عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13-10-2008, 08:45 AM
ملاحم كويتية ملاحم كويتية غير متواجد حالياً
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
المشاركات: 116
افتراضي المؤتمر الشعبي الكويتي في جدة (أكتوبر 1990م).


المؤتمر الشعبي الكويتي في جدة (أكتوبر 1990م). (1 )

في الوقت الذي تواصل فيه التأييد الدولي القوي لقضية الكويت العادلة, وفي الوقت الذي أصَمَّ فيه حكام بغداد آذانهم عن النداءات السلمية العربية والدولية بدأت في جدة في 13 أكتوبر عام 1990م أعمال المؤتمر الشعبي الكويتي الذي جَسَّدَ التفاف أبناء الكويت حول القيادة الشرعية للبلاد المتمثلة في حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح وسمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح رحمهما الله. وقد أكد صاحب السمو الأمير في كلمته في افتتاح مؤتمر جدة على متانة الروابط بين الشعب الكويتي وقيادته وعلى مواصلة المساعي الدؤوب لاستعادة الوطن المغتصب من يد المحتل الآثم. وفيما يلي نص كلمة سموه رحمه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله الذي لايحمد على مكروه سواه, وأسأله سبحانه وتعالى أن يعيننا جميعا على تحمل المصاب, وأن يثبت أقدامنا ويطمئن نفوسنا, وأصلي وأسلم على خير البرية محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
إخواني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد تعرضت الكويت فجر يوم الخميس الحادي عشر من محرم الحرام الموافق الثاني من أغسطس الماضي لعمل عدواني غادر من النظام العراقي الذي كنا نعتقد بأن ما قدمته الكويت له شعبا وحكومة كان كافيا لغرس شجرة الخير في ضميره, واحتواء نزعة الشر في سلوكه, إلا أن الشر كان متأصلا فيه, فخان العهد, وغدر بالأخ والجار واستباح الحرمات, ضاربا عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف الدولية, متنكرا لما قدمته له الكويت من مساندة ومساعدة.

إخواني
لقد كانت الكويت واحة أمن وسلام واستقرار, وكانت ملاذا لكل الخيرين والشرفاء, يجدون فيها المكان الآمن والعيش الكريم, والحياة الهانئة الرغيدة, فأثار ذلك حفيظة النظام العراقي الآثم الذي بدد ثروات الشعب العراقي لتحقيق مآرب خاصة, وحينما شعر بأن الشعب بدأ يتململ ويتذمر من انحرافاته وشططه, أراد إلهاءه بفتح جبهة جديدة مع الكويت التي كانت - وفي جميع الظروف - سندا وعونا لأشقائها العرب والمسلمين, وأرسل قواته المسلحة بعد منتصف الليل لاجتياحها واحتلالها, وممارسة أعمال العنف والقتل والسطو المسلح ضد المواطنين الأبرياء, بحقد لم يسبق له مثيل في عالمنا المعاصر.
إخواني
لابد أنكم تابعتم الدعاوى الباطلة التي أثارها النظام العراقي المعتدي ضدنا قبل الغزو الغاشم, فقد لجأ لجامعة الدول العربية شاكيا الكويت, وحينما ارتضينا حكم هيئة تحكيم عربية محايده, تنصل ذلك النظام المخادع متذرعا بأن مابين الكويت والعراق هو شأن ثنائي يحل بينهما.
وقد نجحت محاولة أخي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة, وأخي الرئيس محمد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة, وتم قبل الغزو الغاشم بساعات قليلة عقد اجتماع في جدة بين الطرفين, وقد شاركت الكويت فيه بقلب مفتوح بغية تسوية المسائل التي كانت معلقة بين البلدين, في الوقت الذي كان النظام العراقي يضمر الشر, ويدبر الخطط الكيدية, ويعد العدة لاجتياح الكويت, وذلك بعد أن استعمل أساليب تضليلية وكيدية ومخادعة, أوحى فيها بأنه لن يلجأ إلى القوة لتسوية الأمور المعلقة معها.
إخواني
إن العالم يدرك إدراكا كاملا فداحة الجرم الذي ارتكبه النظام العراقي ضد الكويت وشعبها, وقد أكد ذلك بالقرارات المتلاحقة التي أصدرها مجلس الأمن الدولي وأدان فيها العدوان الغاشم, وطالب العراق المعتدي بسحب قواته دون قيد أو شرط من الكويت تمكينا للشرعية من استئناف مهامها.
