عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 22-03-2008, 09:13 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي


و (المطارة) أيضاً هي إناء اسطواني الشكل عرفه الناس في الثلاثينات محاط من الخارج بغلاف معدني ومن الداخل بغلاف زجاجي ذو مقاسات مختلفة أوسطها ارتفاعه 30 سم وقطر فوهته 12 سم توضح بداخله كتل الثلج بعد تكسيرها ويحكم عليها الغطاء فتحفظه عن الذوبان مدة من الزمن قد تستغرق يوماً أو أكثر.

ولتلك (المطاطير) ألوان متعددة وأحجام متنوعة وأشكال متميزة، أشهرها (ماركة النسر) وتسمى أم نسر.

وسواء كانت (المطارة) من هذا النوع أو ذلك فإنه لا مكانة لها فوق (الحب). لأن (الحب) وحده فهو جدير بتبريد المياه وهو (كالغرشة والبرمة) تلك الآنيتين المصنوعتين من الفخار والتي لا يخلو بيت من البيوت القديمة منهما لأنه وجد فيهما الحل الأفضل إلى تبريد المياه.

وعموماً فالقصيدة جاءت معبرة بعض الشيء عن المياه العذبة التي امتازت بها قرية (حولي) فترة من الزمن.

وما دمنا بصدد الحديث عن مياه قرية (حولي) فلا بد من ذكر شيء عن السدود المجاورة لها.

فمن ناحية سد النقرة فهو سد يقع بين أرض النقرة الشمالية وبين أرض الدعية وهو كائن على طريق (حولي) ويبعد عنها قرابة (ثلاثة كيلو مترات) ويسميه البعض (سد النقرة) مثلما جاء في كتاب (الموسوعة الكويتية) لمؤلفها الأستاذ حمد السعيدان حيث قال:-

سد النقرة:

سد لتجميع مياه الأمطار أمر بحفره الشيخ سالم الصباح سنة 1917م ويعرف بسد النقرة، عندما تنزل الأمطار تنحدر المياه لذلك السد ويأتي السقاءون لنقل الماء من السد وبيعه للأهالي وينادي بائع مياه السد بقوله (ماء السد.. ماء السد). (انتهى).

ثم يأتي بحكايته عن اتفاق والده مع بعض أصدقائه لجلب الماء من هذا السد إلى بيتهم بواسطة التنكات وتكلم عن محاولته العوم بمياهه وكاد يغرق ويقول إن هذه الحادثة تذكره بأن السد كان موجوداً حتى عام 1953م.

وبالفعل فإن هذا السد هو عبارة عن أرض منخفضة، وقد حفرت علاوة على انخفاضها، ثم حفر فيها مجموعة من الآبار حيث استغلت الأطيان والأتربة الناتجة من تلك الحفريات في وضعها خلف الحفرة على استطالتها لتكون حاجزاً يمنع المياه من التسرب إلى بحر الدعية وحينما تنحدر السيول من البراري المرتفعة المحيطة بهذا المنخفض تتجمع به بعد أن تمتلئ الآبار ثم تفيض المياه لتصل في بعض الأحيان إلى عمق غير قليل بسبب هذا الحاجز الطيني المرتفع الذي يرتقيه الصبية (والكشاتة) ويمشون عليه للاستكشاف والتمتع بمشاهدة مياه السد وما يحيط بها من أعشاب وزهور. (انظر لوحة السد) وأذكر أنه في عام 1946م تقريباً ذهبنا خلف (حاجز السد) هذا للبحث عن (الفقع) وبالفعل حصلنا على أعداد قليلة منها وصغيرة جداً حملناها معنا إلى أهلينا وكأننا فزنا بفوز عظيم ومكسب ثمين.



ومياه السد تظل لمدة طويلة ليستقي منها الأهالي في (حولي) تحمل إليهم بواسطة القرب على ظهور الجمال وعند كثرتها قد تصل إلى أهالي المدينة يشترونها من السقاة وأغلبهم من الحمارة أي أصحاب الحمير.

