وقعة هدية:
حدثت في شهر ربيع الأول سنة 1328 هجرية، وسببها أن سعدون المنصور غزا قبيلة مطير، وصادف أن بعضاً من بدو الكويت نازلون بقربهم فأخذوا مع المأخوذين؟، ولم يعلم سعدون بهم، وكتب إليه جابر بن مبارك عنهم فجاء الجواب من سعدون يعتذر إليه بعدم علمه بهم وأنه مستعد لدفع ما أخذ منهم، ثم كتب جابر لوالده مبارك يقول: إن سعدوناً مستعد لدفع ما أخذ وهو يعتذر بعدم علمه وطلب منا السماح فسامحناه، ولما قرأ مبارك كتاب جابر اغتاظ غيظاً شديداً وأخذ يردد هذه الكلمة: "من أنت الذي تسامح وأنا بالوجود.. الأمر لي ولا بد من زوال سعدون من عالم الوجود.. وما سعدون إلا كالزقارة التي بيدي أشربها". ثم أمر أهل الكويت بالاستعداد للحرب وكلفهم مؤونة الجيش، ومن ركاب وسلاح وزاد، وكل ما يحتاج الغازون، فسار ذلك الجيش الذي لا يقل عن جيش الصريف بقيادة جابر بن مبارك وبصحبة عبدالعزيز السعود ومعه نحو 400 مقاتل من أهل نجد، وسار مع الجيش رجال من أهل الكويت للمتاجرة بما يكسب هذا الجيش من الغنيمة، فكأن النصر حليفهم لا محالة، فلما تلاقى الجيش غارت الخيل على جند سعدون فردت على أعقابها خاسرة ثم جرى قتال طفيف بين الجيشين فألقى الكويتيون السلاح وتركوا حلتهم غنيمة باردة كهدية لقوم سعدون!.. فسميت هذه الوقعة هدية، لأنه لم يجر بين المتقاتلين قتال يوجب هذا التسليم.
أما سعدون فقد أمر جنده ألا يقتلوا مدبراً وأن يكرموا الأسرى ويرجعوهم إلى أهلهم معززين، فشتان ما بين سعدون وعبدالعزيز بن رشيد.
وقد كنت أعجب من هذه الحروب بين العرب لأسباب لا تستحق رفع العصا فضلاً عن إراقة دماء الأبرياء المرغمين على الدخول في ميدان الحرب إرضاء لأمير خالف أمر الله ورسوله النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار]. ولكن لما وقعت الحرب العالمية الأولى وتلتها الأخرى بين أهل العلم والمدنية الذين يزعمون أنهم أهل الرحمة، ويدافعون عن الحرية والإنسانية زال عجبي، وعلمت يقيناً أنه لا فرق بين العرب وغيرهم في هذه الهمجية وأيقنت أن الناس إلى اليوم على حد قول الهندي: سمك كبار يأكل سمكا صغارا، فويل للضعيف.
خلصنا اللهم من هذه الحروب الطاحنة في سبيل المطامع الوحشية وارزقنا الحرية الصحيحة إنك على كل شيء قدير.
إلى هنا انتهي من ذكر الأمراء وسيرتهم، ولعلك تقول أيها القارئ الكريم: إنك قد كلت الثناء للأمراء ولم تذكر لهم أثراً خالداً يذكرون به، فلا مساجد ولا مدارس ولا ملاجئ للفقراء والمرضي، ولا مستشفيات ولا ولا.. فالجواب أن الأمراء الذين ذكرتهم.. ما عدا مبارك لهم العذر الواسع في ذلك، لعدم وجود المال الذي هو الأساس لهذه المشاريع الخيرية، وقد علمت مما مر أن المالية لم تسد حاجات الأمراء الضرورية ولهذا يستقرضون من الأهالي، ولأنه لا فرق إذ ذاك بين أمراء الكويت وأمراء البادية في الأمية وعدم التصدر لهذه المشاريع والأهالي مثل ذلك. وإذا وجهنا اللائمة إليهم فأهل الكويت أولى بذلك حيث وجد فيهم الأثرياء بالمال مثل يوسف البدر، ويوسف الصقر، ويوسف بن إبراهيم، ومحمد بن علي بن عصفور، وغيرهم من التجار الذين هم أثرى من الأمراء، وكل هؤلاء لهم أثراً خالداً يذكرون به في مستقبل الزمان.
أما مبارك فلا عذر له في المال ولا في التصور حيث أن المال فاض في أيامه وأسست المدرسة المباركية في زمنه وزارها مراراً، وحبذا هذا المشروع المفيد ، ولكنه لم يساعدها بشيء يذكر، ولا استبعد أنه يرى أن من صالحه أن تبقى الأمة جاهلة كي لا تطالبه بحقوقها، وقد سمعت من أخيه جابر بن صباح هذه الكلمة مراراً بعد تأسيس المباركية وهي: (إن من صالحنا بقاءكم على الجهل).
وهذه فكرة خاطئة ولا شك، والمشاهد أكبر دليل فإن أمراء البلاد العالمة هم في أحسن حال وأنعم بال، بخلاف أمراء البلاد الجاهلة فهم في شقاء وتقاتل، وكفى قوله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}.
__________________
للمراسلة البريدية: kuwait@kuwait-history.net