وقد أصدر مؤتمر القمة العربية الطاريء, ومنظمة المؤتمر الإسلامي, ومنظمة دول عدم الانحياز قرارات مماثلة.
ولاشك أن وقوف العالم يؤكد صواب سياستنا وسلامة مواقفنا الموضوعية تجاه مجمل الأحداث العالمية, الأمر الذي جعلنا نحظي بمساندة وتعاطف شعوب العالم وأن نكسب تأييدهم.
إخواني
إن مايغيظ النظام العراقي الآثم أنه لم يتمكن من النيل من إرادتنا بعد أن احتل أرضنا, فصمودنا ووقوفنا جميعا صفا واحدا ضد المحتل الغاشم كان مثار إعجاب واحترام العالم الذي يتابع عن كثب تحركنا الواثق نحو التحرير ودحر الغزاة المعتدين, وإن النصر قريب بإذن الله, وإذا كان التاريخ قد سجل بأحرف من نور صمود الكويتيين ضد الغزاة الوحشيين, فإنه لن ينسى أبدا أن يفرد الصفحات السوداء التي تفضح الممارسات الآثمة للنظام العراقي. فقد دافع الشعب الكويتي الأبي ببسالة عن وطنه وأرواحه وأعراضه وممتلكاته رغم شراسة المعتدي وغدره.
إخواني
لقد عاش الكويتيون منذ القدم في أجواء الحرية, والتزموا الشورى, ومارسوا الديمقراطية في إطار دستورنا الذي ارتضيناه, وإذا ما اختلفت اجتهاداتهم بشأن أمر من الأمور المتعلقة بترتيب البيت الكويتي, فإنهم يكونون أشد تلاحما وإصرارا وتآزرا في مواجهة الأخطار التي تهددهم.
تلك أيها الإخوة الحقيقة الساطعة التي لم يدركها النظام العراقي, فقد أخطأ في فهم طبيعة الجبهة الداخلية الكويتية, فظن أن ما طرحه بعض المواطنين المجتهدين من آراء لترتيب أوضاع البيت الكويتي باعثه خلافات وتناقضات بين أبناء الوطن الكويتي الواحد.
وها أنتم يا أبناء الكويت باجتماعكم هذا تؤكدون للعدو الظالم وللعالم أجمع, وحدة أهل الكويت وتلاحمهم في مواجهة الاحتلال, ورفضهم القاطع له. ولعل اجتماعكم هذا هو أبلغ رد على عدوكم ورسالة موجهة إلى العالم تثبت وحدتكم وتلاحمكم في مواجهة من اغتصب وطنكم.

إخواني
إنني من على هذا المنبر أوجه بالنيابة عنكم وبالأصالة عن نفسي رسالة تحية وتقدير واحترام لأهلنا في الكويت الذين يسطرون منذ بدء الاحتلال أروع آيات الصمود والتحدي للعدو الغاشم, ويحافظون على أرض الوطن بقلوبهم وعيونهم, ويثبتون كل يوم أن الكويت ستبقى حرة عزيزة رغم أنف المعتدي الآثم, وإنني أدعو المولى عز وجل أن يجمعنا وإياهم في القريب العاجل على أرض الوطن الغالي وليس ذلك على الله بكثير.
إخواني
إن الواجب يحتم علينا جميعا في مؤتمرنا هذا أن نعقد العزم على التعاون اللامحدود لتحقيق هدف سام وهو تحرير الوطن من دنس العدو والمحتل, معتمدين أولا على الله سبحانه وتعالى ثم على أنفسنا وعلى أشقائنا وأصدقائنا, فالتحرير هو هاجسنا وشاغلنا جميعا, ولابد لنا أيضا من التركيز على كويت المستقبل التي ستكون بإذن الله أكثر عزة وشموخا واستقرارا وأمنا, لأن ماقدمه الشعب الكويتي من تضحيات في هذه المحنة سيكون ركائز قوية وصلبة لانطلاقة كويتية ثابتة في جميع المجالات نحو مستقبل أفضل تضم فيه الكويت جميع المخلصين والأوفياء والشرفاء الذين صانوها وحافظوا عليها ودافعوا عنها, وسيكون شعب الكويت الأصيل سياجا منيعا يحمي وطنه من عاديات الدهر ومصائبه.