أما عن (سد الشعب) فإنني لم أسمع عنه ولم أعرف مكانه وعندما سألت عنه لم أحصل على فائدة تامة بأن هناك سد يسمى بهذا الاسم بخلاف ما هو معروف (بسد النقرة) أو (سد الدعية) كما يسميه البعض ولكن يقتضي التكرار هنا لذكر ما جاء في كتاب (تاريخ الكويت) لمؤلفه المرحوم الشيخ عبد العزيز الرشيد حيث تحدث في معرض كلامه عن (الشعب) وما يحيط به من كثبان الرمال، أن الشيخ سالم المبارك الصباح قد أقام فيه سداً من الرمل ليحفظ ماء السيل الغزير الذي ينحدر من أعلى الوادي فيبتلعه البحر وبذلك حفظ الماء وعاد السد بفائدة كبيرة، ولو أقامه من الحجارة لكانت فائدته أعظم.

توفي سالم فحل محله فيه نجله الأكبر سمو الأمير الجليل الشيخ عبد الله السالم الصباح وقد بذل همه في إصلاحه يعني (سد الشعب) حتى فاق ما كان عليه أيام أبيه وحتى امتزج جماله الصناعي بجماله الطبيعي. (انتهى) قول المؤرخ.

أقول إن بقراءة ما كتبه المؤرخ المرحوم الشيخ عبد العزيز الرشيد عن (سد الشعب) نعلم أن المؤرخ لا يقصد (سد النقرة أو الدعية) المعروف والذي تكلمنا عنه في بداية الحديث إذا يبعد عن (الشعب) بمسافة (كيلومترين) تقريباً. أما السد الذي قصده لا شك أنه قريب من قصر الشعب وأظنه كائن قبيل نهاية (بحرة حولي) التي جاء ذكرها في هذا الكتاب وهي كما قلنا مجرى ماء مطر يصب في البحر عند نهاية الشعب وعليه فإن هذا السد (سد الشعب) قد اندثر رسمه وانمحى ذكره منذ زمن طويل على الرغم من اعتناء وإصلاح الشيخ عبد الله السالم له بعد وفاة والده كما جاء على لسان المؤرخ.

وللاستزادة من المعلومات عن هذا السد فقد قمت صباح يوم السبت 23/3/1985م بإجراء مقابلة مع الشيخ عبد الله الجابر الصباح فاستقبلني مشكوراً في مكتبه بقصر السيف العامر وتكرم بالإجابة على أسئلتي عن قرية حولي ومن ضمنها قال:-

إن هذا السد بناه الشيخ سالم المبارك الصباح جنوب قصر الشعب من صخر البحر، ليستقبل السيول الزاحفة عليه من الأراضي المرتفعة والتلال المحيطة بالمنطقة حينما تنهمر الأمطار متخذة (بحرة حولي) طريقاً لها لتؤدي إليه. فيحول هذا السد دون تسربها إلى البحر، فتتجمع عنده لتكون مورداً جيداً للناس الذين هم في وقتها بأمس الحاجة إلى مثل هذه المياه. (انتهى).

وأما سكان قرية حولي سواء الدائمون فيها أو النازحون إليها للاستجمام فإنني كما عرفتهم في أواخر الثلاثينات والأربعينات يجلبون مياه شربهم من (سد النقرة) تنقله إليهم الجمالة المتخصصون ببيع الماء، فيحمل الجمل قربتين كبيرتين تتدليان على جانبيه وتسمى القربة من هذا النوع (راوية).

هذا بالإضافة إلى استعمالهم لمياه الأمطار عندما تنهمر في مواسمها المعروفة وتكون مستنقعات وخباري يستقي منها الناس فينقل إليهم بواسطة الحمير من الأماكن المجاورة ليبيعونه عليهم بأثمان زهيدة نظراً لتوفره وسهولة نقله. حيث ترى الحمارة يعملون طوال نهارهم لا يفترون، واضعين نوعاً من الطاسات الملونة (الملبس) على رؤوسهم كأنها الخوذ أو القبعات لكي يستعملونها في عملية غرف الماء من مستنقعه ليصبوه في قربهم التي يحمل كل حمار منها ثلاث قرب فقط.