ولن يجعلنا هذا الحاضر المأساوي الذي نعيشه نقنط من رحمة الله, فنحن أصحاب حق وأصحاب قضية عادلة يرعاها الله بعنايته وتوفيقه, ولاتهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون صدق الله العظيم
إخواني
يسرني في هذه المناسبة أن أتقدم باسمي وباسمكم بجزيل الشكر والامتنان لأخي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز ولحكومته الرشيدة للتسهيلات التي قدمت لاستضافة هذا اللقاء المبارك, ويأتي هذا في سياق الدعم المتواصل واللامحدود الذي قدمته وتقدمه المملكة العربية السعودية على الصعيدين الرسمي والشعبي لنصرة الكويت في محنتها, ونسأل الله أن يديم نعمة التواصل بين الشعبين الشقيقين لما فيه خيرهما وصالحهما, كما لايفوتني أن أسجل الشكر والتقدير لجميع الدول التي وقفت معنا دفاعا عن الحق في مواجهة الباطل, وخاصة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الشقيقة فجزاهم الله عنا خير الجزاء.
وفي الختام فإن الأمل وطيد أيها الأخوة في أن نلتقي جميعا وفي القريب العاجل بإذن الله على أرض المحبة والسلام أرض الكويت الغالية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كما ألقى سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح كلمة قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
»حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله ورعاه.
إخواني وأبناء وطني الأعزاء..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أحييكم تحية أخوية طيبة مباركة, وأحيي من خلالكم أهلنا الأبطال الصامدين في كويتنا الحبيبة وسائر أهلنا الرافضين للاحتلال الغاشم المتواجدين خارج وطننا العزيز, وبعد..
فنحمد الله في الضراء كما حمدناه في السراء, ونحمده في العسر كما حمدناه في اليسر, ونحمده في الشدة والبلاء كما حمدناه في النعيم والرخاء, مؤمنين بقضائه, مسلمين لأمره, ملتمسين منه عز وجل الصبر على البلاء, والنصر على الأعداء, والعون في جهادنا وكفاحنا لتحرير وطننا العزيز من رجس الاحتلال الغاشم.
}ربنا أفرغ علينا صبراً, وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين{
إخواني وأبناء وطني:
حين أنظر إليكم فكأنما أنظر إلى وطننا العزيز, وأرى في وجوهكم الطيبة صورة كويتنا الحبيبة, أمنا الغالية التي أراها على البعد أبية شامخة بكل أحزانها وصبرها وشجاعتها, تستغيث بنا وتستنجدنا وهي موقنة بالنصر, واثقة من أبنائها البررة الذين هم على استعداد للموت في سبيلها, والتضحية من أجلها بالمال والولد والغالي والنفيس, كي تعود كما كانت - وكما ستظل أبداً بعون الله - حرة أبية مستقلة موفورة السيادة مرفوعة الراية ولو كره المجرمون.
لقد تعرض شعبنا الصغير المسالم لعدوان غادر من جار ينتسب إلى العروبة والإسلام, شددنا أزره في محنته, ووقفنا بجانبه في شدته, فخان العهد, ونقض الميثاق وجازانا بالخير شراً, ورمانا بما يملك من أسلحة الدمار, وزحف على بلدنا بمئات الألوف من الجنود, وآلاف الدبابات والطائرات في حرب برية وبحرية وجوية شاملة مبيتا نية الغزو والعدوان, مستهدفاً إبادة الشعب الكويتي ومحو شخصية الكويت السياسية والحضارية, متوهماً بذلك أنه يستطيع أن يمحو دولة, ويصفي شعباً, ويزيل حضارة, ويلغي تاريخاً, ساعياً إلى وضع العالم أمام واقع جديد. }ومكروا ومكر الله, والله خير الماكرين{.
ولكن عناية المولى حالت دون استكمال حلقات هذا المخطط الإجرامي, فنجت الكويت من هذا المحو الذي أرادوه, وارتفعت راية الجهاد والمقاومة في يد كل كويتي وكويتية, وارتفع صوت الكويت عاليا مسموعاً في كافة المحافل الدولية والعواصم العالمية, وفي كل ملتقي عربي وإسلامي ودولي حتى يحين يوم التحرير, ونطرد الغزاة المعتدين, ونزيل البغي والعدوان, ونعود إلى أرضنا وديارنا آمنين مطمئنين إن شاء الله.
وليس هذا أيها الإخوة وقت حديث طويل عن التفاصيل, وإنما يكفينا اليوم أن نسجل معا جملة حقائق لانظنها موضع نقاش أو خلاف:
أولاً: إن رجال قواتنا المسلحة - جيشاً وحرساً وطنياً وشرطة - قد وقفوا وقفة الأبطال في مواجهة جيوش العدوان, وخاضوا معركة غير متكافئة لم تتح لهم فيها فرصة استخدام كامل قدراتهم وإمكانياتهم وكفاءتهم, ومع ذلك فقد أبلوا بلاء حسنا, واستماتوا في الدفاع عن الوطن, فكانوا عند حسن الظن بهم, وكما عهدناهم دائما نعم الأبناء الأبرار لأمنا الكويت, ونعم الرجال الشجعان الذين نعتز ونفخر بهم.
وثانياً: وهذه مفخرة تاريخية كبرى سيظل من حق أجيالنا المتعاقبة أن يرددوها ويعتزوا بها, وهي أن أهل الكويت كلهم قد وقفوا وقفة رجل واحد يرفضون الغزو ويدينون العدوان, ولقد أخطأ المعتدون الحساب حين تصوروا أنهم يستطيعون بالوعد والوعيد أن يجدوا من يتعاون معهم من الكويتيين. فإذا بهم يخيب أملهم, ويفشلون في العثور ولو على كويتي واحد يقبل التعاون معهم أو المشاركة في حكومتهم العميلة الزائفة, مما اضطرهم إلى الإفصاح عن حقيقة نواياهم الشريرة والكشف عن مخططهم الإجرامي بإعلان ضم الكويت إلى العراق.
لقد كانت جيوش الاحتلال في مختلف البلدان وعلى مر العصور تجد نفراً ولو قليلاً من ضعاف النفوس يتعاونون معها, إلا في الكويت فقد رفض أهلها جميعا - دون أن يشذ منهم فرد واحد - رفضوا ومازالوا يرفضون التعاون مع قوات الاحتلال الآثم.
وهذه حقيقة أخرى يسجلها التاريخ للكويت وأهلها في صفحات المجد والفخار والاعتزاز, وهي أن الشعب الكويت كله لم ولن يقبل بأي حال التعاون مع العدو أو التعامل مع زمرته الباغية.
وثمة حقيقة ثالثة لاجدال فيها ولامراء, وهي أن أهل الكويت قد أثبتوا ساعة الشدة أنهم أسرة واحدة قولاً وفعلاً, فالتفوا حول قيادتهم التي هي منهم وإليهم ووقفوا صفاً واحداً كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً, فأكدوا بذلك أصالة معدنهم ونقاء جوهرهم وإدراكهم الواعي لمصلحة الكويت العليا, وتساموا بوطنيتهم الصادقة وشهامتهم الأصيلة وخلقهم الرفيع فوق كل محاولات الدس والوقيعة والانتهازية.
هذه أيها الإخوة الأعزاء وقفة وطنية كريمة أسجلها بالتقدير والإعزاز لأبناء شعبنا الكريم, وينبغي أن تكون إحدى القواعد التي يقوم عليها بناء مستقبل الكويت الجديدة بعد التحرير إن شاء الله.
رابعاً: إن القيادة السياسية بعد ساعات قليلة من بدء الغزو العراقي الغادر قد تنبهت إلى مخطط النظام العراقي من تحركات قواته واندفاعها السريع إلى قلب مدينة الكويت, فأدركت أن هدف العدو في تلك المرحلة كان هو القضاء على قيادة البلاد وتصفية رموزها وأعضاء حكومتها لخلق فراغ دستوري يسهل له تحقيق أهدافه الشريرة وإلباس عدوانه أثوابا زائفة. ولكن الله سلم وانتقلت الحكومة, وعلى رأسها صاحب السمو أميرنا المفدى حفظه الله إلى المملكة العربية السعودية حيث أصبحت في مأمن من يد العدوان.
وهكذا تم بعون الله الحفاظ على الشرعية, وعقدت الحكومة جلستها في اليوم ذاته وواصلت ممارسة سلطاتها وصلاحيتها الدستورية, وشرعت على الفور في تحرك سياسي واسع النطاق شمل إجراء اتصالات مكثفة مع رؤساء الدول والحكومات في البلدان الشقيقة والصديقة وغيرها من الدول, والقيام بالعديد من الزيارات على مختلف المستويات لدول كثيرة في مختلف أنحاء العالم شرحاً لما تعرض له وطننا العزيز من غزو وعدوان غاشم, وسعياً لكسب التأييد العالمي لقضيتنا العادلة.