ومما يذكر أن عند بداية (بحرة حولي) بئر أو أكثر تكون مياهه عذبة عند توفر الأمطار، وفي غير ذلك فيتغير طعمه ولا يكون صالحاً إلا للبهائم.

كما أنه يوجد بالقرب من قصر الشعب بعض الآبار ذات المياه العذبة يرتوي منها سكان القصر ويستغلونها لأغراض الزراعة وغيرها. ولا عجب في ذلك لكونها محفورة في أسفل مصب السيل وهي أرض منخفضة.

هذا ولكل منزل من منازل القرية عمليه الخاص الذي يزوده بالمياه كلما دعت الحاجة إلى ذلك. أما في أوقات الشدائد وقلة المياه فإن العميل لا يستطيع القيام بواجبه نحو زبائنه فحينها تتأزم الحال ويكون الناس في مأزق فيضطر الكثير منهم إلى جلب مياهه من برك المدينة على ظهور الحمير مما يكلفه الكثير.

ولا ننسى أن عدداً من البيوت يملكون حماراً أو أكثر لاستغلالها في جلب المياه خاصة في وقت الأزمات التي يكون فيها الماء شحيحاً.

ولكي يوفر الناس مياه شربهم ويحافظون عليها من التبذير فلا يستعملونها إلا للشرب والطبخ فقط، فقد صار كل بيت من بيوت القرية لا يخلو من قليب يحفر في أحد أركانه -كما هو الحال في مساكن المدينة- تستغل مياهه في أعمال الغسل والوضوء والتنظيف وما إلى ذلك. ولكن آبار قرية حولي يكون مياهها أصلح للزراعة من مياه آبار المدينة المرة، وقد يختلف ذلك من مكان لآخر.

بيوت حولي وسكانها

إن الناس قديماً قد تعارفوا على أن قريتهم تنقسم إلى قسمين رئيسيين :

(1) حولي شرق.

(2) حولي جبلة (يعني قبله) (والقبله في الكويت هي جهة الغرب تقريباً).

ويفصل بينهما شعيب يسمى (البحره) وهي أرض منخفضة نوعاً على شكل حرف (ر) تجري بها سيول الأمطار، وتمتد من جنوب (حولي) حيث (صيهد بيان) منحدرة إلى الشمال. ثم تنعطف شرقاً نحو البحر المسمى (ببحر الشعب) ويخترق هذه (البحرة) من ناحيتها الشمالية بعض الطرق الترابية الفسيحة والتي تسمى (يواد) والمفرد (يادة) أي جادة. وجميعها تؤدي من المدينة إلى قرية حولي ثم تتعداها إلى الأراضي والقرى الجنوبية التي تسمى (القصور).

وأهم هذه الطرق، الطريق المؤدي إلى القرى الساحلية (كالدمنه والراس) وغيرها، والطريق الذي يخترق بيوت (حولي) ليوصل إلى قصر بيان ثم إلى قرى (القصور) أيضاً. وهذا الطريق في وقتنا الحاضر هو (القسم الجنوبي من شارع المثنى) ولنا معه بحث قادم تحت عنوان (جادة حولي وذكرياتي حولها).

أما جهة (شرق حولي) فإن معظم البيوت فيها قد استملكتها أو استأجرتها عائلة القناعات إذ هم من أوائل المؤسسن والساكنين فيها من الحضر وأخص بالذكر عائلة المسلم وقد سمعت ذلك على لسان المرحوم خليفة عبد الله المسلم المتوفي في نهاية الخمسينات عن عمر يناهز التسعين عاماً.