وكان هذا أيها الإخوة الأعزاء أول فشل للمخطط الإجرامي الذي وضعه النظام العراقي الآثم للقضاء على الشخصية السياسية لدولة الكويت.
خامساً: إن الحكومة سارعت منذ الأيام الأولى للاحتلال الغاشم إلى الاهتمام بالأحوال المعيشية للمواطنين الذين كانوا متواجدين خارج الوطن, فوفرت بقدر الإمكان متطلبات الحياة الكريمة لهم ولعائلاتهم, ثم ضاعفت جهودها لتشمل أيضاً رعاية آلاف العائلات التي اضطرها طغيان النظام العراقي إلى النزوح من وطننا الحبيب, وأسهمت الحكومة بدعم اللجان التي تشكلت على وجه السرعة لرعاية المواطنين في كافة أماكن تواجدهم, وأمنت لهم ولعائلاتهم بقدر الإمكان أسباب الرعاية الاجتماعية من مساكن وخدمات صحية وتعليمية.
ونحمد الله الكريم أن أهل الكويت رغم احتلال وطنهم وخروجهم من ديارهم لم يتعرضوا لذل الحاجة أو هوان الحال, بل ظلوا وسيظلون بفضل الله وبتكاتفهم وتعاضدهم أعزة مكرمين. وقد شهد العالم أجمع أن كويتنا الحبيبة أم رؤوم معطاء لاتنسى أبناءها حتى في أقسى لحظات محنتها.
هذه أيها الإخوة حقيقة أخرى تسجل بالتقدير لكافة أبناء شعبنا الذين أسهموا في هذا الجهد الوطني الذي حفظ لأهل الكويت كرامتهم وعزة أنفسهم.
وأجد لزاماً عليّ ها هنا, أن أسجل عظيم الشكر والامتنان للمملكة العربية السعودية الشقيقة ملكا وحكومة وشعبا, وللأشقاء الكرام في سائر دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الشقيقة, الذين فتحوا لنا قلوبهم وأرضهم وبيوتهم ووقفوا إلى جانبا بغير حدود.
ولاننسى كذلك أشقاء لنا على امتداد العالم العربي والإسلامي وفي مقدمتهم جمهورية مصر العربية الشقيقة لما قدموه لأبناء شعبنا من رعاية أخوية واستضافة كريمة. وهذه أيها الإخوة وقفة شهامة ومروءة ستظل تذكرها أجيالنا بالتقدير والعرفان.
إخواني وأبناء وطني الكرام ...
لقد حرصنا منذ الأيام الأولى للأزمة التي افتعلها نظام الحكم العراقي قبل تنفيذ خطته المبيتة لغزو واحتلال وطننا, حرصنا على السعي لحل الخلاف الذي اختلقه النظام العراقي في الإطار العربي, فاقترحنا في حينه عرض الخلاف على لجنة تحكيم من جامعة الدول العربية, ولكن الجانب العراقي لم يقبل اقتراحنا ورفض حل الخلاف في الإطار العربي, وأصر على حله ثنائياً ليفرض إرادته علينا, ثم تجاوبنا بروح أخوية مع المساعي الكريمة التي بذلها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وفخامة الرئيس محمد حسني مبارك وشاركنا بحسن نية في لقاء جدة مع الجانب العراقي سعيا لحل الخلاف في الإطار العربي. وأبدينا في ذلك اللقاء استعدادنا لمواصلة الحوار مع الجانب العراقي في بغداد ثم في الكويت, ولكن النظام العراقي كان حريصا على إفشال كل المساعي والجهود المبذولة لحل الخلاف, إذ سارع بعد ساعات معدودات من لقاء جدة إلى غزو الكويت واحتلالها دون إنذار أو تحذير.
وأصر النظام العراقي بعد ذلك على رفض الحل العربي بالانسحاب من الكويت وعودة الشرعية, حيث رفض تنفيذ قرار مؤتمر القمة العربي الطاريء الذي عقد في القاهرة في 10 أغسطس 1990م, كما أصر على رفض الحل الإسلامي برفضه تنفيذ قرار مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية. ثم أصر على رفض تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي التي أدانت عدوان النظام العراقي على دولة الكويت, وطالبته بالانسحاب الفوري غير المشروط من جميع الأراضي الكويتية وأعلنت دعمها للسلطة الشرعية لدولة الكويت.
ومن المؤسف حقاً أن نسمع بين حين وآخر أصواتاً عربية تخرج على العالم باقتراحات ومبادرات تدعو إلى حل عربي للأزمة. ونحن نقول لأصحاب هذه الاقتراحات والمبادرات إن الحل العربي موجود, والحل الإسلامي موجود والحل الدولي موجود, فليبادر النظام العراقي إلى تنفيذ أي واحد من هذه الحلول, وهي متطابقة تدعو إلى الانسحاب الكامل وعودة الشرعية الكويتية ... وإذا كنتم صادقين في السعي لحل الأزمة في الإطار العربي فلماذا لاتطلبون من النظام العراقي أن يسحب قواته من دولة الكويت? ولماذا لاتعلنون صراحة رفضكم وإدانتكم للعدوان العراقي على دولة الكويت? وهل الحل العربي يجيز أن تعتدي دولة عربية على دولة عربية أخرى وتحتل أراضيها وتشرد شعبها وتعمل على محو شخصيتها السياسية وتغيير تركيبتها السكانية بتهجير أهلها وجلب عناصر بديلة تحل محلهم? هل هذا هو مفهوم الحل العربي? وهل هذه هي الأخلاق العربية والمباديء القومية والقيم الإسلامية?
إن احتلال النظام العراقي الغادر للكويت لم يعد مشكلة كويتية ولامشكلة خليجية أو عربية فحسب, إنما صار مشكلة عالمية وقفت فيها شعوب الدنيا كلها معنا ترفض العدوان الذي وقع علينا وتؤيدنا وتدافع عن حقنا وتحتشد بكل قواها لدحر العدوان وإعادة الحق المغتصب إلى أصحابه.
ومع أن الكويت لم تعد طرفاً وحيداً في المواجهة مع العدوان العراقي الغاشم, فإن موقفنا الثابت الذي أعلناه من قبل يقوم على الأسس التالية:
أولاً: إن سيادة دولة الكويت واستقلالها وسلامة أراضيها مسألة غير قابلة للتفاوض أو المساومة.
ثانياً: إننا لانقبل أي حل يقل عن التنفيذ الكامل لقرارات مؤتمر القمة العربية الطاريء بالقاهرة وقرارات مجلس الأمن الدولي, التي دعت كلها إلى الانسحاب الفوري غير المشروط للقوات العراقية من جميع الأراضي الكويتية, وأكدت دعمها لعودة السلطة الشرعية لدولة الكويت.
ثالثاً: إننا نحتفظ بحقنا في طلب التعويض من النظام العراقي عن كل ما ألحقه ببلدنا وشعبنا من أضرار مادية ومعنوية وكل ماسلبه من أموال الكويت.
رابعاً: إن انسحاب القوات العراقية غير المشروط من جميع الأراضي الكويتية يجب أن يسبق أية محاولات لتسوية الخلاف الذي افتعله النظام العراقي قبل عدوانه على الكويت مباشرة, أو أية مسائل أخرى كانت معلقة بين دولة الكويت والجمهورية العراقية قبل الغزو العراقي لدولة الكويت.
إخواني وأبناء وطني الأعزاء..
إن وطننا العزيز يرزح تحت وطأة احتلال النظام العراقي الآثم, وإن أبناء شعبنا الأبي يتعرضون ليل نهار لأقصى صنوف البطش والتنكيل على يد طاغية بغداد وزمرته الباغية التي عاثت في ديارنا الآمنة فساداً, تقتل الأبرياء وتنتهك الحرمات, وتعتدي على بيوت الله وتسلب كل ماتصل إليها أيديها من المال والمتاع, وتنهب المتاجر والبنوك وحتى المدارس والمستشفيات.
إن أمنا الكويت تستغيث بنا جميعاً طالبة النجاة والخلاص من الوحوش البشرية, الذين دنسوا برجسهم ترابها الطاهر.
إن الواجب الوطني يقتضي منا جميعا أن نتفرغ لتحقيق هدف واحد لاثاني له وهو التحرير.
التحرير هو الغاية التي يجب أن تتركز عليها, ومن أجلها كافة جهودنا وجميع نشاطاتنا.
التحرير هو المطلب الأسمى الذي يجب علينا جميعا أن ننذر لبلوغه أنفسنا وكافة طاقاتنا.