حيث أن الأرض التي أقاموا عليها مساكنهم كانت مزرعة للمرحوم باتل المرشاد وأنه هو الذي غرس أثلتهم المشهورة ولا يزال (شرق حولي) إلى يومنا هذا وبعد أن هجره ساكنوه وتغيرت معالمه لا يعرف إلا (بحي القناعات) وقد شاركهم السكنى في (شرق حولي) الكثير من العائلات الكويتية سواء بالتملك أو الإيجار ومنهم على سبيل المثال لا الحصر : بيت المنير، بيت الباتل، (وهم من أوائل المؤسسين)، بيت الجويدان، وبيت علي بن عيسى، بيت المجاوب، بيت الحساوي، بيت المزيد، بيت الشايجي، بيت الرشود، بيت الرخيص، بيت عواد، بيت هزاع، بيت العصفور، بيت بن جيران، بيت القطان، بيت الهاشم، بيت باقر، بيت جمال، كما وفي (شرق حولي) منازل وأرضين ومزارع للشيخ عبد الله الجابر الصباح والشيخ عبد الله الخليفة الصباح والشيخة موضي المبارك الصباح ومزرعة لابن عويد وغيرهم.



وعلى الجادة الرئيسية دكانين أو أكثر لعائلة المسلم أحدهما خباز والآخر بقال وهذان لم يدوما طويلاً لقلة زبائنهما وصعوبة العمل في القرية.

وأما جهة (جبلي حولي) فإنها آهلة بالسكان أيضاً شأنهم كشأن سكان الجهة الشرقية يخرجون إلى بيوتهم في فترة الربيع ومنهم من يقيم إقامة دائمة حسب اختياره وعلى ما رأيت فإن هذه الجهة لا تتوفر بها الأشجار كما هي متوفرة بكثرة في الجهة الأولى، وعلى ما يذكر فإن فيها بعض الأثل (كأثل بن بحر) الذي يرتاده هواة صيد الطيور (أهل الحبال) ليصطادوا عنده، ومن هذه البيوت: بيت أحمد مدوه، وبيت إبراهيم المضف، وبيت حمد الرشيدي، وبيت أولاد علي العبدان، وبيت سليمان العتيبي، وبيت سعود بن صعيليك، وبيت موسى المزيدي، وبيت بودي، وبيت محمد بن سليمان، وبيت بن عقاب، وبيت حماده، وبيت أبل، وبيت رجيب، وبيت المباركي، وبيت العميم، وبيت الرويح، وبيت الشرهان، وبيت بو ربيعان، وبيت الخبيزي، وبيت الحاج علي، وبيت الخشرم، وبيت الشويش، وبيت المساعيد، وبيت عبد الرحمن البحر، وبيت مساعد البدر، وبيت الرشيدان، وبيت محمد بداح، وبيت عبد العزيز اعويد، وبيت الفصام، وبيت الرشود، وبيت الساير، وبيت الصانع، وبيت الثويني، وبيت حجي علي، وبيت السداني وغيرهم كثير.

وتمتاز بيوت قرية حولي عن بيوت المدينة برحابتها وتباعد أبوابها وانخفاض أسوارها وسعة طرقها ورخاوة أرضها مع صلاحيتها للزراعة كما وأن نمط بنائها يختلف اختلافاً كلياً عن نمط بيوت المدينة. إذ أن البيت يبنى من الطين فقط ويسمى هذا النوع من البناء (العروق) والطين يجبله الحمارة من الأماكن القريبة الخالية المسماة باسم (المطينة). فيحوط أولاً بسور قليل الارتفاع لا يتعدى ارتفاعه عن (مترين) ثم تبنى بحذاء أسواره بعض الأكواخ المبسطة التي تسمى (كباره) والمفرد (كبر).



وكان (الكبر) بمثابة الحجرة في بيوت المدينة إلا أنه أصغر منها مساحة، وسقفه هرمي الشكل يتكون من الأخشاب (الجندل وجريد السعف والبواري) تطوقه حبال فتتدلى منه ليربط في أطرافها بعض الأثقال التي تثبته وتحميه من الرياح. كما وله باب بسيط ونوافذ صغيرة بدائية. ولكن السكنى به فلا يعادلها شيء وذلك لضعف أحوال الناس من جهة ولقناعتهم بما هو متيسر.