التحرير يجب أن يكون الشغل الشاغل الذي يستحوذ على فكرنا وكافة اهتماماتنا في ليلنا ونهارنا, وفي صحونا ومنامنا.
ومن أجل التحرير وعلى درب مسيرته, هناك أهداف يجب أن نحرص عليها وصولاً إلى هدفنا الأعلى وهو تحرير وطننا من ربقة الاحتلال الغاشم وهي:
1 - دعم صمود شعبنا في الداخل وتعزيز قدرته على البقاء في أرض الوطن ومقاومة الاحتلال وإحباط المخطط الإجرامي الهادف إلى تهجير أبناء شعبنا من ديارهم.
2 - المحافظة على مصالح شعبنا وتلبية حاجاته المعيشية وهو يواجه ظروفاً عصيبة في أمنه وإقامته ومعيشته وتعليم أبنائه ورعايتهم صحيا واجتماعياً.
3 - المحافظة على استمرار الشرعية الكويتية, وإبلاغ العالم كله أن الكويت المستقلة لاتزال حية ولاتزال حرة ولاتزال تعمل كما كانت تعمل. وهذا يقتضي مواصلة التحرك السياسي والدبلوماسي وتكثيف الجهد الإعلامي لتعزيز موقفنا وخدمة قضيتنا, التي يجب أن تظل القضية الأولى في اهتمام العالم حتى يتحقق التحرير بعون الله.
4 - مواصلة الاستعداد للعمل العسكري, سواء من جانب قواتنا المسلحة التي أعادت تنظيم صفوفها وأخذت مواقعها بين القوات الدولية المشتركة, أو من جانب أبناء شعبنا المدربين والقادرين على حمل السلاح ليكونوا جميعاً في طليعة قوات التحرير.
إخواني وأبناء وطني ..
إذا كان التحرير هو هدفنا الأول والأخير في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ وطننا العزيز, فإن الوحدة الوطنية هي سبيلنا إلى التحرير وهي سلاحنا الأهم والأقوى, فلاتحرير بدون وحدة وطنية. فلنحرص على وحدتنا الوطنية ولنعمل على تعزيزها وصيانتها فهي القاعدة الصلبة التي ستبنى عليها كويت المستقبل .. نبنيها معا بفكرنا وسواعدنا وجهودنا وإخلاصنا وتعاوننا وحبنا لكويتنا الحبيبة.
وإذا كانت حرية التعبير عن الرأي حقاً تعارف عليه مجتمعنا منذ نشأته, وأكده دستورنا الذي نتمسك به ونحرص عليه, فإنه ليس من الوطنية ولامن حرية الرأي - وخاصة في ظل احتلال العدو لأرضنا ووطننا - أن يسيء أحد إلى وحدتنا الوطنية أو يعمل على تشويه صورة كفاح شعبنا.
إننا نؤمن بأن التطور الطبيعي من سنن الحياة, وأن ثمة دروساً كثيرة يجب أن نتعلمها من محنة الاحتلال الذي يرزح تحته وطننا وشعبنا والذي نعانيه جميعا ليل نهار.
إن القيادة السياسية التي كانت دائماً هي الأقرب إلى قلب شعبنا والأكثر إحساساً بنبضه, وحقيقة مشاعره - لن تتواني عن التفاعل مع أماني شعبنا والتجاوب مع طموحاته بعد تحرير وطننا وعودتنا إلى أرضنا وديارنا بعون الله.
إن أهدافنا التي نريد أن نحققها كبيرة وعظيمة بعد تحقيق النصر وإنسحاب الغزاة, وإن الكويت التي دافع عنها الشعب الكويتي كله ستحتضن الشعب الكويتي كله, وستقوم الكويت في ظل دستور 1962م بتعزيز الديمقراطية وتعميق المشاركة الشعبية التي كانت ولاتزال هدفا نسعى إليه ونجتهد في تحقيقه.
ولقد أثبتت المرأة الكويتية أماً وأختاً وزوجة وابنة, كمقاومة في الداخل وكرافضة للاحتلال في الخارج بأنها »أخت الرجال« فإليها وباسمكم التحية والإكبار, وإنني على يقين أنها سوف تقوم بدور أكبر ومساهمات أجل في الكويت المحررة.