وهناك بعض من الناس المقتدرين من يبنى غرفاً كاملة تناسب وضعه المالي فيحمي جدرانها الخارجية والداخلية بالجص الأبيض ويضع لها الأبواب والشبابيك المناسبة ويبنى على أرضه بعض المرافق الضرورية كالمطبخ وبيت الخلاء ثم يقوم بالزراعة وغرس الأشجار كالسدر والأثل ليضفي على منتجعه الكثير من البهجة والسعادة.

ومما أحب تبيانه أن الكثير من الأرضين في قرية (حولي) كانت منذ بدايتها مستملكة بوضع اليد لبعض البدو وأخص منهم قبائل (الرشايدة) فأخذوا يبيعونها على من يود السكنى من أهالي المدينة. وكثير منهم كانوا يبنون البيت على مراحل زمنية وعلى طريقتهم البدائية المبسطة كالتي ذكرتها في الصفحات السابقة بتعاون تام فيما بينهم، ثم يعرضونها للبيع فإن لم تجد رواجاً فتؤجر على من لا يستطيعون التملك أو لا يرغبون فيه بل يفضلون الاستئجار.



فمن البيوت ما يحتوي على ثلاثة (كباره) أو أقل أو أكثر فتستأجر ليمكث بها مستأجروها فترة الربيع فقط ثم يتركونها لأصحابها الذين غالباً ما يسكنون فيها طوال باقي أشهر السنة أو قل أشهر الصيف. وأما شتاؤهم وربيعهم فيقضونه مع مواشيهم في البراري البعيدة عن (حولي) حيث وفرة العشب والمياه إن شاؤوا ذلك وإلا قضوه في (حولي) للاختلاط بأهل المدينة من الحضر والاستئناس بهم.

ومما يستوقفني أنه في عام 1941م تقريباً عرض علينا بيت للبيع محاط بسور ويحتوي على ثلاثة كبارة بمبلغ خمسين (روبية) أي بما يعادل أربعة دنانير في وقتنا الحاضر فأبينا شراءه متحججين بأن فيه حفرة (مع أنها قليلة العمق) وأن سيله لا يخرج منه إلى الطريق. وقد نكون على حق إذا علمنا أن عملية دفن هذه الحفرة الصغيرة يكلفنا مبلغاً قد لا تتحمله ميزانيتنا المنعدمة آنذاك.



أشجار السدر

بما أن أشجار السدر تتواجد بكثرة في حولي فإن بعض أهل البيوت التي تتواجد فيها مثل هذه الأشجار درجوا على بيع ثمار أشجارهم وهو النبق -المسمى لدينا (كنار)- على الأهالي الذين حرموا من زراعة هذا النوع وخاصة على الصغار وهم يحبون أكله ويقبلون عليه. كما ويجمعون أوراق السدر المتساقطة من تلك الأشجار للاستفادة منها ببيعها أو حفظها بعد تجفيفها وطحنها ونخلها. وعند الاستعمال تعجن بماء ولو كان غير صالح للشرب كمياه البحر أو مياه الآبار فتتكون منها عجينة يدعك بها الناس رجالاً ونساءاً وأطفالاً شعورهم وأجسادهم عندما يهمون (بغسل رؤوسهم) أي الاغتسال، فيعمل هذا السدر على تنظيف البدن وإزالة ما علق به من روائح وإكسابه حيوية ورائحة زكية يحبها الأقدمون فضلاً عن أنه يعوض معاض الصابون، إلا أن الصابون لا يستعمل إلا مع المياه العذبة وهي عزيزة في تلك الأيام ولا أحد يقدم على الاستحمام بها لصعوبة الحصول عليها. أما السدر فيستعمل مع أي نوع من المياه سواء المالحة منها كمياه البحر أو المياه المرة أو قليلة العذوبة كمياه الآبار المتواجدة في كل بيت من بيوت الكويت.

ومن ضمن استعمال السدر فإن الناس في الكويت لا يغسلون موتاهم إلا بالسدر وهو أمر متعارف عليه بين سكان الجزيرة العربية والخليج ومتوارث بينهم من قديم الزمان وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نوه عن استعمال السدر في غسل الميت كما جاء في كتاب الجنائز. كما وأن للشاعر العربي مالك ابن الريب قصيدة يرثي بها نفسه وجاء ذكر السدر في أحد أبياتها فقال:-

وقوما إذا ما استل روحي وهيئا لي السدر والأكفان ثم ابكيا ليا



هذا ولأشجار السدر فوائد أخرى كالاستظلال بظله خاصة في أيام الحر، واستغلاله في صيد الطيور بشتى وسائل الصيد، ومنها تلطيف الجو وإكساب القرية بالخضرة الدائمة. كما وتستعمل أغصانه ومخلفاته للوقود، علاوة على أنه مرعى طيب للأغنام يحبونه ويقدمون على أكله.

الأماكن المشهورة في حولي

لقد اشتهر في قرية حولي بعض من الأماكن والبقع عرفها الناس وصاروا يحددون بواسطتها بيوتهم وأراضيهم كأن يقولوا: إن بيت فلان قرب أثلة فلان أو بحذاء المسجد الفلاني أو مقابلاً للمطينة وما إلى ذلك من تلك الأماكن المعروفة مع قلتها. ومن هذه الأماكن:-

مساجد حولي:

(1) مسجد بيان

إنه باعتقادي ومن خلال تساؤلاتي لم تشتهر قرية حولي ولم يكثر سكانها إلا بعد عام 1931م أي حينما أنشأ بها المرحوم الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت العاشر قصره المسمى (بيان) والذي لا يبعد عن بيوت القرية سوى (كيلومتر واحد) تقريباً حيث ألحق به مسجداً يهرع إليه المصلون من جميع أنحاء (حولي والنقرة) لأداء صلوات الجمع فقط وخاصة عند تواجدهم بكثرة خلال فترة الربيع مشياً على الأقدام.

فالمصلون من الناس يومها مضطرون لقطع مثل هذه المسافة الطويلة لأداء صلوات الجمع. لأنه هو المسجد الوحيد في القرية الذي يعنى بمثل هذه الصلوات. وكان خطيبه يومئذ إبراهيم بن عبد الله بن خالد العدساني ابن قاضي الكويت.

وأما في باقي الأيام والفروض فيظل المسجد مفتوحاً لمن يريد الصلاة فيه من الأمير وحاشيته وزائريه ومن إليهم في أوقات تواجدهم هناك ويؤمهم صاحب القصر الأمير.

وقد جاء بناء هذا المسجد على نمط بناء ما يسمى بالقصر وكلاهما مبنيان بالطين بناءً بدائياً يدل على أن البساطة والقناعة والرضا.

وليس لهذا المسجد أبواب على فتحات مداخله المصممة عفوياً على شكل (T) وهي مظلمة كما تتراءى لناظرها وهو متوجه للمسجد من بعيد. ومما أذكره فإن أرضه غير مفروشة سوى بشيء من الرمل والحصى والنظيف، وهذا شأن المساجد البدائية خاصة كالتي تقام في الجزيرة العربية وكما قرأت أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة كانت أرضه مفروشة بالحصباء أي الحصى أو صغار الحجارة وكذلك الحال في الحرم المكي حتى قبل بضع سنوات خلت فإن أرضه قد فرشت بالحصى إلى أن أزيل وحل محله الرخام.

(2) مسجد مسلم:

ويقع في حي القناعات (شرق حولي) وقد أسسه (أبناء صالح المسلم) عام 1350هـ - 1932م وجددته الأوقاف عام 1949م وكان أول إمام ومؤذن به (المرحوم عبد الله بن علي الياسين) ثم خلفه (المرحوم ملا زيد) إماماً (والمرحوم حمد الدبيبي) مؤذناً. هذا وقد انتظمت به صلوات الجمع بعد تجديده.

(3) مسجد بن عويد:

الواقع على طرف (البحره) من الناحية القبلية فهو يعتبر أقدم مسجد في حولي حيث يقول عنه الأستاذ حمد السعيدان في كتابه (الموسوعة الكويتية): إنه مسجد في حولي أسسه (الحاج عبد العزيز السليمان العويد) سنة 1339هـ 1920م جددته وزارة الأوقاف سنة 1374هـ - 1955م.