إن هذا الشعب الذي سطر بدمه وكفاحه وصموده البطولي صفحات مشرفة في مقاومة العدوان ورفض التعاون أو التعامل مع قوات الاحتلال الآثم, وضرب بمحض إرادته أمثلة رائعة في الولاء لوطنه والوفاء لأميره والالتفاف حول قيادته - لايمكن أن يجزى على ثقته إلا بمزيد من الثقة وعلى محبته إلا بمزيد من المحبة وعلى وفائه إلا بمزيد من الوفاء و}هل جزاء الإحسان إلا الإحسان{.
إن الهدف من هذا المؤتمر كما جاء في نص الدعوة الموجهة إلى كل واحد منكم هو التشاور فيما يعود بالخير على وطننا العزيز وشعبنا الكريم, ويعزز كفاحنا الوطني من أجل تحرير كويتنا الحبيبة وطرد الغزاة المعتدين, وكذلك تبادل الرأي لما فيه مصلحة الوطن والمواطنين في هذه المرحلة المصيرية من تاريخنا. وإن من حق القيادة بل من واجبها أن ترجع إلى الشعب تسترشد برأيه وتستعين بتقييمه للأمور, وتستمد منه المشورة والقوة لمواصلة مسيرة الكفاح والتحرير.
فلتتلاق على حب الكويت قلوبنا, ولتتضافر في سبيل تحريرها جهودنا, ولتتعاون في رفع راية الجهاد سواعدنا, ولنتعاهد أمام الله تعالى على التضحية بأرواحنا وأموالنا دفاعاً عن كويتنا الحبيبة .. كويت المحبة والوفاق والسلام والأسرة الواحدة التي اغتصبها البغاة المعتدون, ولنمض على سبيل الجهاد والتحرير إخوة متعاضدين مؤمنين صابرين مترابطين لاتختلف لنا كلمة ولايشغلنا عن واجبنا المقدس شاغل, حتى يتحقق نصر الله, ويزول الرجس الآثم عن أرض الكويت, ويرتفع فوقها أبداً علمنا حاملاً رموز الأمن والأمان والمحبة وكل المشاعر الإنسانية النبيلة, التي طالما جمعت الكويتيين ومن وفد إليهم من العرب والمسلمين وسائر الشعوب, مؤمنين كل الإيمان أن الله معنا وأن يده فوق أيدينا, وأن شعوب الدنيا تقف بجانبنا تدين العدوان وتعمل على رده في إجماع دولي لم يشهد له التاريخ مثيلاً, مؤكدة على نصرة الحق ودعم الشرعية والضرب على يد المعتدين.
إن قوات النظام العراقي الآثم التي احتلت أرضنا قد عجزت عن احتلال إرادتنا, وإن جيوش طاغية بغداد التي غزت وطننا وسلبت حرية شعبنا قد فشلت في إخضاع عزيمتنا, وأن دبابات العدو الغادر التي نشرت الموت والدمار في ديارنا قد أخفقت في قهر إيماننا أو النيل من صمود شعبنا.
ولقد أثبت شعبنا القليل في تعداده الصغير في حجمه أنه كبير بإيمانه عظيم بعزيمته وصلابته وصموده, وإلى أبناء شعبنا الصامدين في وطننا الحبيب نقول: إنا معكم .. معكم دائماً .. بقلوبنا وأفكارنا ومشاعرنا وكل جوارحنا .. معكم في كل ساعة وفي كل حين .. نتألم لآلامكم ونعاني لمعاناتكم .. نحيي صمودكم.. ونشيد بصلابة عزيمتكم. ونعتز ببطولاتكم ونفخر بمقاومتكم للعدو.. نعانقكم على البعد, ونشد على أيديكم التي صنعت أروع البطولات وأنارت السبيل لمسيرة الكفاح والتحرير. وكنا نود أن تكونوا اليوم معنا في مؤتمرنا هذا تبعثون بوجودكم بيننا إشراقة الأمل والثقة بالتحرير والعودة .. ندعو الله دائما لكم بالسلامة والنصر المبين, ونسأله تعالى أن يجمعنا بكم قريبا على أرض كويتنا الحبيبة وقد تطهرت من دنس الغزاة المعتدين }فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون{.
ولسوف يستمر ويتعزز صمود شعبنا, وتنتصر إرادتنا, وتعلو بعون الله كلمتنا, وترتفع رايتنا, ونحرر أرضنا, ونطرد المعتدين من بلادنا, ولسوف ينحسر ظل البغي والعدوان عن ديارنا ونعود إليها فائزين آمنين مطمئنين إن شاء الله.
}ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم{
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة والله وبركاته
رد مع اقتباس