(4) وهناك مسجد صغير يقع على الجادة الرئيسية في شرق (حولي) أسسه المرحوم (علي عبدالوهاب المطوع) بعد تأسيس مسجد المسلم بسنتين أو ثلاث سنوات تقريباً.. ويذكر بأن الناس قد صلوا به فترة قصيرة ثم هجر لعدم اتساعه ولا زالت أرضه محاطة بسور إلى يومنا هذا.

(5) مسجد القطان:

ويقول عنه الأستاذ (حمد السعيدان في الموسوعة الكويتية) بأن شارك في تأسيسه (المرحوم مشاري العبد العزيز) حوالي سنة 1946م بينما كانت الأرض (للحاج محمد القطان).

(6) عدا عن تلك المساجد القديمة فإن المرحوم (عبد الحميد الصانع) قد أسس في جهة قبلي حولي مسجداً عام 1950م سمي (مسجد الصانع).

مقابر حولي:

في (حولي) مقبرتان صغيرتان مناسبتان لصغر القرية، الأولى تابعة (لشرق حولي) وتقع بين (حولي وأثل الخالد) ولا زال موقعها حالياً في وسط (ميدان حولي) وكان لا يدفن بها إلا من يقطن القرية بصفة مستديمة كما مر بنا وأحياناً يستعملها الوافدون على (حولي) في فصول الربيع نظراً لقلة المواصلات وصعوبة الظروف.

والمقبرة الثانية وهي صغيرة أيضا ومستديرة الشكل تقع عند الطرف الشرقي لجهة قبلي حولي، قريباً من (البحرة) وهي مخصصة لأهالي (قبلي حولي) والمقبرتان قد دفن فيهما من دفن وامتلأتا في وقت مبكر حتى صارتا لا تستقبلان أحداً وبقيتا على حالهما مهجورتان إلى هذا اليوم.

مدارس حولي:

ما دمت بصدد الحديث عن أماكن (حولي) فلا بد من ذكر شيء عن مدارس القرية التي تعتبر منعدمة في أزمنتها القديمة.

ولكنه في عام 1940م ومما لا أنساه أنني وجدت بالصدفة بيتاً صغيراً مفتوح الباب يقع على الجادة الرئيسية مقابلاً (لمدرسة أم البنين الواقعة على شارع المثنى حالياً) فدعاني فضولي كطفل أن أستكشف ما بهذا البيت، فطللت برأسي وإلا بصبيان صغار جالسين على الحصران وأمامهم معلم يعلمهم شيئاً من الحروف فعرفت أنها مدرسة، فحمدت الله الذي جعلني حراً طليقاً ولم أكن من ضمن طلابها، إذ كنت مجازاً في ذلك اليوم من قبل مدرستي الأهلية داخل مدينة الكويت، ألهو وألعب حيثما أشاء مستأنساً ومتمتعاً بجو الربيع، وهم في نظري كالمحبوسين بين جدران مدرستهم وعصا معلمهم التي لا ترحم، خاصة وأنهم في (حولي) قرية الأنس.

وبعد سنوات طوال وحينما اشتهر الأستاذ الشاعر المرحوم عبد الله سنان عرفت بل وتيقنت وعادت بي الذاكرة إلى أنه هو الذي كان يقوم بتدريس الصغار في تلك المدرسة البدائية المتواضعة.

ولما عزمت على تأليف هذا الكتاب توجهت إليه قبل وفاته رحمه الله لسؤاله فاستضافني مشكوراً وأكرمني خير إكرام وأفادني عن مساءلتي له عن مدرسته تلك فقال: إنه في أوائل عام 1939م تم انتدابه من قبل دائرة المعارف ليكون مدرساً في قرية حولي التي تفتقر آنذاك إلى المدارس نظراً لما بها من أهالي مداومين على السكنى في ربوعها طوال أشهر السنة أو معظمها.



يتبع
__________________
رد مع اقتباس